ثمة أسباب وجيهة لأن يشعر الديمقراطيون بالسعادة إزاء 2022، ففي الكونغرس وصناديق الانتخابات، عاين الديمقراطيون عاماً استثنائياً بامتياز. بقيادة الرئيس جو بايدن، مرر الكونغرس مشروع قانون للبنية التحتية بتكلفة تريليون دولار، وحزمة مالية بقيمة 750 مليار دولار لمكافحة التغييرات المناخية وتقليص تكلفة الأدوية التي لا تصرف إلا بوصفة طبيب للمواطنين من كبار السن، إضافة لإجراءات بتكلفة 52 مليار دولار لإحياء الصناعة الأميركية لأشباه الموصلات وأول قانون لسلامة الأسلحة منذ 30 عاماً.
دولياً، قاد الرئيس جو بايدن العالم في جهود معاونة أوكرانيا في التصدي للغزو الروسي، وقتل زعيم تنظيم «القاعدة»، أيمن الظواهري. ويبدو هذا سجلاً باهراً للرئيس بايدن وحزبه الذي لم يحظ إلا بأغلبية ضئيلة داخل مجلس النواب وأدنى أغلبية ممكنة داخل مجلس الشيوخ.
إلا أنه إذا اتخذنا من التاريخ مرشداً لنا، فإنه يخبرنا بأن حزب الرئيس يخسر - ويخسر كثيراً - داخل صناديق الانتخابات بعد مرور عامين من فترة ولايته، إلا أن هذا ليس ما حدث. بدلاً عن الفوز بـ30 أو 40 أو أكثر من مقاعد مجلس النواب، لم يستحوذ الجمهوريون سوى تسعة مقاعد فقط. داخل مجلس الشيوخ، قدم الديمقراطيون أداءً أفضل.
وبالنظر إلى مجمل هذه النتائج معاً، نجد أننا أمام حدث لم نسمع به من قبل. ويرى محللون أنه يقف خلف الأداء الانتخابي القوي للديمقراطيين، المعارضة الشعبية لقرار المحكمة العليا بإلغاء الحكم الصادر بقضية رو في مواجهة ويد، والذي كفل الحق في الإجهاض، بجانب المرشحين غير الأكفاء، والأقرب لكونهم مهرجين، الذين أيدهم دونالد ترمب.
ومع ذلك، فإن العام 2023 لن يكون صورة مكررة من 2022... على أدنى تقدير. اليوم، يسيطر الجمهوريون على مجلس النواب، الأمر الذي سيخلق بدوره اختلافاً هائلاً. وبسبب ذلك، سيفقد الديمقراطيون القدرة على تمرير مشروعات قوانين عبر الغرفة الأدنى من الكونغرس، في الوقت الذي سيطلق الجمهوريون لجانهم داخل مجلس النواب للتحقيق في كل شيء بدءاً من القضايا الخطيرة، مثل الانسحاب من أفغانستان والمهاجرين والمخدرات التي تجتاز الحدود الأميركية، وصولاً إلى نظريات المؤامرة المتعلقة بهانتر بايدن ولقاحات فيروس «كوفيد» وتقريباً أي شيء قد يطرأ على خاطرهم.
ورغم أن الديمقراطيين سيبقون مسيطرين على مجلس الشيوخ، فإن سيطرتهم هذه لا تقوم على أغلبية تحظى بهامش تجعلهم بمأمن من إجراءات التعطيل والمماطلة. وعليه، فإن تمرير التشريعات سيبقى أمراً صعباً ويتطلب التوصل إلى تسويات مع الجمهوريين.
في خضم كل ذلك، تبدو خيارات الديمقراطيين محدودة. وسيتعين عليهم تقليص أجندتهم والاستعداد للدفاع عن إدارة بايدن. ومع ذلك، تبقى ثمة أمور يمكن للديمقراطيين تحقيقها.
أولاً: تعززت بدرجة كبيرة قدرة الديمقراطيين على الموافقة على مرشحي الرئيس لمناصب بالسلطة التنفيذية والقضاء الاتحادي - وهي تعيينات تستمر مدى الحياة. ومع أن الديمقراطيين نجحوا في رفع أغلبيتهم داخل مجلس الشيوخ بمقعد واحد فقط، من 50 إلى 51، فإن هذا المقعد الواحد يحدث فارقاً كبيراً. داخل مجلس الشيوخ، يجري التقسيم بنسبة 50/50، ويجري تقسيم اللجان بنسبة 50/50 بين الديمقراطيين والجمهوريين، إلا أنه مع حصول الديمقراطيين الآن على أغلبية في كل لجنة من لجان المجلس، فإن هذا سيمكنهم من دفع مرشحي الرئيس بايدن بأنفسهم، ما يسرع العملية داخل مجلس الشيوخ المثقل عادة.
ثانياً: بالنظر إلى أن تمرير التشريعات عبر كونغرس منقسم على نفسه، سيكون أكثر صعوبة بشكل استثنائي، فإن اهتمام الديمقراطيين سيتجه نحو تحقيق أقصى استفادة من السلطات التنفيذية للرئيس بايدن. وسيسعى الديمقراطيون إلى العمل مع الرئيس ومختلف الإدارات الحكومية للتأكد من تنفيذ القوانين وإنفاق الأموال تبعاً لأولوياتهم المشتركة. وسيحاول الديمقراطيون عقد مقارنة بين نجاحاتهم التشريعية لعام 2022 التي سعوا في إطارها إلى استخدام سلطة الحكومة لمساعدة المواطنين وتنمية الاقتصاد، وجهود الجمهوريين عام 2023 لخفض الضرائب وتقليص حجم الحكومة.
في الواقع، ترددت أصداء هذا الجدال في الولايات المتحدة على امتداد عقود كثيرة، ومن المنتظر أن يعاود الظهور العام المقبل حول عدد من القضايا الرئيسية، بما في ذلك التغييرات المناخية، والرعاية الصحية، والنقل، والطاقة والتعليم.
ثالثاً: مثلما سيستخدم الجمهوريون لجان مجلس النواب للتحقيق في أجندة الرئيس بايدن وعائلته وأعضاء حكومته، سيسعى الديمقراطيون إلى إحياء سلطات التحقيق الخاصة بلجان مجلس الشيوخ، إلا أنه على عكس الجمهوريين بمجلس النواب، فإنه ليس أمامهم إدارة من الطرف الآخر تذيقهم الويل. وحتى لو اعتقد الديمقراطيون من داخل القاعدة الشعبية أنه يجب على الكونغرس السعي للكشف عن تجاوزات إدارة ترمب السابقة، من الواضح أن جمهور المواطنين سئم من النظر إلى الخلف. ولذلك، سيتعين على اللجان التي يقودها الديمقراطيون بمجلس الشيوخ اختيار معاركهم بعناية.
أخيراً: خلال العقد الماضي، ظلت صفوف الديمقراطيين موحدة نسبياً عندما كانوا يشكلون الأغلبية. وبالتأكيد كانت هناك انقسامات بين أقصى اليسار والمعتدلين، ومع ذلك فإنهم عادة ما وقفوا صفاً واحداً أمام القضايا الكبرى، حتى في ظل أغلبيتهم الضئيلة.
على الطرف المقابل، ربما لا يكون هذا هو الحال مع الجمهوريين، فاليوم يتمتع تيار اليمين المتطرف داخل الحزب المصطبغ بصبغة ترمبية واضحة، ويضم عدداً أكبر من الأعضاء، بنفوذ أكبر داخل الحزب الجمهوري. وبذلك، سيواجه الرئيس الجمهوري المستقبلي لمجلس النواب صعوبة في حشد 218 صوتاً جمهورياً لتمرير مشروعات القوانين المرتبطة بالمخصصات الرئيسية أو رفع سقف الديون. ويعني ذلك أن رئيس المجلس كيفن مكارثي - أو من يفوز بهذا المنصب - سيضطر على الأرجح إلى اللجوء إلى الديمقراطيين لإبقاء الحكومة عاملة والبلد بعيداً عن هوة الإفلاس.
في المقابل، ستترقب قيادة الأقلية الديمقراطية الجديدة داخل مجلس النواب فرص استغلال هذا الانقسام الجمهوري، للضغط من أجل زيادة الإنفاق المحلي على الصحة والتعليم والبيئة. ولا ينبغي أن نتفاجأ إذا عاينا حالة انهيار أو اثنتين في صفوف الجمهوريين داخل مجلس النواب، ما قد يؤدي إلى إغلاق الحكومة، قبل تمرير مشروعات القوانين الرئيسية.
ورغم أن الديمقراطيين والجمهوريين منقسمون بشدة في الداخل - خصوصاً فيما يتعلق بجهود الرئيس السابق ترمب الملتوية لإلغاء انتخابات 2020 ـ ظل الحزبان في كثير من الأحيان أكثر اتحاداً فيما يخص السياسة الخارجية. في الغالب، يدعم كلا الحزبين الجهود المبذولة لمساعدة أوكرانيا في مواجهة روسيا، ويتشاركان في مخاوف تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني ويدعمان المظاهرات ويعترفان بالتحديات التي تطرحها الصين.
ومع هذا، تبقى هناك بالتأكيد بعض الاختلافات. يبدي بعض الجمهوريين من تيار اليمين من أصحاب التوجهات الترمبية، تعاطفاً مع روسيا بقيادة فلاديمير بوتين. وستبحث الزعامة الجمهورية داخل مجلسي الشيوخ والنواب عن طرق لتهدئتهم من خلال تعزيز الرقابة والحيل التشريعية التي ستجعلهم يبدون كأنهم يقاومون سياسة بايدن، بينما هم في واقع الأمر ليسوا كذلك.
فيما يتعلق بإيران، تراجعت حالياً الخلافات حول الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرمه الرئيس السابق باراك أوباما، لتفسح الطريق أمام دعم الحزبين للمتظاهرين الذين يواجهون النظام الإيراني، إلا أنه من المحتمل أن يجذب برنامج إيران النووي الموسع ومخزونها المتزايد من اليورانيوم المخصب الاهتمام الأميركي من جديد، لتشتعل الخلافات حول كيفية منع آيات الله من بناء سلاح نووي. وبينما يشعر كلا الحزبين بقلق متزايد حيال تهديدات الصين ضد تايوان وتوسع وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي، يتخذ الجمهوريون في الكونغرس موقفاً أكثر تشدداً بالتأكيد.
ولا يكتمل الحديث عن 2023 دون الحديث عن 2024 في أميركا، تبدأ الانتخابات التالية بمجرد انتهاء الانتخابات الأخيرة. وسيبدأ الطرفان عملية اختيار مرشحيهما الرئاسيين في العام المقبل.
على الجانب الديمقراطي، يعد الرئيس بايدن المرشح الأوفر حظاً، ويكاد يكون في حكم المؤكد أنه مرشح الحزب، إلا أنه يبلغ 80 عاماً وربما تتزايد همسات القلق عبر أرجاء الحزب. أما الجمهوريون، لا تزال الكفة تميل لصالح الرئيس السابق ترمب، لكن أصابه ضعف بالغ، جراء أداء حزبه الضعيف في انتخابات عام 2022 وقد يواجه اتهامات في العام المقبل لجهوده لإلغاء نتيجة انتخابات 2020، وحيازته واحتفاظه على نحو غير ملائم بوثائق سرية، ناهيك عن ممارساته التجارية، التي سبق أن أدينت شركته جنائياً بسببها. ورغم ذلك، يعتقد الكثيرون أن ترمب يمكن أن يفوز مرة أخرى بترشيح حزبه في ظل انقسام صفوف الجمهوريين، ليواجه الرئيس بايدن من جديد في الميدان الانتخابي.
لذا، اربط حزام الأمان واستعد، لأن 2023 سيكون عاماً سياسياً وعراً. ومن المحتمل أن نشهد معارك سياسية، ولائحة اتهام محتملة لرئيس سابق، وربما إغلاقاً حكومياً أو اثنين. احجز لي مقعداً واشترِ لي بعض الفشار. ودعونا نشاهد معاً.
* كبير الموظفين الديمقراطيين سابقاً في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب