بوتين وتوكاييف يطويان صفحة الفتور

الرئيس الروسي يسعى لاستعادة «الحليف» الكازاخستاني بعد الخلاف حول أوكرانيا

بوتين وتوكاييف يتبادلان وثائق خلال حفل توقيع بموسكو أمس (رويترز)
بوتين وتوكاييف يتبادلان وثائق خلال حفل توقيع بموسكو أمس (رويترز)
TT

بوتين وتوكاييف يطويان صفحة الفتور

بوتين وتوكاييف يتبادلان وثائق خلال حفل توقيع بموسكو أمس (رويترز)
بوتين وتوكاييف يتبادلان وثائق خلال حفل توقيع بموسكو أمس (رويترز)

سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال لقاء جمعه مع نظيره الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف، في موسكو، أمس، إلى طي صفحة من الفتور سيطرت على علاقات البلدين، على خلفية مواقف آستانا المعارضة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
ومع محاولة ترميم العلاقات، وإعادة إطلاق تعاون واسع مع الشريك الكازاخستاني الذي كان يعد -تقليدياً- أبرز حلفاء روسيا في الفضاء السوفياتي السابق، أكد الرئيس الروسي سعي بلاده إلى إعادة توجيه صادراتها التجارية نحو أسواق جديدة، وخصوصاً في الشرق، لتجاوز الصعوبات التي وضعتها العقوبات الغربية أمام حركة البضائع الروسية.
وبدا أن موسكو تولي أهمية خاصة لزيارة توكاييف، وهي الزيارة الخارجية الأولى له بعد إعادة انتخابه قبل نحو أسبوعين. ورأت مصادر دبلوماسية روسية أن اختيار موسكو لتكون محطته الخارجية الأولى عكس رغبة مماثلة لدى توكاييف لإعادة تنشيط العلاقات بعد فترة من الجمود.
وكان الرئيس الكازاخستاني قد وجّه انتقادات قاسية الصيف الماضي إلى العملية العسكرية الروسية، وأعرب عن مخاوف من أن تلقى بلاده مصيراً مماثلاً لأوكرانيا، بعدما شنت وسائل إعلام روسية حملات ضده بسبب موقفه من الحرب. كما شدد على عدم نية بلاده الاعتراف بخطوات روسيا على صعيد ضم مناطق أوكرانية، ووصف مساعي انفصال أقاليم أوكرانية بأنها ظاهرة خطرة وتؤسس لـ«فوضى» عالمية. وأثارت هذه المواقف حفيظة موسكو التي قابلت التصريحات بفرض قيود على صادرات كازاخستان التي يمر 90 في المائة منها عبر أراضي روسيا، وخصوصاً في مجال الصادرات النفطية.
وبدا أن الطرفين قاما بخطوات لطي صفحة الخلاف، وهو ما عكسه حديث بوتين عن الأهمية الكبرى لتعزيز التعاون مع «الشريك الكازاخستاني». وقال الرئيس الروسي في مستهل اللقاء، إن اختيار روسيا لتكون أول محطة خارجية لتوكاييف بعد إعادة انتخابه، «له أهمية خاصة، ويؤكد طبيعة العلاقات بين البلدين». ووصف بوتين روسيا بأنها أكبر مستثمر في اقتصاد كازاخستان، وهنأ زميله على «فوزه المقنع» في الانتخابات، وتمنى له التوفيق في تنفيذ الإصلاحات واسعة النطاق التي أعلنها توكاييف.
وشدد الرئيس الروسي على أن البلدين «لديهما آفاق واسعة للعمل المشترك في مختلف الصناعات، بما في ذلك صناعات التكنولوجيا الفائقة». وأشار إلى أن بلاده «كانت ولا تزال واحدة من أكبر المستثمرين في اقتصاد كازاخستان، ويقدر إجمالي الاستثمار بنحو 17 مليار دولار. ويتم تنفيذ أكثر من 30 مشروعاً استثمارياً كبيراً في جميع القطاعات الاقتصادية الرئيسية».
وشارك الرئيسان في افتتاح المنتدى الثامن عشر للتعاون بين روسيا وكازاخستان، واستغل الرئيس الروسي المناسبة للتأكيد على توجه بلاده لإعادة توجيه صادراتها نحو أسواق جديدة. ومن دون أن يشير مباشرة إلى الوضع في أوكرانيا قال بوتين، إن «التجارة الدولية تمر بأزمة عميقة/ ومع أخذ ذلك في الاعتبار، يجري تنفيذ تدابير واسعة النطاق في روسيا، لإعادة توجيه عمليات التصدير والاستيراد إلى أسواق جديدة، والعمل جارٍ لتجهيز وتحسين كفاءة الشرق والغرب والشمال والجنوب. الممرات الدولية الرئيسية». وأكد أن العلاقات مع كازاخستان لها أهمية خاصة في هذا الشأن.
وكان الكرملين قد أكد في بيان، أن زيارة توكاييف «مهمة جداً بالنسبة إلينا». وأشار إلى عزم الطرفين التوقيع على عدد من الوثائق الثنائية، بما فيها بيان بمناسبة مرور 30 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
على صعيد متصل، بدا أن أطرافاً غربية تقوم بدورها بخطوات لتقليص حدة التوتر مع روسيا، وهو ما انعكس في تصريحات وزير الدفاع النرويجي بيورن غرام، حين قال إنه «لا يرى أي تهديد عسكري روسي مباشر» لبلاده. وأشار الوزير إلى أن «التفاعل بين البلدين تغيّر، مع الحفاظ على بعض الاتصالات والتعاون في الإنقاذ البحري».
وقال غرام خلال مقابلة صحافية، إنه بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا «حافظنا على بعض خطوط الاتصال مع موسكو، ونتعاون في مجال صيد الأسماك ونقوم بعمليات الإنقاذ البحري معاً. كما أن هناك تواصلاً بين الجيشين، وإن كان بنشاط أقل بكثير». وأكد أنه «في مرحلة ما يجب أن يعود كل شيء إلى طبيعته»، مع إقراره بأن «هذا قد لا يحدث سريعاً؛ لأن الوضع الحالي له أيضاً عواقب على المدى البعيد».
ولفت الوزير النرويجي إلى أنه على خلفية الأحداث الجارية في أوكرانيا، زادت بلاده من إنفاقها الدفاعي، وتعمل على زيادة مستوى الحذر. وأضاف: «مع ذلك، لا نرى تهديداً عسكرياً مباشراً محدداً للنرويج».
جاء هذا الموقف بعد مرور يوم واحد على إعلان شركة «بيرغين إنجينيز» النرويجية أنها استأنفت توريد قطع الغيار اللازمة لإصلاح توربينات الغاز إلى روسيا. وأفادت وسائل إعلام بأن «الشركة شرعت في توريد منتجاتها إلى روسيا للوفاء بالالتزامات التعاقدية طويلة الأجل».
وشكلت الخطوة نقلة جديدة في إطار مساعي بعض الشركات الغربية الكبرى إلى استعادة حجم التعاون السابق مع موسكو.
وكانت الشركة النرويجية قد أعلنت الربيع الماضي وقف كل أشكال تعاونها مع روسيا، على خلفية العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
في السياق ذاته، أعلنت القائمة بأعمال السفير الأميركي في موسكو، إليزابيث رود، أن موسكو وواشنطن تواصلان مد قنوات الاتصال عن طريق وكالتَي الاستخبارات، بهدف «إدارة المخاطر، وخصوصاً المخاطر النووية».
وفي تصريح لوكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية الروسية، أوضحت القائمة بأعمال السفير الأميركي، أن رئيس جهاز الاستخبارات الروسية سيرغي ناريشكين، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) الأميركية، ويليام بيرنز: «على تواصل دائم في هذا الإطار». وأوضحت أن «هذا كان الغرض من الاجتماع الذي عقد أخيراً في تركيا، بين مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ونظيره الروسي»؛ مؤكدة أن الاجتماع تطرق إلى التنسيق لمواجهة المخاطر من دون أن يبحث ملف تسوية الصراع في أوكرانيا.
من جهة أخرى، تجنب الكرملين، أمس الاثنين، التعليق على نداء وجهته منظمة نسائية روسية تحمل اسم «أمهات الجنود» طالبت فيه بوقف الحرب وإعادة الجنود الذين تم إرسالهم إلى ساحات القتال. وقال الناطق الرئاسي الروسي رداً على أسئلة الصحافيين، إن «الكرملين لم يرَ عريضة تطالب بإنهاء العملية الخاصة، لذلك لا يمكنني التعليق على الأمر».
وكانت مجموعة مشتركة تضم عدداً من أمهات المجندين، وحركة المقاومة النسائية المناهضة للحرب، قد نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي عريضة تطالب، بـ«سحب القوات من أراضي أوكرانيا، وعودة جميع الجنود إلى منازلهم»


مقالات ذات صلة

تقرير: روسيا ابتكرت مسيرة «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة

أوروبا جندي روسي يطلق طائرة مسيرة صغيرة خلال المعارك في أوكرانيا (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

تقرير: روسيا ابتكرت مسيرة «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن روسيا ابتكرت طائرة من دون طيار «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة تغير مسار الحرب في أوكرانيا.

أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (أ.ب)

أوستن يطالب حلفاء أوكرانيا بـ«ألّا يضعفوا»

طالب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الخميس التحالف الدولي الذي يقدّم دعماً عسكرياً لأوكرانيا بـ«ألّا يضعف»، في وقت تخشى فيه كييف من أن تفقد دعم بلاده الأساسي.

أوروبا جندي أوكراني يقود مركبة أرضية مسيرة إلكترونياً خلال معرض للمعدات العسكرية والأسلحة (رويترز)

بريطانيا: تحالف دولي سيرسل 30 ألف مسيّرة لأوكرانيا

أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، الخميس، أن تحالفاً دولياً تقوده بريطانيا ولاتفيا لإمداد أوكرانيا بمسيّرات سيرسل 30 ألف مسيّرة جديدة إلى كييف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا رجال الإطفاء يعملون في موقع مبنى إداري تضرر جراء الغارات الجوية والصاروخية الروسية في زابوريجيا (رويترز) play-circle 00:36

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 13 شخصاً اليوم (الأربعاء) في ضربة روسية على مدينة زابوريجيا الأوكرانية، وفق ما أعلن حاكم المنطقة، في حصيلة تعد من الأعلى منذ أسابيع لضربة جوية واحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الخليج الأمير محمد بن سلمان والرئيس فولوديمير زيلينسكي (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟