الانتخابات الليبية المؤجلة... عام من المداولات و«مراوغة الخصوم»

TT

الانتخابات الليبية المؤجلة... عام من المداولات و«مراوغة الخصوم»

طوت ليبيا عاماً جديداً من دون تحقيق تقدم ملحوظ باتجاه إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية، التي كانت مقررة نهاية العام الماضي، وأُرجئت على إثر خلافات ومناكفات حادة بين «أطرافها الفاعلة».
وفي ظل تجدد مساعي بعثة الأمم المتحدة، وتلويح مجلس الأمن الدولي بـ«معاقبة المعرقلين» لهذا المسار، تعود الغالبية الصامتة إلى طرح الأسئلة: ماذا في جعبة الساسة لتقديمه بعد عام من المراوغة وصراع الأجندات الخاصة؟ وهل في الإمكان تحديد مواعيد حقيقية لإجراء هذا الاستحقاق عما قريب بعيداً عن المداولات غير المثمرة؟
سياسيون ومحللون كثيرون يتحدثون عن ضرورة معالجة ملفات حتمية قبيل التوجه إلى الانتخابات، من بينها «المصالحة الوطنية»، وتفعيل «العدالة الانتقالية الناجزة»، إلى جانب التخلي عن «مرجعيات الخارج»، والتمسك بالحوار الليبي- الليبي.
ويعتبر المحلل السياسي الليبي إدريس إحميد، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن الانتخابات التي كانت مقرَّرة في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 2021 وفقاً لاتفاق دولي، أُلغيت «بسبب التدخلات الأميركية والبريطانية لعدم توفر ضمانة الاعتراف نتائجها، إلى جانب صمت شعبي، على الرغم من تسجيل 2.8 مليون مواطن في سجل الناخبين».
وللتذكير، ظل عماد السائح، رئيس «المفوضية الوطنية العليا للانتخابات» يكرر قبيل أيام من إجراء الاستحقاق العام الماضي، أن «المفوضية ليس لديها أي مشكلة فنية في إجراء الانتخابات في موعدها»، لكنه فاجأ الجميع وأعلن «عدم القدرة على عقدها»، وأرجع ذلك حينها لوجود «القوة القاهرة» التي تحول دون إتمامها.
غير أن إحميد رأى أن عدم إجراء الانتخابات في موعدها السابق دليل «على عدم مصداقية الوعود الدولية»، مضيفاً «الآن وبعد مرور عام من القفز على موعد إجرائها، فشلت الاجتماعات التي عقدها مجلسا النواب و(الدولة) برعاية أممية، أيضاً لغياب الرغبة الدولية، وخصوصاً من الدول المتدخلة في ليبيا».
وأشار إحميد إلى أن إجراء الاستحقاق «لا بد أن تسبقه مصالحة وطنية، وهذا يتطلب عدالة انتقالية تسمح باتفاق الأطراف على الحل، وتمهد أيضاً لإدماج الشارع الليبي في المعادلة»، ويرى أن «العدالة الانتقالية هي بمثابة الإقرار بالحقيقة والاعتراف بالأخطاء، وهذا يستتبعه إنهاء المظالم ونزع السلاح وتفكيك الميليشيات».
وبعد تعطل مسار الحوار السياسي بين مجلسي النواب و«الدولة» الذي كان يعوّل عليه لإنجاز «القاعدة الدستورية» اللازمة للانتخابات، وبعد تلويح من مجلس الأمن الدولي، دعا عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، «مجلس الدولة»، منتصف الأسبوع الماضي، إلى «تغليب مصلحة الوطن باستئناف أعمال الحوار بين لجنتي (المسار الدستوري) من المجلسين لاستكمال التوافق على ما تبقّى من مواد الدستور المعترض عليها، للمضي قدماً في إنهاء هذه المرحلة».
وسبق للمجلس الأعلى للدولة في إطار ما يوصف بـ«المناكفات السياسية» و«مراوغة الخصوم»، تعليق عمل لجنته المعنية ببحث «المسار الدستوري»؛ اعتراضاً على إقرار مجلس النواب قانون المحكمة الدستورية، ومع مزيد من الضغط خضع الأخير وأعلن إلغاء القانون؛ إيذاناً باستكمال الحوار.
وفي إطار هذه الحلحلة في المواقف المتوقعة بين مجلسي النواب و«الدولة» لعودتهما إلى طاولة الحوار، يدافع إحميد عن اعتقاده أنه «دون إنجاز ملف المصالحة وإجراء عدالة انتقالية، سيتعمق الانقسام الداخلي، وستظل كل المطالبات حبراً على ورق».
وتابع: «إجراء المصالحة يولّد الثقة بين الأطراف المتناحرة ويؤدي إلى حل الأزمة السياسية»، «وفي ظل تجاهلها لن تعترف الأطراف الخاسرة في الاستحقاق بنتائجه، حتى وإن جرى التوصل إلى (قاعدة دستورية) وأُجريت الانتخابات».
وعبّر ليبيون كثيرون عن مخاوفهم من إطالة أمد الأزمة في ظل التدخلات الدولية لحساب بعض الأطراف المتنافسة على رئاسة البلاد، مجددين آمالهم بإجراء الانتخابات التي يتوافق موعدها المحدد سلفاً مع ذكري يوم «استقلال ليبيا» الذي تحتفل به البلاد منذ السبت الماضي.
بدوره قال عبد الله باتيلي، المبعوث الأممي إلى ليبيا، الذي توصف مهمته بـ«الأصعب» بين جميع أسلافه من المبعوثين السابقين، إنه «ضاع عامٌ كامل على ليبيا في مسيرتها نحو السلام الدائم والاستقرار والازدهار. عام كان من شأنه أن يكون بدايةً لتحقيق السلام والمصالحة الوطنية».
وجدّد، في تصريحات صحافية، «مناشدته لليبيين كافة من مختلف التوجهات لكي يجعلوا من عام 2023 بداية عهد جديد للبلاد، بما في ذلك من خلال إجراء انتخابات حرة ونزيهة»، داعياً «جميع القادة السياسيين في ليبيا للتفكر في الصورة التي سيذكرهم التاريخ بها».
وانتهى باتيلي «بحثِّهم على أن يكونوا قوة دافعة لحل الأزمة الليبية التي طال أمدُها، من خلال التوصل إلى حل مبنيّ على توافق وطني، وتجنب أية أعمال تصعيدية من شأنها تهديد وحدة واستقرار ليبيا الهشّيْن أصلاً».
ويتهم ليبيون أطرافاً داخلية، وأخرى خارجية؛ من بينها الولايات المتحدة، بعرقلة المسار الانتخابي، لكنهم أشاروا أيضاً إلى أن «دخول شخصيات مختلف عليها سياسياً أربك حسابات بعض القوى في الداخل والخارج؛ من بينهم سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، ورئيس حكومة الوحدة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، بالإضافة إلى المشير خليفة حفتر القائد العام لـ(الجيش الوطني)».
يشار إلى أنه بعد مضيّ 8 أشهر على تأجيل الانتخابات، عاد السائح ليعلن زوال «القوة القاهرة» التي كانت قد منعت الانتخابات سابقاً.
وتتجسد هذه «القوة القاهرة» في 3 نقاط هي: الأحكام القضائية الباتّة الصادرة لصالح بعض المرشحين للانتخابات الرئاسية، والمراكز القانونية التي أنشئت بموجبها، بالإضافة إلى القوة الرافضة لاستكمال الاستحقاق في حال وجود بعض الأسماء المرشحة للانتخابات. ولا تزال النقطة الأخيرة تتهدد أي استحقاق مقبل، إذ إن المرشحين مسار الجدل يتحينون الفرصة لخوض الماراثون ثانيةً.


مقالات ذات صلة

25 حزباً موريتانياً تتنافس في انتخابات «توافقية» سابقة لأوانها

العالم 25 حزباً موريتانياً تتنافس في انتخابات «توافقية» سابقة لأوانها

25 حزباً موريتانياً تتنافس في انتخابات «توافقية» سابقة لأوانها

انطلقت فجر أمس، الحملة الانتخابية للاستحقاقات التشريعية والجهوية والمحلية، التي تنظم بشكل متزامن في موريتانيا يوم 13 مايو (أيار) المقبل، والتي يتنافسُ فيها 25 حزباً سياسياً ضمن أكثر من ألفي لائحة انتخابية، لنيل ثقة 1.7 مليون ناخب موريتاني. وكان من المفترض أن تنظم الانتخابات في شهر أغسطس (آب) المقبل، لكن تم تعجيلها إلى شهر مايو، بموجب اتفاق سياسي بين أحزاب الموالاة والمعارضة، تفادياً لتنظيمها في موسم الأمطار، حيث تنتشر الفيضانات والعواصف، ما يمنع الوصول إلى مناطق نائية من البلد، وهو ما تسبب في مشاكل كبيرة خلال الانتخابات السابقة (2018). وبموجب الاتفاق السياسي نفسه الذي أشرفت عليه وزارة الداخلية

الشيخ محمد (نواكشوط)
العالم 25 حزباً موريتانياً تتنافس في انتخابات «توافقية» مبكرة

25 حزباً موريتانياً تتنافس في انتخابات «توافقية» مبكرة

انطلقت فجر اليوم (الجمعة) الحملة الانتخابية للاستحقاقات التشريعية والجهوية والمحلية، التي تنظم بشكل متزامن في موريتانيا يوم 13 مايو (أيار) المقبل، والتي يتنافسُ فيها 25 حزباً سياسياً ضمن أكثر من ألفي لائحة انتخابية، لنيل ثقة 1.7 مليون ناخب موريتاني. وكان من المفترض أن تنظم الانتخابات في شهر أغسطس (آب) المقبل، لكن جرى تعجيلها إلى شهر مايو، بموجب اتفاق سياسي بين أحزاب الموالاة والمعارضة، تفادياً لتنظيمها في موسم الأمطار، حين تكثر الفيضانات والعواصف، ما يمنع الوصول إلى مناطق نائية من البلاد، وهو ما تسبب في مشكلات كبيرة خلال الانتخابات السابقة (2018). وبموجب الاتفاق السياسي نفسه الذي أشرفت عليه وز

الشيخ محمد (نواكشوط)
العالم «تجمع الأحرار» المغربي يفوز بمقعد نيابي في انتخابات جزئية

«تجمع الأحرار» المغربي يفوز بمقعد نيابي في انتخابات جزئية

فاز حزب «التجمع الوطني للأحرار» المغربي، متزعم الائتلاف الحكومي، بمقعد نيابي جديد عقب الانتخابات الجزئية، التي أُجريت أمس بالدائرة الانتخابية في مدينة بني ملال، الواقعة جنوب شرقي الدار البيضاء. وحصل مرشح الحزب عبد الرحيم الشطبي على أعلى عدد من الأصوات، حسب النتائج التي أعلنت عنها السلطات مساء (الخميس)، حيث حصل على 17 ألفاً و536 صوتاً، في حين حصل مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض على 2972 صوتاً، بينما حل مرشح «الحركة الشعبية» في المرتبة الثالثة بـ2259. ويشغل الشطبي، الذي فاز بمقعد نيابي، منصب المنسق الجهوي لحزب التجمع الوطني للأحرار في جهة بني ملال - خنيفرة. وشهدت الانتخابات الجزئية مشاركة ضعي

«الشرق الأوسط» (الرباط)
العالم ما الدور المرتقب للقبائل الليبية في الانتخابات المُنتظرة؟

ما الدور المرتقب للقبائل الليبية في الانتخابات المُنتظرة؟

أعادت التحركات الجارية في ليبيا حالياً باتجاه السعي لإجراء الانتخابات العام الجاري، القبائل إلى دائرة الضوء، وسط توقع سياسيين بأنه سيكون لها دور في السباق المنتظر، إذا توفر التوافق المطلوب بين الأفرقاء، والذي تعمل عليه البعثة الأممية. ويرى سياسيون أن الاستحقاق المنتظر يعد بوابة للقبائل في عموم ليبيا، لاستعادة جزء من نفوذها الذي فقدته خلال السنوات الماضية على خلفية انخراطها في حسابات الصراع السياسي والعسكري.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم إردوغان يلغي أنشطته الانتخابية اليوم بسبب إنفلونزا المعدة

إردوغان يلغي أنشطته الانتخابية اليوم بسبب إنفلونزا المعدة

قطع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس (الثلاثاء)، مقابلة تلفزيونية مباشرة قبل أن يعود ويعتذر متحدثاً عن إصابته بإنفلونزا المعدة، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. ألقى الزعيم البالغ التاسعة والستين ثلاثة خطابات انتخابية، أمس، قبل انتخابات رئاسية وتشريعية في 14 مايو (أيار) تبدو نتائجها غير محسومة. وكان مقرراً أن يُنهي إردوغان الأمسية بمقابلة مباشرة مشتركة مع قناتي «Ulke» و«Kanal 7»، وقد بدأ ظهوره التلفزيوني بعد تأخير لأكثر من 90 دقيقة، ثم قطعه بعد عشر دقائق خلال طرح سؤال عليه. وعاد إردوغان بعد 15 دقيقة واعتذر قائلاً إنه أصيب بوعكة. وأوضح: «أمس واليوم كان هناك عمل كثير.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
TT

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

وفي مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية الأسبوعية، نشرتها اليوم الجمعة، قالت ميركل إن ترمب «تحد للعالم، خاصة للتعددية».

وقالت: «في الحقيقة، الذي ينتظرنا الآن ليس سهلا»، لأن «أقوى اقتصاد في العالم يقف خلف هذا الرئيس»، حيث إن الدولار عملة مهيمنة، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وعملت ميركل مع أربعة رؤساء أميركيين عندما كانت تشغل منصب مستشار ألمانيا. وكانت في السلطة طوال ولاية ترمب الأولى، والتي كانت بسهولة أكثر فترة متوترة للعلاقات الألمانية الأمريكية خلال 16 عاما، قضتها في المنصب، والتي انتهت أواخر 2021.

وتذكرت ميركل لحظة «غريبة» عندما التقت ترمب للمرة الأولى، في البيت الأبيض خلال شهر مارس (آذار) 2017، وردد المصورون: «مصافحة»، وسألت ميركل ترمب بهدوء: «هل تريد أن نتصافح؟» ولكنه لم يرد وكان ينظر إلى الأمام وهو مشبك اليدين.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل يحضران حلقة نقاشية في اليوم الثاني من قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا... 8 يوليو 2017 (أ.ف.ب)

ونقلت المجلة عن ميركل القول: «حاولت إقناعه بالمصافحة بناء على طلب من المصورين لأنني اعتقدت أنه ربما لم يلحظ أنهم يريدون التقاط مثل تلك الصورة... بالطبع، رفضه كان محسوبا».

ولكن الاثنان تصافحا في لقاءات أخرى خلال الزيارة.

ولدى سؤالها ما الذي يجب أن يعرفه أي مستشار ألماني بشأن التعامل مع ترمب، قالت ميركل إنه كان فضوليا للغاية وأراد معرفة التفاصيل، «ولكن فقط لقراءتها وإيجاد الحجج التي تقويه وتضعف الآخرين».

وأضافت: «كلما كان هناك أشخاص في الغرفة، زاد دافعه في أن يكون الفائز... لا يمكنك الدردشة معه. كان كل اجتماع بمثابة منافسة: أنت أو أنا».

وقالت ميركل إنها «حزينة» لفوز ترمب على كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني). وقالت: «لقد كانت خيبة أمل لي بالفعل لعدم فوز هيلاري كلينتون في 2016. كنت سأفضل نتيجة مختلفة».