«المسرح البوليفوني»... فنون ما بعد الحداثة

كسر الشكل التقليدي وطرح أفكاراً تجريبية جديدة

«المسرح البوليفوني»... فنون ما بعد الحداثة
TT

«المسرح البوليفوني»... فنون ما بعد الحداثة

«المسرح البوليفوني»... فنون ما بعد الحداثة

صدر حديثاً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ضمن سلسلة «الإبداع المسرحي»، كتاب «المسرح البوليفوني... فنون ما بعد الحداثة»، تأليف الناقدة الدكتورة رانيا يحيى، وتضمن 3 فصول، يركز الأول على التأصيل النظري للفكر ما بعد الحداثي وإشكالية العلاقة التي تربطه بمفهوم الحداثة، وآراء الفلاسفة والمفكرين والمبدعين حول مفاهيمها، مع الإشارة لمحددات التباين فيما بينهما، وطرح جماليات فنون ما بعد الحداثة، والخصائص والسمات التي تميزها وتنفرد بها، كما تحدثت يحيى عن مسرح ما بعد الحداثة باعتباره الأساس التمهيدي للإطار التطبيقي الذي اتبعته وهي تحاول الربط بين العلاقات النظرية والتطبيقية لفهم آلية الإبداع ما بعد الحداثي، وانتقال فن المسرح من شكله التقليدي إلى تجسيد الأفكار الطليعية وما بعد الحداثية بتقنياتها وعناصرها وإمكاناتها لطرح قوالب مسرحية تجريبية جديدة تتواكب مع الواقع بكل متطلباته، وتعمل على تحقيق الغبطة للجمهور من المتلقين.
وفي الفصل الثاني من كتابها، قدمت رانيا يحيى قراءات نقدية لأكثر من 13 عرضاً مسرحياً للمخرج المصري انتصار عبد الفتاح. أما الفصل الثالث، فيركز على الرؤية الجمالية لمسرحية «صبايا مخدة الكحل». ورغم الطبيعة المتخصصة لما يحتويه الكتاب، فإن المؤلفة استطاعت، بلغة بسيطة وحرص على وضع قائمة بالمصطلحات التي استخدمتها في الحديث عن المسرحيات التي تناولتها بالتحليل، النفاذ إلى تجربة عبد الفتاح «المهموم بالتراث الثقافي والإنساني العميق النابع من الحضارة الفرعونية»، من أجل التأصيل مسرحياً وموسيقياً للشخصية المصرية ومكوناتها من خلال توظيف منهج المسرح البوليفوني وصولاً لمسرح مصري ذي طابع ومزاج جديد، في إطار من مفاهيم ما بعد الحداثة المرتبطة بأحوال الحياة والممارسات الإبداعية والتجريبية.
وحرص عبد الفتاح، وهو يقدم مسرحياته «كحل حجر» و«العربة الشعبية» و«الدربكة» و«ترنيمة 1»، و«كونشيرتو»، و«صوناتا»، و«سيمفونية لير»، و«ترنيمة 2»، و«صبايا مخدة الكحل»، حسب الباحثة، على أن يجعلها تتمحور حول مشكلة وجود الإنسان، ومصيره مع ما يرسمه له القدر، وكفاحه من أجل حياة كريمة وسط عالم مليء بالعداءات والمتناقضات، حتى وصوله إلى نهاية رحلة وجوده، وانتقاله للعالم الآخر، وهكذا اتكأ عبد الفتاح وهو يقدم أعماله على العديد من القضايا الفلسفية المطلقة التي شغلت البشر منذ العهود السحيقة، وظل يعالجها في فنونه المختلفة.
وذكرت يحيى أن بنية مسرحية «صوناتا» قامت على التناقض بين «الماضي والحاضر»، وجسدت فيها الموسيقى التي استخدمها عبد الفتاح ما ينطويان عليه ويمور بداخلهما من هواجس وصراعات بشكل بوليفوني تتمازج فيه العناصر الفنية والإبداعية، بدءاً من الصياغة الدرامية التي أبدعها الدراماتورج سعيد حجاج، وحتى الديكور والأقنعة التي نفذها الفنان التشكيلي نبيل وهبة، وقد مزجهما المخرج انتصار عبد الفتاح مع الموسيقى وشخصيات العرض في وحدة عضوية من أجل تكثيف حالة من الصمت والاختناق.
وفي عرض «صبايا مخدة الكحل»، سعى عبد الفتاح إلى تقديم عوالم المرأة الشرقية بمخزونها الإنساني وطقوسها الحياتية وما فيها من آمال وأحلام وطموحات وأفراح، وما يشوبها من إحباطات وآلام وأحزان، وما يعتريها من تناقضات حسية بشكل عام؛ إذ تحاول دائماً البحث عن وسيلة للخلاص من الأغلال التي تكبّلها، وتقيد حريتها. وقد حرص المخرج على أن يقدم خلال مشاهدها لغة إخراجية اهتم بشاعرية تكويناتها وتشكيلاتها، وبلور مفرداتها وأرهف إيقاعاتها من أجل تحقيق تجربة جمالية وبصرية عميقة امتزج فيها الحسي بالمعنوي كموضوع للفعل الدرامي.
وفي مسرحية «راهب الأحجار»، جمع عبد الفتاح بين النحت والإيقاع والصوت والجسد الإنساني في أسلوب متعدد العناصر اتحد فيه البعد الصوفي والإيقاعات المتباينة وحركات الراقصين التعبيرية، وقد أضفى المكان الذي اختاره المخرج لعرضها داخل أسوار «متحف النوبة»، بعداً جمالياً وتاريخياً خاصاً برزت فيه جغرافية الموقع، ومن خلاله تم توظيف فكرة النحت في الفراغ المسرحي لخلق تشكيلات تم استغلالها لتعميق دور المنحوتات الحجرية الموجودة في بهو المكان الذي انتصبت فيه التماثيل، وخلقت نوعاً من التفاعل مع موكب الممثلين وحملة الأعلام والموسيقى وجمهور العرض، وصولاً إلى المحطة الأخيرة «التوحيد في البحيرة المقدسة»، وهي الحركة الأخيرة للمسرحية التي غلب عليها الطابع الارتجالي لعدم وجود نص تقليدي واضح.
أما عرض «أطياف المولوية»، فتناغمت فيه، حسب رأي الباحثة، العناصر السمعية والبصرية والحركية مع الصلوات والابتهالات، ونتجت عنها حالة من الخشوع امتزجت فيها تكبيرات المساجد بأجراس الكنائس في حالة بوليفونية تتجلى فيها القيم الإنسانية، وتدفع إلى نبذ العنف والكراهية من أجل الارتقاء بالنفس البشرية والتحليق بها في آفاق السماء، في رحلة روحانية تمزج بين الحب والسلام بأغانٍ صوفية وترانيم قبطية ومختارات من التراث المصري والإنساني القديم الذي كان في القلب منه آثار المتصوفة من أمثال ابن عربي والنفري، وقد قدمها المخرج انتصار عبد الفتاح في توليفة استخدم خلالها التقنيات الصوتية والجسدية والحركية والضوئية لخلق حالة مسرحية جمالية بدت متكاملة، وتكاتفت فيها العناصر بعيداً عن الحوار المسرحي التقليدي وتعبيرية الكلام.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

تكريم الفائزين بجائزة «الملك سلمان للغة العربية»

الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)
الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)
TT

تكريم الفائزين بجائزة «الملك سلمان للغة العربية»

الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)
الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)

كرّم مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية الفائزين بجائزته في دورتها الثالثة لعام 2024، ضمن فئتي الأفراد والمؤسسات، في 4 فروع رئيسية، بجوائز بلغت قيمتها 1.6 مليون ريال، ونال كل فائز بكل فرع 200 ألف ريال، وذلك برعاية وزير الثقافة السعودي رئيس مجلس أمناء المجمع الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان.

وتشمل فروع الجائزة تعليم اللُّغة العربيَّة وتعلُّمها، وحوسبة اللُّغة وخدمتها بالتقنيات الحديثة، وأبحاث اللُّغة ودراساتها العلميَّة، ونشر الوعي اللُّغوي وإبداع المبادرات المجتمعيَّة اللُّغويَّة.

ومُنحت جائزة فرع «تعليم اللُّغة العربيَّة وتعلُّمها» لخليل لوه لين من الصين في فئة الأفراد، ولدار جامعة الملك سعود للنَّشر من المملكة العربيَّة السُّعوديَّة في فئة المؤسسات، فيما مُنحت في فرع «حوسبة اللُّغة العربيَّة وخدمتها بالتقنيات الحديثة»، لعبد المحسن الثبيتي من المملكة في فئة الأفراد، وللهيئة السُّعوديَّة للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا» في فئة المؤسسات.

جائزة فرع «تعليم اللُّغة العربيَّة وتعلُّمها» لخليل لوه لين من الصين في فئة الأفراد (واس)

وفي فرع «أبحاث اللُّغة العربيَّة ودراساتها العلمية»، مُنحَت الجائزة لعبد الله الرشيد من المملكة في فئة الأفراد، ولمعهد المخطوطات العربيَّة من مصر في فئة المؤسسات، فيما مُنحت جائزة فرع «نشر الوعي اللُّغوي وإبداع المبادرات المجتمعيَّة اللُّغويَّة» لصالح بلعيد من الجزائر في فئة الأفراد، ولمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة من الإمارات في فئة المؤسسات.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة، وتقدير جهودهم، ولفت الأنظار إلى عِظَم الدور الذي يضطلعون به في حفظ الهُويَّة اللُّغويَّة، وترسيخ الثَّقافة العربيَّة، وتعميق الولاء والانتماء، وتجويد التواصل بين أفراد المجتمع العربي، كما تهدف إلى تكثيف التنافس في المجالات المستهدَفة، وزيادة الاهتمام والعناية بها، وتقدير التخصصات المتصلة بها؛ لضمان مستقبلٍ زاهرٍ للُّغة العربيَّة، وتأكيد صدارتها بين اللغات.

وجاءت النتائج النهائية بعد تقييم لجان التحكيم للمشاركات؛ وفق معايير محددة تضمَّنت مؤشرات دقيقة؛ لقياس مدى الإبداع والابتكار، والتميز في الأداء، وتحقيق الشُّمولية وسعة الانتشار، والفاعليَّة والأثر المتحقق، وقد أُعلنت أسماء الفائزين بعد اكتمال المداولات العلمية، والتقارير التحكيميَّة للجان.

وأكد الأمين العام للمجمع عبد الله الوشمي أن أعمال المجمع تنطلق في 4 مسارات، وهي: البرامج التعليمية، والبرامج الثقافية، والحوسبة اللغوية، والتخطيط والسياسة اللغوية، وتتوافق مع استراتيجية المجمع وداعمةً لانتشار اللغة العربية في العالم.

تمثل الجائزة إحدى المبادرات الأساسية التي أطلقها المجمع لخدمة اللُّغة العربيَّة (واس)

وتُمثِّل الجائزة إحدى المبادرات الأساسية التي أطلقها المجمع؛ لخدمة اللُّغة العربيَّة، وتعزيز حضورها، ضمن سياق العمل التأسيسي المتكامل للمجمع، المنبثق من برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد برامج تحقيق «رؤية المملكة 2030».