خدمة «واتس آب» الصوتية تتمتع بجودة متوسطة وتعاني من التأخير والصدى

تشهد منافسة حادة مع تطبيقات مماثلة

خدمة «واتس آب» الصوتية تتمتع بجودة متوسطة وتعاني من التأخير والصدى
TT

خدمة «واتس آب» الصوتية تتمتع بجودة متوسطة وتعاني من التأخير والصدى

خدمة «واتس آب» الصوتية تتمتع بجودة متوسطة وتعاني من التأخير والصدى

بعد إطلاق تحديثات عديدة لتطبيق «واتس آب» (WhatsApp)، أصبح بإمكان جميع مستخدميه بغض النظر عن نظام التشغيل الذي يستخدمونه في أجهزتهم الجوالة، إجراء الاتصالات الصوتية مع الآخرين عبر الإنترنت، ومن دون أي تكاليف إضافية لقاء هذه الخدمة سوى تكاليف الإنترنت في حال استخدام باقة اتصالات غير محدودة للإنترنت. ولكن ما هو تقييم الخدمة لهذا التطبيق من حيث الجودة وسهولة الاستخدام؟

* تواصل نصي وصوتي
يقدم «واتس آب» آلية مريحة للمستخدمين للتواصل، سواء نصيا أو صوتيا أو لمشاركة الملفات والصور المختلفة، عوضا عن التنقل بين عدة تطبيقات لاستخدام كل خدمة، مع توفير القدرة على مشاركة عدة ملفات في آن واحد وتعديل وتحرير بعض أنواع الملفات قبل إرسالها.
ويمكن للمستخدم إجراء المكالمات عبر شبكات «واي فاي» أو شبكات الجيل الرابع للاتصالات مع مستخدمي «واتس آب» فقط، وليس مع جميع الأسماء الموجودة في دفتر عناوين المستخدم، وبغض النظر عن نظام التشغيل المستخدم في أجهزتهم الجوالة. هذا، ولا تدعم الخدمة ميزة الاتصال المرئي، مع عدم وجود أي دليل على أن خدمة الدردشة الصوتية آمنة ومشفرة (مرمزة). ومن الملاحظات المهمة على الخدمة عدم توفيرها لاسم مستخدم فريد (Username) يمكن مشاركته مع الآخرين للتواصل عوضا عن رقم الهاتف، ذلك أنه بإمكان طرف ما إزعاج المستخدم بالاتصال به مباشرة في حال حجب المستخدم رسائل ذلك الشخص في «واتس آب».
الخدمة الصوتية جيدة، ولكن قد يلاحظ المستخدم وجود تأخير أو صدى لدى الاتصال مع الآخرين، الأمر غير الموجود في خدمات ناضجة أخرى، مثل «فايبر» (Viber) و«سكايب» (Skype). ومن الملاحظات الأخرى انخفاض جودة الاتصال مقارنة بالتطبيقات المتخصصة، مع احتمال ورود مكالمة من شخص غير موجود في قائمة الأصدقاء، الأمر الذي سيترجم على شكل ظهور رقم غير معروف على شاشة المتسلم، وما يصاحب ذلك من إزعاج مقصود أو غير مقصود.
وبالنسبة لحجم البيانات المستخدم لإجراء المكالمات، فيتراوح بين 700 و740 كيلوبايت للدقيقة الواحدة (محادثات كاملة بين الطرفين، وليس حوارا من طرف واحد) عبر شبكات الجيل الثالث، مع ارتفاع الحجم قليلا عبر شبكات الجيل الثاني مع انخفاض ملحوظ في الجودة. هذا الأمر يعني أن تكاليف الإنترنت ستكون على الأرجح أقل من تكاليف المحادثات الصوتية العادية للدقيقة الواحدة.

* حجب للخدمة في المنطقة العربية
وتجدر الإشارة إلى أن ميزة الاتصال الصوتي لتطبيقات «فايبر» و«واتس آب» و«بلاكبيري ميسنجر (بي بي إم)» محجوبة في العديد من البلدان العربية، مثل السعودية والإمارات وسوريا والسودان، وذلك بهدف الحفاظ على حقوق شركات الاتصالات والتنافس في الأسواق. وقد يؤدي فتح الخدمة المجانية بالكامل إلى خسائر مالية كبيرة للمكالمات الصوتية المحلية والدولية.
إلا أن هناك بعض التطبيقات التي تسمح بتجاوز هذه الحماية (مثل Fearless Mobility Psiphon3 وHideman VPN وTunnelBear VPN وHotspot Shield وVPN One Click وTigerVPNS Android، وغيرها)، ذلك أنها تستخدم شبكة شخصية افتراضية Virtual Private Network VPN تسمح للمستخدم بتجاوز القيود التي تفرضها شركات الاتصالات، ولكن على حساب السرعة الإجمالية التي يمكن الوصول إليها، إذ إن هذه التطبيقات تتصل بالخدمة وكأن المستخدم موجود في بلد آخر لا يحجب المزايا المرغوبة، وبالتالي فهناك وقت إضافي للاتصال بالأجهزة الخادمة التي تستخدمها تلك التطبيقات.

* منافسة حادة
ويقدم تطبيق «فيسبوك ميسنجر» جودة صوتية أعلى أثناء إجراء المكالمات عبر شبكات «واي فاي» مقارنة بـ«واتس آب» (عبر «واي فاي» كذلك)، بينما لا يزال تطبيق «لاين» (Line) المفضل من حيث الجودة وسهولة الاستخدام (مع وجود بعض الملاحظات على سلاسة الاستخدام وتوقف التطبيق عن العمل في بعض الأحيان).
وبالنسبة لحجم البيانات، فنذكر الترتيب التالي للتطبيقات من الأقل استهلاكا إلى الأكثر: KakaoTalk (318 كيلوبايت في الدقيقة) ثم Facebook Messenger (333 كيلوبايت في الدقيقة) ثم Nimbuzz (366 كيلوبايت في الدقيقة) يليه تطبيق Line (374 كيلوبايت في الدقيقة) ثم Magic Jack (493 كيلوبايت في الدقيقة) وViber (497 كيلوبايت في الدقيقة) ثم Tango (614 كيلوبايت في الدقيقة) وHangouts (681 كيلوبايت في الدقيقة) وWhatsApp (740 كيلوبايت في الدقيقة)، وأخيرا Skype (875 كيلوبايت في الدقيقة).
وللمقارنة، فإن حجم التحدث لساعة كاملة في «واتس آب» سيبلغ نحو 43 ميغابايت، مقارنة بـ19 ميغابايت لتطبيق «فيسبوك ميسنجر» أو 22 ميغابايت لتطبيق «لاين» شائع الاستخدام. وإن تحدث المستخدم مع الآخرين عبر الخدمة لساعة يوميا، فإن التكاليف الشهرية قد تكون كبيرة في حال كانت خدمة الإنترنت محدود بسقف على، إذ ستبلغ 1.3 غيغابايت لـ«واتس آب» و0.57 غيغابايت لـ«فيسبوك ميسنجر» مقارنة بـ0.66 لـ«لاين». لكن الحجم الأقل للخدمات الأخرى ليس بالضرورة مؤشرا على أنها أفضل، بل قد يدل على استخدامها لتقنيات ضغط أعلى للبيانات الصوتية، وبالتالي فإن جودة الصوت قد تكون أقل من التطبيقات الأخرى. لكن جودة محادثات «واتس آب» الذي يعتبر ثاني أعلى استهلاك للبيانات لا تزال رديئة، على خلاف «سكايب».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)