تحقيق دولي في القمع الدموي للاحتجاجات الإيرانية

مجلس حقوق الإنسان أقره بغالبية... والمفوّض السامي طالب طهران بوقف الاستخدام غير المتكافئ للقوة

المفوّض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك يتحدث للصحافيين في جنيف أمس (أ.ف.ب)
المفوّض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك يتحدث للصحافيين في جنيف أمس (أ.ف.ب)
TT

تحقيق دولي في القمع الدموي للاحتجاجات الإيرانية

المفوّض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك يتحدث للصحافيين في جنيف أمس (أ.ف.ب)
المفوّض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك يتحدث للصحافيين في جنيف أمس (أ.ف.ب)

قرّر مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتّحدة، الخميس، فتح تحقيق مستقل بشأن القمع الدامي للاحتجاجات التي تهزّ إيران منذ أكثر من شهرين، على إثر وفاة الشابة مهسا أميني، وذلك بهدف جمع أدلّة حول الانتهاكات التي ارتكبت، تمهيداً لملاحقة محتملة للمسؤولين عنها.
وأقرّ المجلس في اجتماعه الطارئ في جنيف القرار الذي قدّمته ألمانيا وآيسلندا وحصل على تأييد أغلبية 47 عضواً، إذ وافقت 25 دولة، وسط معارضة 6 دول، وامتناع 16 عن التصويت.
ويعد قرار أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف أبرز تطور دولي في وقت تشن إيران حملة قمع لإخماد احتجاجات حاشدة اندلعت إثر مقتل الشابة الكردية مهسا أميني (22 عاماً) في 16 سبتمبر (أيلول)، وهي رهن احتجاز الشرطة.
وركزت الاحتجاجات بشكل خاص على ملف حقوق النساء، لكن المحتجين هتفوا أيضاً بسقوط المرشد الإيراني علي خامنئي. واعتقلت شرطة الأخلاق أميني بسبب ملابس غير لائقة بموجب قواعد الملبس الإسلامية الصارمة في إيران.
وتحولت الاحتجاجات مع الوقت إلى احتجاجات ضد السلطة، غير مسبوقة بحجمها وطبيعتها منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

اجتماع مجلس حقوق الإنسان حول إيران بمقر الأمم المتحدة في جنيف أمس (أ.ف.ب)

واعتقل آلاف المتظاهرين السلميين، من بينهم كثير من النساء والأطفال والمحامين والناشطين والصحافيين، بحسب خبراء في حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. وأصدر القضاء حتى الآن 6 أحكام بالإعدام على أشخاص لارتباطهم بالحراك المناهض لنظام ولاية الفقيه.
وخلال مناقشة مشروع القرار، حض المفوّض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، السلطات الإيرانية على «وقف الاستخدام غير المفيد وغير المتكافئ للقوة» ضدّ المتظاهرين. وأبلغ تورك مجلس حقوق الأنسان بأنه لم يلقَ بعد رداً من طهران على طلبه زيارتها.
وشدد تورك على أن «الوضع الراهن لا يحتمل»، قبل أن يشدّد على مسامع الصحافيين على «ضرورة أن تستمع الحكومة إلى الشعب وتنصت إلى ما يقول وتنخرط في عملية إصلاحية لأن التغيير حتمي».
وقالت مفوضية حقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، إن أكثر من 300 محتج قتلوا منذ اندلاع المظاهرات. وأشارت إلى تقارير أفادت بأن 40 على الأقل قتلوا في مناطق كردية منذ الأسبوع الماضي.
وقال تورك، في أول خطاب له أمام المجلس: «نشهد الآن أزمة حقوق إنسان متكاملة الأركان». وقال: «ممّا تمكنّا من جمعه حتى الآن، أنه تمّ اعتقال حوالي 14 ألف شخص، بينهم أطفال، في سياق الاحتجاجات. هذا رقم صادم»، مضيفاً: «يجب وضع حدّ للاستخدام غير الضروري وغير المتناسب للقوة. الأساليب القديمة وعقلية الحصانة لدى من يمارسون السلطة ببساطة لا تنجح. في الواقع، هي فقط تجعل الوضع أسوأ».
- مرأة، حياة، حرية
بدورهم، ندّد كثير من الدبلوماسيين الغربيين بالقمع الدامي للاحتجاجات في إيران. وخلال الجلسة، قالت السفيرة الأميركية ميشيل تيلور إنّ «الشعب الإيراني يطالب بشيء بسيط للغاية، وهو أمر يعتبره معظمنا مفروغاً منه؛ القدرة على التحدّث وعلى أن يُسمع»، وذلك فيما كان أعضاء في الوفد الأميركي يلوّحون بصور وأسماء لضحايا القمع.
أما السفيرة الفرنسية إيمانويل لاشوسيه، فقالت: «(مرأة، حياة، حرية) بهذا الشعار البسيط والقويّ تذكّر الإيرانيات ويذكّر الإيرانيون منذ أكثر من شهرين بالقيم التي يدافعون عنها».

وزيرة الخارجية الألمانية مثّلت بلادها في اجتماع مجلس حقوق الإنسان حول إيران (إ.ب.أ)

في المقابل، اتهمت خديجة كريمي، ممثلة إيران في محادثات جنيف، الدول الغربية باستغلال مجلس حقوق الإنسان لاستهداف إيران، وهي خطوة وصفتها بأنها «أمر بشع ومخزٍ».
وحاولت إيران، من جهتها، جمع عدد كافٍ من الحلفاء لإحباط القرار. وكما هو متوقع، أعلنت الصين وفنزويلا وكوبا دعمها لطهران، إذ دعا السفير الصيني شين شو خلال الجلسة إلى «الحوار والتعاون... لتعزيز وحماية حقوق الإنسان».
وباءت محاولة صينية لتمرير تعديل على الاقتراح في المجلس بالفشل، حيث كانت تسعى لإلغاء الفقرة الرئيسية التي تشير إلى تحقيق جديد في قمع إيران للاحتجاجات الشعبية.
وأبلغ مبعوث الصين المجلس قبل وقت قصير من التصويت المقرر أن الاقتراح الذي تقوده ألمانيا «ينتقد (طهران) بصورة مبالغ فيها». وأضاف: «من الواضح أن ذلك لن يساعد في حل المشكلة»، داعياً إلى حذف فقرة رئيسية منه. وتنص الفقرة المعنية على تشكيل «بعثة دولية لتقصي الحقائق» تكون جاهزة للعمل حتى أوائل عام 2024.
ومن المرجح ألا توافق إيران على دخول محققين دوليين لتقصي انتهاكات حقوق الإنسان. وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أنه «من رابع المستحيلات أن تسمح الجمهورية الإسلامية لهذه البعثة بدخول أراضيها».

- استفزاز
وكتب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، على «تويتر»، أن رد بلاده على «المواقف الاستفزازية وغير الدبلوماسية» لألمانيا سيكون «متناسباً وحازماً».
وكان عبد اللهيان يوجه كلامه إلى نظيرته الألمانية، أنالينا بيربوك، التي شددت قبل التوجه إلى جنيف لحضور الاجتماع، في تغريدة، على أن إجراء تحقيق أمر أساسيّ، مشيرة إلى أهمية «محاسبة المسؤولين عن وقوع ضحايا على أفعالهم».
وقبيل صدور القرار، قالت بيربوك للصحافيين إنّ «هذا القرار، إذا تمّ إمراره، يعني الكثير. لا نعرف ما إذا كان... يمكن أن ينقذ الأرواح غداً. لكن ما نعرفه على وجه اليقين هو أنه سيعني العدالة، العدالة للشعب».
ولم تعلن إيران عن عدد من قتلوا من المحتجين، لكن نائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني قال أمس إن نحو 50 شرطياً قتلوا وأصيب مئات في الاضطرابات، في أول حصيلة رسمية للقتلى من صفوف قوات الأمن، حسب «رويترز».
ولم يوضح كني، وهو أيضاً كبير المفاوضين النوويين، ما إذا كان ذلك العدد يتضمن أفراداً من قوات أمن أخرى غير الشرطة. وكان مسؤولون قد أعلنوا مقتل بعض أفراد الباسيج و«الحرس الثوري» في الاضطرابات.
- تبرير القصف
بموازاة ذلك، برّرت إيران الخميس قصفها جماعات كردية إيرانية معارضة في كردستان العراق بالتشديد في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي على عدم وجود «خيار آخر» لديها لحماية نفسها من «جماعات إرهابية».
وجاء في رسالة للبعثة الدبلوماسية الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، أوردتها وكالة الصحافة الفرنسية نقلاً عن وكالة «إرنا» الرسمية، أن إيران «قامت مؤخراً بعمليات عسكرية وضرورية ضد الزمر الإرهابية المتمركزة في إقليم كردستان العراق حيث استهدفت بتخطيط دقيق مواقع الإرهابيين».
وتابعت: «في هذا الوضع لم يبقَ أمام إيران خيار سوى استخدام حقها المبدئي في الدفاع عن نفسها في إطار القانون الدولي من أجل حماية أمنها القومي والدفاع عن شعبها».
وأشارت الرسالة إلى أن إيران طلبت «تسليم الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم إرهابية لمحاكمتهم في المحاكم الإيرانية»، كما طلبت «إغلاق مقار هذه الجماعات الإرهابية ومعسكراتها التدريبية ونزع سلاح عناصرها».
إلى ذلك، أكدت البعثة «ضرورة وجود القوات العسكرية العراقية على الحدود الدولية للبلدين»، وشدّدت على أن طهران «تحترم بالكامل أمن العراق واستقراره وتؤكد مرة أخرى التزامها بسلامة أراضي جمهورية العراق ووحدتها وسيادتها».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: الغارات على تدمر هي «على الأرجح» الأسوأ في سوريا

المشرق العربي هاربون من الحرب بلبنان يعبرون منطقة المصنع التي استهدفتها إسرائيل (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الغارات على تدمر هي «على الأرجح» الأسوأ في سوريا

قالت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أمام مجلس الأمن: «ازدادت الغارات الإسرائيلية في سوريا بشكل كبير، سواء من حيث الوتيرة أو النطاق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي أشخاص فارّون من القصف الإسرائيلي في لبنان يعبرون حفرة ناجمة عن غارة إسرائيلية في منطقة المصنع على الجانب اللبناني من معبر الحدود مع سوريا 20 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الغارات الإسرائيلية على تدمر هي «على الأرجح» الأكثر فتكاً في سوريا

اعتبرت مسؤولة بالأمم المتحدة، اليوم (الخميس)، أن الغارات الإسرائيلية التي أودت الأربعاء بالعشرات في مدينة تدمر هي «على الأرجح الأكثر فتكاً» في سوريا حتى الآن.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، إنه يتوقع مخرجات مهمة من مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر الذي ينعقد في السعودية.

لمياء نبيل (القاهرة)
الولايات المتحدة​ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن (أرشيفية/ رويترز)

واشنطن ترفض قرار «الجنائية الدولية» بحق نتنياهو وغالانت

أعرب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي عن رفض الولايات المتحدة، بشكل قاطع، قرار المحكمة إصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين كبار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي المندوب الأميركي البديل لدى الأمم المتحدة روبرت وود يرفع يده لنقض مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة خلال اجتماع لمجلس الأمن (أ.ف.ب)

أميركا تحبط الإجماع الدولي على المطالبة بوقف إطلاق النار فوراً في غزة

خرجت الولايات المتحدة عن إجماع بقية أعضاء مجلس الأمن لتعطيل مشروع قرار للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

علي بردى (واشنطن)

الصين تدعو «الجنائية الدولية» لاتخاذ موقف «موضوعي» بشأن مذكرة توقيف نتنياهو

مدخل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في 3 مارس 2011 (رويترز)
مدخل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في 3 مارس 2011 (رويترز)
TT

الصين تدعو «الجنائية الدولية» لاتخاذ موقف «موضوعي» بشأن مذكرة توقيف نتنياهو

مدخل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في 3 مارس 2011 (رويترز)
مدخل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في 3 مارس 2011 (رويترز)

دعت الصين، اليوم (الجمعة)، المحكمة الجنائية الدولية إلى الحفاظ على «موقف موضوعي وعادل» بعدما أصدرت مذكرة توقيف في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

وقال لين جيان، الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، في مؤتمر صحافي دوري؛ رداً على سؤال بشأن مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة في حق نتنياهو: «تأمل الصين بأن تحافظ المحكمة الجنائية الدولية على موقف موضوعي وعادل، وتمارس صلاحياتها وفقاً للقانون»، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية».