«الخوف» يحاصر مستقبل نيجيريا

تزايد حوادث العنف المدفوعة باعتبارات «طائفية وقبلية»

العنف المتزايد صار آفة في نيجيريا (أ.ب)
العنف المتزايد صار آفة في نيجيريا (أ.ب)
TT

«الخوف» يحاصر مستقبل نيجيريا

العنف المتزايد صار آفة في نيجيريا (أ.ب)
العنف المتزايد صار آفة في نيجيريا (أ.ب)

بات شبح الخوف يهدد مستقبل نيجيريا، خاصة في ولاياتها الشمالية، في ظل استمرار أحداث العنف المدفوع بصراعات قبلية ودينية وطائفية، تنذر بتفجر الأوضاع إذا ما تحالفت عصابات «قطاع الطرق»، ذات الانتماءات القبلية والدوافع المادية، مع تنظيم «بوكو حرام» المتطرف، بدوافعه السياسية المعروفة والرامية إلى فرض السيطرة على عدد من دول القارة الأفريقية، تحت لواء «تنظيم داعش» الإرهابي. أيا كانت الجهة المسؤولة عن أحداث العنف، فالمواطنون النيجيريون هم من يدفعون الثمن.، وخلال الفترة الماضية شهدت البلاد حوادث دامية بدأت بحادث أسفر عن مقتل 12 مصليا واختطاف آخرين في هجوم للعصابات المسلحة في شمال البلاد. ولم تمض أيام قليلة، حتى قُتل مدنيان وأربعة شرطيين برصاص مسلّحين هاجموا دورية للشرطة قرب سوق تجارية بالقرب من الحدود مع النيجر، وفقا لما أعلنته السلطات النيجيرية. وتأتي مثل هذه الحوادث استمرارا لمسلسل العنف الدامي في نيجيريا، ففي الخامس من شهر يوليو (تموز) الماضي، اقتحم أكثر من مائة مسلح سجن كوجي بضواحي العاصمة أبوجا، مستخدمين المتفجرات لتحرير مئات المعتقلين، وبينهم حوالي 70 متطرفاً. ثم يوم 20 يوليو قتل 17 شخصا بينهم 5 شرطيين في هجمات مسلحة شنتها عصابة إجرامية في ولاية كاتسينا (شمال غربي نيجيريا)، ووفقا للمعلومات الرسمية فإن «مجموعة تضم 300 من قطاع الطرق، أغاروا على قرية غاتاكاوا في منطقة كانكارا، وهاجموا مركزا للشرطة». ولم يمر أسبوع واحد حتى قتل 13 شخصا من هواة جمع الخردة المعدنية في مدينة باما، بولاية بورنو (شمال شرق) في انفجار قنبلة من بقايا الصراع الطويل بين الحكومة والجماعات المتطرفة، الذي تسبب في مقتل أكثر من 40 ألف شخص، وتشريد 2.2 مليون آخرين، وفقا للتقديرات الحكومية الرسمية، في حين يقدر عدد ضحايا العنف، جراء هجمات مجموعات قطاع الطرق بأكثر من 2600 مدني عام 2021، بزيادة تتجاوز 250 في المائة مقارنة بعام 2020، كما تسبب قطاع الطرق في تشريد نحو 11500 نيجيري.
تصاعد أحداث العنف اليومية في نيجيريا يرصده مجلس العلاقات الخارجية الأميركي بشكل دوري. ولقد أشار أخيراً إلى أن أعداد الضحايا جراء هذه الأحداث، بصرف النظر عن الجهة المسؤولة (الدولة، بوكو حرام، الجماعات الطائفية، وغيرها) بلغ 93.938 شخصا في الفترة من مايو (أيار) 2011 وحتى ديسمبر (كانون الأول) 2022، بينهم 18.992 شخصا ضحايا هجمات تنظيم «بوكو حرام»، و22.658 شخصا ضحايا هجمات مشتركة أجهزة الدولة و«بوكو حرام»، إضافة إلى 15.980 شخصا ضحايا أحداث نفذتها أجهزة الأمن، و19.983 شخصا سقطوا في صراعات طائفية. ووفق مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، فإن مستقبل نيجيريا في خطر بسبب تصاعد أعمال العنف اليومية، بما في ذلك عمليات الاختطاف، والهجمات ذات الدوافع الدينية، والاعتداءات من قبل العصابات المسلحة ووحشية الشرطة في حال فشل السلطات في احتواء هذه الفوضى.
ما يذكر أن ارتفاع عدد ضحايا العنف جراء هجمات عصابات «قطاع الطرق» دفع الحكومة النيجيرية الاتحادية في يونيو (حزيران) الماضي إلى «حث السكان على حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم»، نتيجة لـ«النقص في تمويل تنفيذ العمليات ضد قطاع الطرق»، ما اعتبره محللون إنذارا بتفجر الأوضاع. إلا أن مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، في تقرير نشرته في يوليو الجاري، علّقت معتبرة «أن وضع السلاح بين أيدي المدنيين سيكون بمثابة دعوة لفوضى شاملة، تؤدي إلى خسائر فادحة في الأرواح، وتزيد من ترسيخ الصراع العنيف الذي طال أمده في ولاية زامفارا، والمنطقة الشمالية الغربية بشكل عام».
- صراع قبلي أم نزاع على الموارد
تتمركز عصابات قطاع الطرق في ولايات شمال غربي نيجيريا، وتعتبر ولاية زامفارا «بؤرة الأزمة» حيث يوجد فيها، وفي خمس ولايات شمالية أخرى مجاورة حوالي 30 ألف شخص منتمين لهذه العصابات، التي تُغير على القرى وتمارس أعمال العنف ضد سكانها، وتتسبب في موتهم وتهجيرهم. وبينما تشير «فورين بوليسي» إلى أن هذه العصابات تأتي مدفوعة بالانتهازية الاقتصادية لا الآيديولوجية السياسية، وهو ما يميزها عن الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«داعش غرب أفريقيا»، يربط آخرون هذه العصابات بالنزاع القبلي في نيجيريا. إذ يشير فيلم وثائقي أذاعته هيئة الإذاعة البريطانية الـ(بي بي سي) بنهاية يوليو 2022، عن ولاية زامفارا إلى أن «عصابات قطاع الطرق تنتمي إلى قبائل الفولاني، التي شكّل شبابها عصابات قطاع طرق مسلحة تغير على القرى، وتقتل كل من يعارضها، في المقابل شكل أفراد من قبائل الهاوسا جماعات للحماية والردع تعمل مع القوات الحكومية لرد هجوم العصابات، لينتهي تاريخ طويل من السلام عاشه الشعبان الكبيران (بغالبيتهما المسلمتان) جنبا إلى جنب، حيث كان الهاوسا يعملون في الزراعة، والفولاني في الرعي».
«الصراع القبلي في نيجيريا، هو امتداد للصراع القبلي في عدد من الدول الأفريقية»، بحسب الدكتورة نرمين توفيق، الباحثة في الشؤون الأفريقية، والمنسق العام لمركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، التي أوضحت في تصريحاتها لـ«الشرق الأوسط» أن «قبائل الهاوسا تمتد في عدة دول أفريقية، وأعدادها بالملايين. والصراعات القبلية متكررة في عدد كبير من دول القارة، ومنها نيجيريا، وهي صراعات في الغالب على الموارد الطبيعية، وتزداد حدتها في ظل التغيرات المناخية التي يشهدها العالم... ثم إن مشكلة الشمال تكمن في شعور سكانه الدائم بالتهميش».
ومع أن الأوضاع في نيجيريا ليست على نفس مستوى درجة السوء أو التطور الذي تشهده دول أفريقية أخرى كالسودان والصومال، يوضح السفير صالح حليمة، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، ونائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه أن «البلاد تعاني من صراع بأبعاد طائفية دينية وقبلية، حيث تنشط فيها الجماعات المتطرفة المرتبطة بـ(داعش)، بالإضافة إلى عصابات قطاع الطرق، وغيرها من الأطراف التي تعبث بالقارة السمراء».
- التركيبة السكانية
يبلغ عدد سكان نيجيريا نحو 206 ملايين نسمة، وفقا لتقديرات عام 2020، وعليه فهي الدولة الأكثر سكانا في أفريقيا، ويقطنها خليط متنوع من الشعوب والقبائل، ويُعد شعب الهاوسا المكوّن الأكبر (ومعظمه من المسلمين)، بنسبة تتجاوز الـ27 في المائة من السكان. يليه شعب اليوروبا (المقسوم مناصفة تقريباً بين المسيحيين والمسلمين) بنحو 25 في المائة، ثم شعب الإيجبو - أو الإيبو - (سواده الأعظم مسيحي)، ثم شعب الفولاني (سواده الأعظم مسلم)، ثم تأتي باقي المكوّنات العرقية واللغوية الأخرى، ويفرض هذا التنوع في الانتماءات القبلية تنوعا في اللغة، واللهجات. ويقول الخبراء إن «سكان نيجيريا يتكلمون ما يقرب من 500 لغة قبائلية وعشائرية مختلفة، وإن كانت اللغة الإنجليزية، ولغات الهاوسا (من اللغات التشادية الأفروآسيوية) واليوروبا والإيجبو والفولاني (الشعوب الثلاثة لغتهم من اللغات النيجر - كونغولية) أهم اللغات السائدة»، أما دينيا فغالبية السكان تدين بالإسلام بنسبة تقترب من 52 في المائة، أما الباقي فموزع بين الطوائف المسيحية المختلفة، مع نسبة ضئيلة جدا لا تتجاوز الواحد في المائة للمعتقدات الأفريقية الأخرى.
هذا المزيج من القبائل والأعراق يصبغ الصراع بملامح طائفية، فشعب الفولاني التي يعمل معظم أفراده في الرعي ويمتد حضوره من شمال نيجيريا حتى السنغال وغينيا غرباً، عانى بعض أبنائه من التهميش (رغم تولي عدد من زعمائهم حكم نيجيريا)، ومصادرة الحكومة الاتحادية لأراضيه، في حين ينتمي غالبية المزارعين للديانة المسيحية، ولذلك شهد الصراع انتهاكات للرموز الدينية للطرفين. وحسب الدكتورة أميرة محمد عبد الحليم، في بحثها المنشور على موقع مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عام 2018، شهدت «ولايات وسط وجنوب نيجيريا خلال الفترة من 2010 وحتى 2018 مواجهات دورية بين الرعاة والمزارعين، كانت أكثرها دموية عام 2018».
من ناحية أخرى، يلعب الدين دوراً معقداً في انتشار العنف وتكثيفه في نيجيريا، بحسب إبنزز أوبادار، الباحث في الشؤون الأفريقية بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، الذي يقول في مقال نشره في شهر يونيو الماضي، إن «تنظيم (بوكو حرام) قتل الآلاف منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وشملت الأهداف الكنائس والمساجد والمدارس، ومراكز الشرطة... ويتقاطع الدين في نيجيريا، ويتفاعل ديناميكيا مع الهوية العرقية والمنطقة والطبقة والمهنة، وتزيد النزاعات بين المزارعين والرعاة عبر ولايات شمال وجنوب الحزام الأوسط من تعقيد المشهد»، مضيفاً أن «العنف له دوافع دينية بحتة خاصة موجة القتل بتهمة التجديف».
- التغيّرات المناخية
ولكن يبدو أيضاً أن للمناخ تأثيره على تأجج الصراع في نيجيريا التي تمتلك موارد طبيعية متنوعة على رأسها النفط. وهنا تقول عبد الحليم إن «التغيرات المناخية هي العامل الأكبر وراء الصراع الجاري في الحزام الأوسط في نيجيريا، بمساعدة مجموعة من العوامل الأخرى، المتمثلة في ضعف تكيّف مجتمعات الرعاة مع التغيرات المناخية، وعجز الحكومة النيجيرية عن التعامل مع تأثيرات هذه التغيرات في شمال البلاد، بالإضافة إلى الأزمات المتعلقة بالتهميش والمظالم التاريخية الواقعة على بعض الجماعات». وبالفعل، تزايدت أحداث العنف خلال الفترة الأخيرة مدفوعة بتدهور قدرة الدولة وضعف إنفاذ القانون، لترتفع نسب الاختطاف مقابل طلب فديات، إذ اختطف 1484 شخصا بين يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) من العام الجاري، بحسب أوبادار، الذي يضيف أنه «إضافة إلى التوترات العرقية والدينية، فإن هجمات الرعاة على المستوطنات الزراعية تأتي مدفوعة بالتصحّر، الذي تفاقم بسبب الجفاف الشديد الناجم عن تغير المناخ، بين عامي 2017 و2020، حين قتل الرعاة 2539 شخصاً في ما يقرب من 654 هجوماً»، لافتا إلى أن «60 في المائة من الأراضي في نيجيريا تواجه خطر التصحر».
هذا، ولعل أشهر حوادث الاختطاف كانت حادثة خطف ما يقرب من 300 فتاة من مدرسة داخلية في منطقة جانغيبي بولاية زامفارا، خلال فبراير (شباط) 2021، وقد أطلق سراحهن فيما بعد، مقابل فدية بحسب الخاطفين وإن لم تعترف الحكومة بدفع الفدية. وتقول الدكتورة نرمين توفيق إن «جماعات قطاع الطرق المسلحة بدأت تنتهج نفس نهج الجماعات المتطرفة مثل (بوكو حرام) في القيام بعمليات خطف مقابل الحصول على فدية». وتشير أيضاً إلى أن «التغيرات المناخية تلعب دورا في تصعيد الصراع في نيجيريا... ورغم أن نيجيريا غنية بالموارد الطبيعية مثل النفط، فإن سكانها يعيشون في ظروف صعبة، نتيجة الفساد السياسي». وللعلم، وفقا لبيانات ساعة الفقر العالمية للعام الجاري، فإن نيجيريا تعتبر «الأولى» في أفريقيا من حيث عدد الفقراء، حيث يعيش أكثر من 70 مليونا من سكانها تحت خط الفقر.
- تحديات أمنية... وصراع سياسي
ووسط التحديات الأمنية التي تواجهها نيجيريا حاليا، من تنظيم «بوكو حرام» المتطرف في الشمال الشرقي، وتزايد العنف بين الرعاة (من الفولاني) والمزارعين (من الهاوسا) على امتداد الحزام الأوسط جنوباً إلى منطقة الشمال الغربي، تشهد نيجيريا حاليا انتشارا لما يسمى بـ«الجماعات الأهلية المسلحة لمكافحة الجريمة»، وهي عبارة عن مجموعات صغيرة من المتطوعين، أنشأتها حكومات الولايات، للمساعدة في حماية المناطق من هجمات المجموعات المسلحة وقطاع الطرق، وهو الأمر الذي ترى مجموعة الأزمات الدولية في تقرير نشرته في أبريل (نيسان) الماضي أنه «يزيد من تفاقم المشاكل في البلاد، ويهدد بمزيد من الصراعات الطائفية».
ومن ناحية أخرى، يربط البعض بين تصاعد أعمال العنف في نيجيريا، وبين الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها العام المقبل. ويقول أوبادار إن «أحداث العنف التي تشهدها البلاد تأتي مدفوعة بعدة عوامل، من بينها احتدام المنافسة السياسية، قبيل الانتخابات المقرر عقدها العام المقبل، حيث تدفع المخاطر السياسية الساسة إلى البحث عن قنوات غير رسمية، لتحقيق أهدافهم ما يؤدي إلى تزايد أعمال العنف». ويتابع «ثلثا النيجيريين يفتقرون إلى الثقة في النظام القضائي، بينما يعتقد 88 في المائة أنه فاسد، بحسب استطلاع رأي أجري عام 2020، وانعدام الثقة في القانون يدفع الناس لتسوية نزاعاتهم بأنفسهم».
ويشرح أوبادار، الذي يرصد اختلاف أنماط العنف في نيجيريا طيلة العقد الماضي، فيقول عبر «تزايد العنف العشوائي، كما هو الحال في جنوب شرق البلاد، بدأ من خلال شرعنة العمليات التي تقوم بها جماعة (IPOB) في بيافرا، لحماية نفسها. ثم بدأت الجماعة بتنفيذ ما يشبه عمليات العنف المجاني للجميع، حتى قررت الحكومة تصنيفها كجماعة إرهابية عام 2017»، وهو يعتبر أن «منح حق الدفاع عن النفس لبعض الجماعات، والموافقة على تسليحها، ربما يكون مبررا لتصاعد العنف، خاصة أن هؤلاء يتفرقون فيما بعد عبر التجمعات المختلفة حاملين معهم أسلحتهم».
ختاماً، إن الصراع في نيجيريا ليس داخليا فحسب، فهناك قوى غربية ربما تساهم في تأجيج الصراع، خاصة في ظل الأزمة الروسية - الأوكرانية، والصراع الروسي - الأميركي على النفوذ في القارة الأفريقية، وحسب السفير حليمة فإن «الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا والصين على السيطرة والنفوذ في القارة الأفريقية، يزيد من دخول الأطراف الداخلية المتنازعة كحلقة في الصراع السياسي، مما ينذر بتفجر الأوضاع».
- تاريخ الصراعات الدينية والعرقية في نيجيريا
> يحفل تاريخ نيجيريا بالصراعات والحروب بين مكوناتها العرقية المختلفة، ولا يكاد يمر يوم دون أنباء عن صراع ديني أو قبلي، في الدولة الأكثر سكانا في أفريقيا.
في عام 1901 أصبحت نيجيريا مستعمرة بريطانية، واستمر الحكم البريطاني حتى عام 1960، حين نالت البلاد استقلالها، في إطار حركات التحرر والاستقلال داخل قارة أفريقيا. وبعد ثلاث سنوات تكوّنت الجمهورية النيجيرية الأولى عام 1963، ولم تستمر الجمهورية طويلا إذ خضعت البلاد للحكم العسكري عام 1966. وفي عام 1967، أعلنت حركة انفصالية من شعب الإيجبو (الإيبو) عن قيام جمهورية بيافرا في جنوب شرقي البلاد، ما تسبب في اندلاع حرب أهلية في البلاد، استمرت 3 سنوات.
بعد الحرب قامت الجمهورية الثانية، التي وضعت دستورا للبلاد عام 1979، لكن الجيش استولى مرة ثانية على السلطة، واستمر في الحكم 10 سنوات، حتى تم إعلان الجمهورية الثالثة عام 1993، وهي الجمهورية التي انتهت بانقلاب قاده الجنرال ساني أباتشا - الذي توفي عام 1998 - ليجري إعلان الجمهورية الرابعة عام 1999.
- حرب بيافرا الأهلية 1967 - 1970
راح ضحية الحرب الأهلية بين الحكومة النيجيرية والقوى الانفصالية من شعب الإيجبو أكثر من مليون شخص، وفقا للتقديرات الرسمية
- أحداث شغب ميتاتسين (1980 - 1985)
تعتبر هذه الأحداث هي أول موجة كبيرة من موجات العنف المرتبط بالدين في شمال نيجيريا، ونشأت حركة «ميتاتسين» من شعب الهاوسا بقيادة محمدو مروة، وتسببت أحداث الشغب في مقتل الآلاف في مختلف الولايات النيجيرية
- أحداث دلتا النيجر
بدأ الصراع منذ تسعينات القرن الماضي على خلفية التوزيع غير العادل للثروة النفطية وتدهور الظروف البيئية، ما أفقد السكان مصدر رزقهم، لتبدأ الأنشطة الإجرامية في دلتا النيجر التي تتضمن الخطف والقرصنة والتخريب والهجمات على المنشآت النفطية، وما زالت الجرائم ترتكب هناك حتى الآن.
- أزمة المزارعين بداية من عام 2000
أدى التضاؤل المتزايد للموارد، وانتشار الأسلحة الصغيرة إلى تأجيج التوترات بين المجتمعات الزراعية والرعاة في نيجيريا، وهو صراع قائم على خلفيات قبلية ودينية، حيث وصفت مجموعة الأزمات الدولية هذا الصراع بأنه «أخطر تحد أمني لنيجيريا».
- «بوكو حرام» 2009... وحتى الآن
بدأت الجماعة المسلمة المتطرفة المسلحة في الظهور والنشاط في شمال نيجيريا عام 2009، وتسببت في مقتل وتشريد الآلاف.


مقالات ذات صلة

المعلومات المضللة حول الانتخابات تشوه سمعة المؤسسات في نيجيريا

العالم المعلومات المضللة حول الانتخابات تشوه سمعة المؤسسات في نيجيريا

المعلومات المضللة حول الانتخابات تشوه سمعة المؤسسات في نيجيريا

كشفت موجة المعلومات المضللة التي تستهدف حاليا لجنة الانتخابات وقضاة المحكمة العليا في نيجيريا، وهما الجهتان المسؤولتان عن الفصل في الانتخابات الرئاسية، عن تشويه سمعة المؤسسات في أكبر بلد في إفريقيا من حيث عدد السكان، وفقا لخبراء. في حين أن الانتخابات في نيجيريا غالبا ما تتميز بشراء الأصوات والعنف، فإن الإخفاقات التقنية والتأخير في إعلان النتائج اللذين تخللا انتخابات 25 فبراير (شباط)، أديا هذه المرة إلى انتشار المعلومات المضللة. وقال كيمي بوساري مدير النشر في منظمة «دوبابا» لتقصّي الحقائق إن تلك «مشكلة كبيرة في نيجيريا... الناس يسخرون من تقصّي الحقائق.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
العالم 8 تلميذات مخطوفات يفلتن من خاطفيهن بنيجيريا

8 تلميذات مخطوفات يفلتن من خاطفيهن بنيجيريا

تمكنت 8 تلميذات خطفن على طريق مدرستهنّ الثانوية في شمال غربي نيجيريا من الإفلات من خاطفيهن بعد أسبوعين، على ما أعلنت السلطات المحلية الأربعاء. وأفاد صامويل أروان مفوض الأمن الداخلي بولاية كادونا، حيث تكثر عمليات الخطف لقاء فدية، بأن التلميذات خطفن في 3 أبريل (نيسان).

«الشرق الأوسط» (كانو)
الاقتصاد هل تنجح نيجيريا في القضاء على ظاهرة «سرقة النفط»؟

هل تنجح نيجيريا في القضاء على ظاهرة «سرقة النفط»؟

بينما يعاني الاقتصاد النيجيري على كل المستويات، يستمر كذلك في تكبد خسائر تقدر بمليارات الدولارات نتيجة سرقة النفط الخام.

العالم مخيمات انتقالية للمتطرفين السابقين وضحاياهم في نيجيريا

مخيمات انتقالية للمتطرفين السابقين وضحاياهم في نيجيريا

يبدو مخيم الحج للوهلة الأولى شبيهاً بسائر مخيمات النازحين في شمال نيجيريا؛ ففيه تنهمك نساء محجبات في الأعمال اليومية في حين يجلس رجال متعطّلون أمام صفوف لا تنتهي من الخيم، لكن الفرق أن سكان المخيم جهاديون سابقون أو أشخاص كانوا تحت سيطرتهم. أقنعت الحكومة العناصر السابقين في تنظيم «بوكو حرام» أو تنظيم «داعش» في غرب أفريقيا بتسليم أنفسهم لقاء بقائهم أحراراً، على أمل وضع حد لحركة تمرد أوقعت عشرات آلاف القتلى وتسببت بنزوح أكثر من مليوني شخص منذ 2009. غير أن تحقيقاً أجرته وكالة الصحافة الفرنسية كشف عن ثغرات كبرى في آلية فرز المقاتلين واستئصال التطرف التي باشرتها السلطات بعد مقتل الزعيم التاريخي لحرك

«الشرق الأوسط» (مايدوغوري)
العالم «قضية مخدرات» تثير الجدل حول الرئيس النيجيري المنتخب

«قضية مخدرات» تثير الجدل حول الرئيس النيجيري المنتخب

أثارت تغريدات لمنصة إعلامية على موقع «تويتر» جدلاً في نيجيريا بعد أن نشرت أوراق قضية تتعلق باتهامات وُجهت من محكمة أميركية إلى الرئيس المنتخب حديثاً بولا أحمد تينوبو، بـ«الاتجار في المخدرات»، وهو ما اعتبره خبراء «ضمن حملة إعلامية تديرها المعارضة النيجيرية لجذب الانتباه الدولي لادعاءاتها ببطلان الانتخابات»، التي أُجريت في فبراير (شباط) الماضي. والاثنين، نشرت منصة «أوبر فاكتس (UBerFacts»)، التي تعرّف نفسها على أنها «منصة لنشر الحقائق الموثقة»، وتُعرَف بجمهورها الكبير على موقع «تويتر»، الذي يقارب 13.5 مليون متابع، وثائق ذكرت أنها صادرة عن محكمة أميركية (متاحة للجمهور العام) في ولاية شيكاغو، تقول


ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.