تتوجه أنظار الأميركيين إلى ولاية جورجيا لحسم مصير المقعد الأخير في مجلس الشيوخ الأميركي، فيما تمعن قيادات الحزبين الديمقراطي والجمهوري في دراسة نتائج الولاية بشكل خاص والانتخابات النصفية بشكل عام لتحديد معالم خريطة طريق تمهيدية للانتخابات الرئاسية... فالوجوه التي غابت عن الجولة الثانية في جورجيا أهم من تلك الحاضرة فيها؛ إذ تعكس دلالات هذا الغياب توجهات الناخب الأميركي وميوله؛ فمن حضر لدعم المرشحين الديمقراطي والجمهوري يحظى بدعم الناخب الأميركي من الحزبين بشكل عام، لهذا دفع الديمقراطيون مثلاً بالرئيس السابق باراك أوباما وزوجته ميشيل لزيارة الولاية دعماً للديمقراطي رافاييل وورناك. فيما توجه جمهوريون، مثل السيناتور ليندسي غراهام وتيد كروز وريك سكوت، إلى هناك لتأييد المرشح الجمهوري هيرشيل والكر.
وغاب عن الولاية بشكل لافت كل من الرئيس السابق دونالد ترمب، وخلفه الرئيس الحالي جو بايدن، في ما عدّه البعض استراتيجية مقصودة لعدم تشتيت الانتباه عن القضايا الأساسية التي تهم الناخب، وتحويل السباق إلى استفتاء على شعبية كل من ترمب وبايدن.
فالديمقراطيون يعرفون جيداً أن خوض سباق مبني على شعبية رئيسهم سيقودهم إلى فشل حتمي، وخير دليل على ذلك غياب بايدن بشكل بارز ليس في جورجيا فقط؛ بل عن غالبية السباقات الحامية في الانتخابات النصفية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي تغنّى بـ«القضاء» على «الموجة الحمراء» التي توعد بها الجمهوريون، فإن فوز حزبه بمقاعد كثيرة في الانتخابات لا يعود إلى مشاركته الفعلية في هذه السباقات. فمن الواضح أن الحزب حيّد بايدن الذي يعاني من مشكلة فعلية في شعبيته، بهدف الحفاظ على دعم الناخبين الديمقراطيين من جهة؛ وعدم تحفيز الناخبين الجمهوريين للتصويت ضده من جهة أخرى.
لكن المعضلة الأساسية التي تواجه الحزب حالياً تتلخص في السؤال التالي: هل سيترشح بايدن للرئاسة مجدداً؟
بايدن في مواجهة الديمقراطيين
تدلّ كل المؤشرات على أن الجواب عن هذا السؤال هو، حتى الساعة، وباختصار: نعم، وهو جواب يُقلق الديمقراطيين لأسباب عدة؛ أبرزها أرقام استطلاعات الرأي التي أظهرت أن شعبية بايدن لم تتحسن. وأشار استطلاع لجامعة «كوينيبياك» إلى أن هذه الشعبية وصلت إلى 36 في المائة فقط. رقم آخر يثير قلق الحزب يتجسد في رفض 68 في المائة من الناخبين فكرة ترشح بايدن مجدداً؛ وفق استطلاع أجرته الجامعة نفسها بعد الانتخابات النصفية.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي قال إنه سيحسم قراره بخوض السباق بعد عطلة الأعياد، فإن بعض الديمقراطيين فسروا قراره تغيير برنامج الانتخابات التمهيدية للحزب ليبدأ من كارولاينا الجنوبية بدلاً من أيوا على أنه إعلان ضمني عن ترشحه. فبايدن لا يزال يحظى بدعم كبير في صفوف الأميركيين من أصول أفريقية، وهم الاكثرية في تلك الولاية التي قدمت له فوزاً مهماً كان بحاجة إليه في عام 2020، مقابل ولايات تعدّ «بيضاء» مثل أيوا حيث أتى بايدن في المرتبة الرابعة، بعد منافسيه بيت بوتجاج وبيرني ساندرز وإليزابيث وارن.
ولعل الإشارة الأكبر الأبرز في هذا السياق هو غياب أي منافس ديمقراطي لبايدن حتى الساعة، وإذا ما نفّذ الحزب خطته المتعلقة بالانتخابات التمهيدية، فسيكون بذلك قضى فعلياً على أي منافسة محتمله له في صفوف حزبه. لكن هذا لم يمنع صحيفة «واشنطن بوست»، المترددة في دعم ترشح بايدن لولاية أخرى، من ذكر أسماء 9 مرشحين محتملين لمنافسة بايدن؛ أبرزهم: وزير المواصلات بيت بوتجاج، وحاكم كاليفورنيا غافين نيوسم، وحاكمة ميشغين غريتشين ويتمر، إضافة إلى السيناتور بيرني ساندرز، ونائبته كامالا هاريس.
ترمب والجمهوريون
أما ترمب؛ الذي أعلن ترشحه الرسمي للرئاسة، فغاب كذلك عن الجولة الثانية من انتخابات جورجيا، وتنفس الجمهوريون الصعداء بعد أن حبسوا أنفاسهم في انتظار أي تحرك له في الولاية التي كلّفتهم الأغلبية في مجلس الشيوخ في عام 2020.
لكن المعادلة في الحزب الجمهوري مختلفة جداً عن معادلة الديمقراطيين؛ إذ إن الحزب لديه وجوه بارزة تتمتع بحظوظ وافرة بالفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب مقابل ترمب؛ أبرز هؤلاء: حاكم ولاية فلوريدا رون ديسنتس الذي أثبت شعبيته بالأرقام الساحقة التي حققها في الانتخابات النصفية بعدما تمكن من الاحتفاظ بمقعده حاكماً للولاية، محولاً «الولاية البنفسجية» المتأرجحة تاريخياً إلى «ولاية حمراء قانية».
كما أن تصريحات الرئيس السابق التي دعا فيها إلى إلغاء الدستور، لم تحسن حظوظه في استرجاع ثقة حزبه به، وبدا هذا واضحاً من خلال الانتقادات العلنية النادرة التي واجهها من الجمهوريين المقربين منه؛ والتي وصلت إلى حد وصفه بـ«عدو الدستور».
صراع خفي بين بايدن... والديمقراطيين
الغائب عن انتخابات جورجيا أهم من الحاضر فيها
صراع خفي بين بايدن... والديمقراطيين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة