عمر نعيم لـ«الشرق الأوسط»: «سكة طويلة» أفضل فيلم حققته حتى اليوم

صوّره في صحراء الخليج ضمن شريط سينمائي يقطع الأنفاس

مشهد الصحراء الجميلة كما يصورها فيلم «سكة طويلة»
مشهد الصحراء الجميلة كما يصورها فيلم «سكة طويلة»
TT

عمر نعيم لـ«الشرق الأوسط»: «سكة طويلة» أفضل فيلم حققته حتى اليوم

مشهد الصحراء الجميلة كما يصورها فيلم «سكة طويلة»
مشهد الصحراء الجميلة كما يصورها فيلم «سكة طويلة»

لن تفارقك أحداث فيلم «سكة طويلة» حتى بعد انتهائك من مشاهدته لنحو 90 دقيقة. أحداثه المثيرة والمشوقة التي تدور في الصحراء على أطول طريق مستقيم في العالم ستسكنك. تحاول الإفلات من الفيلم متنقلاً بين شرائط سينمائية أو مسلسلات درامية أخرى على منصة «نتفليكس» التي تعرضه، لكن مشاهده تلتصق بأفكارك ككابوس انتهيت من هاجسه للتو. إلى هذا الحد نجح كاتب ومخرج الفيلم عمر نعيم في حياكة فيلمه، واضعاً فيه خبراته السينمائية السابقة، ولكن بجرعة حِرفية أكبر.
«سكة طويلة» أو(Route 10) ، هو من نوع أفلام الطريق التي لا انطباعات كثيرة يمكن أن تمارسها عليك، فإما تحبها وتتابعها حتى النهاية بشغف، وإما تغادرها منذ بدايتها دون أسف للملل الذي تحدثه عندك. وفي «سكة طويلة»، وهو من بطولة الممثلين السعوديين براء عالم وفاطمة البنوي، وإنتاج «إم بي سي» و«إيماجينايشن»، ستدرك منذ لحظاته الأولى أنه من الصنف الأول.

بطلا فيلم «سكة طويلة» مع المخرج عمر نعيم (المخرج)

يحكي الفيلم قصة شقيقين «مريم» (فاطمة البنوي) و«ناصر» (براء عالم) المسافرين من الرياض إلى أبوظبي لحضور حفل زفاف والدهما (عبد المحسن النمر). وإثر إلغاء رحلة سفرهما من قبل شركة الطيران، يضطران إلى أن يسلكا طريق البر بناء على نصيحة والدهما. فهو طلب منهما أن يسلكا الطريق السريع «10» الذي يوصل السعودية بأبوظبي ويستغرق نحو 8 ساعات. من هناك تبدأ أحداث الفيلم المثيرة والتي لا تقتصر على الأكشن والتشويق فقط. فكاتب العمل ومخرجه عمر نعيم (نجل نضال الأشقر وفؤاد نعيم) رغب في أن يتضمن الشريط الخط الدرامي المحبوك بإتقان. فعلاقة الأخوين ليست جيدة، وكذلك الأمر بالنسبة لعلاقتهما مع والدهما. وبين البوح والطاعة والتمرد ومراجعة الحسابات العائلية واكتشاف فساد الأب، يأخذنا الفيلم إلى منحى العلاقات الإنسانية، في حين يترك مساحة لجرعات قليلة من الطرافة وأضعافها بكثير من الانتقام والأكشن. فيمارس عليهما عدو مجهول كل أنواع التعذيب، ويلاحقهما طيلة الطريق بسيارته بهدف القضاء عليهما بأي وسيلة.
لم يسبق أن دخلت السينما العربية عملاً من نوع أفلام الطريق. فجاء «سكة طويلة» ليفتتحها بقوة وبدعم من «إم بي سي» بالتعاون مع «إيماجينايشن» العالمية. صحيح أن الفيلم ترفيهي، لكنه يحمل رسالة مباشرة عن العلاقات العائلية المهدمة.
عندما كتب عمر نعيم قصة الفيلم تخيل أحداثه، فرسم حبكته على هذا الأساس. ويقول: «أول فكرة راودتني كانت قريبة من فيلم (بانيك روم) لدايفيد فينشر. بمعنى أن أحداثه تدور في مكان واحد يغلفه الغموض والإثارة معاً. عندها بدأت الكتابة بحيث لا تقتصر أحداثه على سباق السيارات وارتطامها وانقلابها فقط؛ إذ أردتها أن تدخل أعماق المشاهد وتلامسه عن قرب».
وهل وضع نعيم كل طاقته وخبراته في هذا الفيلم؟ يرد: «إلى حد ما، ولكن ليس كلياً؛ إذ أتمنى أن أقدم فيلماً سينمائياً من نوع آخر أبرز فيه طاقات أوسع. هو الأول لي من نوع أفلام الإثارة القائم على السيارات (ستانز فيلم). لطالما حلمت بتحقيق واحد منها منذ نعومة أظفاري، فوضعتها في الإطار الذي تصورته مع شخصيات تشبهنا. كما لعب حضور البطلين وأداؤهما المحترف دوراً رئيسياً في فتح شهيتي على هذا العمل. فالتناغم بين المخرج وأبطال العمل ينعكس إيجاباً على الشريط ككل. ولإنجاز هذا النوع من الأفلام يلزمه تمويل واهتمام من شركة إنتاج عربية ترغب في دخول مغامرة مشابهة. وهو ما وجدته عند (إم بي سي) و(إيماجينايشن). فعندما قرأتا الورق وافقتا، ولا سيما أنهما رغبتا في تسليط الضوء على هذا الطريق السريع والمستقيم الأطول في العالم».

جرى تصوير الفيلم في عام 2020 في عز انتشار جائحة «كوفيد – 19». ودارت كاميرته على مدى 20 يوماً متتالياً بحيث كان على طاقم العمل أن يتحرك من الفندق في الرابعة فجراً للوصول إلى الصحراء بعد نحو 90 دقيقة. واستعان المخرج بتفاصيل صغيرة كي يطبع الفيلم بالهوية السعودية الخليجية: «هناك رمزيات استخدمتها كي يلامس عن قرب المرأة والرجل الخليجيين عامة والسعوديين خصوصاً. هناك مترجم سعودي تسلم مهمة تحويل نص الفيلم من الإنجليزية كما كتبته إلى العربية، فأضاف النبض الخليجي المطلوب عليه».
واستعان نعيم برموز خليجية كي يبلور فكرته الدائرة بين شقيقين سعوديين متباعدين. وفكر بما يمكن أن تحمله المرأة في حقيبة يدها ليدل على انتمائها الخليجي، ويمكن أن يتحول إلى سلاح تدافع به عن نفسها في الوقت نفسه. ووجد في المكحلة العربية النحاسية ذات الرأس المسنن مراده. وكي تصل الفكرة إلى الغربيين شرحت «مريم» لشقيقها فوائد هذا الكحل الذي يحمي العينين من تلوثها بالغبار. وكذلك عرّج على الخنجر كسلاح مشهور في الخليج منذ القدم. واختاره ليكون الهدية الفخمة التي حملها الابن معه في الرحلة كي يقدمها لوالده بمناسبة حفل زفافه، ونراه يستخدمه لشلّ حركة عدوه لفترة عندما ينقض عليه هذا الأخير في أحد مشاهد الفيلم.
يتناول الفيلم العلاقات العائلية، فتطل من حواراته، لتكون استراحة محارب، ونتابع من خلالها كيفية إعادة بناء علاقة شائبة بين شقيقين لعبت غطرسة والدهما دوراً فعالاً في تشققها وتصدعها: «هناك رمزية للأم وأخرى للأب تمثلتا في قارورة الكحل والخنجر. وكذلك حضرت عملية البوح والفضفضة بين الأخوين بحيث اكتشفا أي نوع من العلاقات الأبوية السيئة يعيشان. ولذلك نرى في نهاية الفيلم خروج الشقيقين عن عباءة الأب، وبدل تقديم فرض الطاعة له ينقلبان عليه بقرار حاسم يعلنانه له وجهاً لوجه».
طيلة الفيلم نتابع أحداثاً مشوقة بحيث لا يستطيع مشاهدها تركها لبرهة. تجذبنا ملاحقات وسباقات سرعة السيارات وسط صحراء قاحلة. ومرات أخرى نشعر برمال الصحراء تلامس وجهنا، ودماء شرطي المرور تنثر على ملابسنا. تصرخ وتحاكي نفسك وتتفاعل لا شعورياً مع البطل ضد العدو الغامض الذي يهاجم الشقيقين. تتعاطف مع البطلين وتحاول بدورك إعطاءهما الأفكار للتخلص منه. وضمن الحبكة التصاعدية للأحداث يصل الأمر بالمشاهد إلى أن يسهم في كبح فرامل السيارة التي يقودها «ناصر». فمرة يشد على دواستها فوق قدمي البطل الحافيتين طيلة الفيلم. ومرة أخرى يسانده في ترك العنان لها كي يقضي على مهاجمه تحت إطاراتها، فيضغط عمر نعيم على مكابح إنسانيتك لتشعر أنك واحد من الممثلين في الفيلم، وتشارك في الدفاع عن نفسك.
ويصف عمر نعيم انطباعاته عن صحراء السعودية: «المكان جميل جداً يسوده الهدوء والسكينة بحيث يلزمك أخذ وقفة مع نفسك. وهو ما انعكس بوضوح على علاقة الشقيقين ببعضهما بحيث راجعا شريط حياتهما بدقة واكتشفا ثغراتها. فاكتشاف النفس هو العنوان الرئيسي الذي تزودك به الصحراء، كما حصل لأبطال الفيلم. فالعراقيل في علاقتهما آلت إلى ولادة التلاحم بينهما».
عمر المولود في الأردن يكن للصحراء مكانة مهمة. وفي صحراء السعودية امتداد حتى إمارة أبوظبي؛ إذ استعاد هذه الحوارات الروحانية العميقة معها. ويعلق: «أغرمت بالصحراء أكثر وبرمالها الذهبية ونسماتها المنعشة؛ إذ جرى التصوير في شهر فبراير (شباط) حيث الهواء العليل يسيطر على أجواء الطقس. ومرات حلقت بكاميرتي في فضاء مشهدية الصحراء الجميلة كي أنقل ألوان تلال تحيط بها تتبدل حسب أشعة الشمس».
بعض اللقطات من الفيلم أخذت في الرياض، وأخرى في أبوظبي بحيث تعيدنا إلى المدنية والحياة الطبيعية بعيداً عن الصحراء.
لا ينكر اللبناني عمر نعيم المقيم في أميركا، تأثره بسبيلبرغ وهيتشكوك؛ لذلك حاك قصة مركزة لا ضياع فيها. ويختم: «الأهم في أفلام من هذا النوع ألا تبحر الكاميرا في وحل الضياع. فالأجدر أن يتم تحديد الهدف منذ البداية، فيتم تطريز الأحداث حوله بإتقان».


مقالات ذات صلة

وفاة الممثل البريطاني راي ستيفنسون نجم «ثور» و«ستار وورز»

يوميات الشرق الممثل البريطاني راي ستيفنسون (أ.ب)

وفاة الممثل البريطاني راي ستيفنسون نجم «ثور» و«ستار وورز»

توفي الممثل البريطاني راي ستيفنسون الذي شارك في أفلام كبرى  مثل «ثور» و«ستار وورز» عن عمر يناهز 58 عامًا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «إسماعيلية رايح جاي» يشعل «الغيرة الفنية» بين محمد فؤاد وهنيدي

«إسماعيلية رايح جاي» يشعل «الغيرة الفنية» بين محمد فؤاد وهنيدي

أثارت تصريحات الفنان المصري محمد فؤاد في برنامج «العرافة» الذي تقدمه الإعلامية بسمة وهبة، اهتمام الجمهور المصري، خلال الساعات الماضية، وتصدرت التصريحات محرك البحث «غوغل» بسبب رده على زميله الفنان محمد هنيدي الذي قدم رفقته منذ أكثر من 25 عاماً فيلم «إسماعيلية رايح جاي». كشف فؤاد خلال الحلقة أنه كان يكتب إفيهات محمد هنيدي لكي يضحك المشاهدين، قائلاً: «أنا كنت بكتب الإفيهات الخاصة بمحمد هنيدي بإيدي عشان يضحّك الناس، أنا مش بغير من حد، ولا يوجد ما أغير منه، واللي يغير من صحابه عنده نقص، والموضوع كرهني في (إسماعيلية رايح جاي) لأنه خلق حالة من الكراهية». واستكمل فؤاد هجومه قائلاً: «كنت أوقظه من النوم

محمود الرفاعي (القاهرة)
سينما جاك ليمون (يسار) ومارشيللو ماستروياني في «ماكاروني»

سنوات السينما

Macaroni ضحك رقيق وحزن عميق جيد ★★★ هذا الفيلم الذي حققه الإيطالي إيتوري سكولا سنة 1985 نموذج من الكوميديات الناضجة التي اشتهرت بها السينما الإيطالية طويلاً. سكولا كان واحداً من أهم مخرجي الأفلام الكوميدية ذات المواضيع الإنسانية، لجانب أمثال بيترو جيرمي وستينو وألبرتو لاتوادا. يبدأ الفيلم بكاميرا تتبع شخصاً وصل إلى مطار نابولي صباح أحد الأيام. تبدو المدينة بليدة والسماء فوقها ملبّدة. لا شيء يغري، ولا روبرت القادم من الولايات المتحدة (جاك ليمون في واحد من أفضل أدواره) من النوع الذي يكترث للأماكن التي تطأها قدماه.

يوميات الشرق الممثل أليك بالدوين يظهر بعد الحادثة في نيو مكسيكو (أ.ف.ب)

توجيه تهمة القتل غير العمد لبالدوين ومسؤولة الأسلحة بفيلم «راست»

أفادت وثائق قضائية بأن الممثل أليك بالدوين والمسؤولة عن الأسلحة في فيلم «راست» هانا جوتيريز ريد اتُهما، أمس (الثلاثاء)، بالقتل غير العمد، على خلفية إطلاق الرصاص الذي راحت ضحيته المصورة السينمائية هالينا هتشينز، أثناء تصوير الفيلم بنيو مكسيكو في 2021، وفقاً لوكالة «رويترز». كانت ماري كارماك ألتوايز قد وجهت التهم بعد شهور من التكهنات حول ما إن كانت ستجد دليلاً على أن بالدوين أبدى تجاهلاً جنائياً للسلامة عندما أطلق من مسدس كان يتدرب عليه رصاصة حية قتلت هتشينز. واتهم كل من بالدوين وجوتيريز ريد بتهمتين بالقتل غير العمد. والتهمة الأخطر، التي قد تصل عقوبتها إلى السجن خمس سنوات، تتطلب من المدعين إقناع

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
سينما سينما رغم الأزمة‬

سينما رغم الأزمة‬

> أن يُقام مهرجان سينمائي في بيروت رغم الوضع الصعب الذي نعرفه جميعاً، فهذا دليل على رفض الإذعان للظروف الاقتصادية القاسية التي يمر بها البلد. هو أيضاً فعل ثقافي يقوم به جزء من المجتمع غير الراضخ للأحوال السياسية التي تعصف بالبلد. > المهرجان هو «اللقاء الثاني»، الذي يختص بعرض أفلام كلاسيكية قديمة يجمعها من سينمات العالم العربي من دون تحديد تواريخ معيّنة.


قتال كثيف في شرق الكونغو على الرغم من اتفاق السلام

القتال الكثيف في شرق الكونغو تسبب في نزوح الآلاف (رويترز)
القتال الكثيف في شرق الكونغو تسبب في نزوح الآلاف (رويترز)
TT

قتال كثيف في شرق الكونغو على الرغم من اتفاق السلام

القتال الكثيف في شرق الكونغو تسبب في نزوح الآلاف (رويترز)
القتال الكثيف في شرق الكونغو تسبب في نزوح الآلاف (رويترز)

تسبب القتال الكثيف في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية في نزوح الآلاف من الأشخاص، حسبما قالت منظمات إغاثة في المنطقة.

ووفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، قالت فاليريا كاكافو من «الصليب الأحمر» في بوكافو، عاصمة إقليم ساوث كيفو في الكونغو: «شهد هذا الشهر القتال الأكثر حدة».

وقال «الصليب الأحمر» في جنيف: «تواصل الاشتباكات المسلحة في مناطق متعددة في ساوث كيفو التسبب في وقوع قتلى وإجبار الآلاف من الأسر على النزوح وترك كل ما يمتلكونه وراء ظهورهم».

وأضاف «الصليب الأحمر» أن أكثر من 100 مدني مصابون بطلقات نارية تلقوا العلاج في المستشفيات التي تدعمها المنظمة في ساوث كيفو منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وتشهد المنطقة الغنية بالموارد قتالاً منذ أكثر من 30 عاماً.

وفي مطلع الشهر، سيطرت «حركة إم 23» المتمردة على بوكافو وجوما، عاصمة إقليم نورث كيفو.

وتمكن المتمردون، الذين تعدّهم الأمم المتحدة مدعومين من رواندا، من إبعاد القوات الحكومية والسيطرة على مناجم مهمة.

وقد تم توقيع اتفاق سلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا في واشنطن بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب مطلع الشهر الحالي.


زيلينسكي: أوكرانيا بحاجة إلى قرار بشأن استخدام الأصول الروسية قبل نهاية السنة

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)
TT

زيلينسكي: أوكرانيا بحاجة إلى قرار بشأن استخدام الأصول الروسية قبل نهاية السنة

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الخميس، إن بلده بحاجة إلى قرار أوروبي بشأن استخدام الأصول الروسية المجمَّدة قبل نهاية العام، وذلك خلال مؤتمر صحافي في بروكسل على هامش قمّة لقادة الاتحاد الأوروبي في هذا الخصوص.

وصرّح زيلينسكي: «أُبلغ شركاؤنا بضرورة اتخاذ القرار بحلول نهاية العام». وهو كان قد عدَّ سابقاً أن كييف ستواجه «مشكلات كبيرة» إذا ما تعذّر على القادة الأوروبيين التوصُّل إلى اتفاق حول استخدام هذه الأصول لتمويل أوكرانيا. وفي حال عدم التوصُّل إلى اتفاق، ستفتقر كييف إلى السيولة اعتباراً من الرُّبع الأول من 2026.

وسيقرر قادة الاتحاد الأوروبي ما إذا كانوا سيستخدمون الأصول الروسية المجمَّدة لإقراض مليارات اليوروات لأوكرانيا للحفاظ على استمرار مجهودها الحربي، وذلك في قمة تُعقد، اليوم (الخميس) وتمثل اختباراً حاسماً لقوة التكتل.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي محاطاً بقادة أوروبيين ومفاوضين أميركيين في برلين يوم 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)

وينظر الاتحاد الأوروبي إلى حرب روسيا على أنها تهديد لأمنه، ويريد إبقاء أوكرانيا مموَّلةً وقادرةً على القتال. وقالت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي: «لا يمكننا تحمل الفشل. علينا أن نظهر أننا أقوياء»، مضيفة أن القادة سيواصلون محادثاتهم في بروكسل حتى إيجاد حل.

المال اليوم... أو الدم غداً

واقترحت المفوضية الأوروبية استخدام أصول البنك المركزي الروسي المجمَّدة، والموجود معظمها في غرفة مقاصة بلجيكية، لتقديم قرض ضخم لكييف. إلا أن بلجيكا تشعر بقلق بالغ إزاء المخاطر القانونية والمالية. وعبَّرت دول أخرى من بينها إيطاليا، عن قلقها أيضاً. وقال قادة الاتحاد الأوروبي لدى وصولهم إلى القمة إن من الضروري أن يتوصَّلوا إلى حل. وهم حريصون أيضاً على إظهار قوة الدول الأوروبية وعزيمتها بعد أن وصفها الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأسبوع الماضي «بالضعف». وذكر رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك: «أمامنا الآن خيار بسيط، إما المال اليوم أو الدماء غداً. ولا أتحدث هنا عن أوكرانيا فقط، بل عن أوروبا بأكملها... يتعين على جميع القادة الأوروبيين أن يرتقوا إلى مستوى هذا التحدي». وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أنها لن تغادر القمة دون الاتفاق على كيفية تمويل أوكرانيا خلال العامين المقبلين. ومن المقرر أن يشارك الرئيس الأوكراني شخصياً في القمة بعدما كان متوقعاً في وقت سابق أن يشارك عن طريق مكالمة فيديو، في خطوة تعكس مدى إلحاح الوضع من وجهة نظر كييف. ويقول البنك المركزي الروسي إن خطط استخدام الاتحاد الأوروبي لأصوله غير قانونية، وإنه يحتفظ بحقه في استخدام جميع الوسائل المتاحة لحماية مصالحه. ورفع البنك دعوى قضائية في موسكو، هذا الأسبوع، يطالب فيها بتعويض قدره 230 مليار دولار من شركة المقاصة «يوروكلير».


فنان يوناني يُعيد قراءة الإسكندر الأكبر في معرض بمكتبة الإسكندرية

بورتريه مُتخيَّل للإسكندر تظهر في خلفيته عناصر حداثية (مكتبة الإسكندرية)
بورتريه مُتخيَّل للإسكندر تظهر في خلفيته عناصر حداثية (مكتبة الإسكندرية)
TT

فنان يوناني يُعيد قراءة الإسكندر الأكبر في معرض بمكتبة الإسكندرية

بورتريه مُتخيَّل للإسكندر تظهر في خلفيته عناصر حداثية (مكتبة الإسكندرية)
بورتريه مُتخيَّل للإسكندر تظهر في خلفيته عناصر حداثية (مكتبة الإسكندرية)

تكشف أعمال الفنان اليوناني ماكيس فارلاميس (1942–2016) ملامح سيرة جديدة لحياة أحد أهم القادة التاريخيين في الحضارة اليونانية القديمة، وذلك عبر معرضه «الإسكندر الأكبر... العودة إلى مصر»، الذي تستضيفه مكتبة الإسكندرية حالياً.

يتوغّل فارلاميس في حياة القائد اليوناني، محاولاً استكشاف مشاعره وخيالاته واستبطان دواخله، في لوحات وتماثيل تركزت جميعها على المراحل المختلفة التي مرَّ بها، وغزواته، وعبَّرت عن قيم التسامح واحترام التنوع الثقافي والتعايش الخلّاق والتعاون بين الشعوب، وهي القيم التي ظلَّ حريصاً على إبرازها في كلّ أرض سيطر عليها.

يضمّ المعرض 53 عملاً، من بينها 40 لوحة كبيرة الحجم و12 منحوتة برونزية وخزفية، مزجها الفنان بعناصر حداثية، وركّز في بعضها، خصوصاً البورتريهات، على الألوان الساخنة المعبّرة عن روح الإسكندر المُتقدة. أما في الخلفيات، فقد سادت الألوان الغامقة والرمادية للتعبير عمّا يحيط به من عوالم مجهولة، بالإضافة إلى «بيت بندار»، وهو عمل خشبي أصلي ومبهر يُمثّل واجهة منزل الشاعر اليوناني بندار، وهو شخصية مؤثّرة ومحورية في حياة الإسكندر وكان له دور كبير في تشكيل أفكاره.

تمثال من البرونز يُظهر الإسكندر الأكبر شارداً (مكتبة الإسكندرية)

ولا تُعدّ الصور التي رسمها فارلاميس، وفق مدير إدارة المعارض والمقتنيات الفنية بمكتبة الإسكندرية، الدكتور جمال حسني، مجرّد بورتريهات تقليدية لقائد عسكري أسطوري أقام إمبراطورية ضخمة، بل تُعبّر عن رؤى فنية متنوّعة لحياة الإسكندر طفلاً وقائداً سياسياً عرف بوعي وذكاء كيف يتسلَّل إلى نفوس الشعوب التي انتصر عليها.

وقد صوَّره فارلاميس وهو يرتدي الملابس التي تميَّزت بها كل أرض غزاها، ليقول لسكانها إنه واحد منهم. وجاءت المنحوتات مُعبّرة عن المسارات نفسها، إذ ظهرت تماثيل تشكّلت من رأس الإسكندر، وأقيمت على قواعد من الألومنيوم والبرونز، مُعبّرة عنه في صور مختلفة، يُشير كلّ منها إلى البيئة التي وُجد فيها وظهر بين أبنائها في مصر وبلاد فارس والهند وبلاد الشام.

وأضاف مدير إدارة المعارض لـ«الشرق الأوسط» أنّ «المعرض، الذي بدأ في 13 ديسمبر (كانون الأول) الحالي ويستمر 35 يوماً، عبارة عن لوحات تُقدّم صورة كاملة لشخصية الإسكندر الأكبر، فالرؤية كانت واضحة لدى الفنان، وراح يُعبّر عنها بريشته عبر بورتريهات، منها ما يُصوّر الإسكندر في طفولته وهو يتعلَّم أصول الفروسية مع والده، ومنها ما يُعبّر عن ارتباطه بوالدته أوليمبياس وتأثيرها الكبير في حياته».

افتتاح المعرض في مكتبة الإسكندرية شهد زخماً كبيراً (مكتبة الإسكندرية)

وأشار حسني إلى وجود لوحة للإسكندر بنظرته المتأمّلة وهو شارد في البعيد، تظهر في خلفيتها عناصر معمارية قدَّمها الفنان بشكل حداثي، مُستفيداً من التكعيبية، وقد وُضعت في صدارة المعرض نظراً إلى قيمتها الفنّية الكبيرة.

وكانت قصة الإسكندر وغزوه مصر حاضرة بين المعروضات، من بينها لوحة تُصوّره واقفاً في معبد آمون بواحة سيوة، تُعبّر عن وعيه بكونه سياسياً قادراً على فتح قنوات تواصل مع الشعوب التي غزاها، وتُبيّن حرصه، رغم المسافة الكبيرة التي قطعها في الصحراء، على لقاء الكهنة والتودّد للمصريين. كما ضمَّ المعرض تمثالاً من البرونز نحته الفنان لوجه الإسكندر وهو يرتدي غطاء الرأس العربي، فضلاً عن قناع لوجهه مُكلّلاً بإكليل الغار، فيما تشكّلت التماثيل بطابع فرعوني وآسيوي، وأحياناً حملت سمات سكان بلاد الشام.

وعقب افتتاح المعرض، قال مدير مكتبة الإسكندرية، الدكتور أحمد زايد، إنّ «الإسكندر الأكبر صاحب رؤية ثاقبة ومفهوم شامل للحضارة، عبَّرت عنها أعمال الفنان الراحل فارلاميس، وسعت إلى اكتشافه قائداً وإنساناً وحالماً من زوايا لم نعتد عليها». وأضاف أنّ هذه الأعمال «ربطت بين الإسكندر في الماضي، والإسكندرية في الحاضر، وبين الفنان الذي انطلق في رحلة الحلم، ليكون الاحتفاء ليس فقط بذكرى القائد العظيم، بل أيضاً بأفكار المدينة التي دفعته ليظلَّ رمزاً للتنوّع الثقافي، ويُجسّد وحدة الإنسانية في مسيرتها الطويلة نحو التفاهم والسلام».

بورتريه مُتخيَّل للإسكندر في معرض عن القائد اليوناني (مكتبة الإسكندرية)

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تُعرض فيها أعمال فارلاميس في مصر، إذ سبق عرضها، وفق السفير اليوناني نيكولاوس باباجورجيو، في تسعينات القرن الماضي في معرض بالقاهرة، غير أنه عدَّ عرض الأعمال في مكتبة الإسكندرية «استثنائياً لأنه عاد إلى مدينته». وأشار إلى أنه «لم يكن هناك مكان على وجه الأرض أكثر ارتباطاً باليونانيين من الإسكندرية»، واصفاً إياها بأنها «تُمثّل رابطة متينة بدأت منذ القدم مع التفاعل بين اليونانيين والمصريين، وجاء تأسيس المدينة لتعزيز هذه الروابط التي لا تزال قائمة».

والمعرض ثمرة تعاون بين السفارة اليونانية في القاهرة، ووزارات الدفاع، والخارجية والداخلية اليونانية، وجامعة أرسطو في ثيسالونيكي، والأكاديمية الوطنية للعلوم، وبالتعاون بين مكتبة الإسكندرية والمختبر التجريبي في فيرجينا واتحاد البلديات اليونانية والمركز الهيليني لبحوث الحضارة السكندرية والمتحف الفنّي النمساوي.