الرحلة باسم الأب والتناص في فيلمين سعوديين

«سكة طويلة» و«آخر زيارة» وجهان للعلاقة بين الآباء والأبناء

«سكة طويلة».. ناصر وأخته مريم بطلا الفيلم وفي حالة من الخوف لحضور عرس الأب
«سكة طويلة».. ناصر وأخته مريم بطلا الفيلم وفي حالة من الخوف لحضور عرس الأب
TT

الرحلة باسم الأب والتناص في فيلمين سعوديين

«سكة طويلة».. ناصر وأخته مريم بطلا الفيلم وفي حالة من الخوف لحضور عرس الأب
«سكة طويلة».. ناصر وأخته مريم بطلا الفيلم وفي حالة من الخوف لحضور عرس الأب

يبدأ الفيلم السعودي «آخر زيارة»، 2019 بـ«برولوغ» يستغرق (112) ثانية، تتضح أهمية ما يحدث خلاله فيما بعد. ثم تقفز الكاميرا إلى حيث تبدأ القصة، إلى سيارة على أحد الطرق السريعة. هنا يوظف المخرج الضمني الهاتف الجوال مرتين في تقديم الشخصيتين المركزيتين والموقف الأولي، ثم نقطة التحول التي تؤدي إلى تغيير اتجاه الرحلة.
يُعرَفُ من المكالمة الأولى أن ناصر (أسامة القس) وابنه وليد (عبد الله الفهاد) في طريقهما من الرياض إلى الدمام لحضور لحفل زفاف. ثم يستقبل ناصر مكالمة من أخيه منصور (أبو نواف)، الذي اتصل ليطلب إليه المجيء إلى «الديرة» نظراً لتفاقم مرض أبيهما. يفهم من المكالمة الأخيرة أيضاً أن ناصر ليس من الرياض في الأصل، والأهم أنها تمثل نقطة تحول، إذ يتغير بسببها اتجاه السفر من رحلة لحضور (فرح) في الدمام إلى رحلة لزيارة مريضٍ دَنِفْ.
على نحو مشابه، تؤدي مكالمة يستقبلها ناصر (براء عالم) في فيلم «سكة طويلة» 2022 إلى تغيير مبكر جداً - قبل الذهاب إلى المطار - في مسار ووسيلة الرحلة التي كان هو وشقيقته مريم (فاطمة البنوي) على وشك القيام بها من الرياض إلى أبوظبي لحضور حفل زفاف أبيهما محمد المهند (عبد المحسن النمر). فسبب إلغاء رحلتهما الجوية حسب المتصل، يضطران للسفر بالسيارة تحت إصرار أبيهما على حضورهما.
تمثل ثيمة «الرحلة باسم الأب» إحدى التعالقات التي تشكل محور الاهتمام هنا. ولكن بدلاً من تجليتها واحدة تلو الأخرى، أقفز إلى نهاية الفيلمين باستباق يكسر خطية الكتابة معاكساً السرد الخطي فيهما، المتدفق كرونولوجياً من دون أي استرجاعات واستباقات. ربما أملى ذلك الحرص على تماسك البنية السردية، أو لجعل الفيلم سهل التلقي خالياً مما قد يسبب إرباكاً وتشويشاً للمتلقي أو غير ذلك.
ينتهي «آخر زيارة» بناصر وابنه وقد شرعا في العودة إلى الرياض بعد وفاة الجد. تتضمن بداية العودة تلميحات إلى تغير إيجابي في العلاقة بينهما. الاثنان يبدوان متشابهين مظهرياً؛ فوليد يرتدي ثوباً أبيض بياقة مفتوحة مثل أبيه، مختلفاً بذلك عمّا كان عليه في رحلة الذهاب. وتلميحاً للتغير في حالته النفسية، اختفت السماعات التي كانت تسد أذنيه في البداية، ولم يعد منشغلاً بـ«جواله». أصبح مستعداً كما يبدو للاستماع لأبيه، ويبدو الأب راغباً في كسر الجليد والتحدث مع ابنه بسؤاله: «وليد... تعرف تسبح؟». وعند توقفهما في محطة الوقود، لا ينزل وليد من السيارة كما فعل عندما فكر في الهرب أثناء رحلة الذهاب. لقد راودته فكره الهروب الآن، وتخيل نفسه خارج السيارة لكن دون مغادرة مقعده، وبدا بصورته المتخيلة دون الجرحين على أنفه وجبينه بهدف تمييز الخيال عن الواقع. يعود وليد إلى الرياض موسوماً بالجروح وعلى عتبة التغير.
ويعود ناصر ومريم إلى الرياض بجروحٍ أيضاً؛ إذ يصلان حفل زفاف أبيهما موسومين بالجراح: الجرح في جبين ناصر والجرح في يد مريم؛ بيد أن كلوم الداخل أشد إيلاماً من الجروح الخارجية، ولهذا يغادران الحفل، على الفور، بعد إعطاء الخنجر الهدية لأبيهما، واستقالة ناصر، وطلب مريم إلى «العروس» أن تترك أباها وتنجو بنفسها منه.
ما بين بدايتي التغير المفاجئ في اتجاه الرحلة أو وسيلتها والنهايتين المُعَلّمَتَين بالجروح وبالتلميحات إلى التغير في العلاقات بين الشخصيات؛ يمتد الوسط، فضاء التجربة أو الجزء الأعظم والأهم منها، المؤسس بتفاصيله وأحداثه لاختلاف الفيلمين عن بعضهما؛ وفي الوقت نفسه، وخلال هذا الاختلاف تنسرب ملامح التشابه بينهما، إلى درجة أنه يمكن القول إن قصة «سكة طويلة» ليست إلا إعادة كتابة أو إعادة سرد لقصة «آخر زيارة»، بكل ما تتطلبه إعادة السرد من تغييرات وتحويلات وتضمينات لخصائص النوع السينمائي الجمالية. بعبارة أخرى، إن المُشاهد أمام حالة «تناص» واضح، فإن لم يكن «سكة طويلة» إعادة سرد مختلفة لقصة «آخر زيارة»، فإنه محاكاة خلت من أي إحالة مباشرة، وأسهمت ملامح النوع الفيلمي «الأكشن» في تمويهها. باختصار، «سكة طويلة» تنويعة بملامحها المميِّزة على «آخر زيارة».
كل نص - قصة أو رواية أو فيلم - هو «متناص»، فضاءُ تعالقٍ وتفاعلٍ مع نصوص أخرى سابقة عند جوليا كريستيفا، والنص يُنْتَجُ حسب سعيد يقطين «ضمن بنية نصية سابقة فهو يتعالق بها، يتفاعل معها تحويلاً وتضميناً أو خرقاً» (انفتاح النص الروائي، 98) بشتى الطرق التي يتحقق بها التفاعل النصي. لا نص «يَنْتُجُ» دون أي آثار من نصوص سابقة، «فهناك علاقات كثيرة يأخذها النص مع غيره من النصوص. ولعل أكثرها هيمنة، أن يكون تكراراً لأهم نماذجها. كما أنه قد يكون إضافة وتحويلاً لها (103)».
تشكل «الإفاقة والاكتشاف» ثيمة كبرى يتعالق بها النص السينمائي اللاحق «سكة طويلة» بالنص السابق «آخر زيارة». ففي «آخر زيارة»، منذ بداية الرحلة وفي أثناء إقامة ناصر ووليد في بيت أخيه، تتكشف حقائق عن العلاقة المضطربة والمتوترة، أو بالأحرى اللاعلاقة بينهما؛ فثمة مسافة من التباعد والاغتراب بينهما.
ورغم غموض أسباب عدم الانسجام بين الأب والابن كما يقول الناقد خالد ربيع السيد، فإن الفيلم يتضمن بعض الإشارات إلى مسؤولية الأب عن القطيعة بينهما. فبالمقارنة مع أخيه منصور (أبونواف)، يميل ناصر إلى الصمت مع أفراد أسرته، فلا يحدثهم عن طفولته مثلاً، كما يفعل أخوه إلى درجة الإملال حسب كلام ابنه، ولا يأخذهم في «طلعات وكشتات». علاوة على هذا هو السبب غير المباشر في الحادث الذي تعرض له ابنه أو في اقترابه من الموت غرقاً، لأنه لم يفكر في تعليمه السواقة أو السباحة - - هذان أمران لا علاقة لهما بالهوة بين الأجيال.
لقد شكل وجود ناصر وابنه متباعدين متنافرين في بيت الأخ مقارنة أبرزت عمق اغترابهما، على النقيض من التقارب بين (أبو نواف) وأبنائه. ففي الغرفة المخصصة لنومهما يجر وليد فراشه ليبعده عن فراش أبيه لكيلا ينام بجواره، بصورة تتناقض تماماً مع ما يحدث في صباح اليوم التالي عندما يشترك (أبو نواف) وأبناؤه في إعداد الفطور.
أما في «سكة طويلة»، يتورط ناصر ومريم في موقف أشد إثارة للتوتر والخوف، فخارج السيارة يتهددهما الخطر من ملثم مجهول يطاردهما منذ انطلاقهما من الرياض، وفي الداخل يعربد فيهما التوتر لمعرفة أسباب كراهيته لهما ورغبته في قتلهما، ويفاقم أزمتهما انكشاف الحقيقة المؤلمة المتجسدة في عزلتهما وغربتهما عن بعض. فقد أفاقا على حقيقة أنهما لم يكونا قريبين من بعض أبداً كما هما في الرحلة الآن. كانا متباعدين رغم عيشهما تحت سقف واحد. ومريم أشد تأذياً وتضرراً من العزلة كما يُدرك من انهيارها وانفجارها في وجه شقيقها.
في السيارة يتحول المقعدان الأماميان إلى أريكتي طبيب نفساني، حيث «يفضفض» الشقيقان ليفرغا شحنة التوتر من داخلهما؛ ويتأملان في علاقة أبيهما بهما، وفي ظلمه وقسوته على موظفيه. يسرد كل منهما حكايته كيما يصل لموضع العطب في تناوب لدَوْرَي المُحَلْلِ النفسي والمُحَلَّلِ نفسياً «analysand”، ويشتركان في محاولة الوصول إلى حل لغز الذي يتهددهما بالقتل واحتمال كونه شقيق أحد العمال الذين ماتوا في حادث سقوط رافعة. في لحظة من جلسة التأمل والاعترافات غير المخطط لها، يدركان أنهما في حاجة إلى تكرار السفر معاً ليعرفا بعضهما أكثر كما تطلب مريم من أخيها الوعد بذلك.
في النهاية، يعود ناصر وابنه إلى الرياض بعد خروج أبيه من عالم الأحياء ومن حياته، ويعود ناصر ومريم إليها بعد خروجهما من عالم أبيهما، أو إخراجه من حياتهما.
*كاتب وناقد سعودي


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«كولكتيف ريبيرث»... حان وقت العودة

لوحات زيتية وأخرى أكليريك ومنحوتات تشارك في المعرض (الشرق الأوسط)
لوحات زيتية وأخرى أكليريك ومنحوتات تشارك في المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«كولكتيف ريبيرث»... حان وقت العودة

لوحات زيتية وأخرى أكليريك ومنحوتات تشارك في المعرض (الشرق الأوسط)
لوحات زيتية وأخرى أكليريك ومنحوتات تشارك في المعرض (الشرق الأوسط)

يلتزم بعض أصحاب الغاليريهات بتنظيم معارض رسم ونحت وتجهيزات فنيّة رغم أوضاع صعبة يعيشها لبنان... فالحرب أصابت معظم هذا القطاع بشلل تام، ولكن هذا التوقف القسري يقابله أحياناً الخروج عن المألوف. ومن باب إعطاء اللبناني فسحة أمل في خضمّ هذه الأجواء القاتمة، قرر مركز «ريبيرث بيروت» الثقافي إقامة معرضه للفنون التشكيلية. فقلب الجميزة عاد ينبض من جديد بفضل «كولكتيف ريبيرث» (ولادة جديدة جماعية)، وشهد افتتاحه حضوراً ملحوظاً. «سمر»، المشرفة على المعرض تؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنه كان لا بد من العودة إلى النشاطات الفنية. وتتابع: «جميعنا مُتعبون ونشعر بالإحباط. ولكننا رغبنا في كسر الجمود بمعرضٍ يزوّدنا بمساحة ضوء، ويسهم في تبديل حالتنا النفسية. وقد لبّى دعوتنا نحو 12 فناناً تشكيلياً».

جوي فياض تعرض أعمالها من الريزين (الشرق الأوسط)

لوحات زيتية، وأخرى أكليريك وزيتية، وتجهيزات فنية، حضرت في هذا المعرض. ومن المشاركين لاريسا شاوول، وجوي فياض، وكارلا جبور، وإبراهيم سماحة، ومها حمادة، ودانيا خطيب، وغيرهم... كلٌ منهم عبّر عن رغبته في التجديد والانكباب على الحياة.

ندى بارودي تعرض أكثر من لوحة تحت عنوان «الطبيعة». وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «تربطني بالطبيعة علاقة وطيدة، لا سيما بالأشجار وأوراقها. فهي تذكرني بالأرض وجذورنا. أما الأوراق فتؤكد لنا أننا في حالة تجدّد دائم. وبين كل فصل وآخر نراها تموت لتعود وتولد مرة جديدة. وهو الأمل الذي نحتاجه اليوم في ظروف صعبة نعيشها». وترسم ندى لوحاتها بريشة دافئة تترجم فيها فصول السنة، بألوان الزهر؛ الأصفر والأخضر والبرتقالي. رسمت ندى بارودي لوحاتها في أثناء الحرب. وتوضح لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تكثر الضغوطات حولي أفرّغها بالرسم. وخلال الحرب شعرت بحاجة إلى الإمساك بريشتي، فمعها أخرج عن صمتي، وتحت أصوات الانفجارات والقصف كنت أهرب إلى عالمي، فأنفصل تماماً عمّا يجري حولي، لألتقط أنفاسي على طريقتي».

دانيا مجذوب... لوحاتها تتراوح بين الرسم والفوتوغرافيا (الشرق الأوسط)

في جولتك بالمعرض تكتشف في أعماله أساليب فنية مختلفة، منها لوحات فوتوغرافية ولكنها منفذة بتقنية جديدة؛ فيدخل عليها الطلاء. دانيا مجذوب اختارت هذا الأسلوب ليشكّل هوية خاصة بها. وتضيف: «أجول في مختلف المناطق اللبنانية وألتقط مشاهد تسرق انتباهي».

لوحاتها المعروضة تجسّد مناطق بيروتية. تشرح: «جذبتني هذه الأبنية في وسط بيروت، وبالتحديد في شارع فوش. وكذلك انتقيت أخرى مصنوعة من الحجر القديم في زقاق البلاط والسوديكو. أطبع الصور على قماش الكانفاس لأعدّل مشهديتها بالطلاء».

كي تُبرز دانيا أسلوبها تستخدم الطلاء بالألوان البرّاقة... «هذه الألوان، ومنها الذهبي، تطبع اللوحة بضوء ينعكس من أرض الواقع». عمل دانا بتفاصيله الدقيقة توثّق عبره بيروت؛ مدينة الأجيال... «الصورة تبقى الطريقة الفضلى لنتذكّر مشهداً أحببناه. ويمكننا عدّ الفن الفوتوغرافي تخليداً لموقع أو مكان وحتى لمجموعة أشخاص».

وكما نوافذ بيوت المدينة العتيقة، كذلك تتوقف دانا عند أبوابها وشرفاتها، فهي مغرمة بالأبنية القديمة، وفق قولها. وتستطرد: «أهوى الرسم منذ صغري؛ ولذلك حاولت إدخاله على الصورة الفوتوغرافية».

الفنان إبراهيم سماحة أمام لوحته «بيروت»... (الشرق الأوسط)

من اللوحات المعروضة في «كولكتيف ريبيرث» مجموعة الفنان إبراهيم سماحة، فهو ينفذها بالطريقة ثلاثية الأبعاد. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أعتمد في تقنيتي التقنيةَ نفسها المتبعة في تنفيذ الأيقونات. أرسم المدينة على ورق الفضة لينعكس الضوء عليها. من ناحيتي أهتم بإبراز الظل، وتأتي هذه التّقنية لتضفي عليه النور. وكما يتغير انعكاس الضوء في حياتنا، كذلك باستطاعته أن يبدّل في مشهدية لوحة معينة». إحدى لوحات سماحة صورّها من مبنى «البيضة» وسط العاصمة، ونفذّها لتبدو متدرّجة بين قسمين، فيُخيّل إلى الناظر إليها أنه يشاهد مدينتين أو «بيروتين» كما يذكر سماحة لـ«الشرق الأوسط». ويوضح: «أبدأ بتلقف الفكرة، ومن ثم أنقلها على الخشب. وفي لوحاتي، رسمت بيروت في أثناء الجائحة. وكذلك درج مار نقولا وشارع مار مخايل والجميزة قبل انفجار المرفأ وبعده».

معرض «ولادة جديدة جماعية» في منطقة الجميزة (الشرق الأوسط)

تكمل جولتك في المعرض، فتستوقفك تجهيزات فنية ومنحوتات لجوي فياض. جميعها ترتبط ارتباطاً مباشراً بالموسيقى. كما يطبعها الخيال والحلم، فيشعر الناظر إليها بأنها تحلّق في الفضاء. وتقول جوي لـ«الشرق الأوسط»: «كل لوحاتي تحكي لغة الحب، فهو في رأيي أهم ما يجب الاعتناء به وتكثيفه في حياتنا. ولأني أعمل في مجال الغناء؛ فإنني أربطه بالموسيقى».

في لوحتها «الرجل المشع»، تصوّر جوي شخصاً يمسك بقلبه الحديدي كي ينثر جرعات الحب فيه على من يمرّ أمامه، وقد صنعته من مواد الريزين والحديد وطلاء الأكريليك. وتضيف: «بالنسبة إليّ، فإن الحب هو الأساس في أي علاقة نقيمها... مع شريك الحياة والأب والابن والصديق والأم. وفي لوحة (الرجل المشع) نراه يُخرج قلبه من جسده كي يوزّع الحب وينثره. وهو أسلوب تتداخل فيه فنون عدة ليؤلف مشهدية تشبه ثلاثية الأبعاد».

ومن أعمال فياض المعروضة «تركني أحلم»، وهو منحوتة مصنوعة من الريزين أيضاً، ونرى رجل فضاء يسبح بين السماء والأرض التي يخرج منها الضوء.

وفي منحوتة «أنحني لتاجك» تترجم رؤية فلسفية عن الحب... «هناك علاقة وطيدة بين العقل والقلب، وهذا الأخير أَعُدّه تاج الإنسان. ولذلك علينا الانحناء أمامه من أجل إبراز قيمته المعنوية في حياة الإنسان».