محمود شوبَّر: أجلس في مرسم عنتر لأتأمل العالم

يرى أننا ما زلنا مأسورين للعقلية الغربية على مختلف الأصعدة ومن بينها الفن التشكيلي

الفنان في مرسمه
الفنان في مرسمه
TT

محمود شوبَّر: أجلس في مرسم عنتر لأتأمل العالم

الفنان في مرسمه
الفنان في مرسمه

من بابل في العراق يتحدر الفنان العراقي محمود شوبر ليخوض تجربة «عنتر وعبلة» في تجلياتهما المعاصرة في معرضه الثامن من مسيرته «عنتر وعبلة الشوبريالزم» في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية حالياً. إنه يركز على رؤيته لهاتين الشخصيتين التاريخيتين الراسختين في الذهن العربي، بثوب معاصر، ويجعلنا نعيش معها في واقعنا الراهن بحيث يقنعنا بأن عنتر يتمكن من اعتلاء صهوة الحصان كما يتمكن من قيادة سيارة فارهة. وفي الوقت نفسه لا يتخلى الفنان عن زخرفية الفن العربي وتقنياته وأصوله وتراثه. هنا حوار معه عن معرضه الحالي وتجربته الفنية.

> ننطلق من معرضك الفني الجديد في جمعية التشكيليين الإماراتيين «عنتر وعبلة»؟ وإلى أي مدى حققت مفهومك النظري «الشوبرباليزم»؟
- عنتر وعبلة تماهيا مع بيان «الشوبرباليزم» في 2020 تناولت مجموعة مفاهيم قصدت منها إيجاد تيار أو حركة تشتغل ضمن جسد التشكيل للفن العربي أو العراقي، لأننا كنا ولفترات طويلة وما زلنا مأسورين للعقلية الغربية وما تنحته من فكر وثقافة على مختلف الأصعدة ومن بينها الفن التشكيلي. باعتقادنا أن الرسم وما تجاوره من بنى إبداعية كانت المفاهيم الغيبية ضاغطة عليها بسبب عدم فهمنا الحقيقي للآراء والأفكار التي قيلت في هذا المجال. ومن هنا غيبت كل الطروحات الجمالية التي تعنى بالثقافة العربية والإسلامية. وغيبت كل ما كان من نتاج أعتبره بشكل شخصي نتاجا مهما فيه اشتغالات مهمة على سبيل المثال لا الحصر. وإذا ما استثنينا أعمال الفنان العباسي يحيى بن محمود الواسطي، فسوف نلامس حقيقة جمالية مختلفة ومغايرة للأنساق التي درجت عليها كافة المدارس الفنية المتعارف عليها، ولربما هناك تأثر واضح بما كان ينجزه الفنان العربي المسلم من قبل بالعقل الأوروبي المغامر في سبر مناطق الجدة والابتكار في عالم الثقافة والفنون. هذا ما دفعني إلى استلهام القصص الخالدة قبل الإسلام من خلال الجمعية العربية والتي يمكن الاستفادة منها للانطلاق في صيغتها المحلية إلى الصيغة العالمية.
> ما هو مفهومك للمحلية والعالمية في الفن وخاصة في عصر العولمة حالياً حيث تتقلص الحدود وتنحسر المسافات؟
- بلا شك هذا المفهوم فضفاض وله أبعاد كثيرة والذي عنيته بما يخص الفن التشكيلي «التداولية» إذ أن من المهم جداً للفنان أن تكون هناك آلية لتداول أعماله على صعيد بيع تلك الأعمال واقتنائها من قبل المتاحف والمزادات العالمية مما يجعل فسحة انتشاره على صعيد النخبة والمهيمن بالأعمال الفنية الواسعة تختلف اختلافا كبيراً على تداولها في البلد الأم للفنان. وهذا يحتاج الكثير من الجهد والمثابرة ومن ترصين العمل الفني ذاته ليكون بالقيمة الاعتبارية التي تتكئ على الجمال والمعرفة لتخلق عالم التشكيل.
> ما هي علاقتك بالتراث، وهل ترى أن الفنان قادر على الاستلهام منه على الدوام؟
- أرى التراث تلك المناطق التي مررنا بها وآباؤنا السابقون، في سعينا المفروض في هذه الحياة الدنيا، وكلما تقدم سيرنا ابتعدت عنا وانطفأت أضواؤها. أحياناً -وهذا يحصل في عالم الفن الذي أراه غير محكوم بمكان أو زمان- نكون قادرين على إضاءة هذه «المناطق» بمصابيح الفن، ونسكنها عبر لوحاتنا حسب رغباتنا وحسب ما تمليه علينا أرواحنا، هو شيء من «النوستالجيا»، ربما نمارسها بهاجس الهروب من تعقيدات الحياة التي تضطرم مراجلها لتحيل الحركة إلى الأسرع، وهذا ما يجعلنا في خطر دائم، فتكون تلك «المناطق» التي أشرت لها هي «ملاذ آمن» لنا. والتراث لربما يمكننا وصفه بالإرث الذي ورثناه من الأولين وعادة الوارث يحافظ على إرثه كي لا يكون واقعه هباءً منثورا، فالذي يشاع من حكمة أن الذي ليس له أول ليس له آخر. من هذا يمكننا أن نستشف أن التراث هو حقل مستكشف ولكن لم ينضب عطاؤه بعد، نعرف مداخله ومخارجه ولكننا في أحيان كثيرة نجهل كيفية استخدامه وتوظيفه بالشكل الذي نقدم أنفسنا من خلاله بالشكل الصحيح وبما ما يتواءم مع روح المعاصرة التي نحياها ونعيش متغيراتها. وأعتقد أن الفضاءات التي يوفرها دائما ما تكون رحبة شريطة أن يفهم الفنان كيفية الولوج إليها. أما موضوع الاستفادة واستلهام مفرداته فذلك يبقى خيار الفنان ومقدرته على التخييل والإزاحة والحذف والإضافة، بمعنى أن هامش المناورة في الاستلهام يرافقه ذكاء الفنان وخبرته التي يقرر من خلالها أي المناطق التي من خلالها يكون قادراً على الحفر «الأركيلوجي» فيها ليصل إلى سبر أغوارها والإمساك بمخزونها من النفيس والثمين الذي يكمن في أقاصي أعماق هذا التراث.

لوحة «عنتر وعبلة»

> نلاحظ أنك تقدم فهماً جديداً للتراث، وتبتعد عن السردية القديمة والتقليدية إذ نرى شخوصك «عنتر وعبلة» في خضم حياتنا المعاصرة.
- إن السرد التوثيقي على الصيغة الحكواتية التي كان يعتمدها  الرسام الشعبي والتي نراها ضمن الموروث الشعبي العربي تعتبر الوسيلة الوحيدة للتقريب ما بين فكرة المحكي والمرئي على صعيد الخطاب، إذا ما سلمنا أن الخطاب يكون ضمن هذين الصيغتين، فبالتالي تكون تلك «الرسومات» خلفية متراصفة مع الواقعة الأولى التي تمثلها الحكاية، وهذا ليس بجديد على عالم الرسم فنرى أن الرسام عكف على توثيق القصص والأساطير والملاحم منذ الكهوف وصولاً إلى وقتنا الحاضر، وهذا ما يشي به تاريخ الفن. المغايرة أو الاختلاف الذي تعمدته في معرضي الأخير المقام في «جمعية الإمارات للفنون التشكيلية» والذي أسميته  بقصدية واعية «عنتر & عبلة»، إذ رفعت حرف العطف (الواو) واستعرت &)) لأتمكن من تهيئة  ذهن المشاهد أو المتلقي إلى التوقع  بأن ما سوف يراه من طروحات غير معنية بالتوثيق أو السرد الخاص بالشخصيتين الرئيسيتين، وإنما وجودهما يمثل المدخل الرئيسي في استنباط وتوظيف «حكايانا» المعاصرة التي ترافقنا في حياتنا اليومية. وكانت الاستعارات في بعض الأحيان واضحة وصريحة بيني وبين شخصية «عنتر»، حيث قمت برسم شخصي لي وعبلة جالسة أمامي في جلسة رسم ولكن في مرسم عنترة وأسميت هذه اللوحة «أتيليه عنترة»، واستخدمت التعبير الفرنسي بتسمية المرسم. أجلس في مرسم عنتر لأتأمل العالم.
> ما هو مفهوم (الشوبرباليزم) ومن أين استمددت جذوره الفنية؟
- الشوبرباليزم هو  اتجاه أو تيار أو مدرسة فنية قمت بوضع أسسها الجمالية والنقدية عبر بيان أصدرته في عام 2020. وقد وضعت به بعض الأسس المعرفية والفلسفية التي تحدد صيغة الاشتغال بهذا المفهوم. ومراعاة لجانب الترصين الأكاديمي، قمت بدعوة بعض الأساتذة في مجال الفلسفة والفنون وعكفنا على مناقشة حيثياته والدوافع والنتائج المتوخاة وما فيه من أصالة وجدة. وهم د. زيد الكبيسي. أستاذ مادة الفلسفة جامعة الكوفة، ود. منذر الدليمي  مساعد جامعة المستقبل، ود. علي شاكر نعمة أستاذ مادة علم الجمال/ جامعة بابل، وتم التوقيع من قبلهم على نسخة البيان للإعلان عن ولادة تيار فني عراقي عربي. ومن أهم ما يؤكد عليه هذا البيان هو إمكانية تسييل الزمان في المكان الواحد داخل السطح التصويري وربط المثابات التاريخية عبر آصرة المكان التي تتيح للفنان أو للأديب المساحة الواسعة بالتعبير دون محددات وبما يتماهى مع روح العصر ومتطلباته واشتراطاته الفكرية.
> هناك مزج ما بين التجريدي والواقعي في أعمالك الفنية، هل هذا منهج في سيرتك الفنية؟
- ابتداءً، علينا توضيح مفهوم «التجريد» أو «المدرسة التجريدية» التي أرسى أسسها اثنان من كبار التشكيليين العالميين  الأول ويسلي كاندنسكي والثاني الفنان الهولندي موندريان. حيث عمد الأول إلى الاتكاء بشكل صريح على الروح والثاني كان أداؤه يرتكز بشكل كبير على العقل. وفي كلا الاتجاهين كانا يناديان بـ«الإطاحة بالمضمون لصالح الشكل» أي بمعنى أن التجريد بلا معنى يعتمد عليه محاولين من ذلك ملاحقة أو مسايرة الموسيقى التي لا تفهم أحرف نوتاتها ولكن تكون فاعلة ومؤثرة بنا نفسياً أو عاطفياً. وهذا ما لا يتطابق مع طريقة اشتغالي أو بنائي للإنشاء التصويري على سطح الخامة أو السطح التصويري، فأنا أضمن العمل الكثير من «الشيفرات» أو «العلامات» التي تكون واضحة للمتلقي  بشكل صريح أو تكون ثانوية ضمن بنية الفكرة. وهناك خطاب فكري وجمالي مزدوج أحاول من خلاله إثارة الأسئلة أو الافتراضات التي أمسك بعوامل الدهشة لدى هذا المتلقي. ولذا يمكنني الإجابة على أن التجريد ليس مفهوماً يكون حاضراً في لوحتي إنما بصيغة أخرى يمكن تعريفها بالاختزال أو التبسيط وأحياناً «التسطيح» في الشكل واستخدام منظور «عين الطائر» وتلك التضمينات الجمالية إنما مستوحاة من مفردات الفن الإسلامي. بالتالي تكون خاضعة لقوانين أو أسس لا علاقة لها بالتجريد بقدر ما تكون سابحة في عملية البحث عن الصدمة أو التساؤل أو خلق آصرة ما بين اللوحة والذي يقف أمامها.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.