من التبيين إلى التبليغ: الكتابة في الفن المعاصر

تجلَّت في التشكيل بالحرف وأعمال التركيب والغرافيتي

يمكن التمييز ضمن جدلية التبيين والتبليغ بين مستويات عديدة   القائمة على وضع الحرف والكلمة أهمها متصل بأعمال التركيب
يمكن التمييز ضمن جدلية التبيين والتبليغ بين مستويات عديدة القائمة على وضع الحرف والكلمة أهمها متصل بأعمال التركيب
TT

من التبيين إلى التبليغ: الكتابة في الفن المعاصر

يمكن التمييز ضمن جدلية التبيين والتبليغ بين مستويات عديدة   القائمة على وضع الحرف والكلمة أهمها متصل بأعمال التركيب
يمكن التمييز ضمن جدلية التبيين والتبليغ بين مستويات عديدة القائمة على وضع الحرف والكلمة أهمها متصل بأعمال التركيب

مثلت الكتابة أداة للتبليغ في أعمال الفن المعاصر، بينما شكلت الكتلة البصرية قالباً للتبيين، وإعمال الفكر في بنية القول من حروف وكلمات وجمل، وهو الاختيار الذي تجلى على نحو بارز في صيغ التجهيز وفي اللوحة المعاصرة المرتكزة أساساً على الموازنة بين الصباغة والكولاج وإدماج الجاهز على مختلف الحوامل وأشكال السند، وأيضاً في فن الشارع الذي سكنه هاجس التبليغ بالموازاة مع مقاصد التبيين، للتأثير في أكبر شريحة من الجمهور.
ويمكن التمييز ضمن جدلية التبيين والتبليغ بين مستويات عديدة أهمها متصل بأعمال التركيب القائمة على وضع الحرف والكلمة بوصفها علامات قادمة من مرجعيات شتى في بؤرة العمل، ومستوى ثانٍ خاص بفن اللوحة، حيث يشكل السند بديلاً للصفحة في تمثل المكتوب، وتوزيع تشخصاته، وثالث متعلق بنزعة فن الشارع من جداريات و«غرافيتي» أساساً، إلى إبلاغ رسائل فكرية وسياسية وعقائدية، بنفس تهكمي تارة، واحتجاجي تارة أخرى ونقدي دائماً.
هكذا نجد عدداً كبيراً من أعمال النحت والتجهيز تخترقها الحروف المتشظية والمفردات أو حتى المقاطع، على سطحها أو في عمقها، أو أن هيكل العمل في بنيته الكلية ينهض على طبقات وافدة من إعادة تخطيط المفردة، وتحويلها من رسم مخطوط قابل للاستيعاب، إلى جذع ناقص موزع وفي وضع مرتبك، لا يحيل على معنى محدد، ففي عمل لسيزار بالداتشيني، يحمل عنوان: «سيزار»، يلوح من مستطيل معدني بطبقات وحواف منثنية الكلمة الدالة على المشروب الغازي «طونيك» على خلفية صفراء، ومن واجهة أخرى تفاصيل من علامة «كوكا كولا»، على سطح مكتنف بالتشوهات الزنكية المضغوطة، يتعلق الأمر بسدادات زجاجات المشروبات الغازية، المكتسحة للفضاءات العمومية، تبدو الكتلة في وضع تداخل عضوي ولوني متماهياً ومتوحداً، يفضي إلى إنتاج مكعب متداخل، تنثني حوافه وتنكمش صيغها اللونية في العمق الفضي للمعدن. ثمة إيحاء بانتهاء الصلاحية والتلاشي للشيء وللحرف المطبوع على حدٍ سواء، وانغمارهما معاً في لعبة إعادة التكوين، فالقول في النهاية ليس إلا إعادة تدوير للحروف والكلمات والجمل منتهية الصلاحية في استعمالها الظرفي، على نحو مستمر.
وفي منحوتات وتجهيزات أخرى متباينة الأحجام والصيغ، قدت من المعدن أو من الورق، تطفر المفردات في الغالب على نحو ناقص أو مثلوم أو متشظٍ، لتقول ما انقطع وفصل من منبته وتستثير السؤال عن تكوينها الجديد، أي خروجها من الاستعمال إلى التعبير الفني، في إحدى تلك المنحوتات، بعنوان «ريكار» لباداتشيني يبرز حرفا الراء والدال الأصفران يعلوهما مثلث - هرم باللون نفسه على خلفية زرقاء محفوفة بالأحمر المتضائل في عمق انثناءات الزنك في واجهة المستطيل الواقف. المشاهد لا يميز إلا أنها نثار علامة بائدة لهيكل سابق، بيد أنها باتت كتلة لا تنطوي إلا على مادتها الخارجية، فتتجلى الكتابة بوصفها جزءاً من الكتلة (الجسد) ومكوناً لهويته، قد تنمحي بشكل تدريجي، بيد أنها تصمد طويلاً وتحتفظ بأثرها الظاهر؛ التبيين هنا لا ينهض بغير ما تضمين للعلامة: لحرفي الراء والدال، أو «طونيك» و«كوكا كولا» في العمل السابق، ولا تهم دلالتهما الأصلية المنسوخة، وإنما ما قد توحيان به من معانٍ طارئة في اجتهادات التفسير بصدد الأصلي والزائف، أو الحقيقي والكاذب. هل الهيكل المعدني في وضعه الأول هو الأصل أم كتلته الجديدة؟ هو سؤال غير مكتوب، بيد أنه نافذ من صميم العمل القائم على الكتابة بالأثر المرئي. في تعبير لموريس مرلوبونتي: «لا وجود لمظهر دون إظهار وكل مظهر هو نسخة لإظهار»، أي أن الكتلة المرئية مرهونة بما تجليه، وبما تنطق به، وليس بطبيعتها الخرساء المقيمة، والمنطوق أو «الإظهار» مشروط بفعالية مخيلة التلقي.
ولعل أشكال وأساليب اللوحة المعاصرة في اجتبائها للمكتوب، سيما في التجارب الفنية العربية المعاصرة قمينة بإظهار مستوى مختلف من جدلية التبيين والتبليغ، ذلك المتعلق بالتبيين عبر الحروفيات، وبإدماج الكلمات والجمل والمقاطع، حيث يعاد تنظيم الصلة بين المعنى والعلامة المرئية على السند، فلا يضحى البعد الأفقي القائم على التبليغ هو القاعدة وإنما تبيين كتلة الحرف في تشخصاتها البصرية العمودية الماضية إلى جوهرها المطلق، ذلك ما أسماه شاكر حسن آل سعيد بالبعد الواحد للحرف، الذي لا يتجلى في التداولي - الكتابي، خارج التعبير الفني للوحات، إلا في الفعل التلقائي لعمل اليد غير المدربة ولا المنظمة، والتي يعكس تخطيطها إحساساً بالدوال، بقدر ما تجسد الحروف المرقومة حالة وعي بها، تمثل صورة مستقلة عن القصد التبليغي للمعنى، في تعبير للفنان العراقي يقول: «إني أحب أن أكتب الحرف في لوحاتي بطريقة الأطفال وطلاب المدارس وأنصاف المثقفين، أكثر من أن أكتبه بطريقة ماكينة الطباعة، أو الخطاط».
في عمل لشاكر حسن آل سعيد عمل عنوان: «خطوط على جدار»، برز الحرف في وضع برزخي بين الخفاء والتجلي، صيرورة ترتقي من عمق شبحي إلى تسطير، على خلفية تتدرج في مقامات اللون البنّي من القاعدة الداكنة إلى الأعلى الفاتح، مع تنويع في الحواف والعمق لمستويات القتامة، ثمة في البؤرة كلمتان لا تبينان، نصفهما معتم والنصف الآخر ظاهر، فيقع المشاهد أمام احتمالات: «هو الله»، أو«و الله»، أو«و له»، أو غيرها من إمكانات التهجية، بيد أن المهيمن في الكلمة الأولى هو «الواو» العاتي الماضي إلى مستقره كحركة محورية في التفاصيل، من لمسة الفرشاة السوداء في الوسط يساراً التي تترقرق من أسفلها دموع الحبر، والسطح المبقع بما يشبه نقاطاً لحروف ممحوة، وأرضية خضبها الحبر المسفوح.
والظاهر أن القصد من كل ذلك هو وضع «الواو» خارج سياق استعماله، أو وظيفته في التركيب، بما هو أداة انتقال، وعطف ومصاحبة أو قسم، إلى صفته باعتباره حركة لليد تخط ما يشبه نواة زوبعة على أديم، وهو الوضع الذي يجعل من تهجي لفظ الجلالة خارج الشك مهما ضمرت بدايته واختصرت إلى مجرد لام وهاء، إذ الحال يقتضي النظر إلى المآل بما هو حصيلة حتمية دالة لا تحتاج إلى تبيين. فاللوحة في هذا المنظور أشبه ما تكون بالجدار، ومحتواها ينظر إلى خربشات العابرين المجهولين، الناقصة والمعتمة والعشوائية، إذ لا يكون القصد منها تبليغ معنى، وإنما تشكيل صورة وتكدير بياض وتخليد أثر، وما بين تفاصيل ذلك رصدٌ لإيقاع التلاشي والانمحاء، حيث لا يبقى المكتوب دالاً بمعناه وإنما بمبناه المرئي والمحسوس، والمنذور للفناء.
وفي مستوى مغاير لجدل التبيين والتبليغ بين المكتوب والبصري في أعمال الفن المعاصر يتعلق الأمر بنزعة «فن الشارع» من جداريات و«غرافيتي»، إلى دمج التشكيل الحروفي باستراتيجيات التلطيخ الاحتجاجي، حيث يفقد القول معناه المباشر إلى ظاهره التشويشي للمكتوب على السند المملوك للغير. إن الكتابة في مرامي التصوير هنا، تشكل جزءاً من مرامي عنف التبيين، وفي هذا السياق تحديداً يمكن أن نرى أعمال الغرافيتي، التلقائية، والمؤقتة، بوصفها النموذج النقيض، في حيز الكتابة بالبصري، لمفهوم الأسلوب الاستشرافي المتصل بالمنحوتات والتجهيزات المثبتة في الفناءات المدينية، بقصد البقاء والخلود. إنه فن المظاهرات والانتفاضات والاحتجاج، وهو فن اللحظة، الذي يبقى مقترناً بها، ويتحول لشاهد أو ذكرى، إن لم يتم محوه أو طلاؤه باعتباره تجسيداً لزيغ تعبيري، مقترن بوعي فناني الشارع (المعلومين والمجهولين)، ممن يسكن وعيهم وخيالهم الرغبة في تمثيل الغائبين وإسماع صوتهم للسلطة وإزعاجها، وذلك بجعل المكتوب يقول ويحجب في آن، ويرمي لصدم المشاهد برغبته في خدش الصفاء الصباغي وتلويثه. حيث لا يمكن النظر لأعمال الغرافيتي المتمركزة حول أفكار العدل والحق والثورة والحرية بوصفها كيانات جمالية مجردة، وإلا لما كان ثمة تاريخ للجداريات بهذا الرصيد الممتد، منذ الأسطوريات القديمة إلى العقائديات السياسية الحديثة والمعاصرة، حيث يبدو المكتوب مدمجاً في رغبة تخليد الأثر المرئي الصاعق والحاد.
في جدار عمومي بمدينة «براغ» يحمل عنوان: «جون لينون وول»، تتراكب طبقات الألوان على نحو عشوائي، الأخضر والأصفر والأبيض والأسود والبني والبنفسجي والأزرق عبر خطوط ودوائر وعلامات تجارية ودينية وجنسية ولغوية، مفردات وجمل وأحرف متشظية، تقول وتحجب وتطمس بعضها، في لعبة ناسخ ومنسوخ بصري، يتجلى القول كذريعة للاسترسال في التلوين والصباغة ومضاعفة طبقات الصباغة على سند إسمنتي ثابت، لا يبدو الاحتجاج ولا النقد محركاً ما كتب، وإنما توجيه رسائل ناقصة لمن يهمهم الأمر، من أشخاص حقيقيين أو متخيلين، وتخليد القول بما هو شهادة عبور من أمام اللوحة الجماعية. ففي أحيان عديدة تتحول جداريات «الغرافيتي» إلى ذاكرة للعبور، وتقاطع المسارات والأقوال واللغات والرموز، ذاكرة للأثر الذي يركب مع تواتر الزمن معالم لوحة من دون موضوع ولا قصد ولا تخطيط، قصاراها التبيين بالإشارة وتخطي وضوح القول. وكسر سلطة المتحف والرواق اللذين يحتضنان، ما وسمه بعض النقاد المنحازين للفن المعاصر بـ«المصطنع والموغل في التعقيد، بوصفه فن المثقفين».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)
مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)
TT

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)
مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

يَندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هُوبَال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد فقط، وتحوّل سريعاً إلى «تريند» على شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال مقاطع الفيديو والأحاديث التي تتناول تفاصيل العمل الذي يجمع للمرة الثالثة بين المخرج عبد العزيز الشلاحي والكاتب مفرج المجفل.

يتحدث بطل الفيلم مشعل المطيري، لـ«الشرق الأوسط»، عن السر في ذلك قائلاً: «حين يكون الفيلم مصنوعاً بشكل جيد، فمن المتوقع أن يلقى إقبالاً كبيراً لدى الجمهور»، مشيراً إلى أن «هُوبَال» يحكي قصة إنسانية قريبة للناس، تم سردها في بيئة مغرية وسط الصحراء، مما جعل الكثيرين يتحمسون لمشاهدته.

ويتابع المطيري: «ارتباط الفيلم بالبيئة البدوية جعله جاذباً، ورغم أننا شاهدنا أعمالاً درامية وسينمائية لها علاقة بمجتمعات معينة، فإن البيئة البدوية لم يسبق أن جرى تقديمها بهذا التركيز من قبل، وهذه ميزة زادت من رغبة الناس في مشاهدة العمل». مؤكداً في الوقت نفسه أن الفيلم يناسب جميع أفراد العائلة، وهو ما لاحظه في صالات السينما، التي ضمَّت صغار وكبار السن على حد سواء.

يدور الفيلم حول العزلة في الصحراء والتحديات التي تواجه العائلة بسبب ذلك (الشرق الأوسط)

قصة الفيلم

تدور أحداث فيلم «هُوبَال» في السعودية خلال الفترة التي تلت أحداث حرب الخليج الثانية، ويتناول قصة عائلة بدوية تقرر العيش في عزلة تامة وسط الصحراء جرّاء اعتقاد «الجد ليام»، (إبراهيم الحساوي)، بقرب قيام الساعة بعد ظهور علامات تؤكد مزاعمه.

هذه العزلة تُعرضه لامتحان صعب عندما تصاب حفيدته بمرض مُعدٍ يحتِّم على الجميع عدم الاقتراب منها، الأمر الذي يدفع والدتها سرّاً (ميلا الزهراني) إلى التفكير في تحدي قوانين الجد لإنقاذ ابنتها، وهو ما يصطدم بمعارضة شديدة من زوجها «شنار»، (مشعل المطيري).

سينما الصحراء

ورغم أن العائلة انزوت في الصحراء هرباً من المدينة، فإن مشعل المطيري لا يرى أن «هُوبَال» يأتي ضمن تصنيف سينما الصحراء بالمفهوم الدارج، بل يشير إلى أن له تصنيفاً مختلفاً، خصوصاً أن العمل يتناول فترة التسعينات من القرن الماضي، عن ذلك يقول: «هي فكرة ذكية في توظيف الصحراء في فترة زمنية قريبة نسبياً، كما أن شخصيات الفيلم لم تنقطع تماماً عن المدينة، بل كان بعضهم يرتادها للبيع والشراء، فحياتهم كانت مرتبطة بالمدينة بشكل أو بآخر».

ويشير المطيري هنا إلى أن الصحراء كانت اختياراً في القصة وليست واقعاً محل التسليم التام، مضيفاً أن «المخرج تعامل مع البيئة الصحراوية بدقة كبيرة، من حيث تفاصيل الحياة التي رآها المُشاهد في الفيلم». ويؤمن المطيري بأنه ما زال هناك كثير من الحكايات المستلهَمة من عمق الصحراء وتنتظر المعالجة السينمائية.

مشعل المطيري في دور «شنار» بالفيلم (الشرق الأوسط)

«شنّار بن ليام»

يصف المطيري شخصية «شنار بن ليام» التي لعب دورها بأنه «شخص سلبي، ومخيف أحياناً، كما أنه جبان، وبراغماتي، وواقعي إلى حد كبير مقارنةً ببقية أهله، حيث لم يستطع معارضة والده، وكانت لديه فرصة لعيش الحياة التي يريدها بشكل آخر، كما أنه حاول الاستفادة من الظروف التي حوله». ويرى المطيري أنها من أكثر الشخصيات وضوحاً في النص، ولم تكن شريرة بالمعنى التقليدي لمفهوم الشر في السينما.

ويمثل «هُوبَال» بدايةً قوية للسينما السعودية في مطلع 2025، وهنا يصف المطيري المشهد السينمائي المحلي بالقول: «هناك تطور رائع نعيشه عاماً تلوم آخر، وكل تجربة تأتي أقوى وأفضل مما سبقها، كما أننا موعودون بأعمال قادمة، وننتظر عرض أفلام جرى الانتهاء من تصويرها مؤخراً». ويختم حديثه بالقول: «كل فيلم جيد يسهم في رفع ثقة الجمهور بالسينما المحليّة، وتباين مستوى الأفلام أمر طبيعي، لكن الأهم ألا يفقد الجمهور ثقته بالأفلام السعودية».

تجدر الإشارة إلى أن فيلم «هُوبَال» حقَّق أداءً مميزاً في شِبّاك التذاكر في أول 3 أيام من عرضه، وتجاوزت مبيعات التذاكر 30 ألف تذكرة بإيرادات تُقدّر بأكثر 1.5 مليون ريال سعودي.