حسونة المصباحي وخبايا «الرحلة المغربية»

مفتشاً عن التفاصيل داخل بنيات المجتمع المغربي وطبيعته وثقافته ورمزيّاته الصوفية والتاريخية

حسونة المصباحي وخبايا «الرحلة المغربية»
TT

حسونة المصباحي وخبايا «الرحلة المغربية»

حسونة المصباحي وخبايا «الرحلة المغربية»

صدر أخيراً عن منشورات دار الحكمة في مدينة تطوان المغربية، كتاب «الرحلة المغربية» للروائي والكاتب التونسي حسونة المصباحي، وهو ثمرة رحلة متأنية جالَ من خلالها الكاتب ربوع المغرب المختلفة، مفتشاً عن تلك التفاصيل الدقيقة داخل بنيات المجتمع المغربي وطبيعته وثقافته ورمزيّاته الصوفية والتاريخية. يحصل كل ذلك داخل هذا العمل من خلال لغة يغلب عليها نفَسٌ سردي واضح، ويتداخل فيها الوصف مع التحليل، وهو ما يمنح الكتاب بُعداً معرفياً يتجاوز حالات الإبداع القلقة إلى هدوء الفكر الذي ينضج بأفق المتخيّل الواقعي، فهو من جانبٍ يسلط الضوء بدقة وعمق على الجوانب الثقافية للمكان بأشخاصه وشخصياته، وهو في الوقت نفسه يبحث في الدلالات الثقافية للعناصر الصوفية المميزة في الثقافة المغربية. لم يختلف المصباحي في هذا التوجه عنه في أعمال أخرى، فهو قريب من الفكر ومنحازٌ إلى فلسفة التجاوز والبحث الدؤوب عما وراء الوصف المباشر، لذلك تجده في هذا الكتاب موغلاً في الشرح الدقيق وأميناً على المعطيات التي ينقلها في حواراته المتكررة مع من صادفهم في رحلته المغربية التي تُعدّ رحلةً في الثقافة المغربية، تماماً كما هي رحلة في التاريخ بإسقاطاته المعاصرة. العمل على ما فيه من سمات السرد يبقى عملاً ثقافياً متكاملاً بأبعاد شتّى، وقد استهلّه الكاتب بلحظة «الوصول» إلى بلد يحبه، بل يؤمن به وبمشروعه الثقافي، فهو، كما يقول، مسكون بأشواق دائمة تجعله يتوق إلى زيارة المغرب في كل مرة، مشاعر تتجدد بتجدد اللقاء مع الشعراء والروائيين والكُتاب المغاربة الذين تجمعهم به صداقات متينة، وتفتح له هذه العلاقات الإنسانية، وفقاً لوصفه، آفاقاً واسعة تنسيه ما يعيشه في المشهد الثقافي التونسي الذي لم يجد نفسه فيه، كما أراد. وفي كل زيارة يقوم بها المصباحي للمغرب يشعر أكثر فأكثر بأنه لم يعد يحلق بجناح تونسي وحيد، بل أضاف إليه جناحاً مغربياً ثانياً يجعله متوازناً مطمئناً في التحليق والتفكير وفي الكتابة... هكذا يصف مصباحي حضوره المتجدد في المغرب، ولا شك أن التحليق بجناح أول وليد الثقافة الأم، وآخر مغربي تضيفه المحبة وأواصر الثقافة مع مجال جغرافي وبشري آخر يعبر بعفوية المثال عن عمق ما يربطه نفسياً بهذا البلد، والأجنحة تأتي في هذا السياق كنايةً عن الحلم الذي ينبغي أن يرافق حياة المبدع على الدوام... وقد لا تكون هذه الانطباعات العاطفية التي تعبر عن حميمية العلاقة بين الكاتب وفضاء المغرب الإنساني والمجتمعي وليدة الصدفة، بل هي انعكاس لتراكم طويل حققه المصباحي بوصفه مثقفاً مغاربياً معروفاً في الأوساط الثقافية المغربية على اختلاف انتماءاتها، وروائياً له مُنجز مقروء في المغرب وسبق له أن تُوّج من قبل.. حتى صار يشتغل على ما وراء الأبعاد السردية الواضحة منفتحاً في أعماله على آفاق البحث المطّلع. من جولة صباحية في العاصمة الرباط، وزيارة استكشافية للأكاديمية المغربية، يذهب المصباحي في رحلته المغربية إلى أقصى الجنوب من الصحراء حيث مدينة الداخلة بشواطئها الساحرة ورياحها القوية، وفي هذه المحطة يتطور الحوار من بعده النفسي الإنساني إلى محاور أخرى سياسية وحقوقية، فهو يحكي عن لقائه مديرة متحف الداخلة التي يصفها بأنها «فارّة من جحيم البوليساريو»، شخصية مؤثرة تروي بدورها فصولاً مختصرة من تجربتها المريرة داخل أسوار المخيمات التي تسيطر عليها الجبهة الانفصالية. وقد كان للصحراء المغربية نصيب كبير من السرد الذي لا يقتصر على الوصف، بل يذهب إلى ما هو أبعد، نحو ما يمكن أن يندرج ضمن إطار البحث الاستقصائي بصيغة أدبية وبنفحة فنية مميزة، محطات كثيرة للكاتب يستعرض فيها ملامح نظرته للصحراء المغربية، منها «لقاء مع شيخ صحراوي»، و«في عمق الصحراء»، و«في الطريق إلى طرفاية» وغيرها.. 320 صفحة يروي فيها الكاتب سيرته مع بلد يحبّه خلال رحلةٍ جعلها تمتد من الجغرافيا إلى الإنسان، ومن الوصف السياحي العابر إلى منعرجات التاريخ، حيث يستخلص جملة من الآراء والانطباعات كثمرة لما يراه رحلةً نحو الحقيقة بمفهومها الإنساني الهش والنسبي... أما السياحة بمفهومها الخاص فهي عند المصباحي حالة من حالات التصوف الأولى، إنها إمعان في ذلك «التيه» الإرادي الذي يختاره الإنسان وهو يجول بدروب الأرض كي يتحرر من ثبات المُتع الزائلة ويلتحم مع القيم الروحية العليا للكون... ولعل هذه اللمحة تمثل ذروة التأويل الإنساني لصفة من صفات الوجود البشرية التي هي السفر، تلك الحالة الحركية التي ينتقل فيها الإنسان لا جغرافياً فحسب، ولكن بحمولته النفسية ومؤونته الثقافية من عالم ثابت إلى عوالم أخرى غير مكتشفة... هذا المدخل التفسيري الروحي للسياحة التي تمثل إحدى القطاعات الاقتصادية الحيوية للمغرب يجعل الواقع المنطقي المعيش ذا دلالات ثقافية تنبع من الخصوصية المغربية نفسها، وهو ما يقوم به المصباحي باقتدار في كل فصل من فصول الكتاب.
يرى المصباحي في مراكش مدينةً تراوح بين الأسطورة والواقع، لكنها لا تكشف عن نفسها إلا من خلال أبنائها، وأيضاً من خلال الأسماء العالمية اللامعة في الفلسفة والفكر والأدب ممن افتتنوا بالمغرب نتيجة علاقاتهم الرمزية والثقافية بمراكش بوصفها مكاناً وثقافة، وقد سبق للمصباحي أن قال «إن تاريخ مراكش شبيه بسلسلة من الأساطير المدهشة»، وهو الذي ترجم من قبل كتاب «أصوات مراكش» للروائي الألماني إلياس كانيتي الشهير... لذلك فهو حين يكتب عن مراكش يبدو متشبعاً بمشاربها التاريخية، وحين يصف حدائقها الخضراء وأشجارها وساحاتها فهو بلا شك يدرك أن للخضرة وللموسيقى وللفن في مراكش دلالات كثيرة يستعصي على من هو غير مطّلع أن يصل إليها بسهولة. في كلماته عن المدينة كان المصباحي قريباً من روح مراكش وهو يخوض غمار رحلته المغربية بكثير من التأمل. ولا ينفكّ المصباحي يعيد سرد علاقته العامة بالمغرب، والخاصة بمدينة أصيلة في الشمال، تلك الأيقونة الثقافية التي واظب على حضور مهرجانها السنوي «موسم أصيلة الثقافي الدولي».
في هذه المدينة الساحلية الهادئة وجد المصباحي ذاته الفنية من جديد، واكتشف جوانب أخرى تسكن الهوامش وتخفي داخلها تاريخاً من الحضارة والتلاقح الثقافي بين أصقاع العالم، لقد منحته الأجواء في هذه المدينة التي خصّها بقسم كبير من الكتاب أفقاً رحباً للتأمل، وألهبت العلاقات الإنسانية التي جمعته هناك روحه، وأعادت إليه أسئلة الفن والإنسان. في أصيلة كانت الروح تجدد، ويزداد العشق أيّاماً وليالي من المعرفة المرحة طيلة فترة الموسم الثقافي الذي يجمع بين جلسات الفكر والفلسفة والقضايا السياسية وبين الإبداع الفني في التشكيل والموسيقى والشعر وغيرها، عرّاب هذه الفسحة التي عاشها المصباحي كان دائماً هو محمد بن عيسى أمين عام المؤسسة المنظِّمة للموسم، والذي يرى فيه الكاتب شخصية مثقفة رفيعة تواكب كل جديد في الساحة الثقافية العربية والأفريقية والعالمية، وتدرك بإلمام كبير عمق الجذور الثقافية للمغرب، بخلفية دبلوماسية خبرت شؤون العالم، وبرعت في الحوار والإقناع برصانة وكياسة. ويُعدّ كتاب «الرحلة المغربية» إجمالاً بمثابة حلقة من سلسلة أعمال متواترة تحمل قيمة ثقافية غير تقليدية دأب المصباحي على تقديمها للقراء والباحثين. جدير بالذكر أن الروائي التونسي سبق له الفوز بجائزة محمد زفزاف للرواية العربية التي تمنحها مؤسسة منتدى أصيلة كل سنتين، وذلك في دورتها السادسة عن مجمل أعماله صيف 2016، وهو كاتب يجمع بين النتاج الروائي والقصصي، وله كتابات تعبر عن صلته بالثقافات المحلية وباطلاعه الواسع على المُنجز الأدبي في العالم العربي وفي الغرب، حيث أقام في المانيا زهاء عشرين عاماً.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

درة: «وين صرنا» مجازفة فنية «ثلاثية الأبعاد»

الفنانة التونسية درة تخوض أولى تجاربها في الإخراج (إنستغرام)
الفنانة التونسية درة تخوض أولى تجاربها في الإخراج (إنستغرام)
TT

درة: «وين صرنا» مجازفة فنية «ثلاثية الأبعاد»

الفنانة التونسية درة تخوض أولى تجاربها في الإخراج (إنستغرام)
الفنانة التونسية درة تخوض أولى تجاربها في الإخراج (إنستغرام)

وصفت الفنانة التونسية درة الفيلم الوثائقي «وين صرنا»، أولى تجاربها في الإخراج والإنتاج، الذي يعرض ضمن فعاليات الدورة الـ45 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي بأنه «مجازفة فنية ثلاثية الأبعاد»، مؤكدة أنها تحب التميز والابتعاد عن التقليد والمحاكاة، وتهوى استكشاف مناطق جديدة، وعدّت خوضها تجربة الإخراج دافعاً لظهور طاقات كامنة بداخلها وتحدياً بالنسبة لها.

وقالت درة في حوارها لـ«الشرق الأوسط»، إنها وقفت خلف الكاميرا وليس أمامها في فيلم «وين صرنا»، وقدمت نماذج واقعية، وهو ما شكّل مجازفة من ناحية الاستعانة بالممثلين غير المحترفين، والإنتاج، والإخراج.

وكشفت درة أن «الفيلم تمت صناعته عبر خطوط عريضة بدون سيناريو تقليدي»، وقالت: «حاولت تسليط الضوء على القصة عبر حوار واقعي، ولم أوجه الممثلين بنص مكتوب، بعد أن تعرفت على أسرة نادين بطلة الفيلم، التي أرسلت لي رسالة عبر (السوشيال ميديا) واستنجدت بي في لحظة صعبة، وتعاطفت معها وعرضت عليها تقديم قصة حياتها في عمل وثائقي».

كواليس تصوير الفيلم الوثائقي «وين صرنا» (إنستغرام)

وتؤكد درة أنها بكت كثيراً خلف الكاميرا، خصوصاً في المشاهد التي تحمل حواراً مباشراً يمس الأحداث من خلال تلاقي النظرات بينها وبين الأسرة بطلة الفيلم، وفق قولها.

وقالت الفنانة التونسية: «اختيار تقديم وثائقي (وين صرنا) وسط الموت والدمار كان بهدف الحديث عن بشر ما زالوا يعيشون، وسط مشاعر النجاة من الموت، وفقدان البيت، والتأثر النفسي».

وأوضحت أن «الجزء الأكبر من الفيلم تم تصويره في مصر، وجزء آخر في غزة عن طريق مصور محترف لصعوبة وجودها هناك».

وتؤكد درة أن «المصور قدم مادة فائقة الدقة رغم صعوبة المتابعة وانقطاع الإنترنت، لكنه كان من الضروري تصوير اللحظات الحقيقية بين مصر وغزة، ومشاعر الزوجة التي تنتظر زوجها للخروج من الدمار والنجاة من الموت».

وذكرت أن «الفيلم لا يهدف للربح، بل تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني، مع العلم أنني في البداية عرضت الفيلم على جهات إنتاجية لتمويله لكنني قمت بإنتاجه بنفسي من أجل تحقيق طموحي في تقديم هذه القصة الإنسانية دون تدخلات خارجية».

وتستكمل: «لم أنتظر وأخذت الخطوة بحسم، وتعمقت في التجربة ووثقت لحظة بعينها خلال الأحداث وربما انتظار التمويل كان سيغيبها، ولم أندم على أي مبالغ أنفقت على الفيلم الذي سيعيش لأجيال، ويكفي أنه سيظل بصمة في مشواري في حياتي وبعد مماتي».

وتؤكد درة على دعم زوجها في هذه الخطوة، لافتة إلى أنه لم يعترض على رغبتها نظراً للهدف الإنساني الذي تسعى إليه، لكن بحكم شخصيته العملية وحساباته المختلفة يأخذ كل خطوة بجدية وعن دراية، وعندما شاهد مجهودها وجد أنه يستحق المجازفة والحماس.

وتوضح درة صعوبات التصوير الذي تم خلال شتاء 2023 وامتد للصيف الماضي، قائلة: «لم يكن هناك كارفان للاستراحة، كنا نصور بشغف ولا مجال للتفكير في أي شيء، بجانب النهم لتصوير مشاهد غزة بشكل مكثف قبل مجيء الزوج إلى مصر بالتزامن مع شهر رمضان».

وأضافت أنها لم ترغب في إقحام نفسها كممثلة، واكتفت بإظهار رؤيتها، حتى لا يحيد الفيلم عن هدفه ويفقد مصداقيته، ويحدث إثارة للجدل من خلال ظهورها، لكنها تدخلت في كل العناصر خلف الكاميرا.

الفنانة التونسية درة (الشرق الأوسط)

وترى درة أن «تنفيذ الفيلم من الناحية الأدبية والمادية لم يكن سهلاً، خصوصاً أن الفيلم الوثائقي يختلف عن الفيلم الروائي الذي أعرف آلياته بعكس الوثائقي الذي تعلمت تفاصيله أثناء العمل على مدار الأيام، بجانب استعانتي ببعض الدورات».

وتحدثت درة عن حبها وشغفها بالإخراج باعتباره الحلم الذي ظل يراودها حتى بعد انشغالها بالتمثيل، وتقرّ: «اكتشفت بعد 17عاماً في التمثيل أن المجازفة وحب المهنة هما أساس النجاح».

وعن مشاركة الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، قالت درة: «أرسلت الفيلم للمهرجان بشكل عادي، ولم أخبر أحداً أنني مخرجة الفيلم، للحصول على الانطباع من الأحداث نفسها».

ونوهت إلى أن فيلم «وين صرنا» هو تجسيد حقيقي للرابط الذي يجمعها بالقضية الفلسطينية، موضحة أن لديها محطات مرتبطة بفلسطين، قبل الشهرة منذ أن كانت طالبة جامعية، ولم تكن تتخيل أن تقدم فيلماً عن الحرب لولا أنها تعرفت على الأسرة الفلسطينية التي تأثرت بها للوهلة الأولى.

وأوضحت الفنانة التونسية أنها ارتبطت بالقضية الفلسطينية منذ دراستها للعلوم السياسية وحصولها على الماجستير بجامعة القديس يوسف في لبنان، التي تناولت «اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة»، وزيارتها لمخيماتهم، وتقديم مسرحية عن نص «أربع ساعات في شاتيلا»، للكاتب الفرنسي جان جينيه، مع المخرج التونسي توفيق الجبالي.

لقطة من الفيلم الوثائقي «وين صرنا» (إدارة مهرجان القاهرة السينمائي)

تدور أحداث فيلم «وين صرنا» حول الزوجة نادين التي جاءت إلى مصر بعد 3 أشهر من حرب الـ7 من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بصحبة ابنتيها الرضيعتين، وتنتظر زوجها للقدوم أيضاً، وسط مشاعر خوف وترقب.

وبعد عرضه في مهرجان القاهرة يواصل فيلم «وين صرنا» رحلته عبر المهرجانات، خصوصاً بعد الإعلان عن عرضه في «أيام قرطاج السينمائية» خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

وعلى مستوى التمثيل تنتظر درة عرض مسلسل «الذنب» الذي يشاركها بطولته الفنان هاني سلامة، وتقدم خلاله شخصية تعاني من صدمة نفسية، بالإضافة للفيلم التونسي «صاحبك راجل»، وقالت: «أعكف حالياً على قراءة سيناريوهات لأعمال رمضانية للاختيار من بينها».