انطلاق أسبوع «الهوت كوتير» بباريس لربيع وصيف 2016

يتزامن هذا الموسم مع مزاد «سوذبيز» لمجموعة نادرة لأشهر مصممي القرن العشرين

من عرض «رالف أند روسو»  -  من عرض «جيامباتيستا فالي»
من عرض «رالف أند روسو» - من عرض «جيامباتيستا فالي»
TT

انطلاق أسبوع «الهوت كوتير» بباريس لربيع وصيف 2016

من عرض «رالف أند روسو»  -  من عرض «جيامباتيستا فالي»
من عرض «رالف أند روسو» - من عرض «جيامباتيستا فالي»

ينطلق اليوم أسبوع الـ«هوت كوتير» بباريس، وعلى مدى خمسة أيام سنتابع أغلى وأجمل ما يمكن تصوره من أزياء وإكسسوارات أبدعها خيال نحو 11 مصمما، وسهرت على تنفيذها أياد ناعمة يقدر عددها بـ2.200 خياطة، تشعر كل واحدة منهن بالفخر بانتمائها إلى هذا النادي ولو في الجهة الأخرى، وكأنهن جنديات مجهولات. أكثر ما يميزهن وفاؤهن لبيوت الأزياء أو الورشات التي يعملن فيها، إذ تقضي الواحدة منهن حياتها العملية مع دار واحدة من الصبا إلى سن التقاعد، دون تذمر بل تعتبر نفسها محظوظة. ومن البديهي أن هذه الأنامل لم تتوقف في الأسابيع الأخيرة عن صياغ وتجسيد ما تخيله المصممون، في أشهر الورشات، مثل «لوساج» للتطريز، «ماسارو» للأحذية، «كوس» للقفازات، «لوماريه» للريش وهلم جرا، فكل جزئية من فستان أو بنطلون أو قميص أو تنورة صنعت في ورشة معينة قبل أن تنتقل إلى أخرى وتنتهي على منصات العرض.
الترجمة الحرفية لـ«الهوت كوتير» هي (الخياطة الرفيعة)، أما معناها الحقيقي فهي فن صناعة الأزياء الراقية. فقد تستغرق القطعة الواحدة آلاف الساعات لترصيعها أو تطريزها باليد مما يجعلها فريدة لا مثيل لها في كل أنحاء العالم. كما لا يمكن لأي مصمم كان أن يشارك في البرنامج الرسمي للأسبوع، فقط لأنه شعر بالرغبة في ذلك أو له الإمكانيات المادية لتنظيم عرض فخم قد يكلف ما لا يقل عن 200 ألف جنيه إسترليني. صحيح أن هناك مصممين يعرضون على هامشه حتى يكسبوا صفة العالمية، إلا أن «لاشومبر سانديكال» الجهة المنظمة والمشرفة على الموضة الفرنسية لا تعترف بهم، وتضع شروطا قاسية لا تحيد عنها قبل قبولهم. من هذه الشروط ضرورة أن تكون للمصمم خبرة وتجربة في مجال تفصيل الأزياء على المقاس تحديدا، وأن تكون له زبوناته المخلصات، بالإضافة إلى ورشة أو معمل في باريس يوظف نحو 20 شخصا، وأخيرا وليس آخرا أن تكون له القدرة على تقديم تشكيلتين في السنة، واحدة في يناير (كانون الثاني) والثانية في يوليو (تموز)ز. ولا يزال لحد الآن أشهر الأسماء المشاركة في الأسبوع هي شانيل، وديور، وجيورجيو أرماني، وجون بول غوتييه، وستيفان رولان، وإيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، ورالف أند روسو، ودار فالنتينو، علما أن هذه الأخيرة ستغيب عن باريس هذا الموسم لتعرض في مسقط رأسها، روما.
الـ«هوت كوتير» دائما تنجح في فتح ذلك الملف القديم الذي يتساءل فيه البعض عن مدى جدواها ومناسبتها للعصر، خصوصا وأن الكثير من متذوقاتها الأميركيات قل عددهن، بعد أن غيب الموت أغلبهن، عدا أنها، تاريخيا، ومنذ بدايتها في القرن التاسع عشر، ترتبط بسيدات البلاطات في باريس وأوروبا اللواتي كن يحتجنها للتميز عن باقي الطبقات الاجتماعية من جهة، وحتى لا تحضر الواحدة منها نفس المناسبة بنفس الفستان.
المتحمسون في المقابل يجيبون بأن «الهوت كوتير» تعيش عصرا ذهبيا جديدا. فظهور متذوقات شابات وثريات أنعشها وعوض النقص الذي خلفه الجيل السابق، خصوصا وأنهن يتمتعن بإمكانيات عالية تجعلهن لا يولين أسعارها النارية أي انتباه. فالمهم بالنسبة لهن هو التفرد والفخامة وهذا ما يحصلن عليه لقاء 8 آلاف جنيه إسترليني لقطعة بسيطة للنهار ومئات الآلاف لفستان عرس أو سهرة. ولا يقتصر التفرد على التصميم أو التطريز والترصيع، بل أيضا على نوعية الأقمشة وتقنيات الرسم عليها وما شابه من أمور فنية. لا ينكر أي متابع لتاريخها بأنها كانت في فترة من الفترات مجرد «بريستيج» وأداة إبهار لبيع العطور وباقي المنتجات، إلا أنها اكتسبت قوة ذاتية في السنوات الأخيرة وبدأت تحقق الأرباح، وليس أدل على هذا من دار «فرساتشي» التي تعرضت للكثير من النكسات أدت إلى إغلاق هذا الجانب بعد مصرح مؤسسها جياني فرساتشي، لكن عادت إليه منذ بضع سنوات بعد أن لمست مدى الإقبال عليه وتنامي طبقات جديدة متعطشة لكل ما هو فريد ومتميز. وبالفعل حققت النجاح وسجلت مبيعاتها ارتفاعا بنسبة 50 في المائة هذا العام مقارنة بعام 2014، كما تتوقع دار «شانيل» ارتفاعا في مبيعاتها لعام 2015. سيدني توليدانو، الرئيس التنفيذي لدار «ديور» كان من أوائل من تغنوا بهذا النجاح منذ أن التحق المصمم البلجيكي الأصل، راف سيمونز بالدار، حيث استقطب زبونات جديدات وشابات من كل أنحاء العالم، بفضل لمساته العصرية بعد نجاحه في إنزال الـ«هوت كوتير» من برجها العاجي، أو بالأحرى بعد أن خفف من دراميتها المسرحية وجعلها تبدو راقية ومتميزة ويمكن استعمالها في كل المناسبات.
بيد أننا لا يجب أن ننسى أن الأسبوع هو استعراض للفنية والخيال، كما أنه مختبر للأفكار التي تتقاطر إلى باقي القطاعات فيما بعد وتنعكس عليها، وهذا ما يجعل كل ما يُعرض طوال الأسبوع بمثابة لوحات أو تحف فنية يزيد سعرها مع مرور الزمن، ويمكن أن تباع في المزادات بالملايين، بدليل مزاد دار «سوذبيز» القادم بعنوان «رونكونتر كوتير أ باري» أي (لقاءات الكوتير في باريس) الذي ستعرض فيه مجموعة كبيرة من الأزياء لكبار مصممي القرن العشرين، من «شانيل»، و«إيف سان لوران» إلى و«ديور»، عز الذين علايا، «لانفان»، «سكياباريللي» وغيرهم. وكانت هذه الأزياء ملكا لديدييه ليدو، أحد أشهر مقتنيي الهوت كوتير بباريس. وقد سبق له أن أعلن سابقا أنه لن يتخلى عن أي من مقتنياته القيمة إلا أنه تراجع عن قناعته وقرر طرح مجموعة قال إنه «انتقاها بدقة لتبرز جماليات الخياطة وفنيتها التقنية وتفاصيلها الدقيقة، ستطرح في المزاد في الـ8 من الشهر الحالي». أي في عز أسبوع «الهوت الكوتير»، حتى يُمكن لضيفات الأسبوع وزبونات «الهوت كوتير» من حضوره، والاستمتاع بهذه الأزياء عن قرب ابتداء من الآن.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».