«عصفور تويتر» بين السقوط أو التحليق في سماء جديدة

شعار «تويتر» (رويترز)
شعار «تويتر» (رويترز)
TT

«عصفور تويتر» بين السقوط أو التحليق في سماء جديدة

شعار «تويتر» (رويترز)
شعار «تويتر» (رويترز)

لا تمر بضع ساعات حتى يباغت الملياردير إيلون ماسك، المالك الجديد لـ«تويتر»، العالم بقرارات وتغييرات جذرية، كان آخرها عودة حساب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، بعد استفتاء شعبي أطلقته المنصة التي تعاني ارتباكاً داخلياً.
يأتي ذلك وسط تعليق العمل داخل مباني مكاتب الشركة العالمية، منذ نهاية الأسبوع الماضي، حتى اليوم (الاثنين)، حسب رسالة نشرتها شبكة الإذاعة البريطانية، التي نوّهت أن الشركة لم تعلن بوضوح عن السبب.
وأرجع خبراء هذا الإغلاق إلى استقالات بالجملة من قبل الموظفين داهمت مالك «تويتر» الجديد، إلى حد يثير القلق بشأن «اضطرابات داخلية».
استقالات الموظفين جاءت إثر قرارات «ماسك» بتسريح نحو نصف العاملين بعد أيام من إتمامه صفقة شراء المنصة مقابل 44 مليار دولار أميركي، معلناً عن تخيير المتبقيين بين الإقالة أو العمل لساعات طويلة، من خلال بريد إلكتروني، كشفته صحيفة «واشنطن بوست»، مشيرة إلى أن الرسالة «تضمنت تهديداً لمن لا يوافقون بإنهاء خدمتهم مقابل مكافأة 3 أشهر فقط».
وبينما تتصاعد حدة المشهد، ويزداد مستقبل «تويتر» تحت قيادة أغنى رجل في العالم ضبابية، تصدر وسم RIPtwitter (ارقد في سلام «تويتر») على المنصة نفسها، في إشارة إلى توقعات سقوطها تماماً، كما تبادل المغردون عبر الوسم عينه وسائل تحميل أرشيف التغريدات، حتى لا يفقدوا تاريخاً من ذكريات الأفكار عمره 16 عاماً.
وعلى الجانب الآخر من المشهد، نشر «ماسك» عبر حسابه الرسمي على المنصة صورة تجمعه بمجموعة محدودة للغاية من الموظفين من داخل مقر الشركة في سان فرانسيسكو، تعكس حالة تأهب لمرحلة جديدة.
وبين تخوفات تلاحق مستقبل «تويتر»، يرى مستشار الإعلام الرقمي في الإمارات، محمد عاطف، أن مالك المنصة الجديد «أُجبر على الإغلاق»، ويقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «ما يحدث داخل الشركة راهناً تبعات منطقية لتسريح أكثر من نصف الموظفين، لحقته استقالات لموظفين رفضوا ظروف عمل قاسية، ومن ثم بات سير العمل على النحو الاعتيادي مستحيلاً». ويردف: «تسريح الموظفين لم يخضع لأي معايير، بل يعكس حالة تضارب وارتباك، دلل عليها بحديثه عن بعض القيادات على نحو المديح، وما أن تمر ساعات حتى يعلن إقالتهم».
ويتوقع «عاطف» أن يمتد الإغلاق، وربما يتكرر، ويدلل على ذلك بأن عدد الموظفين المتبقين، الذين قد يصل عددهم إلى ألفين، وربما أقل، حسب بيانات نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية، «لن يتمكنوا من دفع عجلة العمل داخل الشركة العالمية».
ويعتقد الخبير بالإعلام الرقمي أن «ماسك لم يسرح موظفين فحسب، بل أوقف خدمات، على رأسها (تويتر مومينتس) المعنية بإنتاج محتوى صحافي، وتنقيح الخدمات الإخبارية، وذلك بعدما أقال الفريق المسؤول بالكامل».
ويعلق مستشار الإعلام الرقمي على عودة حساب «ترمب» ودلالات هذه الخطوة، بعدما شارك أكثر من 15 مليوناً في الاستفتاء، لتكون النتيجة النهائية 51.8 في المائة مع إعادة الحساب، مقابل 48.2 ضد ذلك.
وفي وقت سابق، أعلن «ماسك» تراجعه عن دعم الحزب الديمقراطي، وعودة الرئيس الأميركي السابق ترمب هي أزمة في وجه المنصات الأخرى التي حجبته من قبل، على خلفية تصريحات اعتبرت «تحريضية وعنيفة».
في نهايات أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كان مالك «تويتر» قد أعلن توثيق الحسابات وفقاً لسياسة مالية، لتتحول إلى خدمة مدفوعة مقابل 8 دولارات أميركية شهرياً، بدلاً من أن تستمر مخصصة للشخصيات البارزة فحسب، بغرض تنويع دخول المنصة التي تعتمد في 90 في المائة من دخلها على الإعلانات. سيل الانتقادات الذي قوبل به القرار دفعه للتراجع، وكتب ماسك عبر حسابه ما يعني «أرجو أن تعرفوا أن (تويتر) سيقوم بعمل كثير من الأشياء الغبية خلال الأشهر المقبلة، سنُبقي على ما ينجح، ونلغي ما لا ينجح». وهو ما يلتقطه أسامة عصام الدين، خبير ومختص منصات التواصل الاجتماعي في المملكة العربية السعودية، ويقول: «أيلون ماسك لا يعرف ماذا يفعل، تخبط وقلق من قرارات الملياردير الأميركي على مجال المنصات الاجتماعية بشكل عام». ورأى في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أنه من المنطقي أن يعيد ماسك النظر في سياسات المنصة قبل قدومه، وما يتم هو محاولة للتنقيح، والغرض منه ضمان أن من تبقى من الموظفين هو من يتسق كلياً مع نمط فكره، حتى إن تعطلت المنصة لبعض الوقت».
ولا يتوقع خبير منصات التواصل مزيداً من الانقلابات داخل الشركة، ويقول: «من لا يتوافق مع فكر العمل تحت ضغط قد رحل بالفعل، بل شاهدنا تراشقاً علنياً بين ماسك وبعض القيادات السابقة في (تويتر)، خاصة حين ذهب أحد المبرمجين البارزين إلى تصحيح معلومات خاطئة، كان قد نشرها ماسك علنية، ليُقيله بعد ساعات».
وفي إحدى تغريداته غير المبالية بالانتقادات، أعلن «ماسك» عن خدمات مرتقبة سيزود بها «تويتر» مستخدميه تخص متابعة كأس العالم، غير أن الخبراء يرون في ذلك محاولة لتبييض وجه المنصة بعد توقف وضعف بعض الخدمات.
من جانبه، يرى «عصام الدين» أن «مستخدمي (تويتر) اعتادوا على متابعة أخبار كأس العالم من قبل المنصة، فلا أتوقع أن يصبح ما أعلن عنه ماسك وسيلة جذب لها فاعلية تحد من قلق المغردين».
في واحدة من تغريدات «ماسك» المثيرة للتساؤلات، كانت تلك التي كتب فيها: «السياسة الجديدة تضمن حرية التعبير، لكن لا تضمن حرية الوصول إلى الحسابات»، في إشارة إلى تقييد سياسة التفاعل حسب معايير المنصة الجديدة، وهو ما يقول عنه عصام الدين: «قبل توليه منصب الرئيس التنفيذي لواحدة من أبرز منصات التواصل الاجتماعي وأقدمها، تحدث مراراً وتكراراً عن الحريات، غير أنه ظن أنها مهمة سهلة، حتى اصطدم بالواقع، فإدارة منصة بهذه الشعبية تتطلب كثيراً من الجهد والمسؤولية تجاه المجتمع». وأضاف: «عبر هذه التغريدة تحديداً يغازل ماسك المعلنين، ولا سيما الذين سحبوا إعلاناتهم قلقاً بشأن رسائل العنف والكراهية، وهو ما دفعه للتأكيد على أن معايير (تويتر) الأخلاقية والمجتمعية لن تتغير».
بعد وسم «تويتر» RIPtwitter، نشر إيلون ماسك صورة ساخرة لنسخة من «تويتر» تُدفن في مقبرة، بينما يحلق عصفور «تويتر» آخر من جديد، ما اعتبره الخبراء رداً مبطناً حول دعوات سقوط المنصة.
ويعلق محمد عاطف على ذلك بالقول: «أشعر بالقلق على مستقبل (تويتر) إيلون ماسك، ولا سيما أن سياسات رأسمالية تفوح منذ اللحظات الأولى، بما يتنافى مع دعوات حرية التعبير التي كان يتغنى بها قبل امتلاكه المنصة». بينما يرى «عصام الدين» أن «تويتر» لن يموت، لكنه قد يرتبك لبعض الوقت فحسب.


مقالات ذات صلة

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

العالم إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

انتقد الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة «إكس»، قانوناً مُقترَحاً في أستراليا لحجب وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
الولايات المتحدة​ إيلون ماسك رئيس شركة «تسلا» ومنصة «إكس» (أ.ب)

إيلون ماسك يسخر من مسؤول كبير في «الناتو» انتقد إدارته لـ«إكس»

هاجم إيلون ماسك، بعد تعيينه مستشاراً للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مسؤولاً كبيراً في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الملياردير الأميركي إيلون ماسك مالك منصة «إكس» (رويترز)

صحف فرنسية تقاضي «إكس» بتهمة انتهاك مبدأ الحقوق المجاورة

أعلنت صحف فرنسية رفع دعوى قضائية ضد منصة «إكس» بتهمة استخدام المحتوى الخاص بها من دون دفع ثمنه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الملياردير الأميركي إيلون ماسك يتحدث خلال تجمع انتخابي لترمب (أ.ف.ب)

إهانة عبر «إكس»: ماسك يصف المستشار الألماني بـ«الأحمق»... وبرلين ترد بهدوء

وجّه إيلون ماسك إهانة مباشرة للمستشار الألماني أولاف شولتس عبر منصة «إكس»، في وقت تشهد فيه ألمانيا أزمة حكومية.

«الشرق الأوسط» (أوستن (الولايات المتحدة))
العالم الانشغال الزائد بالتكنولوجيا يُبعد الأطفال عن بناء صداقات حقيقية (جامعة كوينزلاند) play-circle 00:32

أستراليا تتجه لحظر «السوشيال ميديا» لمن دون 16 عاماً

تعتزم الحكومة الأسترالية اتخاذ خطوات نحو تقييد وصول الأطفال والمراهقين إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
TT

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

بعيداً عن التكلس السياسي الذي تعانيه ليبيا، انطلق في العاصمة طرابلس مهرجان للفيلم الأوروبي تحت إشراف بعثة الاتحاد الأوروبي إلى البلاد، بالتعاون مع الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، في خطوة تستهدف توسيع الشراكة الثقافية وكسر حاجز الانقسام، من خلال تجميع الليبيين بالثقافة والفن.

وتشارك في النسخة الأولى من المهرجان، التي انطلق الأحد، 5 سفارات أوروبية عاملة في ليبيا، بأعمال يتم عرضها للجمهور مجاناً لمدة 5 أيام، تنتهي الخميس المقبل. وعبّر سفير بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، عن سعادته لافتتاح أول مهرجان سينمائي ليبي - أوروبي في طرابلس، إلى جانب الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، وسفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا ومالطا وإسبانيا. وعدّ هذا الحدث «علامة فارقة في الشراكة الثقافية بين ليبيا والاتحاد».

ويعرض مساء اليوم (الاثنين) فيلم «راعي البقر من الحجر الجيري» المقدم من سفارة مالطا، بقاعة الهيئة العامة للسينما والمسرح في شارع الزاوية بطرابلس، التي دعت الجمهور للاستمتاع بمشاهدته.

البوستر الترويجي لفيلم «فتاة عادت» الإيطالي (إدارة المرجان)

وبجانب الفيلم المالطي، فإن العروض المفتوحة للجمهور تتضمن، وفق ما أعلنت إدارة المهرجان، ورئيس بعثة الاتحاد، «طفلة عادت» من إيطاليا، و«قصر الحمراء على المحك»، إسباني، ويعرض الثلاثاء، ثم «كليو» (ألمانيا) الذي يعرض للجمهور الأربعاء، على أن يختتم المهرجان بفيلم «عاصفة» الفرنسي.

ولوحظ أن الدول المشاركة في المهرجان حرصت على تروّج الأعمال المشاركة، من هذا المنطلق دعا المركز الثقافي الفرنسي والسفارة الفرنسية في ليبيا الجمهور الليبي لحضور الفيلم الفرنسي الذي أخرجه كريستيان دوغواي، وقالا في رسالة للجمهور الليبي: «نحن في انتظاركم لتشاركونا هذه اللحظة السينمائية الاستثنائية».

جانب من افتتاح مهرجان الفيلم الأوروبي في طرابلس (البعثة الأوروبية إلى ليبيا)

وكان رئيس هيئة السينما والمسرح والفنون، عبد الباسط بوقندة، عدّ مبادرة الاتحاد لإقامة المهرجان «خطوة إيجابية في مسار الشراكة بين ليبيا، متمثلة في هيئة السينما والمسرح والفنون، والاتحاد الأوروبي والدول الخمس المشاركة».

وأضاف بوقندة، في كلمة الافتتاح، الذي بدأ الأحد بعرض الأفلام، أن المناسبة «تفتح آفاقاً واسعة في مجالات السينما كواحدة من أهم أنواع التواصل بين الشعوب ومرآة عاكسة لكثير من القضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية التي تسهم بفاعلية في توعية الناس، وتدفع بهم تجاه الارتقاء والإحساس بالمسؤولية».

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي (السفارة الفرنسية لدى ليبيا)

وخلال مراسم الافتتاح، عُرض فيلم «شظية» الليبي الذي أنتج في الثمانينات، من تأليف الأديب الليبي المعروف إبراهيم الكوني، ويحكي قصة معاناة الليبيين مع الألغام التي زرعت في صحراء ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية، وراح ضحيتها كثير من المواطنين في مدن ومناطق مختلفة من البلاد.

وبجانب العروض السينمائية في ليبيا، تُجمّع الفنون في ليبيا عادةً من فرقت بينهم السياسة، ويحشد المسرح على خشبته ممثلين من أنحاء البلاد، كانت قد باعدت بينهم الآيديولوجيات في زمن ما، يحكون جميعاً أوجاعهم عبر نصوص ولوحات إبداعية، ويفتحون نوافذ جديدة للتلاقي والحوار بعيداً عن النزاع والانقسام السياسي.

وسبق أن تعطلت الحركة الفنية المسرحية في ليبيا، مُتأثرة بالفوضى الأمنية التي شهدتها ليبيا عقب اندلاع ثورة «17 فبراير» التي أسقطت نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. لكن مع الاستقرار النسبي الذي تشهده ليبيا يظل الرهان على الفن في اختبار الانقسام السياسي، الذي ضرب البلاد، لتوحيد الليبيين.