تخطي عدد النازحين السوريين حاجز الـ4 ملايين للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة

مصادر: مباحثات تركية ـ أميركية لإقامة مناطق آمنة تؤوي ملايين اللاجئين

نازحون من داخل سوريا ازدحموا عند الحدود التركية هربا من القتال في تل أبيض منتصف الشهر الماضي (أ.ب)
نازحون من داخل سوريا ازدحموا عند الحدود التركية هربا من القتال في تل أبيض منتصف الشهر الماضي (أ.ب)
TT

تخطي عدد النازحين السوريين حاجز الـ4 ملايين للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة

نازحون من داخل سوريا ازدحموا عند الحدود التركية هربا من القتال في تل أبيض منتصف الشهر الماضي (أ.ب)
نازحون من داخل سوريا ازدحموا عند الحدود التركية هربا من القتال في تل أبيض منتصف الشهر الماضي (أ.ب)

أكّد ممثل الائتلاف السوري المعارض في واشنطن نجيب الغضبان، ووزير الشؤون الاجتماعية في لبنان رشيد درباس لـ«الشرق الأوسط» وجود «مباحثات جدية» بين الأتراك والأميركيين لإقامة مناطق آمنة داخل سوريا تؤوي ملايين اللاجئين بعدما تخطى عددهم الإجمالي وللمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة السورية الـ4 ملايين.
وأعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في تقرير وزعته يوم أمس الخميس، تجاوز عدد اللاجئين السوريين الذين فروا من الصراع في بلادهم إلى الدول المجاورة عتبة الـ4 ملايين: «ما يجعل الأزمة السورية أكبر أزمة يشهدها العالم منذ نحو ربع قرن». وأوضحت المفوضية أن عدد اللاجئين السوريين ازداد بمقدار مليون لاجئ خلال الأشهر العشرة الأخيرة، لافتة إلى أنّها أحصت وجود مليون و800 ألف لاجئ في تركيا، مليون و170 ألفا في لبنان، نحو 630 ألفا في الأردن، نحو 250 ألفا في العراق، 132 ألفا في مصر و24 ألفا في شمال أفريقيا.
وارتفع أخيرا حجم النزوح السوري باتجاه تركيا بالتزامن مع احتدام المعارك بين القوات الكردية مدعومة بطيران التحالف الدولي وعناصر تنظيم داعش المتطرف في مناطق سورية حدودية وخاصة في الرقة وتل أبيض. وسجلت المفوضية وصول أكثر من 24 ألف لاجئ من هذه المناطق في شهر يونيو (حزيران) الماضي، ما جعل من تركيا البلد الذي يؤوي أكبر عدد من اللاجئين في العالم، نحو 45 في المائة من إجمالي عدد اللاجئين في المنطقة.
وتدفع تركيا، وبحسب ممثل الائتلاف السوري المعارض في واشنطن نجيب الغضبان، لإقامة مناطق آمنة داخل سوريا تؤوي اللاجئين السوريين، لافتا إلى محادثات جدية مع الأميركيين بهذا الخصوص. وقال الغضبان لـ«الشرق الأوسط»: «لم يتوصل الطرفان بعد إلى اتفاق واضح في هذا الإطار، باعتبار أن العقبة الأساسية التي تحول دون ذلك هي البراميل المتفجرة التي تجعل الحياة في المناطق المحررة مستحيلة».
ولم تعد موجة النزوح تضرب الدول المحيطة بسوريا وحدها، فقد بدأت تلفح دول أوروبا، إذ تحدثت المفوضية في تقريرها عن تقديم النازحين السوريين ما يفوق الـ270 ألف طلب للجوء إلى دول أوروبية. وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنطونيو غوتيريس: «يشكل اللاجئون السوريون أكبر مجموعة من اللاجئين جراء صراع واحد خلال جيل واحد. إنهم بحاجة إلى دعم العالم فهم يعيشون في ظروف مزرية ويزدادون بؤسًا»، لافتا إلى أن «الأحوال المتدهورة تدفع أعدادا متزايدة للتوجه إلى أوروبا وأبعد من ذلك، إلا أن الغالبية العظمى تبقى في المنطقة. ولا يمكننا أن نسمح لهم وللمجتمعات التي تستضيفهم أن ينزلقوا في مستنقع اليأس أكثر من ذلك».
وتوقف لبنان عن استقبال المزيد من اللاجئين السوريين في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعدما تخطى عددهم ربع عدد سكانه، وهو لا يبدو على استعداد لفتح أبوابه مجددا لاستقبال المزيد منهم، لا بل يسعى لترحيلهم إلى داخل سوريا أو إلى دول أخرى قادرة على تأمين حد أدنى من مقومات العيش.
وهو ما عبّر عنه وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن «تعويل لبناني على حديث جدي بين الأتراك والأميركيين عن إقامة مناطق آمنة في سوريا يتم نقل اللاجئين إليها». وأضاف درباس: «لكننا نتخوف من أن تدفع المعارك المستجدة في مناطق قريبة من لبنان لوصول أعداد جديدة من النازحين، لسنا قادرين على استيعابهم».
وأشار درباس إلى أنّه «ورغم الاستمرار بإقفال الحدود فإن أعداد اللاجئين داخل البلاد إلى ازدياد، نظرا إلى كم الولادات السورية التي توازي تماما الولادات اللبنانية».
وأشارت الناطقة باسم المفوضة العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في بيروت دانا سليمان، إلى أن بلوغ عدد اللاجئين السوريين الإجمالي الـ4 ملايين «لم يحصل بين ليلة وضحاها بل بشكل تدريجي منذ 4 سنوات»، لافتة إلى أن «وصول 24 ألف لاجئ في شهر يونيو إلى تركيا من تل أبيض، كان عاملا أساسيا بتجاوز عتبة الـ4 ملايين». وأوضحت سليمان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المفوضية تناشد باستمرار الدول الأوروبية كما كندا وأميركا ودول أخرى، لتقاسم أعباء اللجوء مع الدول المحيطة بسوريا من خلال برامج إعادة التوطين، وهي تحثها على رفع الكوتا المعتمدة ولو بشكل مؤقت».
ويشكل النازحون داخل سوريا الذين تخطى عددهم الـ7.6 مليون، إشكالية كبرى تسير بالتوازي مع إشكالية اللاجئين خارج البلاد باعتبار أنّهم يعيشون في ظروف معيشية صعبة وفي مواقع يصعب الوصول إليها.
وطالبت مفوضية الأمم المتحدة وشركاؤها بتوفير مبلغ 5.5 مليار دولار أميركي لعام 2015 للمساعدات الإنسانية والتنموية الدولية، لافتة إلى أنّه وحتى الساعة لم يتم الحصول إلا على أقل من ربع هذا المبلغ (24 في المائة) «مما يعني أن اللاجئين سوف يواجهون انقطاعًا حادًا وإضافيًا من حيث المساعدات الغذائية، مما سيجعلهم يصارعون من أجل تحمّل نفقات الخدمات الصحية المنقذة للحياة أو لإرسال أطفالهم إلى المدرسة».
وأشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن نحو 86 في المائة من اللاجئين الموجودين خارج المخيمات في الأردن، يعيشون تحت خط الفقر المحدد بـ3.2 دولار أميركي يوميًا. وفي لبنان، يعيش 55 في المائة من اللاجئين في مآو دون المستوى المطلوب.
ونقل رئيس الاستجابة للأزمة السورية في منظمة «أوكسفام» آندي بايكر عن عدد من اللاجئين قولهم إن «مصيرهم الحالي ابغض من الموت».
وأضاف بايكر: «أقله، يجب على الدول أن تزيد مساهماتها وتوفر 8.4 مليار دولار للبرامج الإنسانية، وتستثمر في قطاعي الخدمات الصحية والتعليم في الدول المجاورة لسوريا والتي تستضيف الآن أربعة ملايين لاجئ، وإلا فسيكون العالم قد تخلى كليًا عن السوريين وعن المجتمعات الفقيرة المضيفة للاجئين».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.