«فضاء»... جسر تواصل لذاكرة المسرحين اللبناني والعربي

لينا أبيض تتبرع للمؤسسة بأرشيفها كاملاً

علية الخالدي تشرح أهداف «فضاء»... (الشرق الأوسط)
علية الخالدي تشرح أهداف «فضاء»... (الشرق الأوسط)
TT

«فضاء»... جسر تواصل لذاكرة المسرحين اللبناني والعربي

علية الخالدي تشرح أهداف «فضاء»... (الشرق الأوسط)
علية الخالدي تشرح أهداف «فضاء»... (الشرق الأوسط)

ماذا تعرفون عن مسرحكم؟ هو السؤال الذي لم تستطع الرد عليه علية الخالدي عندما كانت طالبة ماجستير. وتقول: «راح جميع الطلاب المنحدرين من دول مختلفة يجيبون عن هذا السؤال مستعرضين تاريخ خشبة المسرح في بلادهم... كان بينهم يونانيون ويابانيون وأوروبيون، فشعرت بالخجل. فبالكاد كنت أعرف القليل عن بريخت وشكسبير. ولكن للأسف لا أعلم أي شيء عن تاريخ المسرح اللبناني».
ومنذ ذلك اليوم أكملت الخالدي دراستها ونالت الدكتوراه في المسرح اللبناني لتتعرف إليه من كثب. وكانت أصعب مهامها في رحلتها الدراسية هذه هي إيجاد معلومات موثقة عنه. اشترت الكتب الواحد تلو الآخر للاطلاع على تاريخ هذا الفن، فجمعت في مكتبتها الخاصة نحو 300 كتاب، توثق مراحل مختلفة للمسرح اللبناني. وهو ما دفع بها بعد حين للتفكير في إطلاق «فضاء» بوصفها مؤسسة لفنون المسرح العربي. وهي جمعية تعنى بأرشفة جميع الوثائق والكتب والنصوص والمواد المسرحية المتعلقة بالمسرحين في لبنان والعالم العربي.

فايق حميصي وعايدة صبرا خلال الإعلان عن «فضاء»... (الشرق الأوسط)

من المعروف أن المسؤولين عن الأرشيف هم الأوصياء على الأدلة التي تبنى على ركيزتها الحقيقة. ولذلك أخذت الدكتورة علية وقتها لتطلق جمعيتها هذه بعد عمل استمر نحو 10 سنوات. وفي «قاعة نهى الراضي» في «مسرح المدينة» عقدت الخالدي مؤتمراً صحافياً أعلنت خلاله عن ولادة «فضاء». وأحاط بالخالدي مسرحيون لبنانيون عريقون؛ أمثال فايق حميصي، وعايدة صبرا، وفاديا تنير. وبعدها تعرف المدعوون على الأعضاء السبعة المؤسسين للجمعية؛ بينهم المخرجة لينا أبيض، والكاتبة ديمة متى، والممثلان فيروز أبو الحسن، وعبد الرحيم العوجي... وغيرهما. وبالتالي أُعلن عن أسماء الهيئة الاستشارية للجمعية؛ وبينهم بطرس روحانا، وبول مطر، وعبده وازن، وروجيه عساف... وغيرهم.
أما الهدف الرئيسي لهذه الجمعية؛ فهو جمع كل المواد والمعلومات المتعلقة بمسرحي لبنان والعالم العربي. وكذلك تنظيم نقاشات وورشات عمل للوصول إلى مواد بحثية مؤرشفة ومرقمة بمهنية عالية.
وخلال المؤتمر؛ فاجأت المخرجة لينا أبيض الحضور بإعلانها التبرع بكامل أرشيفها المسرحي إلى الجمعية. وأوضحت في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنها رأت في هذه الخطوة خير مصير لأرشيفها الطويل. وتابعت: «أعرف تماماً أن أولادي لن يهتموا بأرشيفي من بعدي. فهم يعيشون خارج لبنان، كما أن منازلهم الصغيرة لن تستطيع استيعابه». وكانت فكرة التبرع لـ«فضاء» قد راودت أبيض إثر فقدانها صديقتها الممثلة رينيه الديك... «لقد كان منزلها صغيراً، ولكنه بمثابة متحف لجميع أعمالها وكل الأزياء والأدوات التي استعانت بها. وبعد رحيلها ضاع هذا الأرشيف القيم، فلا يوجد من يهتم به. هذا الأمر أثر في كثيراً، ولذلك قررت التبرع بأرشيفي إلى (فضاء)».
لينا أبيض مرّت هي أيضاً بالحرج نفسه: «عندما كنت في جامعة السوربون أحضر لشهادتي العليا (إم أي) في باريس رأيت كيف الأفريقي والهندي والأوروبي يعمل على مسرحه؛ إلا أنا، لم أجد شيئاً عن المسرح اللبناني. فبقي الأمر حرقة في قلبي؛ لأنني استبدلت أطروحتي؛ حول المسرح الفرنسي بدل اللبناني». وعن أهمية هذه المبادرة تقول: «أعدّها من أهم المبادرات في مجال الثقافة بحيث تحيي تاريخ مسرحنا العريق».

عايدة صبرا وفاديا تنير في اسكتش فكاهي (الشرق الأوسط)

وأشارت دكتورة علية الخالدي لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «فضاء» ستعمل خلال السنوات الثلاث الأولى على تأريخ المسرح اللبناني وتوثيقه. ومن ثمّ ستتفرغ للمسرح العربي بحيث تستعين باختصاصيين من المسارح السورية والمصرية والتونسية... وغيرها. ويتحول هؤلاء إلى مراجع تؤلف شبكة تواصل واسعة من شأنها أن تسهم في حفظ ذاكرة المسرح العربي. وعن طبيعة ما تحمله بدايات توثيق المسرح اللبناني، تقول: «سنبدأ من العصور الوسطى بالدمى المتحركة والحكواتي والطقوس الدرامية التي كانت منتشرة في تلك الحقبة مثل (خيال الظل) و(التعزية). فجميعها كانت فنوناً تمارس في المسرح اللبناني قبل أن يدخله مارون النقاش في عام 1847 من بابه الواسع مع المسرح الحديث. لا حدود معينة لما نقوم به، ولكننا سنحاول الوقوف على الأولين الذين أسسوا لفن المسرح قبل مارون النقاش (أبو المسرح في لبنان والعالم العربي). وسنواصل أبحاثنا حتى الوصول إلى مسرح الرحابنة وروميو لحود وما إلى هنالك من أسماء حفرت بذاكرة لبنان والعرب في مجال المسرح ككل».
ورأت عايدة صبرا أن من شأن هذه الجمعية أن تحفز الجيل الجديد على الاطلاع على تاريخ مسرحه وتنمي شغفه بهذا الفن. وعما إذا كان بإمكاننا أن نبني الشغف؛ تجيب لـ«الشرق الأوسط»: «طبعاً في إمكاننا عندما نقدم جميع المعلومات المتعلقة برواد المسرح اللبناني. فيتعرف هذا الجيل على المصاعب والجهد الذي بذله عمالقة مسرحنا. نمرر له بهذه الطريقة الطاقة التي يحتاجها في ظل فقدانه لها اليوم. فعندما توجد الخلفية الغنية من تاريخ وذاكرة، يصبح عنده الأصول للانطلاق إلى الأمام. فتؤلف أرضيه ثابتة له في هذا المجال. وهو الدور الذي ستلعبه (فضاء)».
بالنسبة إلى الممثل الإيمائي المسرحي المشهور فايق حميصي، فرأى «أننا في لبنان نعاني من نقص بذاكرة المسرح؛ لأنها تضمحل وتختفي بعد رحيل رواده ومؤسسيه». ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «الحضارة هي بالفن وليست بالسياسة، والدليل على ذلك هو أننا إذا سألنا أحدهم عمن كان يحكم بريطانيا أيام شكسبير، فهو لن يستطيع الإجابة. ففن شكسبير هو الذي أثّر في الذاكرة الجماعية وليست الحقبة السياسية التي رافقته».
ويشبّه حميصي مسار المسرح أو الفن بشكل عام بـ«البصمات التي نتركها على الرمل. يبدأ بها المؤسسون ويلحق بهم الباقون. فتكون من خلال هذه الدعسات ذاكرة تزودنا بطرف الخيط الذي معه نستطيع أن نبدأ». ومن ناحيته، استطاع أن يؤلف مرجعاً علمياً خاصاً بفن الإيماء في العالم العربي. وأجرى أبحاثاً ودراسات دقيقة كي يستطيع تحديد هوية مؤسس هذا الفن. واكتشف أنه كان أول من نشره في العالم العربي انطلاقاً من لبنان. «إننا بحاجة إلى مرجع علمي مثل (فضاء) يؤمن لنا هذا المسار، ولكنه يحتاج إلى تمويل ونظام دولي كي ينمو باستمرار. ولكننا في لبنان مضطرون إلى أن نمشي بالمشروع أفراداً. كما أن في بلدان عربية كثيرة شخصنوا هذا النوع من المسارات تبعاً لأنظمة سياسية معينة. ولكننا في لبنان ومع (فضاء) لن نفصّل ونخيّط المعلومات على سجيتنا. فـ(فضاء) ستكون المرجع العلمي المطلوب والموثوق به، بهمة أشخاص محترفين، يدركون أهمية ما يقومون به للبنان والعالم العربي».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

إسرائيل تقصف 3 بلدات جنوب لبنان... وتتهم «حزب الله» بـ«انتهاك» وقف النار

جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تقصف 3 بلدات جنوب لبنان... وتتهم «حزب الله» بـ«انتهاك» وقف النار

جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)

قالت مصادر أمنية ووسائل إعلام رسمية إن نيران دبابات إسرائيلية أصابت 3 بلدات على الحدود الجنوبية الشرقية للبنان مع إسرائيل اليوم (الخميس)، بعد يوم من سريان وقف إطلاق النار الذي يحظر «العمليات العسكرية الهجومية»، وفق «رويترز».

وأصابت نيران الدبابات بلدات مركبا والوزاني وكفرشوبا، وجميعها يقع على بُعد كيلومترَيْن من الخط الأزرق الذي يرسم الحدود بين لبنان وإسرائيل. وأوضح أحد المصادر الأمنية أن شخصين أُصيبا في بلدة مركبا.

بدورها، أفادت «الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام»، بإصابة شخصين جراء قصف إسرائيلي استهدف بلدة مركبا في قضاء مرجعيون بمحافظة النبطية، جنوب البلاد.

من جهته، قال الجيش الإسرائيلي إنه رصد وصول مشتبَه بهم إلى عدد من المناطق في جنوب لبنان، ووصف ذلك بأنه انتهاك لوقف إطلاق نار مع «حزب الله».

ودخل وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني حيز التنفيذ، أمس (الأربعاء)، بموجب اتفاق بوساطة أميركية وفرنسية، في خطوة من شأنها السماح للسكان في البلدين بالبدء في العودة إلى منازلهم في المناطق الحدودية المدمرة بفعل مواجهات استمرت 14 شهراً.

لكن تنظيم عودة السكان إلى منازلهم يواجه تعقيدات مع استمرار تمركز القوات الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية في البلدات الواقعة على الحدود.

وأمر الجيش الإسرائيلي، صباح اليوم (الخميس)، سكان البلدات الواقعة على الشريط الحدودي بعدم العودة حالياً، من أجل سلامتهم.

وتقع البلدات الثلاث التي أصابتها نيران الدبابات الإسرائيلية، صباح اليوم، على الشريط الحدودي.

وأنهى الاتفاق، وهو إنجاز دبلوماسي نادر في منطقة تمزقها الصراعات، أعنف مواجهة بين إسرائيل والجماعة المسلحة المدعومة من إيران منذ سنوات. لكن إسرائيل لا تزال تخوض حرباً ضد حركة «حماس» في قطاع غزة.

وبموجب شروط وقف إطلاق النار، يمكن للقوات الإسرائيلية أن تستغرق ما يصل إلى 60 يوماً للانسحاب من جنوب لبنان.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه أصدر تعليمات للجيش بعدم السماح للسكان بالعودة إلى القرى القريبة من الحدود.

في حين قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، المفاوض الرئيسي للبنان في محادثات وقف إطلاق النار، أمس (الأربعاء)، إن السكان يمكنهم العودة إلى منازلهم.