أسعار الأدوية تزيد معاناة المرضى جنوب سوريا

ارتفعت بنحو خمسة أضعاف منذ 2021

أسعار جديدة للأدوية في صيدليات محافظة درعا (الشرق الأوسط)
أسعار جديدة للأدوية في صيدليات محافظة درعا (الشرق الأوسط)
TT

أسعار الأدوية تزيد معاناة المرضى جنوب سوريا

أسعار جديدة للأدوية في صيدليات محافظة درعا (الشرق الأوسط)
أسعار جديدة للأدوية في صيدليات محافظة درعا (الشرق الأوسط)

دون ضجيج إعلامي وفي وقت انشغل فيه أهل الجنوب السوري بتداعيات قرار رفع أسعار الوقود الصادر صباح الأربعاء الماضي، كانت نشرة حكومية جديدة تتسلل بصمت إلى صيدليات محافظة درعا تعلن عن أسعار جديدة للأدوية. ويزيد هذا الارتفاع في الأسعار من معاناة السوريين، لا سيما المحدودي الدخل، وأولئك الذين يعانون أمراضاً مزمنة ويكونون مضطرين لشراء أدويتهم مهما علا سعرها.
وقال موزع في مستودع للأدوية في درعا إن النشرة الجديدة «ترفع أسعار ما يقارب العشرين صنفاً من الأدوية، لكن بقية الأصناف بقي سعرها ثابتاً». وأوضح: «أصناف الأدوية كافة تتجه إلى الارتفاع خلال الفترة المقبلة والسبب في ذلك أن هناك شركات رفعت أسعار بعض الأصناف التي تنتجها. شركة واحدة أبقت على السعر نفسه ثابتاً دون زيادة. لكن هذا الأمر لن يستمر طويلاً. فالشركة لديها تكاليف مادية للمواد الأولية وستعمل على رفع أسعارها أسوة بغيرها من الشركات». وتابع قائلاً: «مسألة ارتفاع أسعار الدواء ككل مسألة وقت فقط حتى إن لم تعلن الحكومة عن ذلك في قرارها الأخير الذي شمل 20 صنفاً فقط».
في المقابل، قال صاحب مستودع أدوية في ريف درعا تعليقاً على زيادة الأسعار: «الجهة المعنية هي الشركة المنتجة نفسها وقد تبرر بأنها تحاول الاستمرارية في إنتاج معاملها لأصناف الدواء أمام انهيار الليرة (السورية) وارتفاع تكاليف الإنتاج». وأضاف: «لا يمكن رفع سعر الدواء دون ضوء أخضر من مديرية الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة السورية، لكنهم يتخوفون من ردة الفعل عند الإعلان المباشر (عن رفع الأسعار). هذه الطريقة التي تتمثل برفع سعر أصناف محددة من الأدوية، ثم يتبعها رفع أسعار أصناف أخرى، لن تلفت الانتباه»، موضحاً أن بعض الأصناف ارتفع سعرها بناءً على نشرة نظامية لكن أصنافاً أخرى رفعت أسعارها معامل وشركات الأدوية.
ونفى مصدر مسؤول في نقابة الصيادلة لـ«الشرق الأوسط» أن ارتفاع أسعار الأدوية يشمل جميع أصنافها، قائلاً إن «النشرة (أي لائحة الأدوية التي ارتفع سعرها) واضحة. لقد ارتفعت أسعار ما يقارب العشرين صنفاً من الأدوية فقط». ولدى سؤاله عن بقية الأصناف والزيادة التي حصلت عليها، أجاب: «هذه الزيادة مزاجية عند أصحاب الصيدليات وليست مشمولة ضمن القرار الحكومي الأخير». وعن الإجراءات التي ستتخذها النقابة بعد معرفتها بزيادة أسعار الأدوية غير المشمولة بالزيادة الأخيرة، أجاب: «من تثبت عليه دعوى زيادة الأسعار سيتعرض للعقوبات القانونية ذات الشأن».
وهذا الارتفاع في أسعار الأدوية في سوريا ليس الأول من نوعه في الفترة الماضية، فمنذ عام 2021 ارتفع سعر الدواء، سواء بإعلان الحكومة أم دون إعلان منها، بنسبة تصل إلى 500 في المائة، أي بنحو خمسة أضعاف عن أسعارها السابقة. وفي شهر فبراير (شباط) الماضي، أعلنت وزارة الصحة السورية رفع أسعار الدواء المعتمدة لديها بنسبة 30 في المائة، وبررت ذلك بأن هذه الخطوة جاءت لتغطية الكلفة التشغيلية للأصناف الدوائية ولتوفير الضروري منها في الأسواق المحلية. وبعد مرور ما يقارب العشرة أشهر من هذه الزيادة، عادت أسعار الأدوية للارتفاع في ظل انقطاع أصناف كثيرة منها.
وأوجدت أزمة الدواء السوري، سواء كان ذلك نتيجة نفاد الأدوية أو غلائها، سوقاً سوداء لها أسوة ببقية القطاعات الصناعية السورية. وليس المقصود بالسوق السوداء هنا عمليات تهريب الأدوية الأجنبية من خارج البلاد وإنما أصناف الدواء المصنعة محلياً، بحسب ما أوضح أحد الصيادلة لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إن «في كل صيدلية عدداً محدداً من علب الدواء، تصل أحياناً إلى ثلاث علب، المفقودة من السوق. وفي حال طلبنا أكثر من هذا العدد لتلبية مرضانا فإن السعر لنفس المادة ونفس الشركة المنتجة يصل إلى أربعة أضعاف سعرها الأصلي». وأضاف: «يبلغ سعر المضاد الحيوي (أوغمانتين) 12 ألف ليرة سورية للعلبة الواحدة، ولا أستطيع إعطاء المريض سوى شريحة واحدة من هذا الدواء. فإن طلب أخرى فإنها تصبح بالسعر الحر أي ترتفع إلى 25 ألف ليرة سورية». وعلل ذلك قائلاً: «الأمر ليس بيدنا. نحن نلبي طلبات المرضى بأي طريقة، وهذه إحدى الطرق، وفي النهاية مستودع الأدوية هو من يتحكم في السعر».
وتعاني الصيدليات في درعا وريفها من شح دائم في بعض أصناف الأدوية، ما يضطر المرضى إلى البحث مطولاً عن دوائهم أو الانتظار لأسابيع إلى حين تأمينه من الصيدليات التي يتعاملون معها. وقد انعكست هذه الأزمة على شريحة المرضى المصابين بأمراض مزمنة ويحتاجون إلى استمرارية في الدواء.
ويرى مواطنون أن رفع الأسعار هو الحل الوحيد الذي تملكه الحكومة وحجتها الدائمة في ذلك هي تأمين المادة وعدم انقطاعها، إضافة إلى مبرر الكلفة العالية لتصنيعها. لكن منتقدين يقولون إن رفع الأسعار لا يأخذ في عين الاعتبار نسبة دخل المواطن السوري الذي يعاني حالياً من أزمات اقتصادية غير مسبوقة.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

انقلابيو اليمن متهمون بارتكاب انتهاكات ضد أقارب المغتربين

الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)
الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن متهمون بارتكاب انتهاكات ضد أقارب المغتربين

الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)
الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)

صعّدت جماعة الحوثيين في اليمن من وتيرة انتهاكاتها بحق عائلات وأقارب المغتربين لا سيما المنتمون منهم إلى محافظتي إب والضالع، وذلك ضمن استهداف الجماعة الممنهج للسكان في مناطق سيطرتها، بمن فيهم أسر المغتربين في الولايات المتحدة.

وبحسب مصادر حقوقية يمنية، واصلت الجماعة الحوثية تنفيذ سلسلة من الانتهاكات والاعتداءات على ممتلكات وأراضي المغتربين وأسرهم في مديريات الشعر والنادرة وبعدان في محافظة إب، وكذلك في مديريتي جبن ودمت بمحافظة الضالع. وتأتي هذه الانتهاكات ضمن مخططات حوثية تستهدف الاستيلاء على أراضي وعقارات المغتربين.

مدينة إب اليمنية تعيش في فوضى أمنية برعاية حوثية (فيسبوك)

وأفادت تقارير حقوقية يمنية بأن الجماعة صادرت أخيراً أراضي تعود لعائلة «شهبين» في إحدى قرى مديرية الشعر جنوب شرقي إب، كما فرضت حصاراً على منازل الأهالي هناك، وقامت باعتقال عدد منهم. ويُذكر أن كثيراً من أبناء المنطقة منخرطون في الجالية اليمنية بأميركا.

وندّد مغتربون يمنيون في الولايات المتحدة من أبناء مديرية «الشعر» بما وصفوه بالممارسات «غير المبررة» من قِبل مسلحي الحوثيين تجاه أقاربهم وأراضيهم وممتلكاتهم، وأصدروا بياناً يشير إلى تعرُّض أسرهم في محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) لاعتداءات تشمل الحصار والاعتقال، والإجبار على دفع إتاوات.

ودعا البيان جميع المغتربين اليمنيين في الولايات المتحدة إلى حضور اجتماع تضامني في نيويورك لمناقشة سبل دعم ذويهم المتضررين من الانتهاكات الحوثية. وحذّر من أن استمرار صمت الأهالي قد يؤدي إلى تصاعد الاعتداءات عليهم.

ابتزاز واسع

خلال الأيام الأخيرة، شنت الجماعة الحوثية حملات ابتزاز جديدة ضد عائلات مغتربين في أميركا ينتمون إلى مديريات شرق إب، حيث أرغمت كثيراً منهم على دفع مبالغ مالية لدعم ما تُسمّيه «المجهود الحربي»، مهددةً بمصادرة ممتلكاتهم واعتقال ذويهم في حال عدم الدفع.

وفي محافظة الضالع المجاورة، أجبرت الجماعة عائلات مغتربين على تقديم مبالغ مالية، بدعوى دعم مشاريع تنموية تشمل الطرق والجسور وشبكات المياه والصرف الصحي، غير أن ناشطين حقوقيين يرون أن هذه الأموال تُوجَّه لتمويل أنشطة الجماعة، وسط ضغوط كبيرة تمارسها على أقارب المغتربين.

منظر عام لمديرية جبن في محافظة الضالع اليمنية (فيسبوك)

وأشارت مصادر مطَّلعة إلى أن مليارات الريالات اليمنية التي يجمعها الحوثيون من عائدات الدولة والإتاوات تُخصَّص لدعم أتباعهم وتمويل فعاليات ذات طابع طائفي؛ ما يزيد الأعباء على السكان في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

وطالبت أسر المغتربين المتضررة المنظمات الحقوقية الدولية بالتدخل لوقف ممارسات الحوثيين بحقهم، مشيرة إلى أن الأوضاع الاقتصادية المتردية في اليمن تجعلهم يعتمدون بشكل أساسي على الدعم المادي من أبنائهم المغتربين.

وخلال السنوات الأخيرة، أطلقت الجماعة الحوثية حملات نهب ومصادرة ممتلكات المغتربين في صنعاء ومناطق أخرى تحت سيطرتها تحت مسمى «دعم المجهود الحربي»؛ ما يعمّق معاناة هذه الفئة المستهدفة بشكل متكرر من قِبل الجماعة.