جاء تكريم المخرجة والمنتجة السينمائية المغربية فريدة بنليزيد، مساء أول من أمس، في سادس أيام «مهرجان الفيلم» بمراكش، في دورته الـ19، مغربي الطابع والنكهة، مؤكداً المكانة الريادية والقيمة الفنية للمحتفى بها على مستوى الفن السابع بالمغرب.
ومنح صوت الفنانة الشعبية الراحلة الحاجة الحمداوية، بأغنيتها الشهيرة «هزو بينا لعلام (ارفعوا الأعلام)»، دفئاً خاصاً لحفل التكريم في «قاعة الوزراء» بـ«قصر المؤتمرات»، فيما علت الزغاريد وصفق الحضور طويلاً لـ«سيدة السينما المغربية»، تقديراً لمنجزها واعترافاً بمكانتها.
يمكن القول إن بنليزيد كانت «عروس» اليومين الماضيين من «مهرجان مراكش»، بعد أن احتفى بها عشرات الآلاف في ساحة جامع الفنا (الثلاثاء) بمناسبة عرض فيلها «كيد النسا»، قبل أن تتسلم «النجمة الذهبية» من يد الفنان المغربي يونس ميكري في ليلة تكريمها (الأربعاء).
في كلمتها التقديمية، في أمسية التكريم، رسمت الصحافية فاطمة الوكيلي ما يشبه البورتريه، جمعت فيه بين تميز المسار المهني وعمق الاختيارات الإنسانية والنضالية للمحتفى بها.
وقالت الوكيلي إن بنليزيد «امرأة فريدة بأخلاقها الراقية، جميلة بأحاسيسها الجياشة، قوية بغضبها الهادئ، وفنانة متشبعة بقيم التغيير في سنوات السبعينات؛ سنوات الكتب المحظورة والثورة على المعتقدات الاجتماعية والسياسية والدينية».
وأضافت قائلة إنها «سيدة تمكنت من الانطلاق في سنوات النهوض ضد الاضطهاد؛ إذ تشكلت شخصيتها في طنجة؛ المدينة المنفتحة على العالم وذات الحمولة الثقافية الرفيعة، لذلك تشكل وعيها من مختلف الآفاق، فكانت مبدعة برهانات الفن، هي المرأة التي اقتحمت عالم الصورة وتملكت أدواتها فأبانت عن قدرة فائقة في التقاط المعاناة».
وذكرت الوكيلي أن بنليزيد سيدة «تحسن الإصغاء، قدمت أعمالاً يطبعها الوفاء للمبادئ والثبات على المواقف، ودخلت المجال الفني مسلحة بقوة هادئة وقدرة هائلة على المقاومة، فريدة بحضورها الفريد ورزانتها وجرأتها في اقتحام عالم الفن السابع، الذي كان حكراً على الرجال في مغرب سبعينات القرن الماضي، فأنتجت وكتبت السيناريو وأخرجت الأفلام الروائية والوثائقية بسمو ورفعة».
ورأت الوكيلي أن بنليزيد «امرأة من طينة نساء مغربيات فتحن أبواب العلم والفن والسياسة، كفاطمة المرنيسي وإيزة جنيني وعائشة الشنا ومليكة الفاسي، وساهمن في رفع سقف طموحات أجيال من نساء المغرب».
وخلصت الوكيلي إلى القول إن «فريدة ابنة عصرها، قصيدة في ديوان السينما، أغنية حب مغربية رائعة، وطائر حر في سماء الإبداع».
في معرض كلمتها، العميقة والبسيطة، بمناسبة تكريمها، شكرت بنليزيد العاهل المغربي الملك محمد السادس على إطلاقه مهرجان مراكش في ظرفية عالمية حساسة، كما شكرت الأمير مولاي رشيد، ومؤسسة المهرجان. ثم تحدثت عن تجربتها، وسعادة التكريم بادية على محياها، فقالت إنها عملت في أفلامها على إبراز غنى ثقافة نساء المغرب المسلمات، وتكسير الصورة النمطية المتداولة حولهن.
وتطرقت إلى أهمية التنوع على مستوى الثقافة، فعادت إلى طفولتها وعلاقتها بوالدتها حين كانت تصطحبها إلى دور السينما لمشاهدة أفلام من تعبيرات وجغرافيات مختلفة.
وتعد بنليزيد رائدة على مستوى الممارسة السينمائية المغربية، فهي أول منتجة مغربية، كما أنها كاتبة سيناريو، ولدت سنة 1948 في طنجة، حيث ترعرعت وتابعت دراستها بالعربية والفرنسية والإسبانية، ليبدأ شغفها بالقراءة والفن السابع مبكراً، حين كانت تصاحب والدتها؛ عاشقة السينما، الشيء الذي طبع طفولتها ومنحها روحاً متحررة مع انفتاح متأصل على الآخر.
في 1970، سترحل بنليزيد إلى باريس لمتابعة دراسة الأدب والسينما، قبل الالتحاق بالمدرسة العليا للدراسات السينمائية، مع القيام بعدد من التدريبات في مجال السينما، قبل أن تؤسس، مع شقيقتها ليلى ومحمد زيان، أول شركة مغربية للإنتاج السينمائي، وكانت باكورة أعمالها «جرح في الحائط»، أول فيلم طويل يخرجه الجيلالي فرحاتي.
عرف عن بنليزيد امتلاكها أكثر من وتر واحد تعزف عليه، ومن ذلك إخراجها أشرطة وثائقية مثل «هوية امرأة» لفائدة «القناة التلفزيونية العمومية الفرنسية (إف إر 3)»، استعرضت فيه حياة المهاجرات المغاربيات في فرنسا، وكتابتها سيناريو «عرائس من قصب» (1981) للجيلالي فرحاتي.
كانت رغبة بنليزيد قوية جداً في أن تصنع أفلاماً وأن تستمر في الكتابة انطلاقاً من بلدها؛ المغرب، لذلك استقر بها المقام في طنجة، حيث تحب أن تكتب السيناريو، والقصص القصيرة، والمقالات والأعمدة للصحف والمجلات الإسبانية والفرنسية والمغربية، بل وكتبت أيضاً مسرحية، تحت عنوان: «سبّب يا عبدي وأنا نْعينك».
بعد كتابتها عدداً من سيناريوهات الأفلام لسينمائيين مغاربة، بينها «باديس» (1989) و«البحث عن زوج امرأتي» (1995) لمحمد عبد الرحمن التازي، ستبدأ بنليزيد مسيرتها في الإخراج، بداية مع «باب السما مفتوح» (1988)، الذي يعكس صورتها؛ إذ بقدر ما نهل من الأدب الفرنسي والثقافة العربية المكتوبة والشفاهية، تشبع من النصوص الروحية للإسلام. كما أنتجت بنليزيد أفلاماً وثائقية قصيرة، في مالي (أميناتا تراوري... امرأة من منطقة الساحل) عام 1993، ويتحدث عن عولمة بديلة، والمغرب، حيث أنتجت أفلاماً تلفزيونية وأفلاماً سينمائية قصيرة ووثائقية للقنوات المغربية، كما أخرجت فيلم «على الشرفة» (1995)، احتفاء بمئوية السينما، وهو فيلم قصير يتحدث عن فتاة صغيرة من شمال المغرب تكتشف سحر السينما.
في 1999، أنتجت بنليزيد «كيد النسا»؛ فيلمها الروائي الطويل الثاني، المستوحى من موروث الحكايات الشعبية، ثم «الدار البيضاء يا الدار البيضاء» (2002)، قبل أن تقتبس رواية لأنخيل فاسكيرز في فيلمها «خوانيتا بنت طنجة» (2006).
بعد فيلمها التلفزيوني «سْتر ما سْتر الله» (2020) للقناة المغربية الثانية، وقبله الفيلم الوثائقي «كازا نايضة» (2007) عن ثقافة الـ«هيب هوب» في أوساط الشباب المغربي، أخرجت بنليزيد أفلاماً وثائقية أخرى، منها «حدود وحدود» (2013)، و«تامي التازي... إبداعات على مر الزمن» (2013)، وسلسلة من 10 أفلام وثائقية عن الرقص والموسيقى الأمازيغية في القرى النائية لجبال الأطلس (2014 - 2015)، والفيلم الوثائقي «عرس أمازيغي على نهر أنيرغي» (2016)، ثم كتابة سيناريو فيلم/ سيرة ذاتية «فاطمة المرنيسي... السلطانة التي لا تنسى» (2022) لمحمد عبد الرحمن التازي، بعد كتابة سيناريو فيلم وثائقي عن فاطمة المرنيسي عنوانه: «على خطى فاطمة المرنيسي».
في وقت لاحق تم تعيينها عضواً في «اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد (2019 - 2021)»، التي عهد إليها اقتراح رؤية تستهدف تحقيق تنمية مبتكرة في المغرب، وتمنح مكانة خاصة للمساواة بين الجنسين ولأهمية ودور الثقافة في المجتمع.
ويعرض المهرجان لبنليزيد، بمناسبة تكريمها، 4 أفلام، هي: «باب السما مفتوح» (1988)، و«كيد النسا» (1999) و«خْوانيتا بنت طنجة» (2005) و«حدود وحدود» (2013).
وتختتم فعاليات مهرجان مراكش غداً السبت؛ ويتميز، في دورة هذه السنة بعرض 76 فيلماً من 33 دولة، ضمن فقرات «المسابقة الرسمية»، و«العروض الاحتفالية»، و«العروض الخاصة»، و«القارة الحادية عشرة»، و«بانوراما السينما المغربية»، و«سينما الجمهور الناشئ»، و«عروض ساحة جامع الفنا»، و«التكريمات»، فضلاً عن فقرة خاصة بالحوارات، مع أسماء معروفة في السينما العالمية: نجم بوليوود رانفير سينغ، والممثلة الفرنسية مارينا فويس، والمخرج الفرنسي ليوس كاراكس، والممثلة والمخرجة الفرنسية جولي ديلبي، والمخرجة الفرنسية جوليا دوكورنو، والمخرج والشاعر الأميركي جيم جارموش، والمؤلف الموسيقي الفرنسي - اللبناني غبريال يار، والممثل البريطاني جيريمي أيرونز، والمخرج الإيراني أصغر فرهادي، والمخرج السويدي روبن أوستلوند.