سكان دمشق «يرقصون» برداً... والحكومة عاجزة عن توفير وسائل التدفئة

سورية قرب مدفأة تعمل بالحطب في دمشق في نوفمبر الماضي (رويترز)
سورية قرب مدفأة تعمل بالحطب في دمشق في نوفمبر الماضي (رويترز)
TT

سكان دمشق «يرقصون» برداً... والحكومة عاجزة عن توفير وسائل التدفئة

سورية قرب مدفأة تعمل بالحطب في دمشق في نوفمبر الماضي (رويترز)
سورية قرب مدفأة تعمل بالحطب في دمشق في نوفمبر الماضي (رويترز)

الشكوى من البرد وانعدام وسائل التدفئة هي حال غالبية سكان العاصمة السورية هذه الأيام، مع حلول أول موجة برد قارس على دمشق ومحيطها، وسط تواصل عجز الحكومة عن توفير الوقود والكهرباء، بسبب أزمة محروقات شديدة تعصف بالبلاد.
ومنذ يوم الخميس الماضي، تعيش دمشق والمناطق المحيطة بها تحت وطأة موجة صقيع شديد البرودة، حيث خلت الشوارع من المارة إلى حد كبير، باستثناء مَن اضطر للخروج من بيته لقضاء حاجة طارئة.
في أحد شوارع دمشق الغربية، كان رجل في الخمسينات تقريباً من العمر يسير مرتدياً معطفاً طويلاً، وقبعة تحمي رأسه، ووشاحاً حول رقبته، ويضع يديه في جيوب المعطف، إلا أن ارتجاف ساعديه وقدميه وحتى كتفيه من البرد كان واضحاً خلال سيره، وكاد يسقط أرضاً من شدة الارتجاف أثناء محاولته نقل قدمه من الطريق إلى الرصيف.
قال الرجل لـ«الشرق الأوسط»: «الدنيا زنطاري (الطقس شديد البرودة بالعامية السورية)، وما زلنا بعد في بداية الشتاء! فكيف ستكون أيام عز فصل الشتاء في ظل عدم وجود (مازوت) ولا غاز ولا حتى كهرباء للتدفئة؟». وأضاف: «الأيام المقبلة حتماً سيكون فيها البرد أشد، ومعاناة الناس كبيرة جداً».
لفت الرجل إلى أن عدم وجود خبز في المنزل يأكله الأولاد أجبره على الخروج، رغم البرد الشديد. أكد أن أفراد عائلته يقضون الوقت في المنزل، وهم يعانون البرد، حتى إن بعضهم بات لا يقدر على التحدث بشكل صحيح، بسبب «تراقصه» من شدة البرد.
وتعاني مناطق سيطرة النظام منذ أكثر من أسبوع من أزمة كبيرة في توافر المحروقات تُعد الأشد منذ فرض الولايات المتحدة ودول غربية أخرى عقوبات اقتصادية ضد حكومة الرئيس بشار الأسد، خلال سنوات الحرب، أبرزها «قانون قيصر» الأميركي. ووصل سعر اللتر الواحد من البنزين في السوق السوداء إلى 20 ألف ليرة سورية (الدولار يبلغ قرابة 5900 ليرة سورية)، بعدما كان قبل الأزمة الحالية يباع بما بين 6 و8 آلاف، علماً بأن السعر الحكومي للتر المدعوم في محطات الوقود يبلغ 2500 ليرة، وغير المدعوم 4 آلاف ليرة، فيما سعر «أوكتان 95» يبلغ 4500 ليرة. كما وصل سعر اللتر الواحد من المازوت في السوق السوداء ما بين 12 و15 ألف ليرة سورية، بعدما كان قبل الأزمة الحالية يباع بما بين 5 و6 آلاف. في المقابل، يبلغ السعر الحكومي للتر مازوت التدفئة المدعوم 500 ليرة، وغير المدعوم 2500 ليرة.
وتسببت الأزمة الحالية في حالة شلل شبه تام في الطرقات وعدد من المؤسسات الحكومية، وارتفاع كبير في أجور النقل والمواصلات وفترات انقطاع طويلة في التيار الكهربائي تصل إلى 12 ساعة مقابل ساعة تأمين واحدة، فيما ضرب الركود معظم الأسواق، إضافة إلى تسجيل موجة ارتفاع جديدة في أسعار معظم المواد الأساسية والغذائية والخضراوات.
وقالت سيدة دمشقية لـ«الشرق الأوسط» إنها حصلت على كمية تبلغ 50 لتراً من مازوت التدفئة بالسعر الحكومي عبر «البطاقة الذكية»، مضيفة أن برودة الجو تتطلب تشغيل مدفأة المازوت «لكنني لن أستخدمها حالياً. سأخبئها للأيام المقبلة من فصل الشتاء، لأنها قد تكون قاسية للغاية».
أشارت السيدة إلى أن أفراد عائلتها ولمواجهة البرد «يرتدي الواحد منهم مزيداً من الثياب، ويلفون أنفسهم بالحرامات، ورغم ذلك يرتجفون طوال الوقت، ولكن لا يوجد حل إلا أن توفر الحكومة الوقود للناس، ولكنها عاجزة، ولا نأخذ منها إلا الكلام ورفع الأسعار التي أثقلت كاهل الناس».
فؤاد، وهو اسم مستعار لموظف حكومي، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يحصل حتى الآن على الدفعة الأولى من مازوت التدفئة (50 لتراً)، وحتى لو حصل عليها «فلن تشعر العائلة بالدفء... فنحن لا نمتلك مدفأة مازوت قديمة، ولا نستطيع شراء واحدة جديدة بسبب ارتفاع ثمنها». وأضاف: «حتى لو اشتريت مدفأة جديدة؛ فكم يوماً ستكفي كمية الـ50 لتراً؟ 10 أيام، 15 يوماً، 20 يوماً؟ بقية أيام الشتاء ستكون مريرة، لأننا سنقضيها بالبرد».
ولا يتجاوز مرتب الموظف الحكومي في سوريا 150 ألف ليرة شهرياً، بينما تبدأ أسعار مدافئ المازوت «العادية» من الحجم الصغير من 45 ألف ليرة، وصولاً إلى 70 ألفاً، في حين أن المتوسطة تبدأ من 90 ألفاً، وصولاً إلى 500 ألف ليرة.


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

أطلق الأردن سلسلة اتصالات مع دول عربية غداة استضافته اجتماعاً لبحث مسألة احتمالات عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومشاركتها في القمة المقبلة المقرر عقدها في المملكة العربية السعودية هذا الشهر. وقالت مصادر أردنية لـ«الشرق الأوسط»، إن اجتماع عمّان التشاوري الذي عُقد (الاثنين) بحضور وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن وسوريا، ناقش احتمالات التصويت على قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية ضمن أنظمة الجامعة وآليات اعتماد القرارات فيها. وفي حين أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة ليس مقتصراً على الاجتماعات التشاورية التي يعقدها وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن، فإن المصادر لا تستبعد اتفاق

شؤون إقليمية الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس (الأربعاء) زيارة لدمشق تدوم يومين واستهلها بجولة محادثات مع نظيره السوري بشار الأسد تناولت تعزيز العلاقات المتينة أصلاً بين البلدين. وفيما تحدث رئيسي عن «انتصارات كبيرة» حققتها سوريا، أشار الأسد إلى أن إيران وقفت إلى جانب الحكومة السورية مثلما وقفت هذه الأخيرة إلى جانب إيران في حرب السنوات الثماني مع إيران في ثمانينات القرن الماضي. ووقع الأسد ورئيسي في نهاية محادثاتهما أمس «مذكرة تفاهم لخطة التعاون الاستراتيجي الشامل الطويل الأمد». وزيارة رئيسي لدمشق هي الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني منذ 13 سنة عندما زارها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».