رصد علامات الكَرب لدى الأطفال والمراهقين

رصد علامات الكَرب لدى الأطفال والمراهقين
TT

رصد علامات الكَرب لدى الأطفال والمراهقين

رصد علامات الكَرب لدى الأطفال والمراهقين

في الأغلب لا يستطيع الأطفال، حتى في مرحلة الطفولة المتأخرة، التعبير عن مشاعرهم بالألم النفسي بالكلمات، ولذلك من المهم للآباء معرفة الحالة النفسية لأطفالهم من خلال أفعالهم وتصرفاتهم، وليس الشكوى من التوتر (stress) أو المخاوف المرضية (panic) أو غيرها.
وبطبيعة الحال يختلف رد فعل كل طفل حسب شخصيته والتكوين النفسي له والبيئة الاجتماعية والثقافية المحيطة به، ومدى تفهم وقبول المحيطين به.
وعلى سبيل المثال في بعض المجتمعات يعتبر بكاء المراهق الذكر نوعاً من الضعف، ويمكن أن يلام عليه الطفل أو المراهق، ويشعر بالخزي المجتمعي، ولذلك يحتاج الأمر إلى فطنة الأم ومعرفتها الجيدة بطبيعة طفلها لكي تستطيع مساعدته.

- ردود الأفعال
تختلف ردود أفعال الأطفال حسب المرحلة العمرية، وفي مرحلة ما قبل الدراسة يكون رد الفعل على الاعتلال النفسي من خلال الارتداد لمرحلة عمرية أقل، بمعنى أن يقوم الطفل بسلوكيات كان قد توقف عن فعلها بسبب النمو الطبيعي.
وأشهر مثال على ذلك هو حدوث التبول اللاإرادي للأطفال ليلاً (nocturnal enuresis) في سن من المفترض أن يكون قد استطاع فيها السيطرة تماماً على تلك المسألة. وفي بعض الأحيان لا يستطيع الطفل السيطرة مطلقاً حتى بلوغ مرحلة المراهقة.
ومن العلامات المهمة أيضاً في هذه المرحلة العمرية تغير نموذج النوم (sleep pattern)، والأحلام المخيفة باستمرار.
في مرحلة الطفولة المتأخرة وبداية المراهقة تكون العلامة الأهم في تراجع الصحة النفسية هي الانعزال عن الآخرين والتجمعات بشكل عام، مع تغير نموذج النوم بشكل ملحوظ، ويمكن أن يستمر النوم لساعات طويلة، أو البقاء مستيقظاً لأيام، وأيضاً تتغير الشهية ويحدث اضطراب فيها (eating disorder) بشكل واضح في هذه المرحلة سواء بالإقبال على تناول الطعام بمنتهى الشراهة (في الأغلب تكون السمنة في هذه الفئة العمرية رد فعل مباشراً لتدني الحالة النفسية وصورة الذات)، والأمر نفسه ينطبق على العزوف عن تناول الطعام بشكل كامل تقريباً.
تتميز هذه المرحلة لدى المراهقين بالتباين السلوكي، بمعنى أن معظم المراهقين ينخرطون في سلوكيات صحية سيئة، ويبدأون في تجربة التدخين وتناول الكحوليات، وفي بعض الأحيان المواد المخدرة. ويميل معظمهم إلى العدوانية وممارسة العنف والشغب والاشتباك في المشاجرات باستمرار، والبعض الآخر يصبح في منتهى السلبية ويقبل الاعتداء من الآخرين سواء الاعتداء البدني أو اللفظي أو المعنوي كنوع من عقوبة الذات، والقناعة بعدم الاستحقاق؛ لذلك يتقبل الأذية من الآخرين بسهولة.
على الرغم من أن التراجع الدراسي في معظم الأحيان يكون نوعاً من التعبير عن الفشل بشكل عام ونتيجة للإحباط، فإن المستوى الدراسي يمكن أن يكون جيداً، بل ويحافظ المراهق على تفوقه رغم معاناته النفسية، وخصوصاً الأطفال الذين يتمتعون بقسط وافر من الذكاء.
وفي هذه الحالة يكون التفوق الدراسي نوعاً من الهرب من المشكلات النفسية سواء العقوبات من المدرسين أو أحد الأبوين، أو لتفادي السخرية والتنمر من الأقران، ويكون الطفل غير قادر على حسم اختيار أي مجال دراسي؛ لأن التفوق ليس رغبة في تعلم شيء معين.

- آلام عضوية ونفسية
في كل الأعمار، حتى في مرحلة ما قبل الدراسة، يمكن أن تكون الآلام العضوية التي لا يوجد لها سبب واضح ذات سبب نفسي في الأساس. وبطبيعة الحال يكون تشخيص الاعتلال النفس - جسماني (psychosomatic disorder) بعد عمل الفحوص اللازمة وتلقي العلاج المناسب لاستبعاد السبب العضوي.
وأشهر هذه الأعراض الصداع الدائم الذي لا يستجيب للمسكنات المعتادة، وأيضاً الشعور بالتعب الدائم والإرهاق وآلام العضلات. وفي الأغلب يمكن أن يشعر الأطفال بآلام في الصدر مثل الوخز أو الثقل، وضعف للذاكرة، وشعور بالمغص، وخصوصاً الفتيات، ويمكن أن يحدث خلل في الدورة الشهرية سواء أوقات حدوثها بالتكرار خلال فترات قصيرة، أو الانقطاع لأشهر عدة، وفي الجنسين يمكن أن يحدث شعور بالغثيان والقيء وآلام بالمعدة.
وتعتبر أذية الذات الفعلية أخطر علامات الإحباط التي يجب أن تلفت نظر الآباء أو المحيطين بالطفل، سواء في المدرسة أو النادي أو دور العبادة. ولذلك يجب سؤال المراهق عن الجروح السطحية أو الندبات في حالة وجودها على الجلد أو الرسغ، وملاحظة إذا كان الطفل يحاول إخفاء أثر هذه الجروح من عدمه؛ لأن الجروح نتيجة للحوادث أو الارتطام تكون معروفة ومعرضة للجميع، وعلى سبيل المثال ارتداء الطفل ملابس ذات أكمام طويلة باستمرار في فصل الصيف يكون نوعاً من محاولة إخفاء الجروح التي يحدثها في نفسه. وفي بعض الأحيان تكون أذية الذات بشكل غير مباشر، مثل القيادة بسرعة كبيرة جداً دون حرص كافٍ، أو تسلق الجبال، والقفز من أماكن عالية.
ويجب أن يؤخذ التحدث عن التخلص من الحياة بمنتهى الجدية من المحيطين بالطفل، حتى لو كان بصيغة الدعابة أو التعليق العابر، أو عبر الرسائل النصية؛ لأن المراهق الذي يفكر في الانتحار يظهر ذلك بشكل عفوي في كلماته دون قصد، ويمكن في أي وقت أن يقدم على التنفيذ الفعلي.
ولذلك تعتبر هذه المرحلة نوعاً من الطوارئ النفسية، ويجب أن يتم اللجوء إلى المساعدة الطبية بشكل فوري، وفي الأغلب يحتاج هذا الطفل أو المراهق إلى الإيداع في المستشفى حتى يتعافى نفسياً بشكل تام.
وفي النهاية يجب على الآباء أن يكونوا على صلة دائمة بأطفالهم، ويقيموا حواراً مفتوحاً معهم لمعرفة الألم النفسي دون أن يحتاجوا للكلام عنه، وأيضاً يجب إخبارهم بأنهم يتمتعون بدعم غير مشروط من العائلة.
- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

آسيا طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

قدمت منظمة الصحة العالمية، اليوم، تطمينات بشأن فيروس «إتش إم بي في»، وهو عدوى تنفسية تنتشر في الصين، مؤكدةً أن الفيروس ليس جديداً أو خطيراً بشكل خاص.

«الشرق الأوسط» (جنيف - بكين)
صحتك امرأة تشتري الخضراوات في إحدى الأسواق في هانوي بفيتنام (إ.ب.أ)

نظام غذائي يحسّن الذاكرة ويقلل خطر الإصابة بالخرف

أصبحت فوائد اتباع النظام الغذائي المتوسطي معروفة جيداً، وتضيف دراسة جديدة أدلة أساسية على أن تناول الطعام الطازج وزيت الزيتون يدعم صحة الدماغ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تظهر الخلايا المناعية في الدماغ أو الخلايا الدبقية الصغيرة (الأزرق الفاتح/الأرجواني) وهي تتفاعل مع لويحات الأميلويد (الأحمر) - وهي كتل بروتينية ضارة مرتبطة بمرض ألزهايمر ويسلط الرسم التوضيحي الضوء على دور الخلايا الدبقية الصغيرة في مراقبة صحة الدماغ (جامعة ولاية أريزونا)

فيروس شائع قد يكون سبباً لمرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص

اكتشف الباحثون وجود صلة بين عدوى الأمعاء المزمنة الناجمة عن فيروس شائع وتطور مرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كم عدد الزيارات السنوية للطبيب حول العالم؟

كم عدد الزيارات السنوية للطبيب حول العالم؟

وفق تصنيف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية

صحتك أكواب من الحليب النباتي بجانب المكسرات (أرشيفية - إ.ب.أ)

دراسة: النباتيون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب

تشير دراسة إلى أن النباتيين قد يكونون أكثر عرضة للاكتئاب؛ لأنهم يشربون الحليب النباتي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

طريقة بسيطة لإبعاد الأطفال عن الشاشات

المساحات الخضراء توفر للأطفال فرصة للعب والنشاط البدني بعيداً عن الشاشات (معاهد الصحة الوطنية الأميركية)
المساحات الخضراء توفر للأطفال فرصة للعب والنشاط البدني بعيداً عن الشاشات (معاهد الصحة الوطنية الأميركية)
TT

طريقة بسيطة لإبعاد الأطفال عن الشاشات

المساحات الخضراء توفر للأطفال فرصة للعب والنشاط البدني بعيداً عن الشاشات (معاهد الصحة الوطنية الأميركية)
المساحات الخضراء توفر للأطفال فرصة للعب والنشاط البدني بعيداً عن الشاشات (معاهد الصحة الوطنية الأميركية)

توصلت دراسة أميركية إلى أن توفر المساحات الخضراء في الأحياء طريقة بسيطة يمكن أن تسهم بشكل كبير في تقليل وقت الشاشة لدى الأطفال.

وأوضح الباحثون من جامعة ميتشغان أن البرامج الهادفة لإبعاد الأطفال عن الشاشات تكون أكثر فاعلية في الأحياء التي تحتوي على مساحات خضراء مثل الغابات، والحدائق العامة، والمناطق المفتوحة، ونشرت النتائج، الاثنين، في دورية (Health and Place).

وأصبحت زيادة وقت الشاشة لدى الأطفال مشكلة شائعة تؤثر سلباً على صحتهم البدنية والعقلية. ويقضي العديد من الأطفال ساعات طويلة يومياً في مشاهدة التلفاز أو استخدام الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية؛ ما يؤدي إلى تقليل نشاطهم البدني وزيادة فرص الإصابة بالسمنة. كما أن هذه العادة تؤثر على نوعية النوم، حيث يعاني الأطفال الذين يفرطون في استخدام الشاشات من صعوبة في النوم أو نوم غير مستقر.

وعلاوة على ذلك، تشير الدراسات إلى أن زيادة وقت الشاشة يمكن أن تؤدي إلى تأخر في النمو الاجتماعي والمعرفي للأطفال، بالإضافة إلى تأثيرات سلبية على الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب.

واعتمدت الدراسة على بيانات من «دراسة المجتمعات الصحية» في الولايات المتحدة التي تركز على سلوكيات الأطفال المتعلقة بالسمنة، حيث قام الباحثون بتحليل معلومات عن الأحياء المجتمعية للأطفال ودرسوا الوصول إلى المساحات الخضراء في تلك المناطق.

وتمت مقارنة فاعلية البرامج التي تهدف إلى تقليل وقت الشاشة بين الأحياء التي تحتوي على مساحات خضراء والأحياء التي تفتقر إليها. كما تم قياس تأثير هذه البرامج على سلوكيات الأطفال فيما يتعلق بوقت الشاشة والنشاط البدني.

وفقاً للدراسة، فإن نحو ثلثي الأطفال بين 6 و17 عاماً يتجاوزون الحد الموصى به أقل من ساعتين يومياً لوقت الشاشة. وتهدف بعض البرامج لتقليل وقت الشاشة من خلال توفير برامج تعليمية قائمة على المجتمع وتطوير المهارات للآباء، أو فرص النشاط البدني المجانية للأطفال.

الأطفال الذين يفرطون في استخدام الشاشات يعانون من صعوبة النوم (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب النتائج، يعد الوصول إلى هذه المساحات عاملاً مهماً في نجاح برامج تقليل وقت الشاشة، حيث توفر هذه الأماكن للأطفال فرصة للعب والنشاط البدني بعيداً عن الشاشات.

وقالت الباحثة الرئيسة للدراسة من جامعة ميتشغان، الدكتورة إيان مارشال لانغ، إن عدم توفر المساحات الخضراء قد يؤدي إلى بيئة غير مشجعة تقلل من فاعلية البرامج الهادفة للحد من وقت الشاشة.

وأضافت عبر موقع الجامعة أن هذه النتائج تبرز أهمية اتخاذ خطوات لمعالجة الفجوات في الوصول إلى المساحات الخضراء بين المناطق المختلفة، مع ضرورة العمل على توفير بيئات أكثر عدلاً وصحة للأطفال من خلال الاستثمار في المساحات الخضراء في جميع الأحياء.

وأشارت إلى أن تحسين البيئة المحيطة بالأطفال عبر توفير المساحات الخضراء يمكن أن يكون حلاً فعالاً لتقليل وقت الشاشة وتعزيز الأنشطة البدنية؛ ما يعود بالفائدة على صحة الأطفال.