ببسالة وجرأة، يخاطب الشاعر السعودي محمد الماجد امرؤ القيس: ترجّلْ
عليكَ من الشِّعر ما تستحقُ ترجّلْ/ فهذي القصيدةُ منذ البسوس/ ولا خيلَ فيها/ وهذي طرائدُها في الجبال/ ولا ذئبَ إلا أخوك المهلهلْ/ ترجّلْ.
هو: «موغل في متاهة القصيدة، قابضٌ على جوهر الشعر، محلقٌ بعيداً في مجراته وعوالمه التي لا يُدرك مداها ولا يُبلغ منتهاها»، كما يصفه الشاعر غسان الخنيزي في أمسية نُظمت له في القطيف مساء الجمعة، وحضرها جمهور كثيف من محبي الشعر.
قرأ الماجد قصائد تختلط فيها الفلسفة بالتاريخ والتراث، في «نَفَس شعري في غاية التفرد، ولغة بارعة ما برحت تحفر، بمغامرة الواثق ورؤية المقتدر، في الأسطورة التي نسميها ذاكرتنا الشعرية» كما وصفها الخنيزي، الذي عقد مناقشة تضيء على التجربة الشعرية لمحمد الماجد العازف دوماً عن الأضواء.
يقول الشاعر والفيلسوف الألماني نوفاليس، إنّ «الشعر يداوي الجراح التي يحدثها العقل»، وهذا ما تفعله قصائد محمد الماجد حين يلقيها متجاوزاً أشكال القصيدة المعروفة، واضعاً خلطته الخاصة التي تدمج النثرية والتفعيلة وابوذيات من الشعر العراقي الجميل.
بدأ محمد حسن الماجد، الحاصل على البكالوريوس في هندسة العمارة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وفيها واصل دراساته العليا؛ رحلته الأدبية عام 1989، حيث نشر بعض قصائده في الصحف والدوريات الأدبية السعودية والخليجية، وأطل على المشهد الثقافي عبر أمسيات أقيمت له في النادي الأدبي وجمعية الثقافة والفنون بالدمام، وفي معرض الكتاب بالرياض، ومع أسرة كتاب البحرين. صدرت له ثلاث مجموعات شعرية: ديوان «مسند الرمل»، و«كأنه هو»، و«أسفار ابن عواض». مع ثلاث مجموعات مخطوطة.
وبرأي الشاعر والمترجم والكاتب عبد الوهاب أبو زيد، فإن صدور «مسند الرمل»، الصادر عن دار «الانتشار» اللبنانية عام 2007، وهو الديوان الشعري الأول لمجمد الماجد، «لفت الأنظار إلى تجربة شعرية متميزة ومهمة في مشهدنا الشعري المحلي الذي يبدو أن النقاد المعروفين والمكرسين قد نفضوا أيديهم منه تماماً، وأعلنوا انفضاض سامرهم عنه منذ زمن ليس بالقريب. لقد شكل ديوان الأول لهذا الشاعر مفاجأة وصدمة سعيدة لكثيرين لم يعرفوه أو لم يقرأوا له شيئاً من قبل لعزوفه عن الأضواء وإيثاره العزلة».
أعقبه بعد عقدٍ من الزمن؛ صدور ديوانه الثاني الموسوم: «كأنه هو» عن دار «مسعى» بالبحرين عام 2017، وهو يستعد لصدور ديوانه الثالث الموسوم بـ«أسفار ابن عواض»، الذي سيصدر قريباً. والديوان الأخير هو سيرة شعرية، تسبر أغوار الشاعر الراحل محمد عواض الثبيتي، أحد رواد التجربة الحداثية السعودية، ويقع في 210 صفحة، وسيصدر عن نادي الطائف الأدبي بالتعاون مع دار «صوفيا» الكويتية، ويأتي هذا العمل كمعظم نتاج الماجد المنشور كمجاورة ومنادمة وعقد حوار بين الشعر الموزون والسرد الشعري، ويتألف من ستة فصول: مقام حجاز، ومعاذ الخبت، وحريقٌ، محاقٌ، نيازك، والسّيل، والمنازل، والفصل الأخير بعنوان: عن أخي الشعر، عن الأبدية وأحزان هوازن.
في تقديمه للديوان المذكور، يقول الناقد السعودي الدكتور سعيد السريحي «لنا أن ننزّل تجربة الشاعر محمد الماجد منزلتها من حيث إنها محاولة ناضجة لتمثُّل تجربة الثبيتي، لا باعتبارها صوراً ولغة تتذرع بالمجاز وتتدرع بالاستعارة تلوح في هذه القصيدة أو تلك، وإنما باعتبارها علامات تحيل إلى عوالم متداخلة ومتشابكة، متناقضة ومتكاملة تستعيد تاريخاً للجزيرة العربية موغلاً في القدم، تستعيده رجالاً ونساءً، جبالاً وسهولاً، مدناً وقرى، وفيافي تتذاءب في أطرافها النيران وتعوي في بطون أوديتها الذئاب وتتقافز في شعاف جبالها الأيائل».
في قراءته عبر المحاورة لتجربة الشاعر الماجد، يتناول الشاعر غسان الخنيزي قضايا الشعر عند محمد الماجد، متسائلاً: من هو الأجدر بالحديث عن الشعر؟
ليجيب: قد يقول قائل: ليس الشاعر وما يحمل من أهواء وخلائقَ هوائية بطبيعة الحال، فقد اتفقنا في لحظة غفل على توسم الخير في ذلك النفر المختلف عليه والمتنازع حول جدارته من (الغاوين): نقصد المستمعين، والقراء، والمتذوقين، والنقاد. ولكن ماذا عن القصائد ذاتها؟ ماذا لو أن الشاعر، وهو يبعث الحياة فيها، مودعاً إياها أصغريه، (قلبه ولسانه)، يكون قد سلمها أيضاً إدراكاته وأفهامه، التي بدورها تؤيد قولَ الشاعر أبو الفتح البستي: «أفهامُ أهلِ الفَهمِ إن قِستَها - دوائرٌ فهمُكَ فيها نُقَطْ»؟.
غسان الخنيزي، رأى أن الشاعر الماجد دائماً ما يوصف بأنه «نَفَسٌ شعري في غاية التفرد، ولغة بارعة ما برحت تحفر، بمغامرة الواثق ورؤية المقتدر، في الأسطورة التي نسميها».
ويضيف «ربما لم نأنس كثيراً ولم نألف (بذاكرتنا المغيبة وقراءتنا الكسلى) أن نرى، من قبل، في تجربة شعرية واحدة أو متنٍ شعري واحد كل ذلك جنباً إلى جنب: المقاطع الشعرية في النص الواحد وهي تتنقل؛ بل تتراقص بأريحية عذبة، وبزخمٍ لا يُجارى، تباعاً تباعاً، تتبادل المواقعَ، و(كل شيءٍ بقدَرٍ) محسوبٍ كما لو بأدوات هِنداسٍ عليم، ماخرة عُباب البحور والقوافي كيف ما شاء لها وعابرة مجيئاً وإياباً ما بين الشعر التناظري والمرسل، مستعرضة خبرة كتابية وذخيرة ثقافية ندرك، ونحن نلحظها، ونُسَرُّ بها، ونمتنُ لنَعمائها، أنه قد صاحب تحصيلها وتكاثرها: ليالٍ طوالْ صبغها الكثير من الغم على ما فات من تفتق إشراقات وبنات فكر، والهم ترقباً وتشوقاً لما سيأتي منها».
من قصيدة «الجدارية» التي ألقاها الماجد في الأمسية:
ترجّلْ
عليكَ من الشِّعر ما تستحقُ ترجّلْ
فهذي القصيدةُ منذ البسوس
ولا خيلَ فيها
وهذي طرائدُها في الجبال
ولا ذئبَ إلا أخوك المهلهلْ
ترجّلْ
وقُل للقصيدة
يا أختُ ماذا على الجَمْر
إن مسّه طارقُ الريح ليلاً
وماذا عليَّ وقد هاجني مطرٌ:
دونكَ البابُ، بابُ القصيدةِ، فادخل مُطِرتَ
وعرّج على نار ليلى
تعللْ
لا قيسَ في الدارِ؟
لا شِعْرَ تحت الخباء؟
ويا ليلُ... يا ليلُ
إني حملتكِ والشِّعرَ حمْلَ الهوادج
وارتبت في النوق
حتى لوين ذراع العشيِّ
وأردفنَ جمراً
وكنتِ على الجَمْر
أمضى من النار نصْلاً
وأعجَلْ
فهلّا شهرتِ لنا مطلعاً من الشِّعْر نغمد فيه الكلامْ
وهلّا نصبتِ لنا شَرَكاً من يمامْ
وطار اليمامْ
غناءً يهيج حتى رخام المقابر
طار اليمام
تحدث أبوك السحاب
- وماذا أقول؟
- قصيدةُ عشقٍ
دِلالٌ من الشِّعر
إمّا جرت في عروق الربابة
فاض (الحجازُ) على ضفتيها
فأبكى وأثكَلْ
مطالعُ تضربُ أوتادها في العراء
ومسرى ضباءْ
غيومٌ تعاودني كلّما
كسرتُ جراري على بئر ماء
بروقٌ تئنّ
وعشقٌ مزمّلْ
كأن شتاءَ القصيدة باكَرنا بالبديع
وأنّ جناساً أتانا محمّلْ
الشاعر السعودي محمد الماجد... قصائد مكتنفة بالإحالات التاريخية والأسطورية وبالإشارات
في أمسية شعرية قدم لها غسان الخنيزي
الشاعر السعودي محمد الماجد... قصائد مكتنفة بالإحالات التاريخية والأسطورية وبالإشارات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة