الوضع الاقتصادي والأمن الغذائي يهيمنان على أعمال «قمة الفرنكوفونية» في تونس

الرئيس التونسي يتوسط الوفود المشاركة في قمة الفرنكوفونية في جربة أمس (أ.ب)
الرئيس التونسي يتوسط الوفود المشاركة في قمة الفرنكوفونية في جربة أمس (أ.ب)
TT

الوضع الاقتصادي والأمن الغذائي يهيمنان على أعمال «قمة الفرنكوفونية» في تونس

الرئيس التونسي يتوسط الوفود المشاركة في قمة الفرنكوفونية في جربة أمس (أ.ب)
الرئيس التونسي يتوسط الوفود المشاركة في قمة الفرنكوفونية في جربة أمس (أ.ب)

افتتحت، أمس، في جزيرة جربة التونسية أشغال الدورة الـ18 لقمة الفرنكوفونية باستقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لضيوف القمة، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وجاستين ترودو رئيس الوزراء الكندي، وعدد من الرؤساء الأفارقة، من بينهم رئيس السنغال ورئيس جمهورية أفريقيا الوسطى ورئيس موريتانيا.
ويحضر هذه القمة، التي ستركز بشكل كبير على بحث الوضع الاقتصادي والأمن الغذائي الطاقي، والتي تحتضنها تونس لأول مرة تحت شعار (التواصل في إطار التنوع: التكنولوجيا الرقمية كرافد للتنمية والتضامن في الفضاء الفرنكوفوني)، أكثر من ستين رئيس دولة وحكومة، وتعرف مشاركة 90 وفداً رسمياً. إضافة إلى عدد من الوزراء ونواب البرلمانات، وأكثر من20 وزير خارجية، علاوة على دول غير منضوية في الفرنكوفونية، مثل مصر ومولدوفا والإمارات العربية المتحدة وصربيا.
وخالف الرئيس التونسي عادته في إلقاء كلمته باللغة العربية الفصحى في التجمعات الدبلوماسية، بأن خاطب ضيوفه من رؤساء ورؤساء حكومات وممثلي المنظمات باللغة الفرنسية، رغم أنه عرف عنه تفضيله إلقاء خطبه وتقديم تصريحاته بلغة عربية صريحة، وباستعاراته من الأدب العربي، وهو الخيار الذي اتخذه أيضاً في زيارته إلى باريس قبل عامين. لكن هذه المرة كانت العيون شاخصة في قاعة الافتتاح بشأن اللغة، التي سيعتمدها الرئيس في كلمته لممثلي الدول الأعضاء في منظمة الفرنكوفونية، التي تعد تونس عضواً مؤسساً لها عبر رئيسها الليبرالي الراحل الحبيب بورقيبة.، حيث قال: «مثلما يقول الكاتب الفرنسي ألبرت كامو إن اللغة الفرنسية هي وطني... وأنا أقول في الذكرى الستين لتأسيس المنظمة الدولية للفرنكوفونية إن اللغة العربية هي وطني». وقد لقيت كلمة الرئيس سعيد إشادة من مؤسسة «تي في 5 موند» الفرنسية الشريك لمنظمة الفرنكوفونية.
وخلال افتتاح أشغال القمة أكد الرئيس التونسي أنه «على الرغم من كل العراقيل والظروف الصعبة والدقيقة في تونس والجهود لإلغاء القمة، فإن تونس تلتزم بتعهداتها وتنظم هذه القمة... وإذا ما نجحنا اليوم في جربة، وغداً في كافة العالم، في معرفة مشاكلنا فإن الجميع سيخرج منتصراً، ولنا أن نحلم بمستقبل أفضل من أجل تنمية جمعاء، تقوم على الحرية والمثل العليا التي نحن مدعوون لتقاسمها جميعاً على الكرة الأرضية جمعاء».
وأضاف سعيد موضحاً أن نتائج القمة الفرنكوفونية بجربة «ستكون إيجابية»، مؤكداً أن بلاده تعمل على النهوض بالوضع الاقتصادي والاجتماعي في ظل خيارات الشعب التونسي، وستعمل على تحقيقها، ولرئاسة الجمهورية في ذلك تصور وإمكانيات وقدرات، لا بد أن تستغلها للخروج من هذه الأوضاع على حد تعبيره. لافتاً إلى أن انعقاد هذه القمة «هو ثمرة عمل جماعي متواصل بإرادة صلبة، لتدور في أفضل الظروف لإنجاحها بهدف الوصول إلى نتائج ملموسة وفعلية»، ومعرباً عن شكره الجزيل للجميع في تونس، وعلى المستوى الدولي، وبالخصوص للمنظمة الدولية للفرنكوفونية لجميع الجهود التي بذلتها لإنجاح القمة.
وتابع الرئيس سعيد في معرض حديثه عن التغيرات التي تعرفها المنطقة، قائلاً: «نحن واعون جميعاً اليوم بالتغيرات التي تحدث في العالم بأسره، والتي تفرض إيجاد حلول جديدة»، مشيراً إلى أن موضوع الرقمنة في هذه القمة «هو اختيار وجيه، وهو يعود إلى اعتبارها عنصر تنمية وتضامن في الفضاء الفرنكوفوني».
وفي رده على منتقدي هذه القمة والاتهامات، التي وجهتها المعارضة لمنظمي القمة الفرنكفونية المرتبطة بالاستعمار الفرنسي لتونس، قال الرئيس سعيد: «ليست لدينا أي عقدة من اللغات الأجنبية... فابن خلدون والجاحظ وعديد العلماء والفلاسفة العرب تحدثوا عن أهمية الانفتاح على اللغات... والخيارات وطنية وموجودة، ولا تندرج تحت أي إملاءات من أي طرف كان»، مبرزاً أن التعامل مع اللغات الأخرى «يحيل إلى أهمية الاتفاق حول الأفكار والتصورات، وحول عالم جديد يقوم على قيم وأفكار جديدة مختلفة عن الأفكار البائدة والقديمة»، ولاحظ أن «العالم الجديد يتم التعامل داخله باللغة العربية الرسمية للدولة، وأيضاً باللغة الفرنسية وكل اللغات الأخرى»، مؤكداً «أهمية أن يلتقي الجميع في هذا العالم».
وخلال الجلسة الافتتاحية، لقمة الفرنكوفونية، تولى نيكول باشينيان، رئيس الوزراء الأرميني، تسليم رئاسة المنظمة لتونس خلال السنتين المقبلتين. ومن ناحيتها، كشفت لويز موشيكيوابو، الأمينة العامة لمنظمة الفرنكوفونية، عن أن مشروع «إعلان جربة»، المنتظر الإعلان عنه مع نهاية الأشغال، سيتضمن مواقف المنظمة من عدد من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الراهنة.
وسيناقش المشاركون في هذه القمة المشروع الختامي لـ«إعلان جربة»، والإطار الاستراتيجي للمنظمة خلال الفترة الممتدة بين 2023 و2030، ودراسة إجراءات انضمام الدول والمنظمات الراغبة في الانتماء للمنظمة، إضافة إلى المسائل المالية الإدارية، وفي مقدمتها ميزانية السنة المقبلة، علاوة على تحديد موعد الندوة الوزارية المقبلة، وأيضاً قمة رؤساء الدول والحكومات.
كما تناقش القمة كذلك عدة محاور ومواضيع مهمة، أبرزها الوضع الاقتصادي وسط الأزمات الدولية، والأمن الغذائي والطاقي، وقضايا التمويل والمديونية، ومجابهة تأثير التغيرات المناخية، باعتبارها أبرز التحديات القائمة حالياً أمام الدول. ويتضمن جدول الأعمال تنظيم منتدى اقتصادي، اليوم الأحد وغداً الاثنين، بمشاركة أكثر من 600 رجل أعمال وشركة ضمن هذا الفضاء.
من ناحيته، أكد عثمان الجرندي، وزير الخارجية التونسية، حرص تونس على أن تتوج هذه القمّة بمختلف فعالياتها باعتماد توصيات عملية، واتخاذ مبادرات رائدة، من شأنها إعطاء دفعة جديدة للتعاون في الفضاء الفرنكوفوني في جميع المجالات، وتعزيز التضامن في مواجهة التحديات الراهنة على حد تعبيره.
وبخصوص الفرص المتاحة أمام تونس من خلال احتضانها لهذه القمة، أكد الجرندي أن تونس «تمتلك الكثير من المقوّمات على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا ما يجعلها قادرة على الاستفادة من فرص التعاون داخل الفضاء الفرنكوفوني، وضمن التعاون الثلاثي في مختلف القطاعات، خاصة الاستثمار والمبادلات التجارية، وكذلك في المجالات الثقافيّة والعلميّة والتكنولوجيّة.
أما بخصوص الإشراف المستقبلي على هذه المنظمة، فمن المنتظر، وفق عدد من المشاركين في هذه القمة، إعادة انتخاب الرواندية لويز موشيكيوابو على رأس المنظمة الدولية للفرنكفونية لمدة أربع سنوات جديدة، باعتبارها المرشحة الوحيدة لهذا المنصب.


مقالات ذات صلة

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

شمال افريقيا تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على  أمن الدولة»

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

وجه القطب القضائي لمكافحة الإرهاب طلبا رسميا إلى رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس لبدء تحقيق ضدّ المحامين بشرى بلحاج حميدة، والعيّاشي الهمّامي، وأحمد نجيب الشابي، ونور الدين البحيري، الموقوف على ذمة قضايا أخرى، وذلك في إطار التحقيقات الجارية في ملف «التآمر على أمن الدولة». وخلفت هذه الدعوة ردود فعل متباينة حول الهدف منها، خاصة أن معظم التحقيقات التي انطلقت منذ فبراير (شباط) الماضي، لم تفض إلى اتهامات جدية. وفي هذا الشأن، قال أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، وأحد أهم رموز النضال السياسي ضد نظام بن علي، خلال مؤتمر صحافي عقدته اليوم الجبهة، المدعومة من قبل حركة النهضة، إنّه لن

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

أعلنت نقابة الصحافيين التونسيين أمس رصد مزيد من الانتهاكات ضد حرية التعبير، مع تعزيز الرئيس قيس سعيد لسلطاته في الحكم، وذلك ردا على نفي الرئيس أول من أمس مصادرة كتب، وتأكيده أن «الحريات لن تهدد أبدا»، معتبرا أن الادعاءات مجرد «عمليات لتشويه تونس». وكان سحب كتاب «فرانكشتاين تونس» للروائي كمال الرياحي من معرض تونس الدولي للكتاب قد أثار جدلا واسعا في تونس، وسط مخاوف من التضييق على حرية الإبداع. لكن الرئيس سعيد فند ذلك خلال زيارة إلى مكتبة الكتاب بشارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة قائلا: «يقولون إن الكتاب تم منعه، لكنه يباع في مكتبة الكتاب في تونس...

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

بعد مصادقة البرلمان التونسي المنبثق عن انتخابات 2022، وما رافقها من جدل وقضايا خلافية، أبرزها اتهام أعضاء البرلمان بصياغة فصول قانونية تعزز مصالحهم الشخصية، وسعي البرلمانيين لامتلاك الحصانة البرلمانية لما تؤمِّنه لهم من صلاحيات، إضافة إلى الاستحواذ على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية)، وإسقاط صلاحية مراقبة العمل الحكومي، يسعى 154 نائباً لتشكيل كتل برلمانية بهدف خلق توازنات سياسية جديدة داخل البرلمان الذي يرأسه إبراهيم بودربالة، خلفاً للبرلمان المنحل الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة». ومن المنتظر حسب النظام الداخلي لعمل البرلمان الجديد، تشكيل كتل برلمانية قبل

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار أمس، الاثنين، أنه لا مجال لإرساء ديكتاتورية في تونس في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن التونسيين «لن ينتظروا أي شخص أو شريك للدفاع عن حرياتهم»، وفق ما جاء في تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي». وأشار التقرير إلى أن عمار أبلغ «وكالة تونس أفريقيا للأنباء» الرسمية قائلاً: «إذا اعتبروا أنهم مهددون، فسوف يخرجون إلى الشوارع بإرادتهم الحرة للدفاع عن تلك الحريات». وتتهم المعارضة الرئيس التونسي قيس سعيد بوضع مشروع للحكم الفردي، وهدم مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن أقر إجراءات استثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021 من بينها حل البرلمان.

المنجي السعيداني (تونس)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.