ترقب ليبي لـ«آلية أممية بديلة» تفك الجمود السياسي

تيتيه لوحت بها حال استمرار «تقاعس الأجسام الفاعلة عن إيجاد حل»

 رئيس «الأعلى للدولة» محمد تكالة متحدثاً في إحدى الجلسات (الصفحة الرسمية للمجلس)
رئيس «الأعلى للدولة» محمد تكالة متحدثاً في إحدى الجلسات (الصفحة الرسمية للمجلس)
TT

ترقب ليبي لـ«آلية أممية بديلة» تفك الجمود السياسي

 رئيس «الأعلى للدولة» محمد تكالة متحدثاً في إحدى الجلسات (الصفحة الرسمية للمجلس)
رئيس «الأعلى للدولة» محمد تكالة متحدثاً في إحدى الجلسات (الصفحة الرسمية للمجلس)

تباينت التوقعات السياسية في ليبيا حول ملامح «الآليات البديلة»، التي قد تقترحها مبعوثة الأمم المتحدة، هانا تيتيه، للتعامل مع الأجسام السياسية، خصوصاً مجلسي النواب و«الأعلى للدولة»، بعد أن لوحت بذلك في مداخلتها أمام مجلس الأمن، سعياً إلى كسر الجمود السياسي في ليبيا.

وفي بلد يعاني انقساماً سياسياً وعسكرياً مزمناً، يراهن سياسيون على هذه البدائل بوصفها فرصة أخيرة لكسر الجمود، بعد إعلان تيتيه خلال إحاطتها في نيويورك عزمها تقديم «آلية بديلة» في فبراير (شباط) المقبل، مشددة على أن «ليبيا لا تتحمل مزيداً من التأخير».

3 سيناريوهات مرتقبة

هناك ثلاثة سيناريوهات مرتقبة، حسب رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني» الليبي، أسعد زهيو، الذي توقع «تشكيل لجنة حوار سياسي عبر تفعيل المادة (64) من الاتفاق السياسي الليبي، الموقع بمدينة الصخيرات المغربية عام 2015». أما السيناريو الثاني، وفق زهيو - وهو أحد المشاركين في الحوار المهيكل - فهو «توسيع قاعدة المشاركين في هذا الحوار بإضافة شخصيات غير ممثلة»، بينما يرتكز السيناريو الثالث على «عقد مؤتمر تأسيسي يستند إلى مخرجات لجنة استشارية ليبية سبق أن قدمت نتائجها للبعثة».

من جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الأزمة السياسية في ليبيا (المجلس)

وكانت بعثة الأمم المتحدة قد أطلقت يومي 14 و15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الحوار المهيكل في طرابلس، بمشاركة 124 شخصية ليبية، بهدف وضع توصيات سياسية وتشريعية في مجالات الحوكمة والاقتصاد والأمن والمصالحة. ويميل زهيو إلى الاعتقاد بأن هذا الحوار المهيكل، وهو أحد محاور «خريطة الطريق» الأممية، «قد يتحول إلى منصة أوسع، وربما إلى مؤتمر تأسيسي، بالنظر إلى طبيعة القضايا المطروحة على جدول أعماله».

ويتوافق مع هذه الرؤية أيضاً المدير السابق لمعهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية الليبية، رواد شلابي، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الآلية البديلة التي قد تقترحها تيتيه تمنح أعضاء الحوار المهيكل صلاحيات محدودة للتفاهم، والتوافق على القوانين الانتخابية، كوسيلة لكسر الجمود السياسي، دون منحهم صفة سلطة تشريعية كاملة»، وهي أيضاً وجهة نظر يرجحها الباحث في الشأن الليبي جلال حرشاوي.

تيتيه لوحت بـ«آلية أممية بديلة» في حال استمرار «تقاعس الأجسام الفاعلة عن إيجاد حل» (غيتي)

وحسب متابعين، فإن هذا التلويح الأممي يعكس عمق الجمود السياسي في ليبيا؛ إذ تعثر مجلسا النواب و«الأعلى للدولة» خلال خمسة أشهر في التوافق على إطار انتخابي، وتأخرا في إعادة هيكلة مجلس المفوضية العليا للانتخابات، مما أعاق تنفيذ استحقاقات حاسمة لخريطة الطريق الأممية، التي طرحتها تيتيه أمام مجلس الأمن في أغسطس (آب) الماضي.

تلويح بـ«الآليات البديلة»

يرى سياسيون أن تلويح الأمم المتحدة باللجوء إلى «الآليات البديلة» سيظل في إطار التصريحات والضغوط السياسية، الهادفة إلى دفع الأطراف الليبية نحو التوافق، وهي وجهة نظر المحلل السياسي الليبي، رمضان شلبق، الذي قال: «ستفضي توصيات ومقترحات الحوار المهيكل إلى وضع خريطة طريق جديدة، تُعرض على مجلس الأمن لاعتمادها، تتضمن تشكيل حكومة واحدة تتولى تنفيذ هذه الخريطة، والإشراف على الاستعدادات لإجراء الانتخابات».

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية (الوحدة)

حديث تيتيه الأخير عن «الخيارات البديلة» ليس الأول، إذ سبق أن أكدت أمام مجلس الأمن في 14 أكتوبر (تشرين الأول) استعداد البعثة لتقديم هذه الخيارات استناداً إلى توصيات اللجنة الاستشارية إذا وصل النهج الحالي إلى طريق مسدود. وقالت تيتيه في إحاطتها الأخيرة إنه «لا ينبغي أن تُؤخذ العملية السياسية رهينة تقاعس الأطراف السياسية الفاعلة الرئيسية، التي تبقي على الوضع الراهن، سواء عن قصد أو غير قصد، وقد ذكرتُ في إحاطتي الأخيرة أنه إذا لم تُحرز المؤسستان تقدماً في أول مرحلتين من خريطة الطريق السياسية، فسوف يكون ذلك مدعاة لنا للبحث عن آلية بديلة، وسأطلب الدعم من هذا المجلس».

ووفق رؤية زهيو، فإن تحركات المبعوثة الأممية اتسمت بـ«التدرج والتوازن»؛ إذ بدأت في أغسطس الماضي بالإعلان عن تفاصيل خريطة الطريق، ومنح مهلة دون التطرق إلى بدائل، ثم لوّحت بها في أكتوبر الماضي، وصولاً إلى إعلانها صراحة في ديسمبر أمام مجلس الأمن.

ويستنتج زهيو أن تيتيه «كانت تحمل توقعاً مسبقاً لصعوبة إنجاز المجلسين لهذه المهام خلال الآجال المحددة، لكنها حرصت على منح تلك المهل لإبراز عجز المؤسسات القائمة أمام المجتمع الدولي والأطراف المحلية».

وفي ظل الرهانات المتصاعدة على آليات فك الجمود في المشهد السياسي الليبي، يبرز دور مجلس الأمن المحتمل في النظر بخيارات بديلة، قد تطرحها المبعوثة الأممية خلال فبراير المقبل.

ويرى شلبق أن الرهان الحالي هو «جدية القوى الكبرى الفاعلة في المشهد الليبي في فرض خريطة طريق بمجلس الأمن، بعد تأمين توافق مع روسيا والصين لتفادي أي استخدام لحق النقض (الفيتو)».

أما شلابي، فيتوقع أن «روسيا قد تمتنع عن التصويت حال طرح هذه الحلول، فيما قد تتخلى الصين عن موقفها السابق بالامتناع».

رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح (المكتب الإعلامي للمجلس)

وإجمالاً، يبدو أن مجلس الأمن بات أمام «اختبار سياسي حقيقي» أو «حرج دبلوماسي» وفق تعبير زهيو، بعدما طرحت تيتيه «جداول زمنية واضحة ومسارات محددة»، متوقعاً أن تضع المبعوثة خطة بديلة بالتوازي مع مسار الحوار المهيكل، لا سيما في مسار الحوكمة المعني بوضع آليات لمعالجة القضايا الجوهرية خلال جلسات يناير (كانون الثاني) المقبل.

وانتظاراً لجلسة فبراير المقبل، يبدو أن «الوقت يضغط على مجلسي النواب و(الأعلى للدولة) اللذين يجمعهما - رغم خلافاتهما - خطر مشترك»، وفق متابعين، وهي أيضاً وجهة نظر زهيو الذي يأمل «أن يسلك المجلسان منطق العقل لإنجاز مهمتهما الوطنية، وتجنُّب العودة لحوارات عقيمة مشابهة لتجارب الصخيرات 2015 وجنيف 2020».


مقالات ذات صلة

مصرع الحداد... نهاية مفجعة لقائد عسكري تبنى «وحدة الجيش» الليبي

شمال افريقيا محمد الحداد في مكتبه برئاسة أركان قوات الوحدة (أرشيفية - رئاسة الأركان)

مصرع الحداد... نهاية مفجعة لقائد عسكري تبنى «وحدة الجيش» الليبي

طوى تحطم طائرة في تركيا الثلاثاء الفصل الأخير من مسيرة رئيس أركان القوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية غرب ليبيا، منهياً على نحو صادم حياة قائد تبنى وحدة الجيش

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الفريق محمد الحداد رئيس أركان القوات التابعة لحكومة الدبيبة خلال اجتماعه مع وزير الدفاع التركي في أنقرة (وزارة الدفاع التركية) play-circle 00:30

تركيا: طائرة الحداد أبلغت عن عطل... وصندوقها الأسود سيُحلّل في دولة محايدة

أعلنت تركيا، الأربعاء، أن الطائرة الخاصة التي كانت تقل رئيس أركان الجيش الليبي أبلغت عن عطل كهربائي قبل تحطمها، وأن صندوقها الأسود سيُحلّل في دولة محايدة.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شمال افريقيا مركز العد والإحصاء بمفوضية الانتخابات (مكتب المفوضية)

ليبيا: «مفوضية الانتخابات» تعتمد نتائج «مجالس بلدية»

اعتمدت مفوضية الانتخابات الليبية، الثلاثاء، نتائج المرحلة الثالثة من استحقاق المجالس البلدية، كما ألغت نتائج بعضها «بعد ثبوت خروقات ومخالفات».

خالد محمود (القاهرة)
خاص القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي المشير خليفة حفتر (إعلام القيادة العامة)

خاص «الوطني الليبي» يتجاهل مجدداً اتهامات بـ«التعاون» مع «الدعم السريع»

يرى محلل عسكري ليبي أن مطار الكفرة «منشأة مهمة تُستخدم لدعم القوات الليبية المنتشرة في الجنوب الشرقي والجنوب الغربي وهو نقطة وصل بين شرق ليبيا وجنوبها»

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا في ليبيا بات كل مواطن يحتفل بـ«ثورته» في مواعيدها (أ.ف.ب)

الليبيون يحتفلون بالذكرى الـ74 للاستقلال على وقع انقسام حاد

بشكل منفصل أعلن كل من رئيسي حكومتي ليبيا الدبيبة وحماد يومي الأربعاء والخميس عطلة رسمية لمناسبة «عيد الاستقلال» في بلد يعاني من تداعيات انقسام سياسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مصرع الحداد... نهاية مفجعة لقائد عسكري تبنى «وحدة الجيش» الليبي

محمد الحداد في مكتبه برئاسة أركان قوات الوحدة (أرشيفية - رئاسة الأركان)
محمد الحداد في مكتبه برئاسة أركان قوات الوحدة (أرشيفية - رئاسة الأركان)
TT

مصرع الحداد... نهاية مفجعة لقائد عسكري تبنى «وحدة الجيش» الليبي

محمد الحداد في مكتبه برئاسة أركان قوات الوحدة (أرشيفية - رئاسة الأركان)
محمد الحداد في مكتبه برئاسة أركان قوات الوحدة (أرشيفية - رئاسة الأركان)

طوى تحطم طائرة في تركيا، الثلاثاء، الفصل الأخير من مسيرة رئيس أركان القوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في غرب ليبيا، منهياً على نحو مفاجئ وصادم لعموم الليبيين حياة قائد خرج من صفوف الجيش النظامي، قبل أن تبدّل تحولات ما بعد فبراير (شباط) 2011 مساره ليجد نفسه في صدارة مشهد عسكري تهيمن عليه الميليشيات، في بلد منقسم بين شرق وغرب، ومثقل بفوضى السلاح وتشابكات السياسة.

ويسلّط وزير الدفاع الليبي السابق، اللواء محمد البرغثي، الضوء على دعوة الحداد الدائمة إلى توحيد الجيش الليبي في أكثر من ظهور وتحرك، معيداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التذكير بتصريحات سابقة للقيادي العسكري الراحل خلال اجتماع حضره رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، حيث أبدى رفضه للحرب، ورهن مستقبل البلاد لانقسامات السياسيين.

صورة وزعتها «رئاسة أركان الوحدة» لآخر اجتماع ترأسه الحداد لها

لم يكن محمد علي أحمد الحداد اسماً لامعاً في المؤسسة العسكرية الليبية قبل ثورة فبراير عام 2011، بل كان مجرد واحد من ضباط الجيش النظامي، الذين تدرجوا في الرتب داخل منظومة القوات المسلحة في عهد العقيد الراحل معمر القذافي، وفق المسار التقليدي لضباط تلك المرحلة.

وُلد الحداد عام 1966 في مدينة مصراتة غرب ليبيا، والتحق بالكلية العسكرية في طرابلس عام 1985، وتخرج منها ليبدأ مسيرته كضابط في الجيش الليبي، في فترة كانت فيها المؤسسة العسكرية خاضعة بالكامل لسلطة النظام المركزي.

وعلى مدى سنوات خدمته الأولى لم يُعرف عن الحداد تولّيه مناصب قيادية عليا، أو أدواراً سياسية بارزة، وبقي ضمن الإطار الوظيفي العسكري، شأنه شأن آلاف الضباط، الذين عملوا داخل جيش تحكمه اعتبارات الولاء أكثر من الكفاءة، ولا يتيح صعوداً مهنياً حقيقياً خارج الدائرة الضيقة للنظام.

ومع اندلاع أحداث فبراير 2011، انشق الحداد عن قوات الجيش الليبي في عصر القذافي، وانضم إلى صفوف القوى المناهضة له في مدينة مصراتة، في لحظة شكّلت نقطة التحول الكبرى في مسيرته. ومنذ تلك المرحلة، بدأ اسمه يظهر تدريجياً داخل التشكيلات المسلحة، التي تشكّلت في غرب البلاد بعد سقوط النظام.

وسرعان ما برز كقائد ميداني، حيث انخرط في إطار ميليشيات مدينة مصراتة، وارتبط اسمه بما يعرف بـ«لواء الحلبوص»، أحد أبرز التشكيلات المسلحة هناك، ضمن التشكيلات التي لعبت دوراً عسكرياً في الصراعات، التي شهدتها ليبيا خلال السنوات التالية، دون أن تكون جزءاً من جيش موحد.

بعد اتفاق مدينة الصخيرات المغربية 2015، كانت العودة للمسار العسكري النظامي، حين عُيّن الحداد قائداً للمنطقة العسكرية الوسطى بقرار من حكومة الوفاق السابقة، برئاسة فائز السراج، وهو أول منصب رسمي رفيع يتولاه في مرحلة ما بعد القذافي. لكنه تعرض لمحاولة اختطاف عقب خروجه من اجتماع عسكري، بصفته الجديدة، في مدينة مصراتة، مسقط رأسه، مطلع سبتمبر (أيلول) 2018، إثر مشادة كلامية مع بعض المجموعات.

محمد الحداد خلال حضوره حفل تخرج فوج عسكري بقلعة الخمس (رويترز)

ولاحقاً، برز اسم الحداد خلال الدفاع عن طرابلس أمام حرب العاصمة طرابلس، التي اندلعت بين قوات «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، وبين قوات حكومة الوفاق (عامي 2019 و2020)، حيث قاد عمليات دفاعية ناجحة، وساهم في احتواء صراعات داخلية.

وفي أغسطس (آب) 2020، عيّنه السراج رئيساً للأركان العامة، مع ترقيته إلى فريق أول ركن، واستمر في المنصب بعد تشكيل حكومة الوحدة عام 2021، حيث بلغ الحداد ذروة مسيرته في هذا المنصب، الذي ظل موضع جدل واسع، نظراً لغياب جيش موحد فعلياً في غرب ليبيا، واستمرار الانقسام العسكري بين الشرق والغرب، وتغوّل الميليشيات وقادتها ونفوذهم، وغياب السيطرة المركزية على السلاح والقوات.

وجاء هذا التعيين في سياق محاولات السلطة في طرابلس فرض هياكل عسكرية شكلية، في ظل واقع تهيمن عليه التشكيلات المسلحة والانقسام الجغرافي والسياسي.

وشارك الحداد بنشاط في أعمال اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، برعاية الأمم المتحدة، لتثبيت وقف إطلاق النار وبناء جيش موحد، حيث نسج علاقات دولية واسعة، خاصة مع تركيا وإيطاليا، لتعزيز التعاون الأمني.

ورغم ظهوره في مناسبات رسمية داخلية وخارجية، ظل منصبه محاطاً بتساؤلات حول الصلاحيات، في ظل واقع ميداني لا يعترف بهيكل قيادة واحدة.

محمد الحداد خلال حضوره تدريباً عسكرياً قرب مدينة بئر الغانم في ضواحي طرابلس (أ.ف.ب)

رحل الحداد عن 59 عاماً، بعد أن لقي مصرعه مع عدد من كبار الضباط ومرافقيه، إثر تحطم الطائرة التي أقلّتهم بعد إقلاعها من العاصمة التركية أنقرة أثناء عودتهم من مهمة رسمية، في حادث أعاد فتح الأسئلة القديمة حول طبيعة المؤسسة العسكرية الليبية، وحدود المناصب التي نشأت في ظل الانقسام.

غير أن وزير الدفاع الليبي السابق، محمد البرغثي، يعتقد «صعوبة تعويض الفراغ الذي سيخلفه الحداد، بالنظر إلى كونه ضابطاً محترفاً خرج من رحم المؤسسة العسكرية، مقارنة بغيره من القادة الميليشياويين في غرب ليبيا»، مشيراً أيضاً إلى «انحيازه للعقيدة الوطنية التاريخية للجيش، وإيمانه بضرورة توحيده والنأي به عن تجاذبات السياسة».

مكان تحطم الطائرة التي كانت تقل محمد الحداد والوفد المرافق له (أ.ف.ب)

وبرحيل الحداد، تُطوى صفحة ضابط مثّلت مسيرته تحولات ليبيا نفسها؛ من جيش مركزي جامد، إلى فوضى السلاح، ثم إلى محاولات بناء هياكل عسكرية لم تكتمل. مسيرة لم تبدأ كنجم، ولم تنتهِ بإجماع، حيث ظل الحداد عنواناً لتناقض لم تُحسم فصوله بعد بين الرتبة والواقع، لكنها تعكس بدقة تعقيدات الدولة الليبية في مرحلة ما بعد 2011.


مصر تنسق مع اليونان لاستعادة جثامين ضحايا «مركب كريت»

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)
TT

مصر تنسق مع اليونان لاستعادة جثامين ضحايا «مركب كريت»

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

أكدت مصر، الأربعاء، تطلعها لمواصلة تقديم السلطات اليونانية الدعم اللازم لعودة جثامين ضحايا غرق مركب هجرة غير مشروعة أمام جزيرة كريت الأسبوع الماضي، في حادث لقي فيه 14 مصرياً حتفهم.

وكان المركب قد انطلق من «إحدى الدول المجاورة لمصر» في 7 ديسمبر (كانون الأول)، وعلى متنه 34 مهاجراً غير شرعي من جنسيات مختلفة، بينهم 14 مواطناً مصرياً، بحسب بيان صدر عن «الخارجية» المصرية الأسبوع الماضي.

وقال وزير الخارجية بدر عبد العاطي، الأربعاء، إن بلاده تحرص على متابعة الحادث، معرباً عن التطلع لمواصلة السلطات اليونانية توفير الدعم اللازم لعودة الجثامين إليها.

ووفقاً لبيان صادر عن «الخارجية» المصرية، جرى اتصال هاتفي بين عبد العاطي، ونظيره اليوناني جيورجوس جيرابيتريتيس، الأربعاء، «سلط الضوء على الاهتمام الذي توليه مصر لمعالجة ظاهرة الهجرة غير المشروعة وتداعياتها، والتطلع لمواصلة التنسيق مع اليونان بهذا الخصوص، والعمل على تنفيذ اتفاق استقدام العمالة الموسمية المصرية إلى اليونان».

وسبق هذا الاتصال إعلان السفارة المصرية في اليونان، الثلاثاء، بدء إعادة جثامين الضحايا المصريين بعد التنسيق مع السلطات اليونانية على تسريع الإجراءات. وأكدت السفارة في بيان، أنها تمكنت بالتعاون مع السلطات اليونانية، من تقليص المدة المعتادة لإعادة الجثامين، التي أشارت إلى أنها تستغرق عادة 14 يوماً، خصوصاً مع تزامن الواقعة مع احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة.

وذكر البيان أنه سيتم البدء في إعادة جميع الجثامين تباعاً «مع استمرار إبلاغ أهالي الضحايا بمواعيد وصول الجثامين بشكل منتظم».

وإلى جانب مسألة إعادة الجثامين، تطرق أيضاً اتصال عبد العاطي بنظيره اليوناني، وفق المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية تميم خلاف، إلى «العلاقات الثنائية والنقلة النوعية التي تشهدها والتي تُوجت بانعقاد الاجتماع الأول لمجلس التعاون رفيع المستوى في أثينا خلال مايو (أيار) الماضي، والتوقيع على الإعلان المشترك لترفيع العلاقات بين البلدين لمستوى الشراكة الاستراتيجية».

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره اليوناني جيورجوس جيرابيتريتيس (أرشيفية - الخارجية المصرية)

كما ثمّن عبد العاطي خلال الاتصال الهاتفي، خصوصية العلاقات التي تجمع مصر واليونان وقبرص، مما أسهم في تأسيس آلية التعاون الثلاثي «التي أصبحت نموذجاً لعلاقات التعاون والتكامل الإقليمي»، مؤكداً التطلع لدورية انعقاد اجتماعات قمة آلية التعاون ومتابعة تنفيذ الاتفاقيات ومذكرات التفاهم لتعزيز التعاون بين الدول الثلاث.

وأعرب كذلك عن التطلع لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي قريباً، لمناقشة سبل تطوير العلاقات في المجالات ذات الاهتمام المشترك وتناول الملفات الإقليمية، ومن ضمنها التطورات في شرق المتوسط.

وتبادل الوزيران المصري واليوناني خلال الاتصال، الرؤى إزاء الأوضاع في قطاع غزة، حيث شدد عبد العاطي على أهمية تضافر الجهود الدولية لضمان تنفيذ قرار مجلس الأمن 2803، وضرورة تمكين قوة الاستقرار الدولية من أداء المهام الموكلة إليها من قِبل المجلس، بما يدعم ترسيخ وقف إطلاق النار وفقاً لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة.

وأشار إلى أهمية ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى قطاع غزة، وتهيئة الظروف لبدء مسار التعافي المبكر وإعادة الإعمار، مشدداً على أهمية المضي في تشكيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية لإدارة قطاع غزة.

وأدان الوزير المصري النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية، وحملات المستوطنين لترويع الفلسطينيين. واتفق الوزيران على ضرورة تمكين السلطة الفلسطينية، وسرعة تحويل أموال الضرائب التي تحتجزها إسرائيل.


البرلمان الجزائري يصادق بالإجماع على قانون يُجرّم الاستعمار الفرنسي

أعضاء البرلمان الجزائري خلال تصويتهم بالإجماع على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (أ.ب)
أعضاء البرلمان الجزائري خلال تصويتهم بالإجماع على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (أ.ب)
TT

البرلمان الجزائري يصادق بالإجماع على قانون يُجرّم الاستعمار الفرنسي

أعضاء البرلمان الجزائري خلال تصويتهم بالإجماع على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (أ.ب)
أعضاء البرلمان الجزائري خلال تصويتهم بالإجماع على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (أ.ب)

صادق البرلمان الجزائري بالإجماع، الأربعاء، على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830 - 1962)، ويصفه بأنه «جريمة دولة»، كما يطالب فرنسا بـ«اعتذار رسمي»، في وقت لا يزال فيه البلدان غارقَين في أزمة دبلوماسية كبرى. ووفق تقرير من «وكالة الصحافة الفرنسية»، فقد وقف النواب تحت قبة «المجلس الشعبي الوطني» موشحين بألوان العلم الجزائري، وصفّقوا طويلاً بعد إقرار النص، الذي يحمّل الدولة الفرنسية «المسؤولية القانونية عن ماضيها الاستعماري في الجزائر والمآسي التي تسبّب فيها».

مبنى البرلمان الجزائري حيث صُوّت على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (أ.ب)

وعدد القانون «جرائم الاستعمار الفرنسي غير قابلة للتقادم»، ومنها «الإعدام خارج نطاق القانون، والتعذيب، والاغتصاب، والتجارب النووية، والنهب المنهجي للثروات». وستكون للقانون دلالة رمزية قوية، لكن يبدو أن أثره العملي على مطالب التعويضات يظل محدوداً من دون اللجوء إلى هيئات دولية أو اتفاق ثنائي. وخلال عرض مشروع القانون أمام النواب، السبت الماضي، قال رئيس «المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى في البرلمان)»، إبراهيم بوغالي، إن هذا المقترح «فعل سيادي بامتياز»، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الجزائرية»، مؤكداً أنه أيضاً «رسالة واضحة إلى الداخل والخارج بأن الذاكرة الوطنية الجزائرية غير قابلة للمحو أو المساومة».

أعضاء لجنة صياغة قانون تجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر (البرلمان)

ولدى سؤاله الأسبوع الماضي عن هذا التصويت، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، باسكال كونفافرو، إنه لا يعلّق «على نقاشات سياسية تجري في دول أجنبية».

وبالنسبة إلى حسني قيطوني، الباحث في تاريخ الحقبة الاستعمارية بجامعة إكستر البريطانية، فإنه «من الناحية القانونية، لا يحمل هذا القانون أي بُعد دولي، وبالتالي لا يمكنه إلزام فرنسا» بشيء، وإن «أثره القانوني محلي فقط. لكن أثره السياسي والرمزي مهم: فهو يمثّل لحظة قطيعة في العلاقة التاريخية بفرنسا».

وتبقى مسألة الاستعمار الفرنسي للجزائر من أبرز مصادر التوتر بين باريس والجزائر. فغزو الجزائر عام 1830، وتدمير بنيتها الاجتماعية والاقتصادية، عبر عمليات ترحيل واسعة، والقمع الشرس لكثير من الانتفاضات قبل حرب الاستقلال الدامية (1954 - 1962)... أسفر عن 1.5 مليون قتيل جزائري وفق الرواية الجزائرية، و500 ألف؛ بينهم 400 ألف جزائري، وفق مؤرخين فرنسيين. ولذلك لا تزال السردية الوطنية بشأن حرب التحرير طاغية، بينما في فرنسا يستمر الحرص على مراعاة من يعارضون أي «طلب للاعتذار».

من اجتماع أعضاء «لجنة الذاكرة» بالرئيس عبد المجيد تبون نهاية 2022 (الرئاسة)

وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قد صرح في 2017، حين كان لا يزال مرشحاً للرئاسة، بأن استعمار الجزائر كان «جريمة ضد الإنسانية»، وقال «إنه جزء من ذلك الماضي، الذي يجب أن ننظر إليه وجهاً لوجه بتقديم اعتذاراتنا أيضاً تجاه الذين ارتكبنا بحقهم تلك الأفعال». وبعد نشر تقرير من المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا في يناير (كانون الثاني) 2021، تعهّد ماكرون اتخاذ «خطوات رمزية» لمحاولة المصالحة بين البلدين، لكنه استبعد هذه المرة «الاعتذار». ثم عاد وتسبب في إثارة غضب شديد في الجزائر، بعد تشكيكه في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار، وفق صحيفة «لوموند».

ويأتي التصويت في وقت ما زالت فيه باريس والجزائر غارقتَين في أزمة دبلوماسية، عقب اعتراف فرنسا في صيف 2024 بخطة الحكم الذاتي «تحت السيادة المغربية» للصحراء. ومنذ ذلك الحين، ازدادت التوترات حدّة، مع إدانة وسجن الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال، الذي استفاد في نهاية المطاف من عفو رئاسي بفضل تدخل ألماني. ويؤكد مشروع القانون أن «التعويض الشامل والمنصف عن (كافة الأضرار المادية والمعنوية)، التي خلفها الاستعمار الفرنسي، حق ثابت للدولة والشعب الجزائري». وينصّ على إلزام الدولة الجزائرية السعي من أجل «الاعتراف والاعتذار الرسميين من طرف دولة فرنسا عن ماضيها الاستعماري»، و«تنظيف مواقع التفجيرات النووية»، وكذلك «تسليم خرائط التفجيرات النووية، والتجارب الكيماوية، والألغام المزروعة».

من أحد مواقع التجارب النووية في الجزائر (الأرشيف الجزائري)

وبين عامَي 1960 و1966، أجرت فرنسا 17 تجربة نووية في مواقع عدة بالصحراء الجزائرية. ويطالب النص أيضاً فرنسا بإعادة «أموال الخزينة التي تم السطو عليها»، وكل الممتلكات المنقولة من الجزائر، بما في ذلك الأرشيف الوطني. كما ينص مشروع القانون على عقوبات بالسجن ومنع الحقوق المدنية والسياسية لكل من «يروّج» للاستعمار أو ينفي أنه جريمة.

يذكر أن مسألة تجريم الاستعمار الفرنسي طُرحت مراراً في الماضي بالجزائر من دون أن تفضي إلى إصدارها في قانون.