إيران... ما بين محاولات احتواء غضب الشارع وتهديدات المحتجين

إيرانية من دون حجاب في طهران بعد حل شرطة الأخلاق (رويترز)
إيرانية من دون حجاب في طهران بعد حل شرطة الأخلاق (رويترز)
TT

إيران... ما بين محاولات احتواء غضب الشارع وتهديدات المحتجين

إيرانية من دون حجاب في طهران بعد حل شرطة الأخلاق (رويترز)
إيرانية من دون حجاب في طهران بعد حل شرطة الأخلاق (رويترز)

ما بين مساعٍ لاحتواء غضب الشارع الإيراني الثائر منذ وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني (22 عاماً) خلال احتجازها من قِبل «شرطة الأخلاق» قبل أكثر من عشرة أسابيع وبين التهديد بسحق المحتجين، تتأرجح المواقف الرسمية للحكومة الإيرانية، في تضارب وارتباك واضحين، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن العديد من المراقبين.
واعتبرت وكالة «بلومبرغ» الأميركية، أن التصريحات التي أدلى بها المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري، الأحد الماضي، بشأن حل «شرطة الأخلاق» لا ترقى إلى «حل رسمي» لهذه الهيئة، مشيرة إلى أنها تأتي في أعقاب اضطرابات دامية تحدت القيادة الإيرانية على نطاق لم تشهده البلاد منذ عام 1979. واستبعدت «بلومبرغ» أن يمثل قرار منتظري تحولاً كبيراً في السياسة، ورأت أنه «لم يعالج مطالب المحتجين بإلغاء قواعد اللباس الإلزامي تماماً، أو التعامل مع قائمة واسعة من المظالم المتعلقة بالحريات المدنية والحوكمة وسيادة القانون».
على الجانب الآخر، وصفت صحيفة «نيويورك تايمز» القرار بأنه «يعدّ بداية تنازلات لصالح الحركة الاحتجاجية، كما أنه انتصار كبير للنساء اللاتي يحلمن منذ سنوات بتفكيك هذه الهيئة المثيرة للجدل».
وكان النائب العام الإيراني صرح الخميس الماضي، بأن السلطات تراجع لوائح الحجاب في البلاد وستصدر قراراً في غضون 15 يوماً.

وأشارت الصحيفة إلى أنه إذا تم حل شرطة الأخلاق في نهاية المطاف، «فسيكون لذلك تأثير كبير على قدرة الدولة على مراقبة ما ترتديه النساء». لكنها أضافت، أنه لم يتضح على الفور ما إذا كانت السلطات تخطط لتخفيف القوانين التي تفرض على المرأة ارتداء الحجاب وتغطية جسدها.
وكانت الاحتجاجات الإيرانية، التي فجّرتها وفاة أميني، ركزت في البداية على قوانين الزي الإلزامي، لكنها سرعان ما تحولت إلى مطالب بإنهاء حكم رجال الدين والسماح بقدر أكبر من الحرية الاجتماعية.
ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم، إن الخطوة تهدف إلى محاولة تهدئة الاحتجاجات المشتعلة في إيران، لكنهم أضافوا، أنه من غير الواضح ما إذا كانت تصريحات منتظري تعكس قراراً رفيع المستوى لحكام إيران بإجراء تغييرات كبيرة بشأن قانون الحجاب، أم أنها مبادرات مؤقتة تهدف إلى المساعدة في احتواء الاحتجاجات.
وقال سانام وكيل، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد «تشاتام هاوس»، ومقره لندن «أعتقد أنهم (قادة إيران) يحاولون فقط إثبات قدرتهم على التحلي بالمرونة، ولكن ما لا يفعلونه هو تقديم تنازلات ذات مغزى».
وأضاف وكيل، في مقابلة مع «نيويورك تايمز»، أن «النظام الإيراني يبدو أنه يختبر ما إذا كانت مثل هذه التنازلات قد تقضي على الدعم الأوسع للمظاهرات بين الإيرانيين الذين لم يخرجوا إلى الشوارع حتى الآن».
وقالت مهسا مرداني، وهي محللة بارزة في الشأن الإيراني في منظمة حقوقية مقرها لندن «إنهم على الأرجح متعبون ويعتقدون أن بعض التنازلات السطحية الصغيرة مثل هذه ستخمد الانتفاضة ضدهم... هذه الخطوة بالتأكيد لن توقف المتظاهرين أو ترضي أولئك الذين يهتفون من أجل التغيير الكامل للنظام».
ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية عن متظاهرة إيرانية قولها، إن إعلان حل شرطة الأخلاق كان «خبراً مضللاً لصرف انتباه الناس عن الدعوات للاحتجاج أو لإثارة الانقسامات والشكوك بين النشطاء... هذا لا يغيّر كراهية الناس للنظام وستستمر الاحتجاجات».
وذهب محللون إلى القول، إن الدعم الواسع للاحتجاجات قد يجبر الحكومة على التخلي عن تطبيق قانون الحجاب في معظم الأماكن العامة بخلاف المباني الحكومية والمناسبات الرسمية وغيرها من الأحداث البارزة في البلاد.
وفي السياق، صرح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأن النظام الإسلامي الإيراني منصوص عليه في دستور البلاد، لكنه أضاف، أن «هناك طرقاً لتطبيق الدستور يمكن أن تكون مرنة».
ورغم التفسيرات المتباينة للخطوات والتصريحات الصادرة من القيادة الإيرانية وتشكيك البعض في مدى جديتها، خرج الحرس الثوري ليتوعد المحتجين، مؤكداً أن قوات الأمن «لن ترحم مثيري الشغب وقطاع الطرق والإرهابيين».
تهديد قابلته دعوات إلى مسيرات حاشدة في العاصمة طهران أمس الأربعاء، بالتزامن مع دخول إضراب عام للمحال التجارية والشركات حيز التنفيذ.
ورأت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن المتظاهرين سيرون اختبارهم الخاص هذا الأسبوع في مشاركة أعداد كبيرة من الناس في مظاهرات طهران المخطط لها؛ إذ لم تجتذب الدعوات السابقة للاحتجاجات سوى حشود متواضعة، على الرغم من الدعم الشعبي الواسع للمظاهرات المناهضة للنظام.
وقالت الصحيفة، إن أصحاب المتاجر وسائقي الشاحنات في إيران نظموا الاثنين إضراباً فيما يقرب من 40 مدينة وبلدة؛ وذلك استجابة لدعوات لإضراب عام لمدة ثلاثة أيام على مستوى البلاد من قبل المتظاهرين، حيث رفضت الحكومة تأكيد حل شرطة الأخلاق.
وذكرت الصحيفة، أنه بدلاً من ذلك، أفادت الصحف الإيرانية بوجود المزيد من دوريات شرطة الأخلاق، لا سيما في المدن الدينية، ما يتطلب من النساء ارتداء الحجاب، وتوجيه مديري المتاجر من قِبل الشرطة لتعزيز القيود المفروضة على الحجاب.
ورأت الصحيفة، أن تنفيذ الإضراب من قِبل أصحاب المتاجر يرضي المتظاهرين «لأنه أظهر أن الاستياء من النظام لا يزال منتشراً في المدن الكبرى، مثل طهران، وكرج، وأصفهان، ومشهد، وتبريز وشيراز». وأشارت إلى أن 19 مدينة انضمت إلى حركة الإضراب في غرب إيران، حيث يعيش معظم السكان الأكراد في البلاد.
وفي غضون ذلك، نقلت الصحيفة عن هادي غيمي، المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران، وهو منظمة مستقلة مقرها نيويورك، قوله «بالنسبة للإيرانيين العاديين، شرطة الآداب (الأخلاق) ليست ذات صلة الآن... إذا كان هناك أي شيء، فإن تحركات النظام قد تعمل على تشجيع المزيد من المتظاهرين».
وأضاف غيمي «شكاواهم (المحتجون) الآن أعمق بكثير من مجرد شرطة الأخلاق أو قانون الحجاب، وهذا ليس السبب في أن المئات لا يزالون يضعون حياتهم على المحك. لقد تطور هذا إلى شيء أكبر بكثير يشكك في النظام السياسي بأكمله».
وأشار إلى أن «حل شرطة الأخلاق كان يمكن أن يحدث فارقاً بعد وفاة أميني مباشرة»، واصفاً حلها في هذه المرحلة بأنه ليس «سوى محاولة يائسة من النظام للانتقاص من المطالب الأوسع للمحتجين بإنهاء حكم رجال الدين الاستبدادي».


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قال مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، إسماعيل قاآني، إن قواته انتقمت جزئيا من القوات الأميركية بطردها من المنطقة، مضيفا في الوقت نفسه «القدس ليست الهدف النهائي وإنما هدف وسط»، مشددا على ضرورة أن تجد إيران موقعها في انتقال القوة من الغرب إلى الشرق. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن قاآني قوله خلال اجتماع الجمعية العامة لطلاب الحوزات العلمية في قم إن «أميركا وإسرائيل وحتى الناتو و... تقوم بالتعبئة لتخريب إيران». وقال قاآني «مثلما قال المرشد فإن إيران من المؤكد لن تبقى بعد 25 عاماً، وهم (الإسرائيليون) يستعجلون ذلك».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
TT

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)

احتلت ملفات الشرق الأوسط حيزاً واسعاً في الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ظهر الاثنين، في قصر الإليزيه، بحضور سفراء فرنسا عبر العالم وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين. وبالنظر للتطورات الجارية في سوريا، فقد حرص ماكرون على إبراز موقف واضح، مشدداً على أن بلاده «لم تصدق أبداً أن الديكتاتور (في إشارة إلى بشار الأسد) يمكن إعادة تأهيله».

إلا أنه في الوقت عينه، دعا إلى التزام الحذر «من خلال النظر إلى تغيير النظام في سوريا من دون سذاجة». وما حرص عليه ماكرون يكمن في رسم ما يمكن تسميته «خريطة طريق» لكيفية التعامل مع السلطات الجديدة في دمشق، وما تتوقعه باريس والعواصم الأوروبية الأخرى، من السلطة الجديدة، مع التذكير بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية أنالينا بايربوك مؤخراً إلى دمشق.

الأكراد «الحلفاء الأوفياء»

قوات من «قسد» في تدريب مشترك مع القوات الأميركية شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وفيما تتصاعد المعارك في الشمال السوري بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والقوات الحليفة لتركيا، حرص ماكرون على التأكيد بقوة على موقف بلاده من الأكراد الذين وصفهم بـ«الحلفاء الأوفياء» في محاربة تنظيم «داعش»، ملمحاً إلى أن بعض الدول كانت مستعدة للتخلي عنهم، في تلميح للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي كان مستعداً في عام 2018 لسحب القوات الأميركية لتسهيل سيطرة تركيا على المنطقة.

وقال ماكرون: «نحن نعي الدين الذي ندين به لمجمل (القوات الديمقراطية السورية) وللمقاتلين من أجل الحرية مثل الأكراد، الذين تحلوا بالشجاعة في محاربة المجموعات الإرهابية». وأضاف أن بلاده «لم تتخل عنهم أبداً، ولن نتخلى عنهم في المسار الجديد، ونحن متيقظون لعملية الانتقال السياسي» الجارية حالياً في سوريا.

وتابع: «ما تريده فرنسا هو قيام سوريا ذات سيادة وحرة وتحترم تعدديتها الإثنية والسياسية والطائفية». وشدد ماكرون على أهمية أن تضم العملية الانتقالية الديمقراطية «كل مكونات المعارضة» للنظام السابق، بالتوازي مع «توفير الأمن للاجئين للعودة إلى بلادهم ومواصلة محاربة الإرهاب بشكل واضح، وتدمير كل البنى المنتجة للسلاح الكيماوي وشبكات إنتاج وتهريب المخدرات».

ويرى ماكرون، في إشارة على الأرجح للبنان، أنه «يتعين على سوريا أن تشارك في ضمان الأمن والاستقرار الإقليميين»، مذكراً بـ«مؤتمر بغداد» في نسخته الثالثة التي ستعقد في الربيع القادم، دون أن يحدد مكان انعقادها، لعرض تنفيذ مشاريع إقليمية «لمصلحة الجميع ولتحقيق السلام والأمن».

وسبق لوزير الخارجية الفرنسي أن شدد، في حديث صحافي، الأحد، على ضرورة ألا تستغل أي قوة أجنبية سقوط حكم نظام الأسد لإضعاف سوريا، مشيراً إلى أن سوريا «تحتاج بطبيعة الحال إلى مساعدة، لكن من الضروري ألا تأتي قوة أجنبية، كما فعلت لفترة طويلة روسيا وإيران، تحت ذريعة دعم السلطات أو دعم سوريا... وتُضعفها بشكل إضافي».

وبحسب جان نويل بارو، فإن «مستقبل سوريا يعود إلى السوريين. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن هدف السيادة الذي أظهرته السلطة الانتقالية وممثلو المجتمع المدني و(أفراد المجتمعات) الذين التقيناها كذلك هو أمر سليم». وكان بارو يلمح للدور المتعاظم الذي لعبته وتلعبه تركيا في العملية الانتقالية الجارية حالياً.

الدور الإيراني

قاآني يستقبل الرئيس مسعود بزشكيان خلال مراسم ذكرى قاسم سليماني في طهران الخميس الماضي (الرئاسة الإيرانية)

بيد أن أشد العبارات استخدمها ماكرون في الحديث عن إيران التي اعتبرها «التحدي الأمني والاستراتيجي الرئيسي» في الشرق الأوسط. وجاء في حرفية كلام ماكرون أن إيران «تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة بكاملها، وأبعد من ذلك بكثير»، محذراً من أن «تسارع برنامجها النووي يقودنا إلى حافة القطيعة».

وما يعنيه الرئيس الفرنسي أن طهران اقتربت كثيراً من الحصول السلاح النووي. واللافت أن ماكرون يعد أحد القادة الغربيين القلائل الذين يحافظون على خط تواصل دائم مع القيادة الإيرانية. لكن يبدو أن قرب عودة ترمب إلى البيت الأبيض يجعل الأوروبيين ومنهم فرنسا يلجأون إلى خطاب أكثر تشدداً إزاء طهران.

وجاء لافتاً أن ماكرون أشار في كلامه، وفي إطار نظرته لما تمثله إيران، إلى «أنها ستكون، بلا شك، واحدة من القضايا الرئيسية في الحوار الذي سنقيمه مع الإدارة الأميركية الجديدة». ومن المرجح أن ينتهج الرئيس ترمب خطاً بالغ التشدد إزاء طهران، بحيث يذهب أبعد من التدابير التي اتخذها بحقها إبان ولايته الأولى. وثمة مراكز بحثية أميركية لا تتردد في الحديث عن اللجوء إلى ضربات عسكرية مشتركة إسرائيلية - أميركية ضد البرنامج النووي الإيراني.

حقيقة الأمر أن ماكرون أقام «مضبطة اتهام» بحق طهران وقادتها. وتشمل هذه المضبطة ما تعتبره باريس دوراً مزعزعاً للاستقرار في الشرق الأوسط وأبعد منه تقوم به طهران؛ في الإشارة إلى الدعم الذي تقدمه «للمجموعات التي تشكل خطراً في جميع مناطق المواجهة في الشرق الأوسط»؛ في إشارة إلى «حزب الله» و«حماس» و«المجموعات الميليشياوية في العراق»، فضلاً عن الحوثيين في اليمن.

غير أن أهم إعلان صدر عن ماكرون تناول إشارته إلى احتمال تفعيل الآلية المسماة «سناب باك» التي يعاد بفضلها الملف النووي إلى مجلس الأمن، ويمكن أن تعقبه إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وذهب ماكرون أبعد من ذلك، بإشارته إلى أن أمراً كهذا يمكن أن يحل في الخريف القادم. وقال ماكرون: «خلال الأشهر المقبلة، سيتعين أن نسأل أنفسنا ما إذا كان يتعين علينا استخدام... آلية إعادة فرض العقوبات على إيران»، مشيراً إلى أن أكتوبر (تشرين الأول) 2025، هو الموعد الذي تنتهي فيه اتفاقية 2015 رسمياً.

يأخذ الغربيون على إيران انخراطها في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنهم يتخوفون من البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني الذي يمكن أن يشكل تهديداً لأوروبا.

وتخطط باريس لأن يدور حوار واضح بينها وبين واشنطن حول سبل التعاطي مع إيران، التي تزايدت المخاوف الغربية منها بعد أن وصلت صواريخها إلى الأراضي الإسرائيلية. وخلال الاجتماعات الأخيرة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، صدرت قرارات قوية بخصوص إيران. بيد أن الدول الغربية وعلى رأسها الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، امتنعت عن تفعيل آلية «سناب باك» لأسباب مختلفة ومتغيرة.

لكن يبدو أن الغربيين عازمون، أخيراً، على اجتياز خطوة مهمة فيما إيران أصيبت إقليمياً بالضعف بسبب حرب إسرائيل على «حماس» ولبنان وضرباتها ضد الأراضي الإيرانية نفسها وضد الحوثيين، ومؤخراً تدمير قدرات الجيش السوري العسكرية. لكن هذا التصعيد يترافق مع محاولات دبلوماسية للدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وبريطانيا وألمانيا - للبحث عن مخارج دبلوماسية للأزمة مع إيران، ومن ذلك الاجتماع المقرر في 13 الجاري. وآخر ما تشكو منه باريس هو محاولات إيران الانغراس في أفريقيا، التي ترى فيها فرنسا إضراراً بمصالحها.

لبنان

المبعوث الأميركي آموس هوكستين مجتمعاً مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (أ.ف.ب)

لم يأت الرئيس الفرنسي بجديد بالنسبة للبنان «حيث لفرنسا تاريخ طويل والكثير من المواطنين والأصدقاء». وما يسعى إليه ماكرون هو توفير الهدوء على طول «الخط الأزرق»، من خلال مشاركة وحدات فرنسية في قوة «اليونيفيل»، وتسهيل انتشار الجيش اللبناني «بشكل حاسم» جنوب نهر الليطاني وامتداداً حتى الحدود مع إسرائيل.

ولم يتوقف ماكرون طويلاً عند العقبات التي يواجهها وقف إطلاق النار والشكاوى الكثيرة التي تقدم بها لبنان ضد الانتهاكات الإسرائيلية، التي لا تحترم الآلية التي توصلت إليها فرنسا بالتشارك مع الولايات المتحدة. كذلك بقي ماكرون عند العموميات فيما يخص موضوع الفراغ المؤسساتي وعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مذكراً بالحاجة لإنجاح المسار السياسي، ومشيراً إلى الجهود التي يبذلها ممثله الوزير السابق جان إيف لو دريان في هذا الخصوص.

وبحسب ماكرون، فإن انتخاب رئيس جديد «يمثل الخيار الحاسم الذي من شأنه توفير السيادة اللبنانية، ويفتح الطريق لتشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية».

الاعتراف بدولة فلسطين

الدمار والخراب في قطاع غزة بعد أكثر من عام من القصف الإسرائيلي المتواصل (أ.ف.ب)

كالعادة، ذكّر ماكرون بـ«الصداقة التاريخية» بين فرنسا وإسرائيل وتضامنه معها «في مواجهة الهمجية التي ظهرت في هجمات» «حماس» في 7 أكتوبر 2023، وضرورة إطلاق سراح الرهائن. كذلك أعرب ماكرون عن «تفهم بلاده لحاجة إسرائيل بألا تتكرر أمور كهذه وأن تضمن أمنها... ومما شدد عليه اعتباره أن الضربات الإسرائيلية (المستهدفة) في لبنان وسوريا وإسرائيل غيرت الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ما يرتب علينا جميعاً استخلاص النتائج وفتح أفق لسلام صلب ودائم وآمن للجميع في المنطقة».

وبحسب ماكرون «لا يمكن بناء هذا النوع من السلام على الأمن وحده، إذ يجب أن ينطوي على العمل الإنساني والسياسي، وهو شرط أساسي مطلق، أولاً وقبل كل شيء في غزة». وأضاف ماكرون: «لا يوجد أي مبرر عسكري لاستمرار العمليات الإسرائيلية والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية، ولاستمرار العوز الشديد وحالة الجوع التي وصل إليها السكان المدنيون» في القطاع، معتبراً أنه ينبغي على إسرائيل «أن تضع حداً للحرب دون مزيد من التأخير، وأن تعترف بأن لديها شركاء للسلام، وأن تلتزم بتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، وذلك بالتنسيق مع جميع دول المنطقة بشأن غزة، والحفاظ على الأوضاع السياسية في الضفة الغربية وغزة».

ورغم سوداوية الوضع، يرى ماكرون أن «السلام ممكن، حيث إن المملكة العربية السعودية وشركاءنا العرب من ذوي النوايا الحسنة، (الأردن ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة) على وجه الخصوص، ملتزمون بذلك، وفرنسا قدمت ولا تزال تقدم دعمها الكامل».

وحث ماكرون الأوروبيين على العمل في هذا الاتجاه، وبالتنسيق مع الشركاء العرب، «من أجل حل الدولتين، مع احترام الاحتياجات الأمنية للإسرائيليين والتطلعات المشروعة للفلسطينيين».

ودعا الرئيس الفرنسي إلى «بناء إطار جديد للأمن والتعاون في الشرق الأوسط» مشيراً إلى أن «هذا هو هدف المؤتمر الدولي الذي بادرنا به مع المملكة العربية السعودية، والذي سيعقد في نيويورك في يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون علينا أن نجعل من هذا المؤتمر لحظة حاسمة». واختتم كلامه بالإشارة إلى أن فرنسا «يمكنها من هذا المنطلق التحرك نحو الاعتراف بدولة فلسطين».