السودانيون يوقعون اتفاقاً إطارياً يعيد البلاد إلى الحكم المدني

توافقوا على فترة انتقالية مدتها عامان وتنتهي بانتخابات

جانب من احتفال التوقيع على «الاتفاق الإطاري» في القصر الرئاسي بالخرطوم أمس (رويترز)
جانب من احتفال التوقيع على «الاتفاق الإطاري» في القصر الرئاسي بالخرطوم أمس (رويترز)
TT

السودانيون يوقعون اتفاقاً إطارياً يعيد البلاد إلى الحكم المدني

جانب من احتفال التوقيع على «الاتفاق الإطاري» في القصر الرئاسي بالخرطوم أمس (رويترز)
جانب من احتفال التوقيع على «الاتفاق الإطاري» في القصر الرئاسي بالخرطوم أمس (رويترز)

وقعت القوى المدنية السودانية «اتفاقاً إطارياً»، يوم الاثنين، مع قادة الجيش وقوات «الدعم السريع»، نص على تكوين حكومة انتقالية ذات مصداقية يقودها المدنيون، وإنهاء تولي الجيش مقاليد الحكم في البلاد وعودتهم إلى ثكناتهم.
وشهد القصر الرئاسي توقيع نحو 50 حزباً وتنظيماً مدنياً على الاتفاق الإطاري، وأبرزها تحالف المعارضة الرئيسي «الحرية والتغيير»، والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وحزب المؤتمر الشعبي وتكتلات نقابية ومهنية، وقوى مجتمع مدني، بجانب «الجبهة الثورية» المكونة من حركات مسلحة موقعة على اتفاقية السلام في جوبا، فيما وقع عن الجانب العسكري كل من رئيس مجلس السيادة قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، وذلك وسط حضور دولي وإقليمي كبير.
ونص الاتفاق المكون من 5 بنود، تكوين حكومة مدنية بالكامل، والحد من دور الجيش في السياسة وذهاب قادته إلى «مجلس للأمن والدفاع» يرأسه رئيس الوزراء المدني، وأن يتخلى الجيش عن استثماراته ذات الطابع المدني، ويبقي على الاستثمارات ذات الطبيعة العسكرية تحت إشراف وزارة المالية.
وأُرجئ النظر في قضايا ذات طبيعة معقدة لمزيد من التشاور بين المدنيين، وتتضمن قضايا العدالة الانتقالية ومحاسبة الجرائم التي ارتكبت قبل وبعد 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ومراجعة وتعديل اتفاقية «سلام جوبا» بعد الاتفاق مع أطرافها، وتفكيك نظام الرئيس المعزول عمر البشير الذي حكم البلاد لثلاثة عقود، والإصلاح الأمني والعسكري، وترك أمر هذه القضايا للمزيد من المحادثات بين أصحاب المصلحة من غير الموقعين على الاتفاق الإطاري.
وقاطع حفل توقيع الاتفاق عدد من القوى السياسية العسكرية، أبرزها ما تعرف بـ«الكتلة الديمقراطية»، وتتكون من حركة «العدل والمساواة» وحركة «تحرير السودان»، وجناح من الحزب «الاتحادي الديمقراطي الأصل» يقوده جعفر الميرغني، الذين اعتبروا الاتفاق «تسوية ثنائية وإقصائية». كما عارض الاتفاق الحزب الشيوعي وبعض «لجان المقاومة الشعبية»، الذين اعتبروا الاتفاق «يشرعن حكم العسكر ويناقض شعارات الثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019 التي تقول لا تفاوض، ولا شراكة، ولا شرعية» للعسكر.
وحدد الاتفاق فترة انتقالية جديدة مدتها 24 شهراً، تبدأ من تاريخ تعيين رئيس الوزراء المدني، يجري خلالها الاستعداد لانتخابات حرة ونزيهة، كما نص الاتفاق على تسمية رئيس دولة مدني يتولى أيضاً منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأن يتم خلال فترة الانتقال تكوين جيش قومي موحد، بعقيدة جديدة يلتزم فيها بحماية القانون والدستور وحماية البلاد والنظام الديمقراطي، بعيداً عن السياسة.
ونص الاتفاق على تبعية «قوات الدعم السريع» للقوات المسلحة، وأن يتم إدماجها ضمن خطة توحيد الجيش وفقاً للجداول الزمنية المتفق عليها، وتخضع إدارياً للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو رئيس الدولة المدني. وتعهد الاتفاق الإطاري بترسيخ مبدأ العدالة والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، وبناء آليات عدالة انتقالية تحول دون الإفلات من العقاب، وحق المواطنين في المشاركة الديمقراطية ومراقبة وتقويم الانتقال المدني وهياكله.
وحدد الاتفاق هياكل الحكم في مجلس تشريعي مدني يشارك فيه الشباب ولجان المقاومة والقوى السياسية، على أن تخصص نسبة 40 في المائة للمرأة، ووجود رأس دولة ورئيس وزراء مدنيين تختارهما «قوى الثورة المدنية» على أن يشكل رئيس الوزراء حكومته من كفاءات وطنية مستقلة بالتشاور مع القوى الموقعة على الاتفاق، وتكوين «مجلس أمن ودفاع» برئاسة رئيس الوزراء يشارك فيه قادة القوات النظامية.
كما نص الاتفاق على تبعية جهاز الشرطة لرئيس الوزراء الذي يملك سلطة تعيين وإقالة قادتها، وتبعية جهاز المخابرات الوطني لرئيس الوزراء كذلك، وأن تقتصر مهامه على جمع وتحليل المعلومات وتقديمها للجهات المعنين، دون أن تكون له سلطة الضبط والاعتقال، أو ألا يحتفظ بمرافق لذلك الغرض، وحظر تكوين ميليشيات عسكرية أو شبه عسكرية، ومزاولة القوات المسلحة للأعمال الاستثمارية والتجارية عدا المتعلقة بالتصنيع الحربي والمهمات العسكرية وفقاً لسياسات الحكومة وتحت إشراف ورقابة وزارة المالية.
ويعد الاتفاق الإطاري استهلالاً وجزءاً أولياً لعملية سياسية من مرحلتين أساسهما مشروع الدستور الانتقالي الذي أعدته نقابة المحامين السودانيين، فيما يتم التباحث على جزئها الثاني بين القوى المدنية في محاولة لتحقيق أكبر مشاركة جماهيرية بين الأطراف المدنية المختلفة وأصحاب المصلحة والموقعين على الاتفاق.
من جهة أخرى، تظاهر الآلاف في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى رفضاً للاتفاق السياسي الإطاري، وتصدت لهم قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية على بعد مئات الأمتار من القصر الجمهوري حيث كانت تجرى مراسيم الاحتفال بالتوقيع. وكانت لجان المقاومة التي تقود الحراك الاحتجاجي في الشارع دعت إلى تسيير مواكب تتجه إلى القصر الرئاسي بوسط الخرطوم.
وقالت في بيان إن لجان المقاومة متمسكة بشعاراتها بأن «لا تفاوض، ولا شراكة ولا مساومة» مع السلطة العسكرية، مضيفة أنها تضع نصب أعينها إسقاط الحكم العسكري وحلفائه، واستعادة الحكم المدني الكامل في البلاد دون شراكة مع المؤسسة العسكرية. وردد المحتجون هتافات مناهضة لقادة الجيش والأحزاب السياسية التي وقعت على الاتفاق، وتوعدوا بإسقاطهم من السلطة.
وكانت لجان المقاومة رفضت في وقت سابق دعوة من تحالف «الحرية والتغيير» للنقاش حول الاتفاق الإطاري، واتهمته بمحاولة تفكيكها لتمرير التسوية السياسية مع القادة العسكريين. وأكدت لجان المقاومة على موقفها من العملية السياسية التي تعدها منصة تنازل كامل عن مطالب الشعب لإنتاج شراكة جديدة بين «الحرية والتغيير» والسلطة الانقلابية لاقتسام السلطة، مؤكدة على التمسك بمواقفها ضد التسوية السياسية.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

الرئيس الجزائري: قطاع الزراعة حقق 37 مليار دولار العام الحالي

الرئيس عبد المجيد تبون (أ.ف.ب)
الرئيس عبد المجيد تبون (أ.ف.ب)
TT

الرئيس الجزائري: قطاع الزراعة حقق 37 مليار دولار العام الحالي

الرئيس عبد المجيد تبون (أ.ف.ب)
الرئيس عبد المجيد تبون (أ.ف.ب)

قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، اليوم الثلاثاء، إن قطاع الزراعة يساهم بـ15 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي، مقابل 5 في المائة فقط لقطاع الصناعة، بحسب ما أوردته «وكالة الأنباء الألمانية».

وكشف تبون في كلمة له في احتفالية الاتحاد الجزائري للمزارعين بذكرى تأسيسه الـ50، عن أن قطاع الزراعة حقق العام الحالي ما قيمته 37 مليار دولار، مشيراً إلى أن ذلك «يبشر بالخير وصواب الأسلوب الذي تنتهجه الجزائر للتحرر من التبعية للمحروقات».

كما أكد الرئيس الجزائري أنه ينبغي للقطاع الزراعي والصناعي أن يسيرا بالتوازي، وأنه «لا فائدة من زراعة تسير بشكل مركزي، ولا تسيير ناجعاً خارج مبادرة المزارع». وقال بهذا الخصوص: «قد جعلت بلادنا من الأمن الغذائي رهاناً استراتيجياً، يتوجب علينا كسبه، في عالم أصبح فيه سلاح الغذاء أقوى الأسلحة وأشدها تأثيراً».

وأضاف الرئيس تبون: «علينا الوصول إلى تصدير منتجاتنا الزراعية. وانقطاع تموين السوق بالمنتج الزراعي من علامات التخلف التنموي. ولذلك آمر البنوك بفتح القروض لفائدة الفلاحين، لتشييد غرف التبريد، ولتخزين المنتج الزراعي بهدف ضمان استقرار السوق ومحاربة المضاربة»، كما أكد تبون أنه ستتم تسوية نهائية لملكية العقار الزراعي، وطي ملفه قبل نهاية 2025، لافتاً إلى تخصيص أكبر مخطط لاسترجاع المياه المستعملة المصفاة بنسبة لا تقل عن 30 في المائة. مشدداً على أن بلاده في مرحلة فارقة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، موجهاً الحكومة بعدم استيراد قنطار واحد من القمح الصلب خلال عام 2025.