هدى شديد: مقاتلة أنا ولست مريضة...واسمي مرادف للقوة والأمل

صدور كتاب «البارابسيكولوجيا والإنسان» برسالة رجاء

هدى شديد تقاتل من أجل الحياة
هدى شديد تقاتل من أجل الحياة
TT

هدى شديد: مقاتلة أنا ولست مريضة...واسمي مرادف للقوة والأمل

هدى شديد تقاتل من أجل الحياة
هدى شديد تقاتل من أجل الحياة

بعد شفاء تام لـ8 سنوات، تمتحن الحياة، مرة أخرى، عزيمة هدى شديد. تحضر بضحكة تغلب بريقاً في العينين يكوّنه دمع صامت يُجمّل الروح الإنسانية. تعيش اليوم بيومه، كوطنها المُنهك. يحلو لها التشبّه به، كأنّ البشر امتداد للأرض المُعذّبة. طلبت من الله في عام 2013 منحها 5 سنوات إضافية، فتعيشها كما تشاء. تجنّبت التمادي في الطمع وزيادة العدد. اليوم تبادره بامتنان: «أي عمر يمنحني إياه هو إضافة. يكفيني بقائي كما أحب نفسي، فلا أفقد أجزاء مني ولا أخسر نوعية الحياة. حتى الآن يستجيب».
الحديث مع الإعلامية والكاتبة اللبنانية يحفر في العمق. يظنّ المرء أنه «القوي» فيلتقي بمَن هم حقاً أقوياء؛ يعرّون هشاشته ويمتحنون ارتماءه السريع في الغصّة. هدى شديد تُلخّص لـ«الشرق الأوسط» العبرة من أوجاعها: «يمنحنا الله نعمة الصبر والتحمّل مقابل كل محنة. في السابق كنتُ متذمّرة، قلّما أرضى. توتّرني الصغائر وتفقدني هدوئي. أحمل اليوم صبراً جميلاً وألتفت إلى أبسط النِعم».
نتخذ من صدور كتاب «البارابسيكولوجيا والإنسان» (دار الفارابي) لزوجها الراحل قبل ثلاثين عاماً المفكر زياد سعادة، ذريعة للقاء في مقهى بيروتي ظهر طقس يتقلّب بين دفء الشمس والصقيع الآتي. تأتي مُحمّلة بحَمد عظيم يُبيّن ما حولها ضئيلاً مهما بلغت أحجامه؛ المشكلات والضغوط والمناكفات: «رغم المرض؛ فإنني أشكره على إحاطتي بالعناية. آخرون تقريباً بلا علاج، وثمة مَن يعارك وحده. أنا أحصل على دوائي. اكتشفتُ المرض باكراً والشفاء ممكن. كلها نِعم».
تصرّ على ألا تجرّ الحديث إلى حيث تتربّص الشفقة بالمفردات وتنقضّ عليها. هنا حديث أمل ورجاء. ورسائل الشجعان. تدرك «الامتيازات»؛ وهي في دول الكرامة تُعدّ حق المريض: «أنظر إلى قدرتي على تأمين الدواء والسفر للعلاج بعين ممتلئة بالتقدير. لم يتركني مَن هم حولي. أحظى بدعم وسند. لولا الدواء من الخارج لربما كنتُ رحلت. في لبنان، مَن ينتظر وزارة الصحة والضمان الاجتماعي وسائر السيستم المتهرئ، يلتحق بالأموات».
تتفادى اللقاءات الصحافية خشية التصاق المرض بالاسم. لا تريد أن يُقال: «هدى تساوي السرطان (Hoda = cancer)». «أنا مقاتلة (survivor) لا مريضة». مقاطَعة للتصويب: «لِم لا تكون (هدى) مساواة لـ(القوة)؟ لـ(الأمل)؟». تعود إلى عام 2013، فترة العلاج: «يومها، أطلقت على الرحلة تسمية (Hope Work) بدلاً من (Homework)، وما أزال أعدّها كذلك».
أتاها الجواب سريعاً على شكوى ألحّت تحت الصدمة: «حين تساءلتُ لِمَ أنا؟ جاء الرد: لِمَ الطفل؟ لِمَ العجوز؟ لمَ الغني؟ لِمَ الفقير؟ إنها حكمة الله. يُحمّلنا رسائل لنعبُر الحياة».
يُعلّم تجرّع الألم نفسه مرتين. كانت عروساً في أشهر الزواج الأولى حين خطف السرطان زوجها. تكفيها قدرتها على التنفّس لتشعر أنها بخير والفرص لا تزال ممكنة. ترفع هاتفها لقراءة «حالتها» على «واتساب»: «اللهم إنّا لا نسألك ردّ القضاء ولكن نسألك اللطف فيه». ترى في الدعاء اختزالاً للإيمان.
تصقلها الحياة وتشكّل نضجها... وهو لا علاقة له بالعمر، بل بوجع التجربة. حين تحلّ القسوة، تنزل كصاعقة. يخمّرها الزمن فتقيم في الأحشاء. لهدى شديد قناعة مشابهة: «على الذهب أن يحترق ليُصقل. الألم يجوهر ويجعلنا نعيد النظر بشؤون الدنيا. نُزهق طاقتنا على القشور، فيعلّمنا ما هو أعمق، أكثر روحانية، وعابر للمادة. كل الأشياء إلى فناء. الشهرة مجد باطل، وليت المال يعوّض الصحة».
عاشت مرارات منذ أن أمضت طفولتها في مدرسة داخلية أيام الحرب الأهلية. وحين ارتدت الأبيض في عزّ الشباب، حلّت المأساة... خمسة أشهر إلا خمسة أيام فقط، دام الزواج. اليوم تنظر إلى الحياة مثل «بازل»: «لكلٍ منا دور في تركيبة أقدار الآخرين».
حين صدر كتابها «ليس بالدواء وحده» (2015)، تصالحت مع ماضيها وطفولتها. استكانت التروما. تعدّه رفيق المريض، يساعده في الاعتقاد بأنه يعاني لسبب وعليه اكتشافه. دوّنت السطور الأولى بعد تبلّغها بالمرض، واليوم تتفادى قراءته: «أجده ثقيلاً، فأقول لمَن يحمله بين يديه بأن يبدأ القراءة من النهاية ليعود إلى البدايات. كانت قاسية، كمَن يظنّ أنه سيكمل مساره، فيدرك فجأة أنّ قطار الحياة يجري وقد أصبح مرمياً على الرصيف».
في تجربة المرض المُتجدد، لا يزال المحيط الداعم يمنحها قوة. للمؤسسات الإعلامية، حاضنتها، فضلٌ تقول إنه «يطوّل العمر»: «العائلة والعمل يمنحانني دافعاً للاستمرار. من السهل جداً السقوط. الأصعب النهوض مجدداً».
في كلمتها المُرتجلة خلال إطلاق الكتاب، قبل أيام، توجّهت إلى ابن الـ17 عاماً أنطونيوس الدويهي المصاب بالمرض، الذي يعود ريع الإصدار للمساعدة في شفائه. أخبرته أنه ليس وحده، وأنّ الحياة للأقوياء. جميعنا نشعر بالوهن، مع فارق أنّ أصحاب الإرادة فقط هم مَن يستخلصون الصلابة.
من الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، صنعت اسمها: «هذه المهنة هي مناعتي، وحصانتي. لكن؛ نعم، لا بدّ من يوم لا أطل فيه عبر الشاشة وقد أتفرّغ للروايات. لكل شيء نهاية، وحتى الآن نهايتي الإعلامية مؤجلة. نحن مَن عشنا كثيراً في الضوء نخاف من الظلمة».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

احتفال خاص للبريد الملكي البريطاني بمسلسل «قسيسة ديبلي»

دفء الشخصيات (رويال ميل)
دفء الشخصيات (رويال ميل)
TT

احتفال خاص للبريد الملكي البريطاني بمسلسل «قسيسة ديبلي»

دفء الشخصيات (رويال ميل)
دفء الشخصيات (رويال ميل)

أصدر البريد الملكي البريطاني (رويال ميل) 12 طابعاً خاصاً للاحتفال بمسلسل «The Vicar of Dibley» (قسيسة ديبلي) الكوميدي الذي عُرض في تسعينات القرن الماضي عبر قنوات «بي بي سي».

وذكرت «الغارديان» أنّ 8 طوابع تُظهر مَشاهد لا تُنسى من المسلسل الكوميدي، بما فيها ظهور خاص من راقصة الباليه السابقة الليدي دارسي بوسيل، بينما تُظهر 4 أخرى اجتماعاً لمجلس أبرشية في ديبلي.

وكان مسلسل «قسيسة ديبلي»، من بطولة ممثلة الكوميديا دون فرينش التي لعبت دور القسيسة جيرالدين غرانغر عاشقة الشوكولاته، قد استمرّ لـ3 مواسم، من الأعوام 1994 إلى 2000، تلتها 4 حلقات خاصة أُذيعت بين 2004 و2007.

في هذا السياق، قال مدير الشؤون الخارجية والسياسات في هيئة البريد الملكي البريطاني، ديفيد غولد، إن «الكتابة الرائعة ودفء الشخصيات وطبيعتها، جعلت المسلسل واحداً من أكثر الأعمال الكوميدية التلفزيونية المحبوبة على مَر العصور. واليوم، نحتفل به بإصدار طوابع جديدة لنستعيد بعض لحظاته الكلاسيكية».

أخرج المسلسل ريتشارد كيرتس، وكُتبت حلقاته بعد قرار الكنيسة الإنجليزية عام 1993 السماح بسيامة النساء؛ وهو يروي قصة شخصية جيرالدين غرانغر (دون فرينش) التي عُيِّنت قسيسة في قرية ديبلي الخيالية بأكسفوردشاير، لتتعلّم كيفية التعايش والعمل مع سكانها المحلّيين المميّزين، بمَن فيهم عضو مجلس الأبرشية جيم تروت (تريفور بيكوك)، وخادمة الكنيسة أليس تنكر (إيما تشامبرز).

ما يعلَقُ في الذاكرة (رويال ميل)

وتتضمَّن مجموعة «رويال ميل» طابعَيْن من الفئة الثانية، أحدهما يُظهر جيرالدين في حفل زفاف فوضوي لهوغو هورتون (جيمس فليت) وأليس، والآخر يُظهر جيرالدين وهي تُجبِر ديفيد هورتون (غاري والدورن) على الابتسام بعد علمها بأنّ أليس وهوغو ينتظران مولوداً.

كما تُظهر طوابع الفئة الأولى لحظة قفز جيرالدين في بركة عميقة، وكذلك مشهد متكرّر لها وهي تحاول إلقاء نكتة أمام أليس في غرفة الملابس خلال احتساء كوب من الشاي.

وتتضمَّن المجموعة أيضاً طوابع بقيمة 1 جنيه إسترليني تُظهر فرانك بيكل (جون بلوثال) وأوين نيويت (روجر لويد باك) خلال أدائهما ضمن عرض عيد الميلاد في ديبلي، بينما يُظهر طابعٌ آخر جيم وهو يكتب ردَّه المميّز: «لا، لا، لا، لا، لا» على ورقة لتجنُّب إيقاظ طفل أليس وهوغو.

وأحد الطوابع بقيمة 2.80 جنيه إسترليني يُظهر أشهر مشهد في المسلسل، حين ترقص جيرالدين والليدي دارسي، بينما يُظهر طابع آخر جيرالدين وهي تتذوّق شطيرة أعدّتها ليتيتيا كرابلي (ليز سميث).

نال «قسيسة ديبلي» جوائز بريطانية للكوميديا، وجائزة «إيمي أوورد»، وعدداً من الترشيحات لجوائز الأكاديمية البريطانية للتلفزيون. وعام 2020، اختير ثالثَ أفضل مسلسل كوميدي بريطاني على الإطلاق في استطلاع أجرته «بي بي سي». وقد ظهرت اسكتشات قصيرة عدّة وحلقات خاصة منذ انتهاء عرضه رسمياً، بما فيها 3 حلقات قصيرة بُثَّت خلال جائحة «كوفيد-19».