السودانيون يترقبون اتفاقاً سياسياً «نهائياً»... وتشكيل حكومة

تباين المواقف وتحولها حالا دون حسم الأمر سريعاً

مسيرات شبه يومية في الخرطوم تطالب بحكومة مدنية (أ.ف.ب)
مسيرات شبه يومية في الخرطوم تطالب بحكومة مدنية (أ.ف.ب)
TT
20

السودانيون يترقبون اتفاقاً سياسياً «نهائياً»... وتشكيل حكومة

مسيرات شبه يومية في الخرطوم تطالب بحكومة مدنية (أ.ف.ب)
مسيرات شبه يومية في الخرطوم تطالب بحكومة مدنية (أ.ف.ب)

يترقب السودانيون توصل الأطراف السياسية في السودان إلى اتفاق نهائي فيما بينها، يستند إلى الاتفاق الإطاري الذي وقعوهم مع القادة العسكريين في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. كما من المتوقع أن يُعرض الاتفاق النهائي على القيادات العسكرية لقبوله أو إبداء ملاحظات عليه، ثم يتم التوقيع، ومن ثم يبدأ تشكيل حكومة مدنية تتولى ما تبقى من الفترة الانتقالية التي تبلغ 24 شهراً من تعيين رئيس الوزراء.
غير أن الآراء قد تباينت بشأن الاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من الشهر الجاري، بين التأييد بقوة والمعارضة بشدة والمرجئة لحين التنفيذ. فإلى جانب الموقعين في تحالف المعارضة الرئيسي «الحرية والتغيير» وقوى أخرى، تناقلت تقارير صحافية إبداء العشرات من القوى السياسية والمدنية رغبتها في التوقيع، بينما تمترس معارضو الاتفاق، وهم الحزب الشيوعي وحزب البعث ولجان مقاومة، حول مواقفهم الرافضة للاتفاق. ويجد الاتفاق تأييداً دولياً كبيراً، كما يلقى تأييداً إقليمياً تقف على رأسه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، فيما ذكرت الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن أول من أمس (الخميس)، أنها ساعدت في التوصل إلى الاتفاق الإطاري بهدف عودة البلاد للمسار الديمقراطي بقيادة مدنية.
لكن الاتفاق، ورغم توقيع الكتلة المدنية الأكبر عليه والتأييد الدولي والإقليمي وإبداء مجموعات مدنية عديدة رغبتها في اللحاق به، لا يزال يواجه رفضاً من قوى ذات طابع يساري. ومن جانبها، تقف بعض الحركات المسلحة الموقعة على «اتفاقية سلام جوبا» موقفاً متذبذباً منه، خصوصاً «حركة العدل والمساواة» بزعامة جبريل إبراهيم، وحركة «تحرير السودان» جناح مني أركو مناوي. كما يقف الحزب «الاتحادي الديمقراطي الأصل» منقسماً على نفسه من الاتفاق، إذ وقعه أحد نجلي زعيم الحزب، محمد عثمان الميرغني، بينما يعارضه نجله الآخر.
ويخشى تحالف «الحرية والتغيير»، وهو التحالف الرئيسي الذي قاد المفاوضات التي أدت إلى توقيع الاتفاق الإطاري، ما يسميه «إغراق العملية السياسية» بأطراف سياسية «مصطنعة» ولا تؤمن بمبادئ التحول الديمقراطي الحقيقي. ولهذا السبب أعلن التحالف رفضه لكثير من الراغبين في التوقيع، وتمسك بأن القوى «المؤهلة» للتوقيع هي فقط القوى التي خرجت من «الحرية والتغيير»، وعلى وجه الخصوص حزبي «البعث» و«الشيوعي»، وحركتي «العدل والمساوة» و«تحرير السودان»، إضافة إلى حركة عبد العزيز الحلو وحركة عبد الواحد محمد نور، غير الموقعتين على اتفاق «جوبا للسلام».
وقال قيادي في تحالف الحرية والتغيير: «نحن الآن نعمل على بحث القضايا المرجأة من الاتفاق الإطاري ونسعى لتوحيد الرؤى حولها مع أصحاب المصلحة جميعاً».
وقال أيضاً المحامي والناشط السياسي حاتم إلياس لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «الناس ملوا الأوضاع المأساوية التي تعيشها البلاد، وتفاقم الأزمة الاقتصادية واتساع دائرة الهشاشة الأمنية، لذلك أيدت غالبية عظمى من المواطنين الاتفاق». وأضاف: «يسألنا المواطنون العاديون بلهفة عن موعد توقيع الاتفاق النهائي وتشكيل الحكومة، ويرون فيه تحسن الأوضاع الاقتصادية واستتباب الأمن. هم يرون أن سبب سوء الأوضاع الاقتصادية والأمنية هو عدم الاتفاق السياسي».
وأرجع إلياس حالة الانفلات الأمني إلى اختلافات الفرقاء في المشهد السياسي، قائلاً: «الانفلات الأمني ليس نتيجة لغض أطراف في السلطة أعينهم عنه، لكنه من الظواهر الاجتماعية السالبة مثل الجريمة، التي تزدهر بشكل كبير في حالة اللااتفاق واللادولة». وتوقع إلياس انحسار وتراجع الرفض للاتفاق الإطاري بشكل كبير، وقال: «ربما يجد بالتغيير الجذري الشامل أنفسهم بمواجهة تحديات قد تدفعهم باتجاه الاتفاق، لكن كل ذلك رهين بالتوصل لاتفاق مرضٍ، يؤدي لانحسار الرفض في الشارع».
وبدوره قال رئيس تحرير صحيفة «الجريدة» المستقلة أشرف عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن الوقت لا يزال مبكراً على الحديث عن نجاح أو فشل الاتفاق، موضحاً أنه «لا يوجد تراجع في مستويات التأييد، فالكثيرون يظنونه مخرجاً يمكن يحق لهم الاستقرار ويخرجهم من الأزمة». وأضاف: «هذا على مستوى الرأي العام الشعبي، أما بين القوى السياسية المؤيدة والمعارضة فالأمر مختلف. الجماهير العامة مهتمة بالاتفاق وتتابعه كإحدى وسائل حل الأزمة، لكن تأييده بدأ يتراجع بين النشطاء السياسيين المؤيدين، فإذا لم يكتمل توقيع الاتفاق النهائي بسرعة، يمكن أن تتراجع عنه حتى بعض القوى الموقعة». وتوقع عبد العزيز حدوث فرز كامل يشمل حتى لجان المقاومة الرافضة للاتفاق والمؤيدة للتغيير الجذري، قائلاً: «الحراك القادم سيكشف قوة معسكر الرافضين. الكتلة الحرجة لا تزال مترقبة ومتفرجة وتنتظر الاتفاق لتتخذ منه موقفاً حاسماً، لذلك لم تشارك في مواكب حاشدة بعد توقيع الاتفاق». أما حواء موسى، وهي عاملة، فقد بدت منهكة ومتعبة واكتفت بالقول: «قد تعبنا وننتظر تشكيل الحكومة. لم نعد آمنين على أنفسنا، ولا نستطيع تلبية احتياجاتنا، نريد حكومة تبسط الأمن وتحسن أحوالنا».
وعلى صفحته في موقع التواصل الاجتماعي، دعا الناشط السياسي «مهادن الزعيم» الطرفين المؤيد والمعارض، إلى كشف أوراقهم و«كروت الضغط بأيديهم» التي يستخدمونها لينتصروا لموقفهم، ويقول إن الموقعين لا يملكون ضمانات بالتزام العسكريين بتنفيذ الاتفاق، وفي ذات الوقت فإن الرافضين لا يقدمون رؤية موحدة للشارع الرافض للاتفاق.


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

مصر تعبر عن تقديرها لتصريحات ترمب بشأن عدم مطالبة سكان قطاع غزة بمغادرته

فلسطينيون يمرّون بجانب أنقاض المنازل التي دُمّرت خلال الهجوم الإسرائيلي في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يمرّون بجانب أنقاض المنازل التي دُمّرت خلال الهجوم الإسرائيلي في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)
TT
20

مصر تعبر عن تقديرها لتصريحات ترمب بشأن عدم مطالبة سكان قطاع غزة بمغادرته

فلسطينيون يمرّون بجانب أنقاض المنازل التي دُمّرت خلال الهجوم الإسرائيلي في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يمرّون بجانب أنقاض المنازل التي دُمّرت خلال الهجوم الإسرائيلي في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)

عبَّرت وزارة الخارجية المصرية، في بيان، اليوم (الخميس)، عن تقدير القاهرة لتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن عدم مطالبة سكان قطاع غزة بمغادرته.

وذكر بيان «الخارجية» أن موقف ترمب «يعكس تفهماً لأهمية تجنُّب تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع، وضرورة العمل على إيجاد حلول عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية».

وأوضحت الوزارة أن مصر تشدد على أهمية البناء على هذا التوجه الإيجابي لدفع جهود إحلال السلام في الشرق الأوسط، وذلك من خلال تبني «مسار شامل يستند إلى رؤية واضحة تحقق الاستقرار والأمن لكل الأطراف».

من جهته، عبّر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، اليوم، عن تقديره لتأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترمب على عدم مطالبة سكان غزة بمغادرة القطاع. وقال الشيخ، في منشور مقتضب عبر حسابه على منصة «إكس»: «نقدر تصريحات الرئيس الأميركي التي أكد فيها عدم مطالبة سكان قطاع غزة بالرحيل من وطنهم».

كما اعتبرت «الخارجية» المصرية أن مبادرة ترمب لإنهاء الصراعات الدولية وإحلال السلام في العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، يمكن أن تمثل إطاراً عملياً للبناء عليه «بما يراعي تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة، وعلى رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود 4 يونيو (حزيران) 1967، وعاصمتها القدس الشرقية».

ودعت مصر الأطراف الدولية والإقليمية كافة إلى تكثيف الجهود لدفع عملية التسوية السلمية، بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار لشعوب المنطقة.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد قال، الأربعاء، إنه لن يتم ترحيل أبناء قطاع غزة. وأضاف ترمب في بداية اجتماع في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الآيرلندي مايكل مارتن: «لن يطرد أحد أحداً من غزة».

وفي أول رد فعل من حركة «حماس»، رحَّب حازم قاسم، المتحدث باسم الحركة، بما يبدو أنه تراجع من الرئيس الأميركي عن دعوات تهجير سكان قطاع غزة. ودعا قاسم ترمب إلى «عدم الانسجام مع رؤية اليمين الصهيوني المتطرف».