ذكرى سقوط بغداد تطل في معرض فني بالرياض

إيلاف الألوسي لـ «الشرق الأوسط» : خرجت من العراق عام 2004 لأرسم تداعيات المشهد

رؤية فنية تطمح لغد أفضل
رؤية فنية تطمح لغد أفضل
TT

ذكرى سقوط بغداد تطل في معرض فني بالرياض

رؤية فنية تطمح لغد أفضل
رؤية فنية تطمح لغد أفضل

جراء سقوط بغداد عام 2003، غادرت الفنانة العراقية إيلاف عادل الألوسي بلادها، لتخرج وفي داخلها رغبة عارمة بأن تُفرغ ما في جعبتها من تداعيات عبر لوحات فنية، قدمتها في معرضها الأول، «حالمات الزمن الآخر» المقام حالياً في غاليري نايلا بالرياض، ويستمر إلى يوم السبت المقبل، حيث يُظهر رؤيتها الفنية لنساء مهاجرات، حالمات بالحب والسلام.
المعرض الذي يتمحور حول المرأة باعتبارها أصل كل شيء، يعكس تبعات ما انحفر في ذاكرة كثير من العراقيين، ممن هجّرتهم المعاناة وما زال صوت الوطن يصرخ داخلهم، وهو ما بدا واضحا في لوحاتها التي جمعت شتات هذه المشاعر وشكّلتها في أعمال توثق أحداثًا أرهقت الوجدان العراقي على مدى عقدين من الزمان.
تقول الألوسي لـ«الشرق الأوسط» «خرجت من العراق عام 2004، وكنت أشعر حينها بالحسرة والقهر على ما آل إليه بلدي الذي شاهدته ينهار، وبقي هذا الجرح يرافقني ويوجعني». ويبدو حديث الألوسي جليًا في أعمالها، إذ تستعيد ذاكرة الدمار وأوجاع الحروب وتُعيد تجسيدها في كائنات سردية طامحة نحو غد أفضل.
عن معرضها تقول «استغرقت نحو عام كامل في رسم هذه اللوحات التي تعبر عن المرأة التي تحلم بالحب والسلام وتبحث عن زمن أجمل يعيش فيه سكان هذا الكوكب، ربما ندركه قريبًا، لنحيا في عالم خال من الحروب والقسوة». ويلمس زائر المعرض ذلك في المشاعر التي تنطق عبر 37 لوحة رسمتها الألوسي، ما بين الألم، والفقد، وغصة الإقصاء.

المرأة العراقية في «حالمات الزمن الآخر»

المرأة... الأرض
ترى الفنانة أن الفرد اليوم أصبح محاصرًا بنشرات الأخبار التي تنقل الحروب والمآسي وأشكال المعاناة البشرية في دول عدة، لترسم المرأة باعتبارها الأرض، كما تقول، وهو ما يتضح في المزيج اللوني الذي اتخذته والمستلهم من لون التربة ومعادن الأرض وتدرجاتها. وتتابع بالقول «في غمرة المآسي التي تعصف بالعالم، أستثني المرأة السعودية التي أظنها تعيش في أفضل حالاتها وأزهى عصورها، وهو أمر مختلف بالنظر لأوضاع المرأة في العراق وأفغانستان واليمن ودول أخرى».

الفنانة إيلاف عادل الألوسي أمام إحدى لوحاتها

من يلمح لوحات الألوسي، يرى فيها امرأة صامدة وشامخة، برأس مرفوع وكتف مشدود، وصدر منفتح على العالم يوحي بالقوة والثقة، عبر رؤية فنية تستخلص قدرة المرأة على التخطي والتجاوز، تارة تقف وحيدة ومكتفية بذاتها، وتارة أخرى برفقة شريكها الذي يبادلها المشاعر ذاتها، في محاكاة للقوة التي تتشكل حال التماسك والتوحّد ما بين الطرفين.
الفن البغدادي
وفي حين اعتاد الكثيرون على رؤية المرأة العراقية في اللوحات الفنية وهي ممتلئة بالترف، تحتسي الشاي مع نساء الحارة، وتتبادل الأحاديث والحكايا لساعات طوال، وترتدي الملابس الزاهية وتُسدل شعرها الأسود الطويل، إلا أنها تأتي في أعمال إيلاف عادل الألوسي بعيدة عن هذا الاتجاه النمطي، وبسؤالها عن ذلك تقول «معظم الفنانات العراقيات ينتهجن الخط البغدادي، ويشتغلن على البغداديات، لكني فضلت تقديم ثيمة مختلفة».

أعمال الألوسي تعتبر المرأة هي الأرض

فرار من النمطية
ولا تنكر الألوسي أن الرؤية التي قدمتها للمرأة جاءت مثيرة لتساؤلات زوار المعرض، ممن أبدوا تعجبهم من النساء ذوات الشعر المفروق ناحية المنتصف، والوجوه ذات الأعين المطموسة. وتفسر الفنانة ذلك برغبتها بالتحرر التدريجي من الخطوط المعتادة، والدخول نحو تصورات فنية غير مألوفة، باعتبار الفنان كتلة من المراحل والتدرّج، بحسب الألوسي.
ومن الجدير بالذكر أن الفنانة العراقية إﯾﻼف ﻋﺎدل اﻷﻟﻮﺳﻲ، هي من مواليد بغداد، وتعيش حاليًا في مدينة الرياض، تخرجت في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد، كما أنها ﻋﻀﻮ اﻟﺠﻤﻌﯿﺔ اﻟﺴﻌﻮدﯾﺔ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔنون، وعضو جمعية الفنون السعودية «جسفت»، وقد شاركت الألوسي في عدة معارض فنية داخل وخارج السعودية.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«ميدان الثقافة» بوابة تربط بين الماضي والحاضر في جدة التاريخية

يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)
يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)
TT

«ميدان الثقافة» بوابة تربط بين الماضي والحاضر في جدة التاريخية

يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)
يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)

يشكل «ميدان الثقافة» الذي أطلقه «برنامج جدة التاريخية»، التابع لوزارة الثقافة السعودية، بوابةً تربط بين الماضي والحاضر من خلال موقعه المميز الذي عكس تصميمه ووظائفه هذه الثنائية الزمنية ليمثل معلماً حضارياً كبيراً كإحدى الوجهات الثقافية المهمة بالمدينة الساحلية جدة (غرب السعودية).

ويأتي المشروع في إطار جهود إعادة إحياء المنطقة التاريخية، وتعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات الفنية والثقافية، وبما يوفر تجارب ثقافية وفنية ثرية متنوعة، تعزز من تجربة الزوار، وتسهم في جعل المنطقة وجهةً سياحيةً عالميةً، وذلك تماشياً مع «رؤية المملكة 2030».

يعد متحف «تيم لاب» الأول من نوعه ويقام وبشكل دائم في منطقة الشرق الأوسط (واس)

ويقع «ميدان الثقافة» الذي يضم مركز الفنون المسرحية (مسرح وسينما)، ومتحف الفنون الرقمية «تيم لاب بلا حدود» (حاصل على جائزة مكة للتميز في فرع التميز الثقافي)، على ضفاف بحيرة الأربعين، ويطل على منطقة جدة التاريخية.

ويقدم مركز الفنون المسرحية فعاليات ثقافية متنوعة تشمل عروضاً مسرحيةً، ومهرجانات عالمية، ودور سينما، وجلسات تجسد أجواء «المركاز»، إلى جانب مطاعم ومقاهٍ تمثل نقاط تجمع وحوار، أما متحف «تيم لاب بلا حدود» فيُبرز الطابع الحديث للثقافة، الذي يجمع بين الفن والعلم والتكنولوجيا. وفي قلب هذا المشهد الثقافي، يبرز «بيت أمير البحر» التاريخي متوسطاً مركز الفنون المسرحية ومتحف «تيم لاب بلا حدود»، ومطلاً على «شارع حمزة شحاتة» (الشاعر السعودي الراحل)، ليعكس الثراء الثقافي المتأصل في الموقع. وقد قام البرنامج وفي إطار جهوده للحفاظ على تراث المنطقة المعماري والثقافي بترميم «البيت» وإعادة تأهيله. ويتميز «بيت أمير البحر» بتصميمه المعماري الفريد، إذ يأتي على شكل هندسي ثماني، ويتكون من دور واحد، وهو محاط بنوافذ كبيرة على شكل أقواس، وقد استُخدم في الماضي مناراً لإرشاد السفن.

مشروع «إعادة إحياء جدة التاريخية» جعل المنطقة مقصداً للزوار من مختلف أنحاء العالم (واس)

ويجسد مشروع «ميدان الثقافة» الهندسة المعمارية التي تعكس القيم الجوهرية لجدة التاريخية، مع رؤية تجديدية دمجت بين الماضي والمستقبل في تناغم فريد، إذ مزج التصميم بين التراث المعماري الغني والنسيج الحضري المترابط، في استمرارية لهوية المنطقة وثقافتها. وفي الوقت ذاته تماشى التصميم مع فلسفة متحف «تيم لاب» التي تقوم على الانسجام بين الزائر والأعمال الفنية، وهو ما يظهر بوضوح في سطح المبنى المائل نحو المسطحات المحيطة، مما يعزز من فكرة الاندماج والانسجام.

ويشتمل «ميدان الثقافة» على مبنيين رئيسيين، بإجمالي مساحة بناء تبلغ حوالي 26 ألف متر مربع ويمتد مركز الفنون المسرحية والسينما على مساحة 16 ألف متر مربع، ويضم مقر مهرجان البحر الأحمر السينمائي، ويتكون من مدخل رئيسي (الردهة)، وقاعة مسرح رئيسية بسعة 868 مقعداً، بالإضافة إلى خمس قاعات سينما بسعة 564 مقعداً، وردهة داخلية (غرفة متعددة الأغراض)، وتسع قاعات للجلسات الحوارية، و«سينماتيك»، ومطعم وثلاثة مقاهٍ.

الممثل ويل سميث يوثق زيارته للمنطقة التي تشهد إقبالاً من الزوار على مدار العام (جدة التاريخية)

فيما تبلغ مساحة متحف «تيم لاب بلا حدود» 10 آلاف متر مربع، ويضم قرابة 80 عملاً مستقلاً ومترابطاً، تُجسِد عالماً واحداً بلا حدود. ويجمع المتحف بين الفنون والتكنولوجيا والطبيعة في مساحة إبداعية مبتكرة، ويُشكل إضافة نوعية للمشهد الثقافي في المملكة.

وكان الحفاظ على الصحة العامة وتعزيز الاستدامة البيئية من الأهداف المهمة التي سعى إليها برنامج جدة التاريخية في تصميم وتنفيذ مشروع «ميدان الثقافة»، إذ تم استخدام وحدات تكييف عالية الجودة، مُجهزة بتقنية تُنقي الهواء بنسبة 100 في المائة، بالإضافة إلى تركيب مصاعد تعمل بدون لمس، وسلالم كهربائية مُزودة بتقنية تعقيم بالأشعة فوق البنفسجية، وذلك للحد من انتقال الفيروسات والجراثيم المسببة للأمراض.

ديفيد فيا نجم الكرة الإسباني خلال زيارة سابقة للمنطقة (برنامج جدة التاريخية)

كما اهتم البرنامج بالحفاظ على الموارد المائية من خلال استخدام نظام يعيد تدوير مياه التكثيف الناتجة عن وحدات التبريد لتلبية احتياجات الري، وهو ما يعزز من كفاءة استهلاك الموارد ويساهم في الحفاظ على البيئة.

وجاء مشروع «ميدان الثقافة» ضمن جهود برنامج جدة التاريخية في إعادة إحياء المنطقة، والحفاظ على تراثها المادي وغير المادي، وإثراء تجربة الزوار، ويعد الميدان معلماً حضارياً وبصرياً متميزاً في جدة، بتصميمه الذي راعى الحفاظ على النسيج الحضري في المنطقة، وجمع بين استخدام الهندسة المعمارية المعاصرة في بنائه، والحفاظ على الطابع المعماري التراثي الذي يستلهم من المباني التاريخية في المنطقة، ويأتي ضمن استثمار تاريخ المنطقة وعناصرها الثقافية المميزة وتحويلها إلى روافد اقتصادية، وجعل المنطقة وجهة مميزة على خريطة السياحة العالمية.