تمثال «قبيح» لرأس نفرتيتي يفتح ملف الصراعات السياسية

أثار ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي.. ويطيح بمسؤولين

النسخة الأصلية من تمثال نفرتيتي في المتحف المصري في برلين بعمر 35 قرنا بدت نسختها المقلدة عام 2015 مدعاة للمقارنة
النسخة الأصلية من تمثال نفرتيتي في المتحف المصري في برلين بعمر 35 قرنا بدت نسختها المقلدة عام 2015 مدعاة للمقارنة
TT

تمثال «قبيح» لرأس نفرتيتي يفتح ملف الصراعات السياسية

النسخة الأصلية من تمثال نفرتيتي في المتحف المصري في برلين بعمر 35 قرنا بدت نسختها المقلدة عام 2015 مدعاة للمقارنة
النسخة الأصلية من تمثال نفرتيتي في المتحف المصري في برلين بعمر 35 قرنا بدت نسختها المقلدة عام 2015 مدعاة للمقارنة

أطاحت العاصفة التي ضربت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر أول من أمس، بسبب تمثال مقلد لرأس الملكة نفرتيتي، بمسؤولين صغار في مجلس مدينة صغيرة في جنوب البلاد، لكنها صفعت الكثير من المصريين، وتركتهم حائرين في الإجابة عن السؤال: كيف أصبح الحاضر بهذا «القبح»؟
ففي صباح 5 يوليو (تموز) الحالي، وبينما كانت منال خيري مديرة الإعلام في محافظة المنيا، تتفقد حسابها على «فيسبوك» طالعت الصورة التي بدأ تداولها على موقع التواصل الاجتماعي بشكل يدعو للقلق.
كانت الصورة، عبارة عن تمثال نصفي مقلد لرأس نفرتيتي وضع في مدخل مدينة سمالوط بمحافظة المنيا ضمن خطة مجلس المدينة لتزيين الميادين العامة بها، وهو ما أصبح «نكتة» اليوم، إذ إن التمثال دفع منال خيري إلى الاتصال بمحافظ المنيا، الذي طلب رفع التمثال فورا، ومع انتشار «الفضيحة» أحيل مسؤولو مجلس المدينة إلى التحقيق.
تقول أمينة لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن الأمر يستحق كل هذه الضجة.. الأمر كله يبدو كنكتة لكنها نكتة قبيحة وسخيفة.. موظف حاول الاجتهاد لكنه أفسد الأمر بقبح التمثال وقبل أن يتسع الجدل أزلناه».
وينظر خبراء وأثريون إلى تمثال نفرتيتي المقلد باعتباره إهانة لتاريخ البلاد العريق، ولواحدة من أعظم وأهم ملكات مصر القديمة التي ارتبط اسمها بميلاد فكرة التوحيد في التاريخ، لكن نشطاء شبابا يرون أن التمثال المقلد «إهانة موجهة للحاضر».
كانت آثار الملكة المصرية الحسناء قد تعرضت لموجة عنيفة من التخريب بعد هزيمة مشروع زوجها الملك إخناتون، المعروف بملك التوحيد، وانهيار مدينته أخيتاتون (تل العمارنة) بمحافظة المنيا، لكن التمثال الأشهر لنفرتيتى والمنحوت على قطعة من الحجر الجيري، بقي واحدا من أروع القطع الفنية من العصر القديم، واتخذ لاحقا شعارا للمحافظة التي ضمت آثار مدينة الإله آتون.
تؤكد الرواية الرسمية على أمرين، الأول أنه لا وجود لشبهة فساد في القضية، فالتمثال «لم يتكلف مليما»، بحسب أمينة، ومسؤول آخر في مجلس المدينة، وثانيا أن التمثال قبيح بالفعل، وأزيل فور معرفة السلطات بالأمر.
وانتقد الدكتور محمود عفيفي، رئيس قطاع الآثار المصرية، تمثال الملكة نفرتيتي الذي وصفه بـ«القبيح» الذي وضعه مسؤولو محافظة المنيا بمدخل مدينة سمالوط، نافيا أن يكون لوزارة الآثار أي مسؤولية تجاه وضع هذا التمثال من عدمه.
وقال عفيفي في تصريحات صحافية أول من أمس إن «وزارة الآثار خاطبت المسؤولين بمحافظة المنيا لرفع ما سماه (المسخ) لتمثال نفرتيتي»، مضيفا أنه طالبهم بالاستعانة بالنماذج الموجودة لدى وزارة الآثار حتى لا يضر تاريخنا ولا الحضارة المصرية القديمة.
وبينما تقبع النسخة الأصلية من تمثال الملكة الحسناء نفرتيتي، وهي الكلمة التي تعني «الجميلة أقبلت»، مطمئنة في المتحف المصري في برلين بعمر 35 قرنا، بدت نسختها المقلدة تحت سماء عام 2015 مدعاة لمقارنة، بدت نتائجها بائسة.
التمثال الذي يعود لسنوات ما قبل الثورة المصرية، وجد مكانه أول الأمر أمام مجلس مدينة سمالوط، وبحسب رواية عدد من الأهالي ومسؤولين في المحافظة «لم يكن بهذا السوء».
لم تنجح ثورة 25 يناير عام 2011 في إزاحة التمثال، لكنها أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، واستمر التمثال قابعا في مكانه مع أول رئيس بعد الثورة، ومع ثورة 30 يونيو، وبالتحديد مع فض اعتصامين لأنصار جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة، ثار أنصار الجماعة في المنيا، واندلعت بالمحافظة الجنوبية أشد موجات العنف في البلاد، حيث أحرقت أقسام للشرطة، وعدد كبير من الكنائس، وتم الاعتداء على مجلس مدينة سمالوط، وخرب تمثال نفرتيتي.
ويقول اللواء جمال قناوي رئيس مدينة سمالوط: «كنا نسعى لترميم التمثال.. وفور علمنا بحالة عدم رضاء المواطنين وجهاز المدينة عن مظهره أزلناه»، وأضاف على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أن «الاهتمام الأول لإدارة المدينة هو تطوير البنية التحتية التي حرم منها أهل المدينة لعدة سنوات بجانب رفع أطنان القمامة ورصف الشوارع قبل الاهتمام ببناء نصب تذكارية».
يشار إلى أنه في أعقاب عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي تم الاعتداء على الكثير من تماثيل الميادين في الأقاليم ومحاولة تشويهها من قبل عناصر إسلامية متطرفة، من أبرزها الاعتداء على تمثال «عروس البحر والأشرعة المنطلقة» المطل على البحر بكورنيش الإسكندرية، وهو من أعمال الفنان فتحي محمود وقد أهداه لعروس المتوسط، وذلك بعد أن تم ترميمه بمعرفة وزارة الثقافة، كما اعتدى معتصمو ميدان النهضة المؤيدون لجماعة الإخوان على تمثال نهضة مصر الشهير، وهو من الأعمال الكبرى للنحات محمود مختار، وفي مدينة المنصورة، مسقط رأس كوكب الشرق أم كلثوم، تم تشويه تمثال لها من قبل المتطرفين، وطالب الكثير من السلفيين بتغطية تماثيل الميادين، باعتبارها عورة، تخالف الدين، من وجهة نظرهم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».