مهرجان آسيا الدولي يجمع دول المنطقة على الشاشة الأميركية

عرض مجموعة كبيرة من أفلام الأوسكار

الحرب السورية في «مفاتيح مكسورة»
الحرب السورية في «مفاتيح مكسورة»
TT

مهرجان آسيا الدولي يجمع دول المنطقة على الشاشة الأميركية

الحرب السورية في «مفاتيح مكسورة»
الحرب السورية في «مفاتيح مكسورة»

مهرجان آسيا وورلد فيلم فستيفال عرض هذا العام مجموعة كبيرة من الأفلام الآسيوية القادمة من أركان هذه القارة، أكثر من 40 فيلماً تم تقديمها ما بين التاسع والرابع عشر من هذا الشهر وبنجاح محلي بعدما سعى المهرجان المقام في مدينة لوس أنجليس سنوياً لتوسيع رقعة عروضه هذا العام أكثر مما فعل في معظم الأعوام السابقة.

أكشن كوري جيد
كانت الدورة الثامنة وكانت البداية مع فيلم كوري من إخراج الممثل - المخرج لي جونغجاي عنوانه «صيد» (Hunt) المستوحى من مسلسل تلفزيوني كوري سابق تم بثّه على «نتفليكس» في العام الماضي.
بسرعة رتّب الإنتاج ليستفيد من نجاح المسلسل واختار حكاية تبدأ بعد أربع سنوات من اغتيال الرئيس الكوري بارك شونغهي (كان موضوع أفلام كورية مختلفة) وتدور حول المخابرات الكورية وهي تُفشل خطة لقتل الرئيس الذي خلف شونغهي. البداية تحمل تلك التفاصيل التقنية واللوجيستية المذهلة التي اشتهرت بها الأفلام الكورية من هذا النوع. تصاميم المعارك والحركة والجهود البدنية لا يقل تأثيراً وسيتكرر مستواه ذاك في مشاهد عدة لاحقاً. فبعد إحباط المؤامرة يلتفت بارك بيونغهو (لي جونغجاي) بعد ذلك للكشف عن الجاسوس المنتمي إلى المنظّمة ويصاحبه في هذه المهمّة، التي لن تكون نزهة، عدو قديم له يشغل إدارة وحدة من وحدات الجهاز اسمه كيم (جونغ ووسونغ) اللذان لا يطيقان بعضهما بعضاً.
هذا محور الفيلم الذي ليس لديه هدف آخر سوى إجادة مشاهد القتال والمعارك.
بعده، باشر مهرجان الفيلم الآسيوي عرض مجموعة كبيرة من الأفلام التي تقدّمت للأوسكار ممثلة لبلدانها. بالنسبة للمهرجان فإن الدورة المذكورة تخصصت بهذا المنوال وقد يعيد الكرّة في الأعوام المقبلة.
أفلام مثل «وطن للبيع» (كريغستان) و«غولياث (كازاخستان) و«فرح» (الأردن) وMy Vietnam (فيتنام) و«استراحة طويلة» (جورجيا) و«المفقودون الثمانية» (الفلبين) وسواها أريد لها تعزيز حضور المهرجان بين المشاهدين من سكان المدينة على صعيدي الانتقاءات الآسيوية عموماً، والاختيارات التي تم عرضها من أفلام آسيوية تم إرسالها إلى الأكاديمية على أمل دخولها القائمة الرسمية لسباق الأوسكار. في حين أن هذه خطوة تجارية توسيعية لمهرجان ليس لديه خيارات تمويل كبيرة تؤدي إلى إثارة فريق من الجمهور إلا أن الخوف هو أن يكون الاعتماد عليها قد أضر بفرص أفلام أخرى غير متنافسة على الأوسكار. الخطر الآخر أن يتم اعتماد هذه الصيغة كل سنة فإذا بالمهرجان الذي عليه أن يكتشف يرتاح لما هو سهل الحصول عليه.

مشهد من «حمى البحر المتوسط»

حكاية ميشال
كانت هناك عدة مشاركات عربية سنتناول بعضها في كتابات لاحقة. أحد هذه الأفلام الخمسة هو الفيلم اللبناني «حرب ميغويل» لإيليان الراهب (حمل عنواناً آخر بالعربية هو «أعنف حب»).
فيلم تسجيلي يستعيد فيه محارب حزبي شارك، على نحو أو آخر، في الحرب الأهلية بعض ما يُسمح به من ذكريات الحرب والكثير من حياته الخاصّة التي قضى جزءاً كبيراً منها في إسبانيا بعد نهاية الحرب اللبنانية.
يقارن المحارب السابق ميشال جليلاتي نفسه بمريم المجدلية التي غسلت قدمي المسيح. صورة ذهنية طالما أثارته منذ أن كان فتى صغيراً. هو في ذروة نشوته عندما يلتقي بمثيل له في ملهى إسباني. ويتذكر مدريد بنشوة واضحة ذاكراً كيف وجد هناك الكثير من الشبان («ألوف»، كما يقول) الذين شاركهم الحفلات المثلية. لا ندم أو أسف هنا ولو أنه في بعض المشاهد يفصح أنه يرغب لو أنه يولد من جديد.
تسأل المخرجة إيليان الراهب عن دوره في الحرب الأهلية فيخبرها أنه لا يتذكر أو ينفي ويتهرب. لكنه يعترف في النهاية أنه كان شريكاً في الحرب من خلال تأمين الذخيرة والوجود مع المحاربين كما حضر جريمة قتل امرأة بدم بارد.
هذا فيلم مقابلة طويلة والمخرجة موجودة في مشاهد كثيرة بكل ما يحمله وجهها من جدّية. يتداخل فن التحريك في سياق الصورة الحية ليؤمن الوجهة التعبيرية ولنقل واقع ما بطريقة إبداعية. هذه الرسوم تثري الفيلم في المعنى و- أكثر - في التشكيل. على ما سبق، هناك مراحل من الفيلم يبدو فيه الحديث استطراداً لما سبق. بعض المشاهد لا تضيف بدورها لما تم ذكره،
فيلم آخر جذب الاهتمام هو الفيلم الفلسطيني «حمى البحر المتوسط» لمها حاج. دراما جيدة في شتّى جوانبها رغم هنّات في الكتابة ونهاية تؤكد على المؤكد. هناك رجل فلسطيني اسمه وليد (عامر هليهل) يعيش في حيفا غير سعيد في حياته. لم يحقق ما صبا إليه ولم يعد يقيم علاقة عاطفية مع زوجته وعاطل عن العمل. يأخذ ولديه للمدرسة كما لو كان مجرد موظف ويعود ليغسل الصحون ويرتب البيت بينما تعتاش العائلة على عمل زوجته كممرضة.

فيلم الافتتاح «صيد»

مفاتيح الحرب
ذات يوم يصل الجار الجديد جلال (أشرف فرح) إلى الشقّة المقابلة ليشغلها هو وزوجته. بينما يطلب وليد الهدوء (محاولاً كتابة رواية بوليسية) يترك جلال صوت المذياع يلعلع عالياً. احتجاج وليد يقوده للتعرف الصعب على جاره الجديد لكن العداوة التي يظهرها وليد تبدأ بالتحوّل بعدما تعددت اللقاءات. ما يكتشفه وليد هو أن جلال لديه علاقات مع عصابات مافياوية. هنا تلمع في باله رغبة كان يكتمها منذ حين وهي الانتحار. لكنه لا يود أن ينتحر بفعل يقوم به هو، بل يطلب من جلال أن ينفّذ له هذه الرغبة.
تصل العلاقة بينهما إلى طريق مسدود. فالطلب صعب على جلال الذي يعرف معدن وليد ولا يستطيع مساعدته في أزمته ولا في رغبته. هذا وصولاً للنهاية التي اختارتها المخرجة والتي تحمل مفاجأة مقبولة تتبعها ذات مغزى لكنا تبقى دخيلة. «حمى البحر المتوسط” فيلم ناضج على أكثر من وجه والخلفية الاجتماعية والسياسية تطل قليلاً لكن التركيز يبقى على الشخصيتين الأساسيّتين والحبكة بحد ذاتها.
فيلم لبناني آخر تم عرضه في المهرجان الآسيوي هو «مفاتيح مكسورة» لجيمي كيروز.
تطل الحرب أيضاً في هذا الفيلم لكنها ليست الحرب اللبنانية، بل تلك السورية.
لا تعوز المخرج جيمي كيروز أي مهارات تقنية ولا يفتقر إلى براعة لتنفيذ المشاهد الصغيرة والكبيرة على نحو متساو من النجاح. لكن إذ تطلّب السيناريو تقسيم الفيلم إلى رزم من الفصول فإن نبرة الفيلم، التي تبدأ جادة تنتهي على شاكلة أفلام البطولات والأكشن.
يبدأ الفيلم في البلدة التي سيطرت عليها قوى إسلامية‪.‬ بطله كريم (طارق يعقوبي) عازف بيانو يأمل بمستقبل باهر. زعيم الميليشيا المحلية ‪(‬عادل كرم) يأمر بإطلاق النار على البيانو فيكسر بعض مفاتيحه. هذا ما يدفع كريم للسفر إلى بلدة أخرى للبحث عن مفاتيح بديلة ثم العودة حيث يشترك في المقاومة موظّفاً موسيقاه للغاية. رحلته إلى ومن المدينة المهدّمة بحثاً عن مفاتيح تصاحبها مخاطر كثيرة وتشاركه فيها مقاتلة كردية. الرحلة تحتوي على عناصر لقصة متكاملة. في العمق يخلق ذلك ثلاثة أقسام ليست متجانسة فعلياً. فبعد تقديم الفيلم لمحنة جماعية في تلك البلدة التي وقعت تحت براثن المتطرفين، ‬‬ينفصل الفيلم في حكاية أخرى فردية في فصل ثانٍ (هو فصل الرحلة) يختلف قصّة وإيقاعاً ويخلق توليفه تشويقاً يماثل مخاطر الوضع الذي يدلف كريم إليه. هذا قبل عودة كريم إلى البلدة والمحنة الجماعية التي تعيشها تحت وطأة الوضع. هذا القسم - الفصل الثالث ضعيف، بالمقارنة، من حيث إنه يبحث عن نهاية ويجدها في معركة مبسّطة.
‫لكن شغل المخرج على العناصر المختلفة التي تُكوّن تفاصيل المشهد وحركة الكاميرا والتوليف جيد وفي بعض الأحيان مبهر. هذا إلى أن تتحدث بعض الشخصيات فإذا باللهجات تختلف وتتباين. نسمع كلمة غدوة التونسية و«ما أريد الدواء» بالفصحى. هناك من ينطق القاف قاف ومن بنطقها كألف. ‬‬
يدين الفيلم جميع القوى (النظام ومعارضيه) وخطف المعارضة الثورة الشعبية. كذلك إجادة الممثلين لأداءاتهم من طارق يعقوبي («فيلم كبير كتير»، 2016) وعادل كرم («القضية 23» سابقاً) إلى باقي الممثلين ولو بتفاوت.

وقوع تدريجي
فيلم الختام كان كورياً أيضاً لكنه مختلف عن فيلم الافتتاح. هو بوليسي لكنه مختلف من حيث إنه ليس فيلم حركة ومطاردات.
بارك تشان - ووك، مخرج مختلف من حيث إتيانه بأفكار ليست مختلقة لكنها خلاّقة. سبق له وأن قدّم «أولدبوي» و«الخادمة» محوّلاً حكايتين تسيران ضمن تصنيف تشويقي إلى عملين يفككان ما هو تشويقي. في الأول يستفيد من فكرة غريبة حول رجل سُجن في منزل لسبب لن يفهمه إلا لاحقاً وفي الثاني سرد لعلاقات كورية - صينية على مستوى فردي لكنها أشبه بنموذج لما هو أكبر حجماً وتأثيراً.
أما في «قرار مغادرة»: فإن الناحية البوليسية أخف وطأة من فيلم «أولدبوي» (الذي لا يمكن وصفه تماماً بالفيلم البوليسي).
في الفيلم الجديد شرطي متزوّج يعيش في مدينة بوسان يشرف على قضية رجل وُجد في قعر الوادي ميّتاً. زوجته حسناء وتقدم شيئاً مثل «مات، أخيراً» نحن وبطل الفيلم نتعجب من هذه العبارة لكنها تفتح باب الشبهات من إنها هي التي ربما دفعته لحتفه عندما اعتليا ذلك الموقع الشامخ. بعد حين سنجد بطل الفيلم يقع تدريجياً تحت تأثيرها العاطفي. هذا كله ليس جديداً (كحبكة) لكن المخرج يعرف طريقه جيداً لصنع مشاهدة بصرية فنية وخاصّة.
هو فيلم حول عاطفة في اتجاه واحد تقابلها ألغاز الجريمة وإذا ما كانت الزوجة هي من ارتكبتها. وإذا كان هذا صحيحاً فما هو موقف ذلك المحقق الذي وقع في حبالها.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.