أطاحت العاصفة التي ضربت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر أول من أمس، بسبب تمثال مقلد لرأس الملكة نفرتيتي، بمسؤولين صغار في مجلس مدينة صغيرة في جنوب البلاد، لكنها صفعت الكثير من المصريين، وتركتهم حائرين في الإجابة عن السؤال: كيف أصبح الحاضر بهذا «القبح»؟
ففي صباح 5 يوليو (تموز) الحالي، وبينما كانت منال خيري مديرة الإعلام في محافظة المنيا، تتفقد حسابها على «فيسبوك» طالعت الصورة التي بدأ تداولها على موقع التواصل الاجتماعي بشكل يدعو للقلق.
كانت الصورة، عبارة عن تمثال نصفي مقلد لرأس نفرتيتي وضع في مدخل مدينة سمالوط بمحافظة المنيا ضمن خطة مجلس المدينة لتزيين الميادين العامة بها، وهو ما أصبح «نكتة» اليوم، إذ إن التمثال دفع منال خيري إلى الاتصال بمحافظ المنيا، الذي طلب رفع التمثال فورا، ومع انتشار «الفضيحة» أحيل مسؤولو مجلس المدينة إلى التحقيق.
تقول أمينة لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن الأمر يستحق كل هذه الضجة.. الأمر كله يبدو كنكتة لكنها نكتة قبيحة وسخيفة.. موظف حاول الاجتهاد لكنه أفسد الأمر بقبح التمثال وقبل أن يتسع الجدل أزلناه».
وينظر خبراء وأثريون إلى تمثال نفرتيتي المقلد باعتباره إهانة لتاريخ البلاد العريق، ولواحدة من أعظم وأهم ملكات مصر القديمة التي ارتبط اسمها بميلاد فكرة التوحيد في التاريخ، لكن نشطاء شبابا يرون أن التمثال المقلد «إهانة موجهة للحاضر».
كانت آثار الملكة المصرية الحسناء قد تعرضت لموجة عنيفة من التخريب بعد هزيمة مشروع زوجها الملك إخناتون، المعروف بملك التوحيد، وانهيار مدينته أخيتاتون (تل العمارنة) بمحافظة المنيا، لكن التمثال الأشهر لنفرتيتى والمنحوت على قطعة من الحجر الجيري، بقي واحدا من أروع القطع الفنية من العصر القديم، واتخذ لاحقا شعارا للمحافظة التي ضمت آثار مدينة الإله آتون.
تؤكد الرواية الرسمية على أمرين، الأول أنه لا وجود لشبهة فساد في القضية، فالتمثال «لم يتكلف مليما»، بحسب أمينة، ومسؤول آخر في مجلس المدينة، وثانيا أن التمثال قبيح بالفعل، وأزيل فور معرفة السلطات بالأمر.
وانتقد الدكتور محمود عفيفي، رئيس قطاع الآثار المصرية، تمثال الملكة نفرتيتي الذي وصفه بـ«القبيح» الذي وضعه مسؤولو محافظة المنيا بمدخل مدينة سمالوط، نافيا أن يكون لوزارة الآثار أي مسؤولية تجاه وضع هذا التمثال من عدمه.
وقال عفيفي في تصريحات صحافية أول من أمس إن «وزارة الآثار خاطبت المسؤولين بمحافظة المنيا لرفع ما سماه (المسخ) لتمثال نفرتيتي»، مضيفا أنه طالبهم بالاستعانة بالنماذج الموجودة لدى وزارة الآثار حتى لا يضر تاريخنا ولا الحضارة المصرية القديمة.
وبينما تقبع النسخة الأصلية من تمثال الملكة الحسناء نفرتيتي، وهي الكلمة التي تعني «الجميلة أقبلت»، مطمئنة في المتحف المصري في برلين بعمر 35 قرنا، بدت نسختها المقلدة تحت سماء عام 2015 مدعاة لمقارنة، بدت نتائجها بائسة.
التمثال الذي يعود لسنوات ما قبل الثورة المصرية، وجد مكانه أول الأمر أمام مجلس مدينة سمالوط، وبحسب رواية عدد من الأهالي ومسؤولين في المحافظة «لم يكن بهذا السوء».
لم تنجح ثورة 25 يناير عام 2011 في إزاحة التمثال، لكنها أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، واستمر التمثال قابعا في مكانه مع أول رئيس بعد الثورة، ومع ثورة 30 يونيو، وبالتحديد مع فض اعتصامين لأنصار جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة، ثار أنصار الجماعة في المنيا، واندلعت بالمحافظة الجنوبية أشد موجات العنف في البلاد، حيث أحرقت أقسام للشرطة، وعدد كبير من الكنائس، وتم الاعتداء على مجلس مدينة سمالوط، وخرب تمثال نفرتيتي.
ويقول اللواء جمال قناوي رئيس مدينة سمالوط: «كنا نسعى لترميم التمثال.. وفور علمنا بحالة عدم رضاء المواطنين وجهاز المدينة عن مظهره أزلناه»، وأضاف على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أن «الاهتمام الأول لإدارة المدينة هو تطوير البنية التحتية التي حرم منها أهل المدينة لعدة سنوات بجانب رفع أطنان القمامة ورصف الشوارع قبل الاهتمام ببناء نصب تذكارية».
يشار إلى أنه في أعقاب عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي تم الاعتداء على الكثير من تماثيل الميادين في الأقاليم ومحاولة تشويهها من قبل عناصر إسلامية متطرفة، من أبرزها الاعتداء على تمثال «عروس البحر والأشرعة المنطلقة» المطل على البحر بكورنيش الإسكندرية، وهو من أعمال الفنان فتحي محمود وقد أهداه لعروس المتوسط، وذلك بعد أن تم ترميمه بمعرفة وزارة الثقافة، كما اعتدى معتصمو ميدان النهضة المؤيدون لجماعة الإخوان على تمثال نهضة مصر الشهير، وهو من الأعمال الكبرى للنحات محمود مختار، وفي مدينة المنصورة، مسقط رأس كوكب الشرق أم كلثوم، تم تشويه تمثال لها من قبل المتطرفين، وطالب الكثير من السلفيين بتغطية تماثيل الميادين، باعتبارها عورة، تخالف الدين، من وجهة نظرهم.
تمثال «قبيح» لرأس نفرتيتي يفتح ملف الصراعات السياسية
أثار ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي.. ويطيح بمسؤولين
تمثال «قبيح» لرأس نفرتيتي يفتح ملف الصراعات السياسية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة