6 أسباب شائعة لا تتوقعها لضعف العضلات

من بينها فقر الدم والسكري واضطراب النوم

6 أسباب شائعة لا تتوقعها لضعف العضلات
TT

6 أسباب شائعة لا تتوقعها لضعف العضلات

6 أسباب شائعة لا تتوقعها لضعف العضلات

تنزعج حتما عندما يصبح فتح برطمان المخلل أو المربى صعباً عليك، لكن هذا متوقع إن لم تكن مهتما بتقوية قدراتك العضلية.
ولكن هل هناك أسباب أخرى لضعف العضلات، لا علاقة لها بمدى ممارستك للتمارين الرياضية لتقوية العضلات؟ نعم، ثمة عدة أسباب لذلك، ويمكن لبعض الحالات الطبية التي لم يتم تشخيصها بعد لدى المرء، أن تتسبب في تآكل العضلات بسرعة أكبر أو تجعل الشخص يشعر بالإرهاق أثناء استخدامه للعضلات. ولذا يجدر التنبه لها، والتعامل معها لعلاجها، كي لا يترك أحدنا الأمر يتفاقم ويكتفي فقط بعزو ضعفه العضلي إلى عدم ممارسته الرياضة البدنية.

- أسباب ضعف العضلات
ومن بين تلك الأسباب أسباب قد لا يتوقعها البعض، ويكون تسببها بضعف العضلات مؤشراً يجدر التنبه له لمراجعة الطبيب. وإليك هذه الأسباب الأعلى شيوعاً، وهي:
* فقر الدم. فقر الدم هو حالة تحصل عندما لا يحتوي الدم على ما يكفي من مركبات الهيموغلوبين في كريات الدم الحمراء. وبالتالي تنخفض قدرة الدم على حمل الكمية اللازمة من الأكسجين إلى أنسجة الجسم وأعضائه، وخاصة العضلات.
وثمة أسباب عدة لفقر الدم، وغالباً ما يحدث لأكثر من سبب واحد، إما بشكل حاد وسريع أو بشكل مزمن وبطيء، وذلك إما نتيجة عدم إنتاج الجسم ما يكفي من خلايا الدم الحمراء الصحيحة والمحتوية على كميات طبيعية من الهيموغلوبين الجيد. كما يأتي نتيجة لنقص التغذية بالحديد أو فيتامينات الفوليت أو بي - 12، أو وجود أمراض في نخاع العظم (حيث يتم إنتاج خلايا الدم الحمراء)، أو أمراض وراثية لها علاقة باضطرابات إنتاج الهيموغلوبين (الأنيميا المنجلية أو الثلاسيميا أو غيره).
وأيضا قد يحصل فقر الدم نتيجة النزيف الذي يُؤدي إلى فقد خلايا الدم الحمراء بسرعة أكبر مما يُمكِن للجسم تعويضه. وخاصة لدى النساء مع اضطرابات الدورة الشهرية. أو عندما يدمر الجسم كريات الدم الحمراء بشكل غير طبيعي.
وقد تشمل العلامات والأعراض لفقر الدم كلا من: الإرهاق، أو الضَعف، أو شحوب الجلد أو اصفراره، أو عدم انتظام ضربات القلب، أو ضيق النفس، أو الدُوَار أو الدوخة، أو ألم الصدر، أو برودة اليدين والقدمين، أو الصداع. وقد تحصل لدى المصاب بعض تلك الأعراض أو كثير منها.
وضعف العضلات له أسباب متعددة في فقر الدم، أهمها نقص تزويد العضلات بالأكسجين وسهولة الشعور بالإعياء والتعب وضيق التنفس. كما قد يؤثر فقر الدم، وفق بعض أسبابه، في بنية الألياف العضلية وقدراتها الوظيفية ووتيرة تجديدها، وغيره من الآليات.

- السكري والدرقية
* مرض السكري. العلامة الرئيسية لمرض السكري هي اضطراب قدرة الجسم على ضبط نسبة سكر الغلوكوز في الدم. وهذا الأمر يرافقه، وينتج عنه، اضطرابات واسعة - وظيفية وهيكلية - في عدة أنظمة وأعضاء في الجسم، بما في ذلك العضلات والأعصاب والأوعية الدموية والكلى والقلب وغيره.
وتجدر ملاحظة أن زيادة كتلة الدهون ليست هي وحدها السبب في زيادة خطر الإصابات بمرض السكري من النوع 2، بل إن نقص كتلة العضلات في الجسم Sarcopenia (أو ما تُسمى بالسمنة الهزيلة Skinny Fat) له صلة باحتمالات الإصابة بمرض السكري.
ويمكن تقسيم الآثار السلبية لمرض السكري من النوع 2، على العضلات إلى ثلاث فئات: التعب العضلي، وضعف قوة العضلات، وتدني كتلة العضلات. وفي التعب العضلي، يؤدي إجهاد العضلات في الحركة، إلى سرعة بلوغ مرحلة الضعف، وزيادة مقدار الوقت الذي تستغرقه العضلة للتعافي أو العودة إلى سابق قوتها الكاملة. أي أن مرضى السكري، تفقد عضلاتهم قوتها بشكل أسرع من تلك الموجودة في الشخص السليم وتأخذ وقتا أطول للتعافي.
كما أن مرض السكري من النوع 2 يُقلل من قوة العضلات الكلية أيضاً، بغض النظر عن مقدار العمر أو نوع الجنس أو التدخين أو وجود السمنة. والأشخاص المصابون بمرض السكري من النوع 2 أقل قوة في قبضة اليد من الأشخاص الأصحاء.
وكتلة العضلات في الجسم لدى مرض السكري من النوع 2 هي أقل من عموم الأصحاء البالغين. وكلما طالت فترة الإصابة بمرض السكري، زادت وتيرة فقدان كتلة العضلات، وخاصة في الأطراف السفلية.
* اضطرابات الغدة الدرقية. تلعب الغدة الدرقية، التي تقع أمام القصبة الهوائية في الرقبة، دوراً أساسياً في نشاط خلايا الجسم جميعها. وذلك عبر إفرازها هرمونات الغدة الدرقية. ولذا فإن الأعراض المصاحبة لاضطرابات الغدة الدرقية (الكسل Hypothyroidism أو فرط النشاط Hyperthyroidism) هي التي غالباً ما تُنبه إلى احتمالات وجود هذه الحالات. وهو ما يتأكد بتحاليل الدم لانخفاض أو ارتفاع نسبة تلك الهرمونات الدرقية. والإناث بالعموم أعلى عُرضة للإصابات باضطرابات الغدة الدرقية مقارنة بالذكور، وبنسبة تُقارب عشرة أضعاف. ومن الأعراض الأولية للحالات التي تؤثر على الغدة الدرقية، المعاناة من ضعف العضلات وآلامها، إلى جانب آلام المفاصل والعضلات.
وفي حالات كسل الغدة الدرقية، ينخفض مستوى نشاط الكثير من العمليات في خلايا الجسم، والعضلات من بينها. وبالتالي تضعف قوة العضلات. وتيبس حركة المفاصل المصاحب لكسل الغدة الدرقية، يزيد الأمور تعقيداً في حرية ونشاط تحريك العضلات، ومدى كفاءة قوتها، وفي تشنج العضلات وعدم ارتياحها. وفي بعض الحالات ترتفع في الدم نسبة أنزيمات العضلات، كمؤشر على تلف وتمزق الخلايا العضلية.
وفي حالات زيادة نشاط الغدة الدرقية، تتأثر العضلات سريعاً، وتظهر الأعراض عليها في وقت مبكر. مثل آلام العضلات وضعف قوتها وتناقص حجمها.

- اضطراب النوم والأملاح
* اضطرابات النوم. في دراستهم المنشورة في عدد فبراير (شباط) 2018 من مجلة علوم الطب الرياضي J Sci Med Sport، بعنوان «النوم غير الكافي وقوة العضلات: الآثار المترتبة»، يقول باحثون أستراليون من جامعة ديكن في أستراليا، إن «النوم غير الكافي يُضعف القوة العضلية في أداء الحركات».
وتشير العديد من الدراسات الأخرى إلى أن قلة النوم تضر بنشاط عمليات تكوين البروتينات في العضلات. وأوضح ذلك باحثون برازيليون بقولهم: «النوم ضروري للوظائف الخلوية والعضوية والجهازية للكائن الحي. وقلة النوم تقلل من نشاط مسارات تخليق البروتين وتزيد من نشاط مسارات التحلل البروتيني، ما يتسبب بفقدان كتلة العضلات، وكذلك يعيق الأرق من تعافي العضلات بعد الضرر الناجم عن التمارين والإصابات وبعض الحالات المصاحبة لضمور العضلات».
كما تُفيد المصادر الطبية بأن اضطرابات النوم، مثل الأرق، يمكن أن تؤدي إلى ضعف العضلات أثناء النهار والإرهاق. كما أن الشخص الذي يحتاج إلى البقاء في السرير بسبب حالة طبية، قد يعاني أيضاً من ضعف العضلات. ينتج هذا عن عدم استخدام العضلات بانتظام كالمعتاد.
والملاحظ طبياً أن العضلات تحتاج إلى فترة كافية من النوم، كي تعيد ترتيب هيكلتها التشريحية على مستوى الألياف العضلية، وتعيد تنسيق تواصلها مع الأوتار العضلية التي تربطها بالمفاصل والعظام. وبالتالي تستعيد قدرتها على ممارسة مهامها بقوة طبيعية. واضطرابات النوم تعيق ذلك بشكل واضح.
* اضطرابات الأملاح. التركيب التشريحي الدقيق للخلايا العضلية يحتوي الألياف العضلية. وهي سلاسل من البروتينات. وتلك السلاسل تنزلق إلى بعضها البعض، لتصبح متقاربة ومضغوطة، فتحصل الانقباضات العضلية. ثم تبتعد عن بعضها البعض، لتصبح طويلة، فتحصل حالة الانبساط أو الاسترخاء العضلي. ومن أهم العوامل الأساسية جداً هو توفر ما يُسمى بالشوارد.
والشوارد هي عناصر إلكتروليتات الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم... وهي ضرورية جداً في تكوين وإتمام عمليات للتقلص الطبيعي للعضلات الهيكلية، وفي راحتها بعد ذلك الانقباض. ونقصها أو ارتفاع نسبتها في الجسم، سبب رئيسي في خلل عمل العضلات وفي إجهاد العضلات وفي ضعف العضلات وفي آلام العضلات. وعلى سبيل المثال، فإن التراكم الزائد للأمونيا وأيونات الهيدروجين بعد نوبات شاقة من النشاط البدني، يؤدي إلى بطء انقباض العضلات وضعف قوتها. كما تسبب حالات مرضية معينة أو نقص التغذية، باضطرابات مستويات الإلكتروليتات مثل الكالسيوم أو المغنيسيوم أو البوتاسيوم أو الصوديوم. وترتبط المستويات المرتفعة أو المنخفضة بشكل مفرط من هذه الأيونات في الدم، بأعراض مثل ضعف العضلات أو التشنج العضلي.
ولذا فإن إحدى أهم علامات اضطرابات الأملاح في الجسم، هو اضطرابات القدرات العضلية. وإجراء التحاليل اللازمة للتأكد من اعتدال نسبة هذه العناصر، هو خطوة أولى في تشخيص سبب الضعف العضلي. ثم يُستكمل البحث عن سبب اضطراب أي منها. أي إما ضعف التغذية أو اضطرابات عمل الكلى أو الجهاز الهضمي أو الكبد أو غيره.

- الأدوية
* أنواع الأدوية. الأدوية التي يتناولها المرء، بشكل منتظم لعلاج حالات مرضية مزمنة، أو من آن لآخر لداع صحي أو غير صحي، هي أحد الأسباب المحتملة للشعور بالضعف العضلي أو آلام العضلات، أو سهولة التعب العضلي.
وهناك العديد من الأسباب المحتملة لمشاكل العضلات نتيجة تناول أنواع مختلفة من الأدوية. وأحد تلك الآليات هو التسبب بالتهاب العضلات، ما يُؤدي إلى ضعفها وهزالها وآلامها. وعدة أنواع من الأدوية الشائعة الاستخدام مرتبطة بتطور التهاب العضلات لدى بعض الناس، وتشمل هذه بعض الأدوية الترويحية Recreational Drugs، والمضادات الحيوية، وأدوية العلاج الكيميائي، والأدوية التي تؤثر على الجهاز الهرموني، وأدوية الكولسترول، وكذلك أدوية القلب والمعدة.
وعلى سبيل المثال، أشارت عدة دراسات طبية إلى أن تناول أدوية تسكين الألم من فئة مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، مثل الإيبوبروفين، قد تضعف الاستجابة التعويضية من قبل الجسم لإصلاح العضلات التي تعرضت للإصابات، مما يساهم في المعاناة من الضعف والألم المزمن في العضلات. كما تعيق عمليات إعادة بناء العضلات. ولذا يجدر تقليل تناولها إلا عند الضرورة، ووفق نصيحة الطبيب.
وكذلك أدوية خفض الكولسترول من فئة ستاتين، الشائعة الاستخدام. وهي قد تتسبب لبعض المرضى بتلف والتهاب العضلات. وقد تتسبب لنسبة أعلى منهم بآلام العضلات، وخاصة عند النساء. ولها تأثيرات على نمو العضلات. ولذا يتم تناولها تحت الإشراف الطبي، ومتابعة مدى ظهور أي أعراض عضيلة نتيجة لها، وإجراء التحاليل اللازمة لتتأكد من مستوى أنزيمات العضلات، وقد يضطر الطبيب إلى النصيحة بتخفيف الجرعة أو التوقف عن تناولها.
* استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام
TT

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

مؤشرات وزن الجسم

يستخدم «مؤشر كتلة الجسم» BMI الذي يحسب مقدار وزن الجسم بالكيلوغرامات، مع الأخذ بالاعتبار مقدار طول الجسم بالمتر، ليعطينا «رقماً» يفصل بين 3 حالات: الحالة الطبيعية، وزيادة الوزن، والسمنة.

ونلجأ كذلك إلى قياس «محيط الخصر» WC بعدد السنتيمترات بوصفه «رقماً» يميز وجود سمنة البطن من عدم ذلك.

في السنوات الأخيرة ازداد ظهور أمراض ذات صلة بالسلوكيات غير الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، وعادات الأكل السيئة، وتداعيات التقدم التكنولوجي الذي يفصل الناس عن ممارسة النشاط البدني. وقد ثبت تجريبياً أن العواقب الصحية السلبية لذلك تنمو على مستوى العالم بمعدل مثير للقلق. وهي تشمل السمنة Obesity، ومرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب.

وإلى جانب ظهور «أمراض نمط الحياة» هذه، هناك انتشار زائد لمتلازمة التمثيل الغذائي Metabolic Syndrome، وهي مجموعة من الاضطرابات الأيضية في العمليات الكيميائية الحيوية التي تجري في الجسم، وترتبط بمقاومة الجسم لمفعول الإنسولين، ونشوء عمليات بطيئة ومستمرة في الالتهابات، واضطرابات الدهون في الدم (خصوصاً ارتفاع الدهون الثلاثية)، وارتفاع ضغط الدم.

«سمنة مركزية» ووزن طبيعي

ومن بين كل ذلك، تطفو السمنة البطنية (السمنة المركزية Central Obesity)، التي تتميز بزيادة كمية الأنسجة الشحمية (الشحوم الصفراء) داخل البطن، بوصفها علامة مميزة في كثير من تلك الحالات.

والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل الأمر في شأن الأضرار الصحية مرتبط بالسمنة بوصفها حالة عامة في زيادة كتلة عموم الجسم أم أن الأمر مرتبط على وجه الخصوص بزيادة تراكم الشحوم في البطن (محيط منطقة الوسط)؟

والأدق أيضاً في طرح هذا السؤال عندما يكون لدى المرء حالة «الوزن الطبيعي مع سمنة بطنية» NWCO، أي عندما يكون وزن الجسم طبيعياً لدى الشخص بالنسبة لطوله، ولكن في الوقت نفسه لديه سمنة بطنية... هل من الممكن أن يكون هذا الشيء ضاراً ويمثل خطراً صحياً؟

والإجابة عن هذا السؤال تحتاج بداية إلى التساؤل بالأصل: هل ثمة «مشروعية طبية» لطرح مثل هذا السؤال؟

والإجابة نعم بالتأكيد، أن ثمة مشروعية طبية في طرح هذا السؤال لدواع شتى، أهمها اثنان، هما:

- الداعي الأول أن هناك أمثلة من سمنة أجزاء معينة في الجسم، ثبت أن ليس لها ضرر صحي واضح، حتى لو كان لدى الشخص ارتفاع في مقدار وزن الجسم، وارتفاع في مؤشر كتلة الجسم. وتحديداً أفادت نتائج دراسات عدة بأن سمنة شحوم الأرداف بحد ذاتها لدى النساء، ليس لها تأثير صحي ضار يوازي وجود سمنة تراكم شحوم البطن لديهن. وكذلك ثبت أن سمنة كتلة عضلات الجسم (زيادة مقدار وزن الجسم بسبب زيادة وزن كتلة العضلات فيه وليس زيادة تراكم الشحوم)، التي قد تزيد في مقدار مؤشر كتلة الجسم لتجعله ضمن نطاق السمنة، ليس لها تأثيرات سلبية مقارنة مع سمنة زيادة كتلة الشحوم في الجسم بالعموم وفي البطن على وجه الخصوص. وثبت أيضاً أن سمنة الوزن الطبيعي، مع تدني حجم كتلة العضلات، وارتفاع كتلة الشحوم Sarcopenic Obesity، لها تأثيرات ضارة لا تقل عن سمنة زيادة مؤشر كتلة الجسم.

- الداعي الآخر أن نحو 25 في المائة من البالغين ذوي الوزن الطبيعي، يُصنفون بالفعل على أن لديهم سمنة تراكم شحوم البطن، وفي الوقت نفسه يكون وزن أجسامهم طبيعياً، وفق «المجلة الطبية البريطانية BMJ» عدد 26 أبريل (نيسان) 2017. وهذه النسبة مقاربة جداً للإحصاءات الطبية في الولايات المتحدة. وفي مجتمعات أخرى ثبت أنها أعلى وفق نتائج دراسات طبية فيها. وهي نسبة مهمة بين عموم البالغين الذين قد يعتقدون أن كون مقدار وزن جسمهم طبيعياً يعني تلقائياً أنه لا ضرر متوقعاً عليهم من تراكم الشحوم في بطونهم.

دراسات سمنة البطن

والملاحظ أن الأوساط الطبية تأخرت كثيراً في الاهتمام بهذه الوضعية الصحية ومعرفة آثارها. وأيضاً تأخرت في وضع إرشادات ونصائح طبية للتعامل معها. وفي دراسة مشتركة لباحثين من جامعة آيوا، ومن كلية ألبرت آينشتاين للطب بنيويورك، ومن جامعة كاليفورنيا، ومن كلية الطب بجامعة هارفارد، ومن مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل، تم طرح الأمر في دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بالوفيات بين النساء». ونشر ضمن عدد 24 يوليو (تموز) 2019 من مجلة «شبكة جاما المفتوحة» JAMA NETWORK Open، الصادرة عن «الجمعية الطبية الأميركية» AMA.

وقال فيها الباحثون: «السمنة المركزية، التي تتميز بتراكم الشحوم في منطقة البطن بشكل مرتفع نسبياً، ارتبطت بارتفاع خطر الوفاة، بغض النظر عن مقدار مؤشر كتلة الجسم. ومع ذلك، فإن الأفراد الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي مع السمنة المركزية يتم إهمالهم عادة في الإرشادات الإكلينيكية. وعلاوة على ذلك لا يحظى الأفراد الذين يعانون من السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي باهتمام كبير في وضع استراتيجيات الحد من المخاطر، مثل تعديلات نمط الحياة والتدخلات الأخرى».

ولكن حتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، قد يكون أولئك الذين يعانون من السمنة المركزية مُعرّضين لخطر زائد للوفاة بسبب تراكم الشحوم المفرط في البطن. وفي نتائج دراستهم التي شملت أكثر من 160 ألف امرأة أفادوا بالقول: «ارتبطت السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة بالسرطان، مقارنة بالوزن الطبيعي دون السمنة المركزية».

عوامل خطر أيضية قلبية

ومن ثمّ بدأت تصدر دراسات طبية من مناطق مختلفة من العالم حول هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، نذكر دراسة حديثة من الصين، وأخرى من بنما.

وفي دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع ضغط الدم»، تم نشرها العام الماضي، عدد 8 مارس (آذار) 2023 من مجلة «BMC» لاضطرابات القلب والأوعية الدموية، لباحثين من الصين، أفادوا بالقول: «السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي (NWCO) هي حالة أيضية تم وصفها أخيراً في عدد قليل من الدراسات. ويتم تجاهل الأفراد المصابين بها بسهولة في الرعاية الصحية الروتينية، بسبب التركيز الصارم على مؤشر كتلة الجسم».

وأضافوا: «قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم كبيرة في الجسم، وهو ما لا يظهر عندما يكون مقدار مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وتشير الأدلة الموجودة إلى أن السمنة المركزية، التي تتميز بالتراكم المرتفع نسبياً للشحوم في البطن، ترتبط ارتباطاً أقوى بعوامل الخطر الأيضية القلبية من السمنة العامة، وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي». وخلصوا في نتائجهم إلى القول: «ترتبط السمنة المركزية، كما هو محدد بواسطة محيط الخصر، بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى البالغين ذوي مؤشر كتلة الجسم الطبيعي».

وضمن عدد يونيو (حزيران) 2022 من مجلة «لانسيت للصحة الإقليمية - بالأميركتين» The Lancet Regional Health - Americas، نشر باحثون من كلية الطب بجامعة بنما، حول انتشار السمنة المركزية والتعرف على مدى وجود عوامل الخطر القلبية الأيضية Cardiometabolic risk لديهم.

ويتم تعريف مخاطر القلب والأيض على أنها مجموعة من التشوهات في العمليات الأيضية الكيميائية الحيوية، وفي القلب، وفي الأوعية الدموية، بما في ذلك السمنة البطنية، ومقاومة الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكولسترول، ودهون الدم، وتصلب الشرايين، التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع 2.

ولاحظوا أن باستخدام مؤشر «نسبة الخصر إلى الطول»WHtR، كان معدل انتشار السمنة البطنية نحو 44 في المائة بين الذين بالأساس لديهم مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وقالوا في نتائجهم: «ارتبطت السمنة البطنية مع الوزن الطبيعي للجسم بعوامل الخطر القلبية الوعائية، خصوصاً مع ارتفاع تركيز الدهون الثلاثية. قد يكون تقييم السمنة البطنية على مستوى الرعاية الصحية الأولية تقنية مفيدة لتحديد الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي مع خصائص السمنة الأيضية».

ولذا إذا أردنا ألا نفقد متابعة هذه الفئة من الناس، فيجدر قياس محيط الوسط مع قياس وزن الجسم وحساب مؤشر كتلة الجسم، والالتفات إلى كليهما في التقييم الإكلينيكي. وللتوضيح، على الرغم من حقيقة أن مؤشر كتلة الجسم يتم استخدامه على نطاق واسع لتحديد السمنة في الممارسة الإكلينيكية، فإن أحد القيود المهمة لمؤشر كتلة الجسم هو أنه لا يميز بين أشكال مكونات تركيبات أجزاء الجسم المختلفة، حيث قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم متزايدة في منطقة من الجسم، ولكنها قد تكون مخفية بالقيمة الطبيعية لمؤشر كتلة الجسم.

وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، فإن أولئك الذين لديهم نسبة عالية من الشحوم في الجسم، لديهم انتشار أعلى لمتلازمة التمثيل الغذائي ومكوناتها من أولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي، ونسبة شحوم في الجسم طبيعية.

25 % من البالغين ذوي الوزن الطبيعي لديهم سمنة تراكم شحوم البطن

تشخيص السمنة بالأساس مجرد حسابات من الأرقام

* عند التكلم عن السمنة في جانب التشخيص، علينا ابتداءً استخدام لغة الأرقام. ومن بين عدة «طرق» مطروحة لدى الأوساط العلمية والطبية، يظل «الأشهر»، و«الأقرب» هو الطرق الأربع التالية في تقييم وزن الجسم والسمنة:

- حساب «مؤشر كتلة الجسم» BMI يتم بقسمة مقدار الوزن بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر. و«الطبيعي» أن يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 20 إلى 25، أما ما بين 25 و30 فهو «زيادة في الوزن»، وما بين 30 إلى 35 فهو «سمنة»، وما بين 35 و40 فهو «سمنة شديدة»، وما فوق ذلك هو «سمنة مفرطة».

- حساب محيط الخصر Waist Circumference هو طريقة مهمة في تقييم سمنة البطن بالذات. وبدقة، يتم قياس محيط الخصر عند مستوى منتصف المسافة بين أدنى ضلع ملموس وبين الحافة الحرقفية لأعلى قوس عظمة الحوض، وذلك تقريباً أعلى قليلاً من السرّة، بعد إخراج هواء الزفير من النفس، أي قياس محيط أصغر جزء من الخصر. ولكن تجدر ملاحظة أن محيط الخصر يختلف في المجتمعات الجغرافية المختلفة وفق متوسط الطول فيها وعموم حجم الجسم.

ووفقاً للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة NIH، فإن محيط الخصر الذي يزيد على 102 سنتيمتر (40 بوصة) للرجال ويزيد على 88 سنتيمتراً (35 بوصة) للنساء (غير الحوامل)، هو سمنة البطن. بينما لدى ذوي الأصول من جنوب شرقي آسيا، فإن الطبيعي نحو 94 سنتيمتراً (37 بوصة) للرجال و80 سنتيمتراً (31 بوصة) للنساء. ولذا تحتاج المجتمعات المختلفة دراسات لتقييم الطبيعي وغير الطبيعي في ذلك.

- حساب نسبة محيط الخصر إلى محيط الورك WHR. ومحيط الورك Hip Circumference يختلف عن محيط الخصر، حيث إن محيط الورك هو قياس محيط الجزء الأكبر من الوركين، أي الجزء الأوسع من كتلة الأرداف. والطبيعي أن تكون تلك النسبة أقل من 0.95 للرجال، وأقل من 0.80 للنساء. وما فوق ذلك فهو سمنة. وهي طريقة يتم بها التغلب على وجود حجم أكبر في الأرداف التي تكون الشحوم فيها مختلفة عن نوعية الشحوم التي في البطن. وتحديداً شحوم بيضاء في الأرداف، وشحوم صفراء في البطن.

- حساب نسبة الخصر إلى الطول WHtR: يكون بقسمة مقدار محيط الخصر على مقدار الطول. والطبيعي أن يكون أقل من 0.5، وما فوق ذلك هو سمنة. وهي طريقة يتم من خلالها التغلب على الاختلافات العرقية في متوسط الطول لدى غالبية الناس في المجتمعات المختلفة.