قصة ألفي عام من صناعة الكتاب

كتاب من العاج يعود للقرن 19 في معرض «بناء الكتاب من العالم القديم حتى يومنا هذا» (نيويورك تايمز)
كتاب من العاج يعود للقرن 19 في معرض «بناء الكتاب من العالم القديم حتى يومنا هذا» (نيويورك تايمز)
TT

قصة ألفي عام من صناعة الكتاب

كتاب من العاج يعود للقرن 19 في معرض «بناء الكتاب من العالم القديم حتى يومنا هذا» (نيويورك تايمز)
كتاب من العاج يعود للقرن 19 في معرض «بناء الكتاب من العالم القديم حتى يومنا هذا» (نيويورك تايمز)

تُعد مدرسة الكتب النادرة بجامعة فرجينيا أقرب ما تكون إلى الجنة بالنسبة إلى عشاق الكتب. ففي كل صيف، يحتشد عشاق الكتب من كافة أرجاء العالم في دورات دراسية تستمر أسبوعاً تغطي كل جانب من جوانب تاريخ الكتاب تقريباً، في مناخ يجمع بين الانغماس العميق في أغلب الجوانب الغامضة من الطباعة، والتجليد، والفهرسة مع الصداقة الحميمة لأداء كل شيء بجودة فائقة في المخيم الصيفي.
لكن في الأثناء ذاتها، يقدم معرض «غرولير كلوب» في مانهاتن للبقية منا لمحة راقية عن الأساليب العملية المميزة في المدرسة، إلى جانب تاريخ حافل وعريق لأكثر من 2000 سنة من العمل في مجال صناعة الكتب.
يستند معرض: «صناعة الكتاب من العالم القديم إلى العصر الحاضر»، قيد العرض حتى 23 ديسمبر (كانون الأول)، إلى أكثر من 100 ألف مادة من مجموعة التعليم في المدرسة. هناك قوالب الطباعة، وأدوات التجليد، وفراشي الحبر، وعينات الورق، وبراهين الطابعات، والحروف الغريبة، وبطبيعة الحال، الكثير من الكتب، من سوترا البوذية اليابانية (كتاب مقدس) إلى نسخة منمقة من آخر كتاب لمادونا. إن كان هناك درس عميق يختفي وراء عنوان العرض الجاف المخادع، فهو أن كل كتاب، سواء كان ذا ندرة فاتنة أو أكثر الكتب بساطة ذات الأغلفة الورقية المهترئة، يروي قصة ما - حتى قبل شروعك في قراءته.

مجموعة أدوات تعليمية من المعرض (نيويورك تايمز)

تقول السيدة بربارة هيريتيج، المديرة المساعدة لمدرسة الكتب النادرة، التي أشرفت على المعرض رفقة السيدة روث إلين سانت أونغي، في مقابلة، «هناك الكثير من التاريخ والعديد من القصص التي تكمن أمام ناظريك. هناك روايات مدهشة تحملها أوعية هذه الكتب».
تتراوح العناصر المعروضة في الحجم ما بين المجلد الصغير من خطب آبراهام لينكولن، الذي يبلغ طوله أقل من بوصة، صنع عام 1929 تقريباً في إحدى مطابع تينيسي، إلى ورقة من طبعة ضخمة مزدوجة من حجم أذن الفيل لكتاب جون جيمس أودوبون «طيور أميركا» - ما يُعد نصباً تذكارياً حرفياً لصناعة الكتب.
كما هناك أيضاً كتاب مذكرة من القرن التاسع عشر مصنوع من العاج شبه الشفاف (للمسح السهل)، وهو عبارة عن تقويم مُصغر مخبأ في صندوق خشبي منحوت ومطلي حتى يبدو مثل لفافة الخبز (استخدم كبطاقة تعريف بورشة مجلد كتب يدوي من فيينا في القرن الثامن عشر)، وكذلك لُفافة من جلد الرنة الجاهزة للتجليد التي حصدتها «قومية سامي» (أو اللابيون) في شمال أوروبا في القرن الثامن عشر، وفُقدت في حطام سفينة، ثم أنقذت بعد قرنين من الزمان، ولا تزال تحمل أريج زيت البتولا العطر.
تقول السيدة سانت أونغي، التي كانت القيمة المساعدة للمجموعة حتى وقت قريب، «لدينا صور فوتوغرافية لطلاب يشمون هذه الرائحة فقط».
ثم هناك كتاب «ما فوق الألواح»، الكتاب التجريبي من تأليف كلارك كوليدج عام 1992، ويتألف من قصائد مطبوعة على أوراق بحجم ورقة الدولار، التي تُطوى في أوراق نقدية حقيقية مطبوعة مع عنوان المطبعة، ومضمومة سوياً برباط حذاء مع دسها داخل حذاء رجالي بالٍ وموضوعة في صندوق أحذية.

جانب من معروضات المعرض (نيويورك تايمز)

- هل هذا كتاب حقاً؟
تقول السيدة هيريتيج، «أحد الأمور التي نقصدها من وراء العرض هو تحدي فكرة: ماهية الكتاب».
من المؤكد أن ماهية الكتاب قد تغيرت مع مرور الوقت، حيث إن الألواح الطينية، ولفائف البردي، والرقوق، والقصاصات قد أفسحت المجال للمخطوطات والمدونات، والأنماط المتحركة، وعمليات الطباعة الآلية، والقارئ الإلكتروني الحديث. بيد أن تاريخ الكتاب ليس مجرد قصة للتقدم الخطي، كما يؤكد المعرض، وإنما رواية تقانات، وأشكال، وأنماط مختلفة، متعايشة ومتداخلة.
كما أنه ليس سرداً أوروبي المنشأ والمنطلق فحسب. إذ يتضمن المعرض (بنسخته الإلكترونية على الإنترنت كذلك) «السامتا التبتية» (لوح خشبي بسطح للاستعمال المتجدد)، ومخطوطة من ورق «الهولا» السريلانكية، ومجموعة من مخطوطات الأناجيل الإثيوبية المغلفة بالخشب، فضلاً عن الكتب المبكرة المطبوعة من شرق آسيا، حيث تطور نمط الكتابة المتحركة قبل قرون من ظهور مطبعة غوتنبرغ الألمانية.
ومن الجوانب المميزة لمدرسة الكتب النادرة تفانيها في «التعلم باللمس»، كما يُعبر عن ذلك المجلد المصاحب للمعرض. إذ عوضاً عن النظر عبر الزجاج، يتعامل الطلاب مع الأشياء مباشرة - لما يصل أحياناً إلى 500 في الدورة الواحدة.
يُسلط هذا المعرض الضوء على روح الاكتشاف المدرسية، والطريقة التي يتعلم بها الطلاب كيف (ومتى، وأين) صُنعت الكتب - حرفياً أو مجازياً - بتناول كل منها منفرداً على حدة.
هناك عينات من أطقم المواد التعليمية التي جمعها تيري بلانغر، المدير المؤسس للمدرسة، والتي تضم عينات من النوع أو من الرسوم التوضيحية المطبوعة التي أعدت عبر عمليات مختلفة. وهناك نسخة طبق الأصل من قالب ورقي يرجع للقرن الثامن عشر، يُستخدم لتعليم الطلاب كيفية تدوين تاريخ الورق من خلال تحليل العلامات المائية، والخطوط، وغير ذلك من خصائص التعريف.

«ألبوم الصداقة» المثير للمشاعر، المُنتج في نبراسكا حوالي عام 1892

يتعلم الطلاب تمييز النصوص المطبوعة في القرون الوسطى من المخطوطات، والطباعة الأصلية من النسخة المنضبطة، والنسخة الحقيقية من المزيفة. ومن بين عروض الدورة الدراسية العادية «الفاكسميلي، والتزوير، والنسخ المتطورة»، التي يدرسها السيد نيك وايلدينغ، الباحث العصري المبكر، الذي أقر مؤخراً أن مخطوطة غاليليو الثمينة والمحفوظة في جامعة ميشيغان هي مخطوطة مزورة من القرن العشرين.
يتحدث المعرض عن القوة الدائمة للكتاب كحجر أساس للذاكرة الثقافية، ولكافة أشكالها المتحولة. لكنه يتضمن أيضاً بعض الكتب التي لن تُقرأ أبداً، لأنها صارت حرفياً: غير قابلة للقراءة.
لنأخذ على سبيل المثال كتاب «غوتنبرغ»، الذي ألفه الفنان إدوارد بيتمان عام 2002، ويتألف من ثماني صفحات مطبوعة على حروف، بين أغلفة مصنوعة من أسطوانتين مضغوطتين للكومبيوتر، ويحملان نسخاً رقمية من «الأوديسا»، و«حكايات كانتربري»، و«هاملت»، وغيرها من الأعمال المعروفة.
أو على الأقل كانوا كذلك. إذ يوضح النص المطبوع، أنه في غضون 5 سنوات، سوف تبدأ الأسطوانات بالتفكك، ثم «تبدأ الكتب في الاختفاء».
ثم هناك «ألبوم الصداقة» المثير للمشاعر، المُنتج في نبراسكا حوالي عام 1892 باستخدام دفتر مُشترى من المتجر، ومثبت بغطاء مخملي مخيط يدوياً. تطوى كل صفحة وتغلق بخيط، وأزرار، وشريط، وحتى عود أسنان، مع توجيهات مكتوبة بخط اليد مثل «افتح عندما تشعر بالإحباط» أو «افتح عند وصولك إلى كاليفورنيا». لا تزال صفحات كثيرة مغلقة، وستبقى كذلك. وهناك قصة لذلك أيضاً.
تقول السيدة هيريتيج، «إنه كمثل الباب غير المفتوح. لماذا لم يفتحه القارئ؟ ماذا حدث؟ لا يسعنا إلا التخمين».

تقويم مصغر يعود للقرن الثامن عشر، مع علبة منحوتة لتبدو وكأنها لفافة خبز  (نيويورك تايمز)

- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

يوميات الشرق زاهي حواس (حسابه على فيسبوك)

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

أكد الدكتور زاهي حواس، أن رفض مصر مسلسل «كليوباترا» الذي أذاعته «نتفليكس» هو تصنيفه عملاً «وثائقي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

وجد علماء الأنثروبولوجيا التطورية بمعهد «ماكس بلانك» بألمانيا طريقة للتحقق بأمان من القطع الأثرية القديمة بحثًا عن الحمض النووي البيئي دون تدميرها، وطبقوها على قطعة عُثر عليها في كهف دينيسوفا الشهير بروسيا عام 2019. وبخلاف شظايا كروموسوماتها، لم يتم الكشف عن أي أثر للمرأة نفسها، على الرغم من أن الجينات التي امتصتها القلادة مع عرقها وخلايا جلدها أدت بالخبراء إلى الاعتقاد بأنها تنتمي إلى مجموعة قديمة من أفراد شمال أوراسيا من العصر الحجري القديم. ويفتح هذا الاكتشاف المذهل فكرة أن القطع الأثرية الأخرى التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ المصنوعة من الأسنان والعظام هي مصادر غير مستغلة للمواد الوراثية

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

يُذكر الفايكنغ كمقاتلين شرسين. لكن حتى هؤلاء المحاربين الأقوياء لم يكونوا ليصمدوا أمام تغير المناخ. فقد اكتشف العلماء أخيرًا أن نمو الصفيحة الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر أدى إلى فيضانات ساحلية هائلة أغرقت مزارع الشمال ودفعت بالفايكنغ في النهاية إلى الخروج من غرينلاند في القرن الخامس عشر الميلادي. أسس الفايكنغ لأول مرة موطئ قدم جنوب غرينلاند حوالى عام 985 بعد الميلاد مع وصول إريك ثورفالدسون، المعروف أيضًا باسم «إريك الأحمر»؛ وهو مستكشف نرويجي المولد أبحر إلى غرينلاند بعد نفيه من آيسلندا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

لا تزال مدينة مروي الأثرية، شمال السودان، تحتل واجهة الأحداث وشاشات التلفزة وأجهزة البث المرئي والمسموع والمكتوب، منذ قرابة الأسبوع، بسبب استيلاء قوات «الدعم السريع» على مطارها والقاعد الجوية الموجودة هناك، وبسبب ما شهدته المنطقة الوادعة من عمليات قتالية مستمرة، يتصدر مشهدها اليوم طرف، ليستعيده الطرف الثاني في اليوم الذي يليه. وتُعد مروي التي يجري فيها الصراع، إحدى أهم المناطق الأثرية في البلاد، ويرجع تاريخها إلى «مملكة كوش» وعاصمتها الجنوبية، وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل، وتبعد نحو 350 كيلومتراً عن الخرطوم، وتقع فيها أهم المواقع الأثرية للحضارة المروية، مثل البجراوية، والنقعة والمصورات،

أحمد يونس (الخرطوم)
يوميات الشرق علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

اتهم علماء آثار مصريون صناع الفيلم الوثائقي «الملكة كليوباترا» الذي من المقرر عرضه على شبكة «نتفليكس» في شهر مايو (أيار) المقبل، بـ«تزييف التاريخ»، «وإهانة الحضارة المصرية القديمة»، واستنكروا الإصرار على إظهار بطلة المسلسل التي تجسد قصة حياة كليوباترا، بملامح أفريقية، بينما تنحدر الملكة من جذور بطلمية ذات ملامح شقراء وبشرة بيضاء. وقال عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس لـ«الشرق الأوسط»، إن «محاولة تصوير ملامح كليوباترا على أنها ملكة من أفريقيا، تزييف لتاريخ مصر القديمة، لأنها بطلمية»، واتهم حركة «أفروسنتريك» أو «المركزية الأفريقية» بالوقوف وراء العمل. وطالب باتخاذ إجراءات مصرية للرد على هذا

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي بعد استهدافها بصاروخ باليستي روسي

TT

أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي بعد استهدافها بصاروخ باليستي روسي

صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)
صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الجمعة، أن بلاده تطلب من حلفائها الغربيين تزويدها بأنظمة حديثة للدفاع الجوي، بعدما استهدفتها روسيا، هذا الأسبوع، بصاروخ باليستي فرط صوتي.

وقال زيلينسكي، في مقطع مصوَّر نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إن «وزير الدفاع الأوكراني قام بالتواصل مع شركائنا من أجل (الحصول على) أنظمة جديدة للدفاع الجوي، وتحديداً نوع من الأنظمة يمكنه أن يحمي الأرواح في مواجهة أخطار جديدة».

كذلك، عَدَّ الرئيس الأوكراني أن روسيا تسخر من دعوات حليفها الصيني إلى ضبط النفس، حين تطلق صاروخاً من الجيل الجديد على أوكرانيا.

وقال، في المقطع نفسه: «من جانب روسيا، هذا الأمر يشكل سخرية من مواقف دول مثل الصين (...) وبعض القادة الذين يدعون، في كل مرة، إلى ضبط النفس»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، بإنتاج كمية كبيرة من الصاروخ الباليستي الجديد فرط الصوتي «أوريشنيك»، ومواصلة اختباره في الأوضاع القتالية، وذلك بعد استخدامه لضرب أوكرانيا.

وقال بوتين، خلال اجتماع مع مسؤولين عسكريين بثَّ التلفزيون وقائعه: «سنواصل هذه الاختبارات، وخصوصاً في الأوضاع القتالية، وفقاً لتطور الوضع وطبيعة التهديدات التي تستهدف أمن روسيا».