من «أصيلة إلى «الصويرة»... وعودة مهرجان الفيلم في مراكش

المشهد الثقافي في المغرب يستعيد نشاطه في 2022

تتويج الشاعر محمد الأشعري بجائزة الأركانة
تتويج الشاعر محمد الأشعري بجائزة الأركانة
TT

من «أصيلة إلى «الصويرة»... وعودة مهرجان الفيلم في مراكش

تتويج الشاعر محمد الأشعري بجائزة الأركانة
تتويج الشاعر محمد الأشعري بجائزة الأركانة

بعد توقف اضطراري ناتج عن الظروف الوبائية بفعل تفشي (كورونا)، عادت عجلة النشاط الثقافي بالمغرب في 2022 إلى الدوران بشكل شبه عادي، عبر تنظيم مهرجانات وتظاهرات فنية وأدبية متنوعة، غطَّت مختلف ربوع البلد.
كما شهد العام تتويج عدد من المبدعين المغاربة بجوائز داخل المغرب وخارجه، رافقه رحيل كتاب وفنانين كانت لهم بصمتهم على مستوى المنجز الفني والأدبي للمغرب المعاصر. في هذا التقرير، استعراض مختزل لبعض ما ميَّز المشهد الثقافي المغربي، على مدار هذا العام.

جانب من سهرات مهرجان كناوة 2022

مهرجانات

لطالما منحت المهرجانات الفنية المشهدَ الثقافي المغربي رونقاً خاصاً، ولذلك شكَّل استئناف نشاطها مؤشراً إيجابياً أكد قدرةً على التعافي من الأزمة الصحية. وهكذا، عاد مهرجان «كناوة وموسيقى العالم»، إلى جمهوره في صيغة جولة فنية شملت مدن الصويرة ومراكش والدار البيضاء والرباط، أخذ نصف حفلاتها الثلاثين «شكلَ مزج جديد، جريء ومن نوع فريد». وضمت قائمة العروض موسيقى الجاز، والبلوز، والموسيقى الأفريقية، وموسيقى الفولك، والفانك، وفنون كريو، والموسيقى الكوبية، والبلوز الأفريقي، في مزج مع كبار فناني (كناوة).
واختار مهرجان «أندلسيات أطلسية»، في دورته الـ18، بالصويرة، «سعادة العيش المشترك» شعاراً، بمشاركة 170 فناناً، في 14 حفلاً. ومكَّن «الاستثناء المغربي»، ممثلاً في «الأسلوب الصويري»، وفي هذا الموعد الفريد من نوعه في العالم، مئات المسلمين واليهود من سعادة اللقاء مجدداً، والغناء معاً، والإنصات المتبادل والنقاش، في ظل احترام متبادل.
«لا دولتشي فيتا بموغادور»، مهرجان سينمائي جديد، أُضيف هذه السنة إلى قائمة المهرجات التي دأبت الصويرة على اقتراحها على جمهورها، واضعة السينما الإيطالية في دائرة الضوء. وبرر المنظمون هذا الاحتفاء بأن إيطاليا، أرض الفن والسينما، ألهمت الكثير من الفنانين وأدت إلى ظهور أعمال مشهورة.

أصيلة (43)

من جهته، نظم موسم أصيلة الثقافي الدولي الثالث والأربعين، في دورتين، صيفية خُصصت للفنون التشكيلية، وخريفية تضمَّن برنامجها 7 ندوات في إطار الدورة الـ36 لجامعة المعتمد بن عباد المفتوحة، وفقرات أخرى متنوعة، وسط حضور عربي وأفريقي ودولي لافت، عرف مشاركة نحو 400 من صفوة الباحثين والمفكرين وأصحاب القرار النافذين والكتاب والإعلاميين. وتناولت الندوات «الحركات الانفصالية والمنظمات الإقليمية في أفريقيا»، و«الأمن الغذائي في أفريقيا في حقبة الحرب بأوكرانيا... التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية والأمنية»، و«الخليج العربي بين الشرق والغرب: المسألة الشرقية الجديدة»، و«تأثير الطاقة على التوازنات السياسية والاقتصادية الدولية»، و«الشعر العربي وشعريات عالم الجنوب: أفريقيا وأميركا اللاتينية»، و«خيمة الإبداع»، التي جرى خلالها تكريم عالم الفلسفة المغربي الدكتور عبد السلام بنعبد العالي. كما شهدت الدورة احتفالية تسليم جائزة «تشيكايا أوتامسي للشعر الأفريقي» التي فاز بها الشاعر الكاميروني بول داكيو، وجائزة «بلند الحيدري للشعراء العرب الشباب» التي فاز بها (مناصفةً) الشاعرة المصرية نهاد زكي والشاعر المغربي عمر الراجي. كما شهدت حفل توقيع كتاب «شهود زمن... صداقات في دروب الصحافة» للكاتب الموريتاني عبد الله ولد محمدي، و«الرحلة المغربية» للكاتب والروائي التونسي حسونة المصباحي؛ علاوة على فعاليات أدبية وفنية، ضمنها مشغل للتعبير الأدبي وكتابة الطفل، وورشة حول المسرح، ومشاغل للفنون التشكيلية، ومعارض وعروض موسيقية وغنائية لفنانين من المغرب والخارج.

تكريم المخرجة مريم التوزاني في مهرجان الفيلم بمراكش

عودة مهرجان الفيلم في مراكش

وعاد المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته الـ19 التي أسفرت نتائج مسابقتها الرسمية عن فوز فيلم «قصة شومرون» للمخرج الإيراني عماد الإبراهيم دهكردي بالجائزة الكبرى للمهرجان. فيما منحت لجنة التحكيم، برئاسة المخرج الإيطالي باولو سورينتينو، جائزة أفضل إخراج لفيلم «برق» للسويسرية كارمن جاكيي؛ وذهبت جائزة لجنة التحكيم (مناصفةً) للمغربية مريم التوزاني عن فيلم «أزرق القفطان» والبرتغالية كريستيل ألفيس ميرا عن فيلم «الروح الحية»، بينما فازت الممثلة الكورية تشوي سونغ - يون بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «رايسبوي ينام» للكندي أنتوني شيم، والممثل الإندونيسي أرسوندي بينينغ سوارا عن دوره في فيلم «سيرة ذاتية» لمواطنه المخرج مقبول مبارك، بجائزة أفضل ممثل.
واقترحت الدورة مجموعة واسعة من الأفلام، مثلت تجارب سينمائية من مختلف جهات العالم: 76 فيلماً من 33 دولة تم عرضها على مستوى فقرات «المسابقة الرسمية»، و«العروض الاحتفالية»، و«العروض الخاصة»، و«القارة الحادية عشرة»، و«بانوراما السينما المغربية»، و«سينما الجمهور الناشئ»، و«عروض ساحة جامع الفنا»، فضلاً عن فقرة «التكريمات» التي احتفت بالممثلة الاسكوتلندية تيلدا سوينتون، والمخرج الأميركي جيمس غراي، والمنتجة والمخرجة المغربية فريدة بنليزيد، والممثل الهندي رانفير سينغ. فيما تضمنت فقرة «حوار» سلسلة من النقاشات المكثفة مع شخصيات متميزة من السينما العالمية، بينهم الممثل البريطاني جيريمي أيرونز، والمخرج الإيراني أصغر فرهادي، ونجم «بوليوود» رانفير سينغ، والمؤلف الموسيقي الفرنسي اللبناني غابريال يارد، شاركوا جمهورَ المهرجان رؤيتهم وممارستهم للسينما.

جوائز وإصدارات

فضلاً عن تتويج فيلم «أزرق القفطان» في مهرجان مراكش، شهدت 2022 تتويج عدد من المبدعين المغاربة بعدد من الجوائز، داخل وخارج المغرب، ومن ذلك، تتويج مسرحية «شا طا را» لفرقة «تيفسوين» للمسرح الأمازيغي بالحسيمة، بالجائزة الكبرى لأفضل عرض مسرحي مُتكامل، خلال الدورة الــ29 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي؛ فيما فاز مخرجها أمين ناسور بجائزة أحسن إخراج، كما توجت المسرحية بجائزة الأداء الجماعي، مناصفةً مع مسرحية «هيداروس» من النمسا.
وتوج محمد الأشعري، الشاعر والروائي ووزير الثقافة المغربي الأسبق، بجائزة «الأركانة» العالمية للشعر، في دورتها الخامسة عشرة؛ وهي الجائزة التي يسلمها «بيت الشعر في المغرب»، وسبق أن فاز بها 3 شعراء من المغرب، و11 من الشعراء العرب ومن باقي مناطق العالم.
كما فاز الناقد والأستاذ الجامعي محمد الداهي بجائزة الشيخ زايد للكتاب، في دورتها السادسة عشرة، في فرع الفنون والدراسات النقدية، عن مؤلفه «السارد وتوأم الروح من التمثيل إلى الاصطناع»؛ فيما فاز أربعة كتاب مغاربة، هم: عبد اللطيف النيلة في فئة «روايات الفتيان»، وسعيد يقطين عن دراسته «السرديات التطبيقية... قراءات في سردية الرواية العربية»، وسعيد الفلاق عن دراسته «السرديات من النظرية البنيوية إلى المقاربة الثقافية»، وعبد المجيد نوسي عن دراسته «النص المركب: دراسة في أنساق النص الروائي العربي المعاصر»، في فئة «البحث والدراسات النقدية»، بجائزة كتارا للرواية العربية، في دورتها الثامنة.
وفي الإصدارات واصل المبدعون المغاربة رحلة الإبداع والنشر، من داخل وخارج المغرب. كما كان للكتاب المغاربة نصيب على مستوى الترجمة، ومن ذلك صدور ترجمات لإبداعات عدد منهم، أو ترجمة آخرين لكتابات بلغات أخرى إلى العربية.

الراحل إدريس الخوري

معرض الكتاب

استقطب المعرض الدولي للنشر والكتاب، في دورته الـ27 التي نُظمت في الرباط، ما يناهز الـ202 ألف شخص. وهو رقم «مهم»، رأى محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي، أنه يبين اهتمام المغاربة بالكتاب وثقافة القراءة.
وشهدت المظاهرة، في دورة 2022، انتقالاً استثنائياً في مكان تنظيمها، من الدار البيضاء إلى الرباط، منخرطة بهذا الانتقال، حسب منظميها، في الحركية الثقافية والفنية التي تشهدها العاصمة الإدارية للمغرب بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي وعاصمة للثقافة الأفريقية.
وشهدت الدورة مشاركة ممثلي 40 دولة، وناهز عدد الأروقة الـ300 والعارضين الـ700. فيما تزامن تنظيمها مع انطلاق احتفاليتين ثقافيتين دوليتين كبيرتين، بمناسبة اختيار الرباط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي وعاصمة للثقافة الأفريقية. وكان من «شرط المناسبة»، حسب تعبير الوزير بنسعيد، أن تحل الآداب الأفريقية «ضيف شرف» على الدورة. وجمع البرنامج الثقافي للدورة بين «العمق والإحاطة»، من خلال عدد من الفقرات، التي ضمَّت فضلاً عن «برنامج ضيف الشرف» فقرات حول «الرباط عاصمة الثقافتين»، و«جنوب الإبداع»، و«مؤنث الإبداع»، و«تقديمات»، و«محاورات»، و«الترجمة»، و«كاتب ومترجمه»، و«ليالي الشعر والموسيقى»، و«المغرب المتعدد»، و«الأدب والسينما»، و«ندوات»، و«اليوم المهني»، فضلاً عن «لحظات احتفائية» شهدت برمجة حفل توزيع جوائز «ابن بطوطة لأدب الرحلة 2022».

رحيل كتاب وفنانين

عرفت 2022 رحيل عدد من الأسماء التي طبعت المشهد الثقافي المغربي المعاصر، بينهم الباحث الأكاديمي محمد مفتاح، فقيه اللغة وعالم السيمائيات الذي انتقل بسلاسة من علوم الأقدمين إلى المناهج الحديثة؛ والشاعر حسن الطريبق، الذي جمع بين الإبداع الشعري العمودي والتفعيلي، وأتقن اللغة الإسبانية، وبها كتب بعضاً من أشعاره؛ والمؤرخ الدكتور إبراهيم بوطالب، أحد أعمدة الكتابة التاريخية في المغرب؛ والكاتب والقاص إدريس الخوري، الذي أكد قيمته قاصاً وناثراً وكاتب مقالة من الطراز الرفيع، تميز بأسلوبه الخاص في الكتابة، في التعبير والسرد وصوغ المفارقات الاجتماعية، ما جعل تجربته القصصية وكتاباته عموماً، ذات نكهة ساحرة، بما تُضمره من سخرية وصفية ونقدية مبدعة.
كما فقد المشهد الفني المغربي عدداً من رموزه، بينهم عبد القادر البدوي، أحد الذين أسهموا بنصيب وافر في التأسيس للفعل المسرحي بالمغرب ورفع مستوى الممارسة الفنية المغربية؛ والممثل نور الدين بكر، الذي تميز بعدد من الأدوار، سواء في المسرح أو التلفزيون والسينما، أكسبته شهرة بين الجمهور المغربي على مدى العقود الأربعة الأخيرة.


مقالات ذات صلة

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

الولايات المتحدة​ إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي مايك روجرز، مساء أول من أمس في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز خلال مؤتمر صحافي عقب مباحثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا ترحيب مغربي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية

ترحيب مغربي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية

أعلن بيان للديوان الملكي المغربي، مساء أول من أمس، أن الملك محمد السادس تفضل بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح (أول) محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية. وجاء في البيان أن العاهل المغربي أصدر توجيهاته إلى رئيس الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي. ويأتي هذا القرار تجسيداً للعناية الكريمة التي يوليها العاهل المغربي للأمازيغية «باعتبارها مكوناً رئيسياً للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيداً مشتركاً لجميع المغاربة دون استثناء».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا أعضاء «الكونغرس» الأميركي يشيدون بالتزام العاهل المغربي بـ«تعزيز السلام»

أعضاء «الكونغرس» الأميركي يشيدون بالتزام العاهل المغربي بـ«تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، مايك روجرز، مساء أمس، في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز، خلال مؤتمر صحافي، عقب محادثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم»، مبرزاً أن هذه المحادثات شكلت مناسبة للتأكيد على الدور الجوهري للمملكة، باعتبارها شريكاً للول

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا حزبان معارضان يبحثان تدهور القدرة الشرائية للمغاربة

حزبان معارضان يبحثان تدهور القدرة الشرائية للمغاربة

عقد حزبا التقدم والاشتراكية اليساري، والحركة الشعبية اليميني (معارضة برلمانية) المغربيين، مساء أول من أمس، لقاء بالمقر الوطني لحزب التقدم والاشتراكية في الرباط، قصد مناقشة أزمة تدهور القدرة الشرائية للمواطنين بسبب موجة الغلاء. وقال الحزبان في بيان مشترك إنهما عازمان على تقوية أشكال التنسيق والتعاون بينهما على مختلف الواجهات السياسية والمؤسساتية، من أجل بلورة مزيد من المبادرات المشتركة في جميع القضايا، التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، وذلك «من منطلق الدفاع عن المصالح الوطنية العليا للبلاد، وعن القضايا الأساسية لجميع المواطنات والمواطنين».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا عائلات مغربية تحتج لمعرفة مصير أبنائها المفقودين والمحتجزين

عائلات مغربية تحتج لمعرفة مصير أبنائها المفقودين والمحتجزين

دعت «تنسيقية أسر وعائلات الشبان المغاربة المرشحين للهجرة المفقودين» إلى تنظيم وقفة مطلبية اليوم (الخميس) أمام وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي بالرباط، تحت شعار «نضال مستمر من أجل الحقيقة كاملة وتحقيق العدالة والإنصاف»، وذلك «لتسليط الضوء» على ملف أبنائها المفقودين والمحتجزين ببعض الدول. وتحدث بيان من «التنسيقية» عن سنوات من المعاناة وانتظار إحقاق الحقيقة والعدالة، ومعرفة مصير أبناء الأسر المفقودين في ليبيا والجزائر وتونس وفي الشواطئ المغربية، ومطالباتها بالكشف عن مصير أبنائها، مع طرح ملفات عدة على القضاء. وجدد بيان الأسر دعوة ومطالبة الدولة المغربية ممثلة في وزارة الشؤون الخارجية والتع

«الشرق الأوسط» (الرباط)

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».