بادرت قوى المعارضة السورية، بشقيها السياسي والعسكري، إلى جانب الفعاليات المدنية في الداخل السوري وبخطوات متسارعة مؤخراً، إلى إعادة بناء الثقة وردم الهوة بينها وبين بيئتها الشعبية، وذلك لمواجهة الموقف التركي الأخير المتعلق بالمصالحة والتطبيع مع النظام السوري بعد 11 عاماً من القطيعة، والذي عدته المعارضة السورية (ضمنياً) انقلاباً في المواقف ينذر بالخطر.
وترى قوى المعارضة في الداخل السوري أن ثمة مفصلا تاريخيا بدأ في 28 من ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو اليوم الذي عقد فيه كل من وزراء دفاع تركيا والنظام السوري وروسيا في العاصمة الروسية موسكو، اجتماعاً كشف فيه عن مدى التغير المتسارع في الاستراتيجية التركية تجاه النظام السوري والتقارب والتطبيع معه، بعد 11 عاماً من القطيعة السياسية الحادة بين الجانبين، واصطفاف تركيا إلى جانب المعارضة السورية ودعمها بشقيها السياسي والعسكري طيلة تلك الفترة. إذ ترى المعارضة أن الانعطافة السياسية التركية المفاجئة تجاه النظام السوري، هي تحد خطير، قد يفضي إلى اتفاقات ونتائج تضر بمسار القضية السورية، وقد تؤدي إلى بسط النظام السوري نفوذه عسكرياً بالتوافق مع تركيا على المناطق التي تخضع حالياً لسيطرة المعارضة.
لذا بدأت قوى المعارضة السورية (العسكرية والسياسية والإعلامية) بسلسلة خطوات من شأنها ضبط البوصلة في وجه التحديات. وكانت أولى الخطوات، بيانات تندد بالموقف التركي تجاه النظام السوري والمصالحة معه، أصدرتها فصائل إدلب وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام»، صاحبة النفوذ الأكبر على الساحة العسكرية في شمال غربي سوريا التي أكد مكتبها السياسي في بيانه «رفضه واستنكاره أن يقرر مصير الثورة بعيداً عن أهلها لأجل خدمة مصالح دولة ما أو استحقاقات سياسية تتناقض مع أهداف الثورة السورية»، مشددةً على أن «لقاءات ومشاورات الجانب التركي مع النظام السوري تهدد حياة الملايين من الشعب السوري».
وقال القيادي في «الجيش الوطني السوري» أبو أحمد نور: «الموت ونحن نتجرع السم أهون ألف ألف مرة من مصالحة تلك العصابة (النظام السوري) التي دمرت سوريا وأبادت أهلها».
وشهدت مناطق المعارضة وقفات احتجاجية لفعاليات مدنية بينها اتحاد إعلاميي حلب وريفها، ونقابة المحامين الأحرار، إضافةً إلى المجالس المحلية في المدن والبلدات. وتخلل ذلك أيضاً خروج عشرات المظاهرات الشعبية تحت شعار «نموت ولا نصالح الأسد» في مناطق النفوذ التركي (درع الفرات وغصن الزيتون) بريف حلب، ومثلها في مناطق إدلب، خرج فيها الآلاف من المدنيين، عبروا خلالها عن استنكارهم للمواقف التركية الأخيرة تجاه النظام السوري والتطبيع معه.
وبدأ قادة فصائل المعارضة لقاءات مباشرة مع ممثلي الحاضنة الشعبية والقوى والفعاليات في إدلب، بهدف توحيد الجهود والوقوف بوجه التحديات التي تمر بها الثورة السورية، حيث اجتمع زعيم «هيئة تحرير الشام» الجولاني مؤخراً مع عدد من نشطاء الثورة، في مدينة إدلب، وتحدث خلال الاجتماع عن التقارب التركي مع النظام السوري. واعتبر المحادثات الثلاثية بين روسيا وتركيا وسوريا «انحرافاً خطيراً يمس أهداف الثورة السورية»، وأعقبه اجتماع مماثل مع ممثلي المناطق في منطقة باب الهوى شمال إدلب، تحدث خلاله عن الوضع السياسي الراهن وتحول الموقف التركي بالتقارب مع النظام السوري ومحذراً من هذا التقارب.
وقال سامر الحاج أحمد، وهو ناشط في إدلب، أن «جهوداً كبيرة يبذلها الناشطون في إدلب وريف حلب، تهدف إلى توحيد الخطاب السياسي والإعلامي الثوري بموازاة الخطاب العسكري للوقوف بوجه التحديات التي تمر بها الثورة السورية واستدارة تركيا للنظام السوري، وعقد جملة من التحالفات والاتفاقات معه حول عدة قضايا ولا شك أنها بالمجمل ستؤثر على القضية السورية، لطالما أحد أطراف هذه التحالفات هو نظام الأسد أصل المشكلة والقتل والتدمير في سوريا». وأكد أن «ثمة جهوداً أخرى تبذل لعقد اجتماعات متتالية بين قادة فصائل المعارضة وممثلين عن الحاضنة الشعبية للنقاش والتشاور حول الوضع السياسي الراهن الذي يخص المناطق المحررة بما فيهم مصير النازحين، ليكون الجميع في خندق واحد بمواجهة التحديات، كما تتعهد الفصائل بالاستماع لمطالب الشارع الثوري، وإن السلاح الذي تمتلكه هو لخدمة وحماية أهلنا في المناطق المحررة».
ويرى ناشط أن «أجسام المعارضة السياسية السورية المتعددة في الخارج، وعلى رأسها الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض وأعضاء اللجنة الدستورية وغيرها من المؤسسات السياسية في الخارج، باتت عبئاً على السوريين، لعدم قدرتها على قيادة الثورة السورية سياسياً كما ينبغي، مقارنة بتضحيات السوريين، لا سيما أنها فشلت في العديد من المسارات السياسية والتفاوضية مع النظام السوري في أكثر من لقاء ومسار، وأهمها مسارا أستانا وسوتشي اللذان برز فيهما النظام السوري كمفاوض أقوى من المعارضة، رغم جرائمه الفظيعة بحق الشعب السوري، ولا يمكن تجاوز هذه المعضلة إلا بالانفكاك عن معارضة الخارج والتوجه إلى الداخل السوري وخلق جسم سياسي من أبناء الثورة السورية وصفوفها. وليس بإمكان أي جهة دولية إملاء القرارات أو فرض مسارات سياسية تخالف في مضمونها وحلولها أهداف الثورة وثوابتها».
المعارضة السورية تحاول إعادة بناء الثقة مع القاعدة الشعبية لمواجهة الآتي
مواقف ومظاهرات في مناطق النفوذ التركي ضد التقارب بين أنقرة ودمشق
المعارضة السورية تحاول إعادة بناء الثقة مع القاعدة الشعبية لمواجهة الآتي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة