«نزهة في أرض المسرح»: موليير وتشيكوف ومورافيا برؤية مصرية

«نزهة في أرض المسرح»: موليير وتشيكوف ومورافيا برؤية مصرية
TT

«نزهة في أرض المسرح»: موليير وتشيكوف ومورافيا برؤية مصرية

«نزهة في أرض المسرح»: موليير وتشيكوف ومورافيا برؤية مصرية

يتناول الشاعر والناقد المسرحي يسرى حسان، في كتابه «نزهة في أرض المسرح»، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، عدداً من روائع الدراما العالمية التي تم تنفيذها على خشبة المسارح المصرية مؤخراً ضمن سياقات تجارب متنوعة. من ضمن تلك الأعمال مسرحية «البخيل» التي كتبها موليير في خمسة فصول، حيث اعتمد مخرج العرض خالد حسونة، على النسخة المترجمة بالعامية المصرية، واختزلها في فصل واحد استغرق حوالي الساعتين، ورغم ذلك فقد مر الوقت سريعاً، نظراً لطبيعة العرض المشوقة، فضلاً عن تطعيمه باستعراضات صممتها شيرلي عادل وأغان كتبها حامد السحرتي ولحنها محمد حسني. لم تأت الأغاني كحلية لكسر الملل أو تعليق على الأحداث، وإنما كجزء أساسي من النسيج الدرامي للعرض، ربما من دونه يختل العمل ويفقد الكثير من حيويته، وهو ما يشير لوعي كاتبها بطبيعة ودور الأغنية في الدراما.
تحكي «البخيل» قصة البرجوازي «هاباجون» الذي تسوء العلاقة بينه وبين أبنائه بسبب بخله الشديد وحرصه المبالغ فيه على المال الذي يكتنزه ويخبئه في حديقة قصره ويسعى إلى الزواج من حبيبة ابنه وتزويجه هو بأرملة عجوز ثرية، وكذلك إلى تزويج ابنته من ثري يكبرها بأعوام كثيرة، رافضاً تزويجها من الشاب الذي أحبته واضطر ليعمل خادماً لديه ليكون بالقرب من حبيبته. هو نص بسيط يسعى إلى إدانة نقيصة البخل من خلال بعض الأحداث المرتبة من قبل الكاتب بعناية شديدة، والوعي بأن تلك النقيصة مرتبطة بالإنسان في كل زمان ومكان. ومن هنا يكتسب النص حيويته وقدرته على الاستمرار، إضافة إلى بنائه الدرامي المحكم وشخصياته التي رسم موليير أغلبها بشكل كوميدي ساخر يفجر الضحكات؛ العرض إجمالاً فيه كثير من البهجة والحيوية، ولا يخلو من المتعة البصرية والفكرية البسيطة التي تعبر عنها السخرية من نقيصة البخل، وبيان مدى تأثيرها حتى على العلاقة بين الأب وأبنائه، ومثل هذه العروض هي الأكثر مناسبة للجمهور العام الذي لا تربطه بالمسرح علاقات وثيقة ويبحث عن الضحك والتسلية.
«الجِلف» مزحة أو نكتة في فصل واحد. هكذا وصف أنطون تشيخوف مسرحيته القصيرة «الدب» التي كتبها في 1888، واختار المخرج محمد مكي تقديمها مع فرقة الإسكندرية التابعة للبيت الفني للمسرح تحت عنوان «الجِلف»، كما قدمها غيره من قبل بالاسم نفسه، باعتباره أفضل وأوقع وأكثر اتساقاً مع بيئتنا وكذلك مع ما نشاهده. هي مزحة بالفعل لكنها لا تكتفي بالكوميديا غاية، بل تتخذها وسيلة لإيصال معنى محدد وواضح مفاده أن «الجلف» ليس هو ذلك الرجل البسيط الذي لا يجيد تنميق الكلام، ولا يعرف سكته الصحيحة إلى قلب الأنثى، لكنه ذلك الشخص الذي يأسر أنثاه بعبارات الغزل فيما هو يخونها مع غيرها! هذه هي الجلافة كما ينبغي أن تكون. أرملة ثرية أو كانت، تقيم بمفردها في قرية نائية مع خادمها تعلق على الحائط صورة زوجها الوسيم الذي رحل منذ عدة أشهر، وكذلك صورة حصانه، مفضلة الانعزال عن العالم ورافضة مقابلة أي غريب ليس احتراماً لذكرى زوجها كما يبدو أمام الآخرين، ولكن عقاباً لنفسها على الارتباط بهذا الزوج الذي خانها مع أخريات وبدد عليهن ثروتها.
ويوضح حسان، أننا أمام نص بسيط يتيح لصناع العرض إبراز إمكاناتهم ومواهبهم لتقديم عرض كوميدي خفيف ونظيف بعيداً عن الإسفاف ومغازلة الشباك، والأهم عرض ينتمي إلى المسرح ويقدم صورته وتشكيله الجمالي وأداء ممثليه المقنع أو المأخوذ من روح الشخصيات. موسيقى العرض التي أعدها جورج فتحي كانت أحد أبطاله، لحن فرح شقي ملأ كثيراً من مساحات الصمت، وعبّر عن طبيعة حركة الشخصيات وإيماءاتهم، وهي هنا بطل، ﻷن حذفها يخل بالدراما وربما يعيق التواصل مع الصالة، لذلك وضعها المعد بوعي شديد مدركاً أي نوع من المسرح يتعامل معه، وهو نفس ما سار عليه «الكيروجراف» أو مصمم الرقصات والحركة محمد عبد الصبور.
في نصه المسرحي «الحفلة التنكرية»، الذي كان في الأصل رواية صدرت عام 1941 ثم حولها إلى مسرحية، تعرض الكاتب الإيطالي ألبرتو مورافيا لسياسة حكم الشعوب في ظل الديكتاتور، وكيف يتشكل الديكتاتور من خلال المحيطين به، فضلاً عن استعداده الشخصي. كيف يتحول الثوري الحالم بالتغيير إلى ديكتاتور عندما يصل إلى الحكم، ويرتبط بالطبقة التي ثار عليها، وينفصل تماماً عن الطبقة التي خرج من بين صفوفها؟ إنها تلك الملهاة المأساوية قدمتها على مسرح السلام بالقاهرة فرقة المسرح الحديث التابعة للبيت الفني للمسرح، ترجمة سعد أردش وإخراج هشام جمعة.
قدم العرض الذي قام ببطولته الفنان محمد رياض هذا العمل برهافة شديدة، متجنباً الوقوع في فخ المباشرة، عامداً إلى فكرة الإمتاع، وتقديم صورة بصرية تخطف المشاهد الخفيف وتبهجه وبقدر ما تمتع المشاهد المتمرس، وتثير أسئلته وشجونه.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

دراسة تربط الخيول بإمكانية ظهور وباء جديد... ما القصة؟

طفل يمتطي حصاناً في سوق الماشية بالسلفادور (رويترز)
طفل يمتطي حصاناً في سوق الماشية بالسلفادور (رويترز)
TT

دراسة تربط الخيول بإمكانية ظهور وباء جديد... ما القصة؟

طفل يمتطي حصاناً في سوق الماشية بالسلفادور (رويترز)
طفل يمتطي حصاناً في سوق الماشية بالسلفادور (رويترز)

كشف بحث جديد أنه يمكن لفيروس إنفلونزا الطيور أن يصيب الخيول دون أن يسبب أي أعراض، مما يثير المخاوف من أن الفيروس قد ينتشر دون أن يتم اكتشافه، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز».

ويعتبر ذلك تطوراً آخراً في التهديد الناشئ لفيروس H5N1، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره السبب الأكثر ترجيحاً للوباء المقبل.

اكتشف علماء من جامعة غلاسكو في المملكة المتحدة أجساماً مضادة للفيروس في عينات دم مأخوذة من خيول تعيش في منغوليا.

وقال البروفسور بابلو مورسيا، الذي قاد البحث، لشبكة «سكاي نيوز» إن النتائج تشير إلى أن الخيول في جميع أنحاء العالم قد تكون عرضة للإصابة في المناطق التي يوجد بها إنفلونزا الطيور، وقد تنقل الفيروس إلى البشر.

وتابع: «من المهم للغاية، الآن بعد أن علمنا أن هذه العدوى يمكن أن تحدث في الطبيعة، أن نراقبها لاكتشافها بسرعة كبيرة... تعيش الخيول، مثل العديد من الحيوانات المستأنَسة الأخرى، على مقربة من البشر. وإذا استقر هذا الفيروس في الخيول، فإن احتمالية الإصابة البشرية تزداد».

ويعتقد الفريق في مركز أبحاث الفيروسات التابع لمجلس البحوث الطبية بجامعة غلاسكو أيضاً أن الخيول قد تكون وعاء خلط لسلالات جديدة من الإنفلونزا.

من المعروف بالفعل أن الخيول يمكن أن تصاب بإنفلونزا الخيول، التي يسببها فيروس H3N8. ولكن إذا أصيب الحصان في نفس الوقت بفيروس H5N1، فقد يتبادل الفيروسان المادة الوراثية ويتطوران بسرعة.

كان فيروس H5N1 موجوداً منذ عدة عقود، ويتسبب في تفشّي المرض بين الدواجن إلى حد كبير. ولكن في السنوات الأخيرة انتشر نوع جديد من الفيروس في جميع أنحاء العالم مع الطيور المهاجرة، وقفز مراراً وتكراراً بين الأنواع ليصيب الثدييات.

ينتشر الفيروس بين الأبقار في الولايات المتحدة؛ حيث أُصيب أكثر من 700 قطيع من الأبقار الحلوب في 15 ولاية، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

وقال الدكتور توليو دي أوليفيرا، مدير مركز الاستجابة للأوبئة والابتكار في جنوب أفريقيا، الذي اكتشف لأول مرة متحور «أوميكرون»، في جائحة «كوفيد - 19»، إنه يراقب الأحداث في أميركا بخوف.

وشرح لشبكة «سكاي نيوز»: «آخر شيء قد يحتاجون إليه في الوقت الحالي هو مسبِّب مرض آخر تطور وتحور... إذا أبقي فيروس H5N1 منتشراً لفترة طويلة عبر حيوانات مختلفة وفي البشر، فإنك تمنح الفرصة لحدوث ذلك. لا أحد يريد جائحة محتملة أخرى».