شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

«لا أرض أخرى» يصل للقائمة القصيرة في ترشيحات «الأوسكار»

يوميات الشرق باسل ويوفال في مشهد من الفيلم (مهرجان برلين)

«لا أرض أخرى» يصل للقائمة القصيرة في ترشيحات «الأوسكار»

وصل الفيلم الفلسطيني «لا أرض أخرى» للقائمة القصيرة لترشيحات جوائز «الأوسكار»، ضمن الأفلام المتنافسة على جائزة «أفضل فيلم وثائقي طويل» في النسخة 97 من الجائزة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما «بلو مون» (سينيتك ميديا)

«مهرجان برلين» يرفع ميزانيته مُجابهاً التحديات

75 سنة مرّت على تأسيس «مهرجان برلين السينمائي» الذي سينطلق في 13 فبراير (شباط) المقبل ويسدل ستارة الختام في يوم 23 من فبراير.

محمد رُضا (صندانس - ولاية يوتا)
سينما  فرناندا توريس في «لا زلت هنا» (ڤيديوفيلمز)

شاشة الناقد: أنظمة عسكرية

كما في غير بقعة من العالم، خصوصاً في الدول اللاتينية، شهدت العقود المنصرمة قيام أنظمة حكم عسكرية أودت بحياة عشرات الآلاف من السياسيين والمثقفين والإعلاميين

محمد رُضا (صندانس ولاية يوتا)
يوميات الشرق كريم عبد العزيز وأحمد عز في مشهد من كواليس التصوير (حساب رئيس هيئة الترفيه)

«The Seven Dogs» يجمع كريم عبد العزيز بأحمد عز مجدداً

يجتمع الفنانان المصريان كريم عبد العزيز وأحمد عز مجدداً عبر الفيلم السينمائي «The Seven Dogs» بعد تجربتهما سوياً في فيلم «كيرة والجن».

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق من الأفلام المشوّقة في المهرجان «الثقة» لدانيال لوشيتي (السفارة الإيطالية)

بيروت تستضيف النسخة الأولى من «مهرجان الفيلم الإيطالي»

في 24 يناير (كانون الثاني) الحالي ينظّم «المعهد الثقافي الإيطالي» النسخة الأولى من «مهرجان الفيلم الإيطالي» في بيروت، بتعاون مع سينما «متروبوليس».

فيفيان حداد (بيروت)

«مهرجان برلين» يرفع ميزانيته مُجابهاً التحديات

«بلو مون» (سينيتك ميديا)
«بلو مون» (سينيتك ميديا)
TT

«مهرجان برلين» يرفع ميزانيته مُجابهاً التحديات

«بلو مون» (سينيتك ميديا)
«بلو مون» (سينيتك ميديا)

75 سنة مرّت على تأسيس «مهرجان برلين السينمائي» الذي سينطلق في 13 فبراير (شباط) المقبل ويسدل ستارة الختام في يوم 23 من فبراير.

10 أيام ستمر تحت بصمة المديرة العامّة الجديدة تريشيا تاتل التي خلفت إدارة لم تنجح في صيانة المهرجان من النقد ولا في حشد المطلوب أو المتوقع من الأفلام الكبيرة. لا يمكن تجاهل أن مهرجان برلين كان تراجع عما كان عليه قبل انتشار «كوفيد - 19» ليس لأنه توقف لسنة عمد فيها إلى إرسال الأفلام لمتابعيه عبر الأثير، لكن بسبب إدارة أخفقت في جلب السينمائيين الأهم كما كان الحال في عقود برلين الغابرة.

تريشيا تاتل مديرة «مهرجان برلين» الجديدة (برلينالي).

فشل الإدارة السابقة سبب رئيسي في هذا التراجع لكنه ليس الوحيد. هناك حقيقة أن المهرجان يبدأ مبكراً في كل عام، مما يحد من قدرة الأفلام المعروضة فيه للانتقال إلى رحاب موسم الجوائز وصولاً إلى الأوسكار كما حال مهرجاني «كان» و«ڤينيسيا» اللذين يتنافسان حالياً على من يستطيع إيصال فيلمه لترشيحات أوسكار العام الحالي. تقوم المنافسة بين فيلم «ذا بروتاليست» (The Brutalist) الذي عُرض في ڤينيسيا و«إيميليا بيريز» الذي عرضه «كان». كلاهما سيدخل سباق الأوسكار رسمياً لكن واحداً فقط قد يفوز بالجائزة الثمينة.

كذلك بين مخرجيه، برادي كوربيت وجاك أوديار، وبين أبطالٍ من كلا الفيلمين مثل أدريان برودي عن «ذا بروتاليست» وزوي سالادنا في «إيميليا بيريز».

عقبات

هذا وضعٌ دخيل يترك أثره على مجمل عمليات الاختيار والعروض في الوقت الذي يحاول فيه مخرجون أوروبيون وعرب وآسيويون كثيرون إيجاد موطئ قدم في مثل هذه المناسبات. في هذا الاتجاه يبدو أن «برلين» هو الذي يحظى باهتمام المخرجين والمنتجين الذين ما زالوا أكثر استقلالية وأقل شهرة من سواهم.

على أن المشكلة الأساسية الكامنة في تفضيل المخرجين والمنتجين «الكبار» في مهرجاني «كان» و«ڤينيسيا» لا تزال قائمة ومؤثرة. عقبة لا يمانع المهرجان الألماني من تجاوزها في الدورات المقبلة إذا ما استطاع.

حالياً، معظم الأفلام المشاركة في مسابقة هذه الدورة وخارجها، هي لأسماء قليلة الشهرة أو جديدة وغير معروفة كثيراً، كما تفصح قائمة الأفلام المتسابقة لدورة العام الحالي.

هذه تضمّ 19 فيلماً من بينها فيلمان فقط لأسماء تتمتع بالحضور الفني والإعلامي، هما الأميركي ريتشارد لينكلاترالذي سيعرض فيلمه الجديد «Blue Moon» والروماني رادو جود الذي يتقدّم بفيلم «كونتيننتال 25». كلاهما اشترك في مسابقات «برلين» ودوراته من قبل.

الباقون من ذوي الأسماء الأقل شهرة مروراً بمن لا شهرة لهم على الإطلاق. هذا لا يعني حكماً لصالح أحد أو ضد أحد، بل واقعَ حالٍ لمهرجان ما زال يلعب دوراً كبيراً في حياة السينما العالمية رغم هذه العقبات المذكورة.

وتأكيداً على أهميّة دوره، منحت الحكومة الألمانية المهرجان مبلغ مليوني يورو علاوة على الميزانية المقررة له سابقاً. وهناك صعود تدريجي في تكلفة هذا الحدث منذ 2011 عندما بلغت ميزانيته 19 مليوناً ونصف، وحافظت على هذا القدر للعامين التاليين وارتفعت إلى 21 مليون يورو، ومن ثم أضافت مليون يورو كل سنة حتى عام 2020 عندما ارتفعت مجدداً إلى 27 مليوناً و200 ألف يورو. في 2021 قُلّصت الميزانية لـ21 مليوناً و300 ألف يورو، وارتفعت مجدداً في العام التالي إلى 28 مليوناً و800 ألف يورو، وواصلت ارتفاعها في عام 2023 لتبلغ 32 مليوناً و300 ألف يورو. في العام الماضي ارتفعت الميزانية مجدداً إلى 33 مليون يورو قبل إضافة المنحة الجديدة لدورة العام الحالي.

جورج خبّاز وهانا شيغولا في «يونان» (فريسكو فيلمز)

ثلاثية خاصّة

الاشتراك السعودي لافت هذه السنة ومضمون عبر 3 أفلام مُوّلت مشاركة في دول عربية وغربية أخرى.

في المسابقة «يونان» لعمير فخر الدين الذي يحمل اسم المملكة إلى جانب ألمانيا وكندا وإيطاليا غرباً، وفلسطين وقطر والأردن شرقاً. دراما عن مؤلف كُتبٍ عربي يترك بلاده مهاجراً إلى جزيرة تقع في شمال أوروبا بغية الانتحار. سيعدل عن ذلك بتأثير من امرأة مسنّة تُدير الفندق الذي حلّ به. أسماء مهمّة في هذا الفيلم منها الفلسطيني علي سليمان والألمانية هانا شيغولا كما اللبناني جورج خبّاز.

الفيلم الثاني انطلق إنتاجاً مصرياً في الأساس تحت عنوان «التسوية» لمحمود رشاد (يعرض في قسم «رسبكتيفز») وتمويله الغالب جاء من السعودية وقطر وفرنسا وألمانيا. قصّة شقيقين أمام أزمة ناتجة عن حادث وقع لوالدهما في المصنع حيث يعمل ويعرض تسوية غير مناسبة.

الفيلم الثالث سيُعرض خارج المسابقة «برلينال سبَيشال» مع أعلام 3 دول ترفرف فوقه وهو «رؤى موروثة للمستقبل» (Ancestral Visions of the Future) المنتمي إنتاجياً إلى السعودية وألمانيا وفرنسا، ومن إخراج سينمائي جديد ليموهانغ جريمايا موسَس. هذا فيلم غير روائي لم يُكشف بعد عن موضوعه.

في حين من المبكر الحكم على هذه الأفلام وعلى كل الأفلام الأخرى، حتى بقراءة خلفيات بعض مخرجيها الذين سبق لهم وحققوا أفلاماً، إلا أنه يمكن القول إن 17 فيلماً من تلك المتسابقة تُعرض عالمياً للمرّة الأولى باستثناء فيلمين هما الأميركي «لو كان عندي سيقان لرفستك» (If I Had Legs I‪’‬d Kick You) كوميديا من الجديدة ماري برونستين، الذي سيُعرض في «مهرجان صندانس» خلال الأيام القليلة المقبلة.

الفيلم الثاني من النرويج بعنوان «أحلام. جنس. حب» لداغ يوهان هوغرود الذي بُوشر عرضه في النرويج هذا الشهر.