حصاد 2022 السينمائي (5): السينما العالمية تجتاز نصف المأزق... وينتظرها عام صعب

أرقام ودلالات تحدد مستقبلها

مشهد من فيلم «تيرنينغ رد» الذي تسبب في طرد رئيس شركة ديزني
مشهد من فيلم «تيرنينغ رد» الذي تسبب في طرد رئيس شركة ديزني
TT

حصاد 2022 السينمائي (5): السينما العالمية تجتاز نصف المأزق... وينتظرها عام صعب

مشهد من فيلم «تيرنينغ رد» الذي تسبب في طرد رئيس شركة ديزني
مشهد من فيلم «تيرنينغ رد» الذي تسبب في طرد رئيس شركة ديزني

لم تعلن بعد الأرقام الرسمية لإيرادات السينما عن سنة 2022 حول العالم، لكن ما هو متوقع أن تزيد عن 20 مليار دولار وهذا أعلى بنحو 40 في المائة عما حصدته السينما في العام الماضي، لكنه ما زال أقل بنحو 30 في المائة عن إيرادات عام 2020 الذي انتشر به وباءان: «كوفيد» و«منصات عرض الأفلام في المنازل».
أميركياً، نحو 7 مليارات و200 مليون دولار تم حصدها سنة 2022 (من دون حساب الغزو الكبير الحالي لفيلم «أفاتار: طريق الماء» الذي بوشر بعرضه أواسط هذا الشهر)، وهو رقم أعلى مما تم جمعه في العام الماضي لكنه أقل بـ35 في المائة مما تم تسجيله سنة 2019.
عام 2022. بتسجيله تقدّماً تجارياً ملحوظاً، هو عام الثقة بأن السينما، في عروضها الكلاسيكية داخل صالات السينما، تستطيع الاستمرار في منهجها. لكن هذه الثقة مهزوزة إلى حد أن الإجماع على الطريقة التي يمكن للسينما العالمية تأكيد هذه الاستمرارية والدفاع عنها في مواجهة التقدّم الذي أحرزته منصّات عروض الأفلام المباشرة على النت. قدر لا بأس به من الارتباك والحيرة حول كيف يمكن الاستفادة من سوق الإنترنت من دون الإضرار بسوق صالات السينما.

توم كروز أنقذ فيلمه «توب غن - مافيريك» شركة  باراماونت

- دليل ناصع
يؤدي هذا الارتباك إلى وضع من التخبط وعدم القرار. رجال الأعمال الذين جيء بهم منذ عقود لإدارة صناعة السينما، عوض المنتجين الممارسين في هوليوود الأولى وحتى مطلع الثمانينات، يفهمون لغة واحدة هي لغة المال، والجميع تنافسوا سابقاً وما زالوا يتنافسون على تأدية المهمّة بنجاح كون مصلحة كل منهم المادية (نسب العقود والأرباح بالإضافة إلى الرواتب الهائلة التي يتقاضونها) مرتبطة بتحقيق الأهداف التجارية المناطة لكل استوديو.
هؤلاء اختلفوا في التصرّف حول ما هي الطريقة الأمثل لتسويق الفيلم تجارياً؟ هل بعرضه في الصالات أولاً ولفترة زمنية كافية لاسترداد تكاليفه أو أرباحه منها قبل إحالته إلى المنابر الافتراضية أو إطلاقه على تلك المنابر في وقت واحد (أو بعد أيام معدودة) من إطلاقه في صالات السينما؟
لا تجسيد لهذا التخبط في القرار من حقيقة أنه في مطلع شتاء هذا العام تم إقالة بوب تشابك، رئيس شركة ديزني، بسبب وضع كل بيض الإنتاجات على الإنترنت مباشرة، مما منع تحقيق ما كانت تتوخاه «ديزني» لها من عروضها التجارية الكلاسيكية.
تحديداً في هذا الإطار فيلما «لوكا، صول« (Luca‪، ‬ Soul) و«تيرنينغ رَد» (Turning Red) الكرتونيين اللذان كانا من بين ما توخت «ديزني» عبرهما قيادة إيرادات السنة. النتيجة هي أن «ديزني» خسرت هذا الرهان على الأولوية، مما انعكس على بورصات وول ستريت وأدّي لطرد تشابك بقرار سريع.‬
لكن في المقابل، نجد أن شركة باراماونت سرحت رئيس إنتاجاتها جيم جيانولوليس من وظيفته، لأنه أصر على منح الأفلام حقها الكامل في صالات السينما، بينما أرادت الإدارة العليا لباراماونت الإسراع في عملية تحويل أفلامها إلى العروض المنزلية حتى وإن كان لتلك الأفلام احتمالات نجاح كبيرة.
وما حدث لفيلم «توب غن: مافيريك» أنصع دليل على أن الفيلم يستطيع الاستفادة من حياتين عوض حياة واحدة إذا ما مُنح الفرصة لذلك. باراماونت أرادت بث الفيلم على المنصّات بعد أسبوعي عرضه في الصالات. توم كروز، بطل الفيلم وأحد منتجيه، لوّح باللجوء إلى القضاء إذا لم تلتزم باراماونت بالعقد المبرم في عقدها، وهو منح الفيلم ثلاثة أشهر من العروض السينمائية. هو انتصر والفيلم أنجز طنّاً من المال قبل أن يتم تحويله إلى منصّة باراماونت الإلكترونية. بذلك أنقد كروز فيلمه، ولم تخسر باراماونت رهانها على صالات السينما.
أقسى ما في الأمر ذلك القرار التي اتخذته «وورنر» في مطلع 2022 ببث أفلامها في صالات السينما وعلى منصّتها الخاصة (وورنر ديسكفري) معاً أو بعد 45 يوماً من عروضها السينمائية في أميركا كحد أقصى و31 يوماً كحد أقصى في عروضه العالمية. صوني (مالكة كولمبيا التي هي من بين استوديوهات هوليوود العتيدة) باتت الملاذ الأخير، إذ اختارت تخصيص صالات السينما بإنتاجاتها لكن حتى تصمد حيال منافسيها عليها، أكثر من أي وقت مضى، اللجوء إلى أفلام تضمن نجاحاتها كما حدث هذا العام عندما عرضت Spider‪ - ‬Man‪:‬ No Way Home.‬‬

«قرار بالمغادرة» أحد أفضل 10 أفلام سنة 2022

- نقاط مستقبلية
هذه القرارات ليست أخيرة في أي اتجاه. وهناك ممانعة شديدة من قِبل المخرجين والمنتجين للطريقة التي بات من المتوقع أن تُشحن أفلامهم إلى السوق الإلكترونية، عوض أن تتمتع بالعروض التي تستحقها في صالات السينما.
القراءة في مستقبل العروض السينمائية من خلال ما حدث سنة 2022 لا تبعث بالطمأنينة. هناك انعكاسات سلبية ليس فقط بسبب الصراع بين صالات السينما ومنصات الأفلام المباشرة على النت، بل كذلك بسبب شيوع نوع واحد من الأفلام في السنوات الأخيرة، مما حجّم احتمالات منح الأفلام المختلفة عن سينما الكوميكس والأكشن الفرصة المناسبة.
هناك خمس نقاط رئيسية ضمن هذه القراءة قد تهيمن على سوق العام الجديد وهي:
1 - احتمال استمرار فوضى العروض الحالية لفترة زمنية قصيرة قبل أن تطلق هوليوود أفلام الصيف لتقيس عليها أي طريق ستختاره. لن تتخلى عن المنصّات لكنها لا تريد كذلك التخلي عن احتمالات النجاح الكبيرة في صالات السينما.
2 - الفيلم المستقل سيواصل الاصطدام بجدار الممانعة وقلة الاستحواذ على فرص إنتاج وبالتالي فرص عروض.
3 - مهرجانات السينما هي حالة متميّزة: بين تلك الكبيرة رفض مهرجان فينيسيا الإذعان لوباء «كورونا»، حتى في أشد جنوحه وانتشاره، وسيبقى على هذا الوضع. هذا العام عادت معظم المهرجانات للعمل كلاسيكياً من دون اللجوء إلى العروض المنزلية كما كان الحال في العامين الماضيين. الواضح بأنها لا تستطيع تعريض نفسها لأزمة جديدة إذا ما عاد الوباء للانتشار في العام المقبل. هي في وضع حرج.
4 - المنصّات الإلكترونية ستواجه قوانين أوروبية تحد من شيوعها غير المشروط حالياً. هذا لأن السينما الأوروبية (على الأخص) تعاني من ارتباك كبير دلّ عليه تعثر نشاطات الأسواق السينمائية في برلين و«كان» في عام 2022. هناك أزمة تفصح عن نفسها عندما نلاحظ أن معظم شركات التسويق والتوزيع الأوروبية غير قادرة اليوم على برمجة أعمالها، أو هي لا تستطيع معرفة ما سيكون الحال عليه بعد ثلاثة أشهر.
5 - المنتجون المستقلون، أو أولئك الذين ينجزون خارج أميركا أفلاماً جماهيرية الهدف مشتركون في محاولة قراءة المستقبل القريب بناء على حال الأسواق بعد زلزالي «كورونا» و«المنصّات». لا أحد يريد أن يخسر ماله في وضع كهذا غير مأمون العواقب. هنا تتبدّى حاجته الماسة للاشتراك في المهرجانات الكبيرة كسبيل لتسويق الأفلام غير الأميركية. اختيار صائب وإن كان ليس مضمون النتائج أيضاً.

- أفضل 10 أفلام
على صعيد مختلف تماماً فإن الأفلام، بصرف النظر عن منشئها، التي تستحق الإدراج في قوائم نقاد السينما كانت وفيرة هذا العام. نحو 30 فيلماً تستحق الإشادة، لكن ليس من بينها بالضرورة ما ذهب إليه نقاد الغرب في هذا المجال كون النظرة الفاعلة والمفيدة في هذا المجال عليها أن تكون مستقلّة تماماً. قائمة العشرة التالية مرتّبة أبجدياً (قائمة أفضل الأفلام العربية نُشرت هنا في الأسبوع الماضي).

1‪ - ‬ Avatar‪:‬ The Way of Water‬‬
فانتازيا وأكشن من إخراج جيمس كاميرون في إتقان بصري وتقني فريدين (الولايات المتحدة)

‪2 - Banshees of Inisherin‬‬
‫حكاية بسيطة حول صداقة تقارب نهاياتها بين رجلين. أفضل ما حققه مارتن مكدوناف إلى اليوم (آيرلندا)‬‬

‪3 - Bardo‬‬
‫سيرة حياة مفتوحة على هواجس متعددة وتعليقات حول الذات والمجتمع من أليخاندرو إيناريتو (المكسيك)‬‬

4‪ - ‬ Blonde‬
سيرة حياة مارلين مونرو بالأبيض والأسود وعبرها ما تعرّضت إليه من محن ومتاعب (الولايات المتحدة)

‪5 - Decision to Leave‬‬
‫تحرٍ يقع في هوى المرأة التي يعتقد أنها قتلت زوجها. تشويق وغموض جيدين (كوريا)‬

‪6 - Don›t Look Up‬‬
‫كوميديا سياسية ساخرة مما قد يقع في البيت الأبيض والإعلام الرسمي الأميركي إذا ما تعرضت الأرض لنهاية‬

‪7 - EO‬‬
‫فيلم البولندي ييرزي سكوليموفسكي عن حمار يعبر رحلة أوروبية تعبر عن أفضل وأسوأ ما فيها من مشاكل‬

‪8 - Guillermo del Torro›s Pinocchio‬‬
‫حكاية بينوكيو كما لم نرها من قبل على الشاشة. بصريات مذهلة ورسوم متقنة مع بعد سياسي واضح.‬ ‬

‪9 - Klondike‬‬
‫دراما رائعة عن امرأة حبلى وزوجها على خط المواجهة في حرب روسيا وأوكرانيا سنة 2014 (أوكرانيا)‬

‪10 - Nope‬‬
‫خيال علمي مختلف حول أفرو - أميركي وشقيقته يكتشفان وجود عدو آت من الفضاء (الولايات المتحدة)‬‬
‪ ‬‬تسجيلي

‪Compationate Spy‬‬
‫في صميم الحرب الباردة تمكن جاسوس يعمل داخل المختبرات النووية الأميركية من تسريب معلومات سرية إلى العدو الروسي (الولايات المتحدة).‬‬
رسوم:

‪The Sea Beast‬‬
‫أنيميشن رائع على أكثر من مستوى، درامياً وفنياً، حول وحش بحري ‬يحاول صياد قتله ويدافع عنه شاب (الولايات المتحدة).‬


مقالات ذات صلة

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
TT

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)

سلمى التي تحارب وحدها

(جيد)

يواصل المخرج السوري جود سعيد سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا من خلال أحداث معاصرة يختار فيها مواقف يمتزج فيها الرسم الجاد للموضوع مع نبرة كوميدية، بالإضافة إلى ما يطرحه من شخصيات ومواقف لافتة.

وهذا المزيج الذي سبق له أن تعامل معه في فيلمي «مسافرو الحرب» (2018)، و«نجمة الصباح» (2019) من بين أفلام أخرى تداولت أوضاع الحرب وما بعدها. في «سلمى» يترك ما حدث خلال تلك الفترة جانباً متناولاً مصائر شخصيات تعيش الحاضر، حيث التيار الكهربائي مقطوع، والفساد الإداري منتشرٌ، والناس تحاول سبر غور حياتها بأقلّ قدرٍ ممكن من التنازل عن قيمها وكرامتها.

هذا هو حال سلمى (سُلاف فواخرجي) التي نجت من الزلزال قبل سنوات وأنقذت حياة بعض أفراد عائلتها وعائلة شقيقتها وتعيش مع والد زوجها أبو ناصيف (عبد اللطيف عبد الحميد الذي رحل بعد الانتهاء من تصوير الفيلم). أما زوجها ناصيف فما زال سجيناً بتهمٍ سياسية.

هذه انتقادات لا تمرّ مخفّفة ولا ينتهي الفيلم بابتسامات رِضى وخطب عصماء. قيمة ذلك هي أن المخرج اختار معالجة مجمل أوضاعٍ تصبّ كلها في، كيف يعيش الناس من الطبقة الدنيا في أسرٍ واقعٍ تفرضه عليها طبقة أعلى. وكما الحال في معظم أفلام سعيد، يحمل هذا الفيلم شخصيات عدة يجول بينها بسهولة. سلمى تبقى المحور فهي امرأة عاملة ومحرومة من زوجها وعندما تشتكي أن المدرسة التي تُعلّم فيها بعيدة يجد لها زميل عملاً في منزل رجل من الأعيان ذوي النفوذ اسمه أبو عامر (باسم ياخور) مدرّسة لابنته. لاحقاً سيطلب هذا منها أن تظهر في فيديو ترويجي لأخيه المرّشح لانتخابات مجلس الشعب. سترفض وعليه ستزداد حدّة الأحداث الواردة مع نفحة نقدية لم تظهر بهذه الحدّة والإجادة في أي فيلمٍ أخرجه سعيد.

«سلمى» هو نشيدٌ لامرأة وعزفٌ حزين لوضع بلد. النبرة المستخدمة تراجي - كوميدية. التمثيل ناضج من الجميع، خصوصاً من فواخرجي وياخور. وكعادته يعني المخرج كثيراً بتأطير مشاهده وبالتصوير عموماً. كاميرا يحيى عز الدين بارعة في نقلاتها وكل ذلك يكتمل بتصاميم إنتاج وديكورٍ يُثري الفيلم من مطلعه حتى لقطاته الأخيرة. هذا أنضج فيلم حققه سعيد لليوم، وأكثر أفلامه طموحاً في تصوير الواقع والبيئة وحال البلد. ثمة ثغرات (بعض المشاهد ممطوطة لحساب شخصيات ثانوية تتكرّر أكثر مما ينبغي) لكنها ثغراتٌ محدودة التأثير.

لقطة من «غلادياتير 2» (باراماونت بيكتشرز)

Gladiator II

(جيد)

ريدلي سكوت: العودة إلى الحلبة

السبب الوحيد لعودة المخرج ريدلي سكوت إلى صراع العبيد ضد الرومان هو أن «غلاديايتر» الأول (سنة 2000) حقّق نجاحاً نقدياً وتجارياً و5 أوسكارات (بينها أفضل فيلم). الرغبة في تكرار النجاح ليس عيباً. الجميع يفعل ذلك، لكن المشكلة هنا هي أن السيناريو على زخم أحداثه لا يحمل التبرير الفعلي لما نراه وإخراج سكوت، على مكانته التنفيذية، يسرد الأحداث بلا غموض أو مفاجآت.

الواقع هو أن سكوت شهِد إخفاقات تجارية متعدّدة في السنوات العشر الماضية، لا على صعيد أفلام تاريخية فقط، بل في أفلام خيال علمي (مثل Alien ‪:‬ Covenant في 2017)، ودرامية (All the Money in the World في العام نفسه) وتاريخية (The Last Duel في 2021)؛ آخر تلك الإخفاقات كان «نابليون» (2023) الذي تعثّر على حسناته.

يتقدم الفيلم الجديد لوشيوس (بول ميسكال) الذي يقود الدفاع عن القلعة حيث تحصّن ضد الجيش الروماني بقيادة الجنرال ماركوس (بيدرو باسكال). لوشيوس هو الأحق بحكم الإمبراطورية الرومانية كونه ابن ماكسيموس (الذي أدّى دوره راسل كراو في الفيلم السابق)، وهو ابن سلالة حكمت سابقاً. يُؤسر لوشيوس ويُساق عبداً ليدافع عن حياته في ملاعب القتال الرومانية. يفعل ذلك ويفوز بثقة سيّده مكرينوس (دنزل واشنطن) الذي لديه خطط لاستخدام لوشيوس ومهارته القتالية لقلب نظام الحكم الذي يتولاه شقيقان ضعيفان وفاسدان.

هذا كلّه يرد في الساعة الأولى من أصل ساعتين ونصف الساعة، تزدحم بالشخصيات وبالمواقف البطولية والخادعة، خصوصاً، بالمعارك الكبيرة التي يستثمر فيها المخرج خبرته على أفضل وجه.

فيلم ريدلي سكوت الجديد لا يصل إلى كل ما حقّقه «غلاديايتر» الأول درامياً. هناك تساؤل يتسلّل في مشاهِد دون أخرى فيما إذا كان هناك سبب وجيه لهذا الفيلم. «غلاديايتر» السابق كان مفاجئاً. جسّد موضوعاً لافتاً ومثيراً. أفلام سكوت التاريخية الأخرى (مثل «مملكة السماء» و«روبِن هود») حملت ذلك السبب في مضامينها ومفاداتها المتعددة.

لكن قبضة المخرج مشدودة هنا طوال الوقت. مشاهدُ القتال رائعة، والدرامية متمكّنة من أداءات ممثليها (كوني نيلسن وبيدرو باسكال تحديداً). في ذلك، سكوت ما زال الوريث الشّرعي لسينما الملاحم التاريخية التي تمزج التاريخ بالخيال وكلاهما بسمات الإنتاجات الكبيرة.

عروض تجارية.