ميلينا جيسينسكا وفرانز كافكا: حب بالمراسلة أجّجه الغياب والقهر الجسدي

رأى فيها حبل نجاته الأخير ورأت فيه تجسيداً حياً للعبقرية الهالكة

كافكا وفيليس باور  -  ميلينا جيسينسكا
كافكا وفيليس باور - ميلينا جيسينسكا
TT

ميلينا جيسينسكا وفرانز كافكا: حب بالمراسلة أجّجه الغياب والقهر الجسدي

كافكا وفيليس باور  -  ميلينا جيسينسكا
كافكا وفيليس باور - ميلينا جيسينسكا

نادرون هم الكتاب الذين استطاعوا الوقوف على التصدعات العميقة التي تتهدد روح عصرهم في الصميم، كما هي الحال مع فرانز. ومع أن نشأة الكاتب التشيكي الشهير قد ترافقت مع ما يمكن تسميتها «الحقبة الذهبية لصعود الحداثة»؛ حيث أدت التنقيبات المدهشة لسيغموند فرويد في تربة اللاوعي إلى نقل الفن والأدب من طور إلى طور، فإن صاحب «في مستعمرة العقوبات»، كان أحد المبدعين القلائل الذين لم ينخدعوا بحداثة التقنيات المتعاظمة، بل رأوا فيها وأداً حقيقياً لحرية الإنسان وسحقاً لوجوده المستلب تحت سنابك الجشع الرأسمالي وآلياته المعدنية الصماء. وإذا كان مفكرون وكتاب آخرون قد شاطروا كافكا منظوره السوداوي لحضارة الغرب، كما كانت حال غوته وشبنغلر ونيتشه وإيليوت، فإن ثمة عوامل ثلاثة وَسَمَت حياة الكاتب القصيرة، وتركت في الوقت ذاته أثرها البالغ على نتاجه الأدبي ورؤيته إلى العالم الرؤيوي، وهي تتمثل في طفولته الصعبة وصراعه القاسي مع أبيه، كما في تصدعه المرضي، وافتقاره إلى الحب. وإذا أضفنا إلى هذه العوامل الثلاثة اعتقاده الراسخ، في ظل نزوع أوروبي متزايد إلى معاداة الساميّة، بأن شعبه اليهودي هو الصفوة الأخيرة للإنسانية، فإننا نستطيع أن نتبين الأسباب الحقيقية التي جعلت منه شخصية مضطربة ومحكومة بالخوف والهشاشة والتفكك النفسي والعصبي.
وإذا كان ثمة أسباب عديدة لشقاء كافكا، فإن الفقر لم يكن أحدها على وجه التأكيد. ذلك أن والده هيرمان استطاع بكده المتواصل أن يغادر حالة الفقر التي حكمت شبابه الأول ليلتحق بالطبقة الوسطى، موفراً لعائلته قدراً مقبولاً من اليسر والشعور بالأمان. لكن مأزق الطفل كان يتشكل في أماكن أخرى، يتصل بعضها بموت شقيقيه الأكبرين، وبعضها الآخر بتعطشه إلى الحنان إثر ترك أمه له في عهدة المربيات، وبعضها الثالث بالظروف القاسية التي عاشها في مرحلة دراسته المبكرة في براغ؛ الأمر الذي جعله خجولاً وخائفاً ومنزوياً عن أترابه، وعازفاً عن القيام بأي نشاط رياضي. إلا إن أعمق الشروخ التي أصابته، جاءت من جهة أبيه الذي اعتاد تقريعه، وكان دائم الاعتراض على سلوكياته وخياراته الحياتية. وهو ما ظهر جلياً في رسالة لاحقة أرسلها كافكا إلى أبيه، يقول فيها: «كنتُ طفلاً عصبياً ومتجهماً؛ شأن الأطفال جميعاً، ولكن ليس كل طفل يملك الصبر والشجاعة لكي يتمعن في الأمور ويختار الصالح منها. وقد عاملتني كطفل بالشكل الذي خُلقت أنت فيه؛ أي بالعنف والضجيج والطبع الحاد».
ورغم أن كافكا قد اختار لدى دخوله الجامعة، وبتأثير من والده، دراسة القانون، فإن موهبته الأدبية قد بدأت في تلك المدة بالتبلور، إلى حد أن صديقه وزميله في الدراسة ماكس برود، لم يتردد في وصف باكورته الروائية «استعداد لحفلة عرس ريفية» بأنها ليست «ألمعية عادية؛ بل عبقرية تتكلم». ولعل تعيينه كاتباً للتقارير في مؤسسة حكومية للتأمين على الحوادث الخاصة بالعمال، إثر حصوله على دكتوراه في التشريع، قد أسهم هو الآخر في تفاقم نظرته السلبية إلى الواقع، حيث تابع بأم عينه معاناة البشر المطحونين تحت رحى الآلات الجهنمية، أو المتهاوين عن السقالات باتجاه الأرض. وإذ كانت مشاهداته الصادمة، إضافة إلى روتين حياته القاتل، هي الدافع الأقوى لتفكيره خلال تلك المدة في الانتحار، فهي التي شكلت في الوقت ذاته الخلفية المأساوية لكتاباته اللاحقة مثل «تأملات» و«الدينونة»، وصولاً إلى «التحول» و«المحاكمة»، رائعتيه الروائيتين اللتين رسختا حضوره الاستثنائي في عالم السرد، وعُدّتا الأهجيتين الأكثر إقذاعاً لفساد الغرب الرأسمالي وخواء العصور الحديثة.

- العطش إلى الحب
أما في الجانب المتصل بالنساء، فقد بدت علاقة كافكا بهن انعكاساً طبيعياً لتعطشه المفرط إلى الحب والارتواء الجسدي. ومع أن غوستاف يانوش؛ الذي عايشه من كثب، يرسم له في كتابه «كافكا قال لي»، صورة أقرب إلى الوسامة عبر قوله: «كانت له عينان رماديتان كبيرتان، تحت حاجبين أسودين كثيفين، وكان وجهه الأسمر شديد الحيوية، كأنه يتكلم من خلال وجهه»، فإن وسامته الظاهرة لم تكن العنصر الأهم في تحديد علاقته بالمرأة، بل إن تلك العلاقة كانت تخضع لعاملين حاسمين؛ هما تصدعه المرضي والنفسي من جهة؛ وحاجته بصفته مبدعاً إلى كامل حريته ونزقه الشخصي من جهة أخرى. ولعل هذه العوامل مجتمعة هي ما تفسر اندفاعه الغرائزي نحو الحياة في مراهقته ومطالع عشريناته، حيث كان يُمضي معظم أمسياته بصحبة الفتيات الجميلات في البارات والملاهي الليلية.
ولأن روحه اللهفى إلى الحب كانت تتوق إلى ما هو أبعد من الغرائز العابرة، فقد وقع كافكا في غرام فيليس باور التي التقى بها في برلين، والتي بادلته مشاعره بالمثل ووافقت على خطوبته لها بعد إلحاح منه. إلا إن علاقتهما العاطفية ظلت تراوح بين التواصل القلق والانقطاع الطويل التام، قبل أن تخمد تماماً، ليس فقط بسبب مزاج الكاتب الصعب والمتقلب، بل بسبب موقفه السلبي من الزواج وإنجاب الأطفال، وحاجته للإخلاد الكامل إلى الكتابة، كما أسر لها في غير مناسبة. وإذ تضافر اعتلاله الجسدي مع أعطاب روحه، كان يفاتح فيليس بأنه لن ينجب أطفالاً أبداً، كي لا يفسد هؤلاء حياته عليه، وبأنه لا يركن إلى يقين أبداً، بحيث إن ما يريده في لحظة يمقته في اللحظة التالية. ولم يتورع صاحب «القلعة» في تلك المدة عن إقامة علاقة غرامية مشبوبة بماكاغيت بلوخ؛ صديقة خطيبته التي قيل إنها أنجبت منه طفلاً، لم تثبت أبوته له بشكل قاطع. وفي كتابه «محاكمة كافكا الأخرى» يؤكد إلياس كانيتي أن روايته «المسخ» قد خرجت من أحشاء تلك المرحلة التي كان شعر فيها باضمحلاله التام، إلى حد قوله لفيليس: «لن يمكنك العيش معي ولو ليومين يا فيليس. ففي النهاية أنت فتاة، وترغبين رجلاً لا دودة أرض رخوة». وفي عام 1920 عقد كافكا خطوبته على جوليا فويزك، التي كانت تعمل خادمة في أحد الفنادق، ولم تكن متعلمة. لكنه ما لبث أن تخلى عنها بسبب اعتراض أبيه على معتقداتها الصهيونية المتطرفة.

- المترجمة الحسناء
وفي ذلك العام بالذات تعرف إلى المترجمة ميلينا جيسينسكا؛ التي تصغره بثلاثة عشر عاماً، والتي وجدت في عالم الأدب وسيلتها الأكبر نجاعة للكف عن تعاطي المخدرات، ولترويض جموحها الجسدي الذي تسببت فيه علاقتها المضطربة بوالدها الطبيب، المعروف بمزاجه الحاد وتسلطه الذكوري وولعه المرضي بالنساء، وبتهالكه على المقامرة. وهذا الشغف بالأدب هو الذي يقف وراء انضمام الشابة الحسناء إلى عالم الكتاب والمثقفين التشيكيين، وبينهم أيرنس بولاك الذي أغرمت به رغم غضب أبيها العارم، قبل أن تتزوج به وتحمل اسمه في وقت لاحق. وحين أقدمت ميلينا على ترجمة رواية كافكا «الوقاد»، لم يدر في خلدها آنذاك أن ما فعلته لن يكون مجرد حدث عابر في حياتها، بل سيؤسس لعلاقة عاطفية جامحة ستترك ندوبها العميقة لدى الطرفين، خصوصاً لدى كافكا الذي بدأت إصابته بمرض السل تتجه نحو التفاقم التدريجي.
«إنها نار حية لم أرَ في حياتي مثلها قط»؛ يقول كافكا لصديقه ماكس برود، عن مترجمته الحسناء التي سرعان ما وقع في غرامها، رغم أنه لم يلتق بها على الصعيد الجسدي، سوى مرتين اثنتين صيف عام 1920؛ إحداهما في فيينا والأخرى في منطقة غيموند الحدودية. ولكن كافكا وصف ذينك اللقاءين القصيرين، بأنهما أسعد لحظات حياته التي بدت بمثابة «شظايا أيام أربعة انتُزعت من لياليها»، وفق تعبيره الحرفي. ومع أن علاقة كافكا بالنساء لم تكن من النوع الأفلاطوني، فالأرجح أن تفهمه ظروف ميلينا الصعبة وخوفه من فقدانها، كانا يدفعان به إلى كبح شهواته والقبول بالنزر القليل منها، وهو الذي كتب في إحدى يومياته عام 1922: «الجنس يلح علي، يعذبني ليلاً ونهاراً، ويجب علي أن أتغلب على الخوف والخجل والحزن، كي أتمكن من إشباعه». ورغم ندرة اللقاءات بينهما، فإن رسائلهما المتبادلة والعميقة هي التي عصمت علاقتهما من الفتور، وأبقت جذوتها حية لنحو سنوات ثلاث. وإذا كان من حسن حظ قراء كافكا ودارسيه أن تكون رسائله؛ التي عمد صديقه ماكس برود إلى نشرها بعد وفاته بسنوات، قد نجت من الضياع، فإن ما يؤسف له أن تكون رسائل ميلينا إليه قد تعرضت للإتلاف ولم يُعثر لها على أثر.

- الشعور بالخوف
والواقع أن رسائل كافكا إلى ميلينا؛ التي عُثر عليها بعد مرور عشرين عاماً على رحيله، وعدّها ماكس برود أعظم ما كتب من رسائل الحب عبر التاريخ، لم تكن تقتصر على البوح العاطفي وحده؛ بل كانت مزيجاً فريداً من المُسَارَرَة الداخلية والتعبير عن آلام الكاتب الجسدية والنفسية والولوج إلى قضايا العصر ومشكلات الوجود. كما عبرت الرسائل المتلاحقة إلى ميلينا عن تقلبات الكاتب وتصدعات نفسه، حيث يكتب لها تارة: «إنني لا أمتلك القدرة على التفكير في أي شيء أكتبه، لكنني أجول فقط بين الأسطر، تحت ضياء عينيك، وفي الأنفاس المنبعثة من فمك كنسيم جميل في يوم مغمور بالسعادة»، ويكتب تارة أخرى: «لماذا لم أكن خزانة الملابس السعيدة في غرفتك؟»، لكنه لا يلبث أن يعترف بأن الشعور الوحيد الذي يقبض على ناصية روحه هو الخوف. وإذ يتمنى صادقاً لو تستطيع ميلينا منع عالمه من الانهيار؛ يهتف بها قائلاً: «أنا لا أرثي السقوط بصورة منفصلة؛ لأنني كنت في حالة انهيار منذ زمن بعيد، إنما أرثي إعادة البناء؛ أرثي تراجع قوتي، وولادتي، وأرثي نور الشمس».
على أن الوضع الصحي والعصبي المتراجع لكافكا لم يكن على قسوته السبب الوحيد لمعاناة كافكا؛ بل كان ينتابه شعور مزدوج بالذنب، إزاء خطيبته... من جهة، وإزاء... زوج ميلينا الذي كان يشعر بوجود علاقة بين زوجته وبين كافكا، لكنه لم يكن يعلم شيئاً عن طبيعة العلاقة أو عما رافقها من رسائل متبادلة بين الطرفين. وحين كتب كافكا لميلينا: «إنني أخشى من أمر واحد الآن؛ هو حبك لزوجك»، لم تجد الأخيرة حرجاً في القول له، مستخدمة في مخاطبته الحرف الأول من اسمه: «أنت على حق فأنا أحبه فعلاً، لكنني أحبك أنت أيضاً يا (ف)».
كان يمكن لكافكا أن يقبل بتقاسم المرأة التي خفق لها قلبه مع زوجها المغضي هو الآخر على هواجسه، لو لم يتجه وضعه الصحي والعصبي إلى مزيد من التدهور. فقد أشار في رسائله إلى أن مرضه لا يقتصر على داء الرئة؛ بل يتعداه إلى الروح نفسها. وهو إذ عبر بتأثير من طهرانيته الكامنة عن إحساسه الممض بالقذارة، يشير؛ بما يشبه الاستدراك، إلى أن من يسكنون أعماق الجحيم هم القادرون أكثر من سواهم على الغناء بنقاء كلي. لكن اللافت في هذا الصدد هو أن الفتور التدريجي الذي أصاب علاقة كافكا بميلينا، إضافة إلى التدهور المتزايد في وضعه الصحي، لم يمنعاه من الارتباط اللاحق بدورا ديامانت؛ الفتاة العشرينية التي كانت تعمل نادلة في أحد المطاعم اليهودية، والتي قرر من أجلها مغادرة براغ للإقامة معها في برلين.
لم يقدّر لجسد كافكا الممعن في هشاشته أن يصمد طويلاً أمام الأمراض المتنوعة التي فتكت به. وإذا كان قد قُدّر لدورا ديامانت أن تكون رفيقة لحظات حياته الأخيرة عام 1924، إلا إن حب ميلينا... ظل يقبع في المكان الأعمق من قلبه الكسير. وهو إذ دوّن في يومياته، قبيل رحيله بقليل، أنه يغبط المتزوجين على سعادتهم، يستدرك بالقول إن هذا الأمر لم يكن بمقدوره على الاطلاق لأن حياته هي تجسيد نموذجي للتلكؤ السابق على الولادة. ثم يضيف قائلاً: «كل شيء هو من نسج الخيال: العائلة؛ المكتب... الأصدقاء، الشارع، البعيد والقريب، والمرأة أيضاً. أما الحقيقة الأكثر قرباً فهي أنك تضغط برأسك على جدار إحدى النوافذ، وعلى زنزانة بلا أبواب».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
TT

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

عندما سافر علماء بيئة بريطانيون إلى سلوفينيا هذا الصيف على أمل التقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» المغرِّدة لإعادة إدخال هذا النوع إلى غابة «نيو فورست» في بريطانيا، كانت تلك الحشرات صعبة المنال تطير بسرعة كبيرة على ارتفاع بين الأشجار. لكنَّ فتاة تبلغ 12 عاماً قدَّمت عرضاً لا يُفوَّت.

وذكرت «الغارديان» أنّ كريستينا كيندا، ابنة الموظّف في شركة «إير بي إن بي»؛ الموقع الذي يتيح للأشخاص تأجير واستئجار أماكن السكن، والذي وفَّر الإقامة لمدير مشروع «صندوق استعادة الأنواع» دوم برايس، ومسؤول الحفاظ على البيئة هولي ستانوورث، هذا الصيف؛ اقترحت أن تضع شِباكاً لالتقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» لإعادتها إلى بريطانيا.

قالت: «سعيدة للمساعدة في هذا المشروع. أحبّ الطبيعة والحيوانات البرّية. الصراصير جزء من الصيف في سلوفينيا، وسيكون جيّداً أن أساعد في جَعْلها جزءاً من الصيف في إنجلترا أيضاً».

كان صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي هو النوع الوحيد من الصراصير الذي وُجِد في بريطانيا. في الصيف، يصدح الذكور بأغنية عالية النغمات لجذب الإناث التي تضع بيضها في الأشجار. وعندما يفقس الصغار، تسقط إلى أرض الغابة وتحفر في التربة، حيث تنمو ببطء تحت الأرض لمدّة 6 إلى 8 سنوات قبل ظهورها على شكل كائنات بالغة.

صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي (صندوق استعادة الأنواع)

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست»، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

نصَّت الخطة على جمع 5 ذكور و5 إناث من متنزه «إيدريا جيوبارك» في سلوفينيا بتصريح رسمي، وإدخالها في حضانة صراصير «الزيز» التي تضمّ نباتات محاطة في أوعية أنشأها موظّفو حديقة الحيوانات في متنزه «بولتون بارك» القريب من الغابة.

ورغم عدم تمكُّن برايس وستانوورث من التقاط صراصير «الزيز» البالغة، فقد عثرا على مئات أكوام الطين الصغيرة التي صنعها صغار «الزيز» وهي تخرج من الأرض بالقرب من مكان إقامتهما، وتوصّلا إلى أنه إذا كانا يستطيعان نصب خيمة شبكية على المنطقة قبل ظهور صراصير «الزيز» في العام المقبل، فيمكنهما إذن التقاط ما يكفي منها لإعادتها إلى بريطانيا. لكنهما أخفقا في ترك الشِّباك طوال فصل الشتاء؛ إذ كانت عرضة للتلف، كما أنهما لم يتمكنا من تحمُّل تكلفة رحلة إضافية إلى سلوفينيا.

لذلك، عرضت كريستينا، ابنة مضيفيهما كاتارينا وميتشا، تولّي مهمّة نصب الشِّباك في الربيع والتأكد من تأمينها. كما وافقت على مراقبة المنطقة خلال الشتاء لرصد أي علامات على النشاط.

قال برايس: «ممتنون لها ولعائلتها. قد يكون المشروع مستحيلاً لولا دعمهم الكبير. إذا نجحت هذه الطريقة، فيمكننا إعادة أحد الأنواع الخاصة في بريطانيا، وهو الصرصار الوحيد لدينا وأيقونة غابة (نيو فورست) التي يمكن للسكان والزوار الاستمتاع بها إلى الأبد».

يأمل الفريق جمع شحنته الثمينة من الصراصير الحية. الخطة هي أن تضع تلك البالغة بيضها على النباتات في الأوعية، بحيث يحفر الصغار في تربتها، ثم تُزرع النباتات والتربة في مواقع سرّية في غابة «نيو فورست»، وتُراقب، على أمل أن يظهر عدد كافٍ من النسل لإعادة إحياء هذا النوع من الحشرات.

سيستغرق الأمر 6 سنوات لمعرفة ما إذا كانت الصغار تعيش تحت الأرض لتصبح أول جيل جديد من صراصير «نيو فورست» في بريطانيا.