شهد نحو 40 مدينة إيرانية إضرابات واسعة النطاق، في وقت أصدر فيه القضاء الإيراني 3 أحكام إضافية بالإعدام بحق موقوفين، ليرتفع إلى 5 عدد العقوبات القصوى المرتبطة بأحدث احتجاجات عامة تعصف بالبلاد منذ 9 أسابيع في أعقاب وفاة مهسا أميني .
وأظهرت مقاطع مصورة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، الأربعاء، محال مغلقة في مناطق عدة بالعاصمة طهران، بموازاة تجمعات وإضرابات في غالبية المحافظات الإيرانية الـ31، وامتدت الاحتجاجات إلى سوق الحديد في طهران. ويمكن سماع صوت وابل من الرصاص في سوق الحديد؛ وفق ما تظهر تسجيلات الفيديو. وتصاعد الدخان في بعض مناطق السوق. وانتشر عدد كبير من قوات الأمن في محيط السوق. وذلك في وقت واصل فيه عمال «شركة أصفهان للحديد» إضراباتهم لليوم الثاني على التوالي.
وأفاد صحافيون على «تويتر» بأن قوات الأمن اشتبكت مع المحتجين بالقرب من المسرح الرئيسي للعاصمة. واستخدمت الشرطة كرات الطلاء وبنادق الخردق لتفريق المتظاهرين.
وأظهر تسجيل فيديو نشره موقع «1500 تصوير»، الأربعاء، عشرات المتظاهرين وهم يهتفون حول نار في طهران ليلاً: «سنقاتل! سنموت! سنستعيد إيران!». وفي فيديو آخر أُعيد نشره مرات عدة بدا عناصر من قوات الأمن يطلقون النار من منصة مترو تحت الأرض على أشخاص على الرصيف المقابل، ما تسبب في صراخ وسقوط الأشخاص المستهدفين.
في محافظة كردستان الإيرانية؛ التي تتحدّر منها مهسا أميني، «قُتل 3 أشخاص برصاص قوات الأمن الحكومية؛ اثنان في سنندج وواحد في كامياران»، وفق ما قالت منظمة «هنغاو» الحقوقية غير الحكومية. وقالت «شبكة حقوق الإنسان في كردستان» إن 15 شخصاً على الأقل جرحوا في كامياران.
في الأثناء، أعلن الإعلام الرسمي الإيراني عن مقتل 4 وجرح 5 في «هجوم إرهابي» بمدينة إيذه (إيذج) في شمال الأحواز.وقالت وكالة «أيسنا» الحكومية إن مسلحين في سيارة فتحا النار على الناس، مشيرة إلى مقتل طفل وامرأة وثلاثة رجال. وقالت إن أثنين من أعضاء الباسيج قتلا في الحادث. وقالت وسائل إعلام «الحرس الثوري» إنهما يستغلان دراجة نارية. ويأتي هذا الإعلان الحكومي في وقت أظهرت فيه تسجيلات فيديو مسيرات حاشدة بالمدينة. ويظهر أحد تسجيلات الفيديو إلقاء مقذوفات «مولوتوف» على مكتب ممثل المرشد الإيراني في المدينة. ووفق الرواية الحكومية؛ أطلق اثنان، يستقلان دراجة نارية، النار من سلاحي «كلاشينكوف» على ميليشيات «الباسيج والناس في سوق (إيذه) المركزي».
وكانت قد أُطلقت دعوة للاحتجاج من الثلاثاء إلى الخميس لإحياء الذكرى الثالثة لبدء تحركات «آبان الدموي» - أو «نوفمبر الدامي» - عندما أدت زيادة مفاجئة في أسعار الوقود إلى احتجاجات دامية في إيران.
وقُتل ما لا يقلّ عن 342 متظاهراً خلال حملة قمع الاحتجاجات الأخيرة، وفق حصيلة جديدة نشرتها، الأربعاء، «منظمة حقوق الإنسان في إيران» ومقرها أوسلو. وتشمل الحصيلة الصادرة عن هذه المنظمة القتلى في محافظة بلوشستان (جنوبي شرق) المتاخمة لباكستان، والذين لا يقلّ عددهم عن 123 قتيلاً؛ وفقاً لأرقامها. ووفق المنظمة؛ أُوقف ما لا يقلّ عن 15 ألف شخص على خلفية المظاهرات. ولم تقدم السلطات الرسمية أي إحصائية لعدد القتلى.
وشهد ليل الثلاثاء - الأربعاء مناوشات عنيفة عقب محاولة قوات الأمن تفريق المتظاهرين في مدن ايرانية عدة بعدما أغلق المحتجون طرقات ورشقوا عناصر الأمن بالحجارة، فيما كان متظاهرون يحتجّون بمناسبة مرور 3 أعوام على قمع دامٍ لسلسلة من المظاهرات انطلقت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 على خلفية ارتفاع أسعار الوقود.
ووفق موقع «1500 تصوير»؛ «أُجبرت» أسر ضحايا قمع مظاهرات عام 2019 على «إلغاء المراسم (إحياء الذكرى) بعد تهديدات أو ضغوط من السلطات»
وأفادت وكالة الأنباء الرسمية «إرنا» بأن 3 من «المدافعين عن الأمن» قتلوا في مدن مختلفة الثلاثاء. وأشارت وكالة «إرنا» إلى أن 110 أشخاص آخرين؛ بمن فيهم 18 امرأة، أُوقفوا الثلاثاء في محافظة فارس الجنوبية.
والأربعاء، أفادت وكالة «ميزان»، الناطقة باسم القضاء الإيراني، بأن محكمة «الثورة» أصدرت 3 أحكام بالإعدام ضد موقوفين خلال المسيرات المناهضة للنظام، التي تسميها وسائل الإعلام الحكومي «أعمال شغب». وأوضح الموقع أن أحدهم؛ وجهت إليه تهم عدة أبرزها «الإفساد في الأرض»، حُكم عليه بالإعدام على خلفية دهسه عدداً من أفراد الشرطة بسيارته، ما أدى إلى وفاة أحدهم وإصابة آخرين. وقام آخر بطعن أحد عناصر قوات الأمن بسلاح أبيض وحُكم عليه لإدانته بـ«الحرابة»، ومثله شخص ثالث حاول قطع الطريق وتسبب في أضرار بممتلكات عامة ووُصف بأنه من «قادة الشغب»؛ وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال وزير الداخلية، أحمد وحيدي، للتلفزيون الرسمي: «اعتُقل أشخاص من جنسيات أخرى في أعمال الشغب؛ لعب بعضهم دوراً كبيراً. كانت هناك عناصر من وكالة المخابرات الفرنسية، وسيجري التعامل معهم وفقاً للقانون».
ورداً على سؤال حول رعايا أجانب اعتُقلوا في الأحداث الأخيرة، قال وحيدي: «في أعمال الشغب، اعتُقل أشخاص من جنسيات أخرى، بعضهم لعب دوراً كبيراً. عناصر من المخابرات الفرنسية وعناصر مرتبطة بـ(داعش) اعتُقلوا في أعمال الشغب الأخيرة».
وقال مدير «منظمة حقوق الإنسان في إيران» محمود أميري مقدم: «لا يسمح للمتظاهرين بالاتصال بمحامين أثناء الاستجواب، ويتعرضون للتعذيب الجسدي والنفسي لانتزاع اعترافات كاذبة، ويحكم عليهم بناء على هذه الاعترافات من قبل المحاكم الثورية». وندّد بإعدام متظاهرين، عادّاً أن ذلك من سمات «نظام قمعي»، مُعبّراً عن خشيته من «إعدامات جماعية».
ولم تُسجّل التحركات تراجعاً رغم استخدام النظام الإيراني القوة المفرطة لمواجهة ما تقول جماعات حقوقية إنهم متظاهرون سلميّون إلى حد كبير، وحملة اعتقالات جماعية استهدفت ناشطين وصحافيين ومحامين.
وتحولت المظاهرات الحالية إلى أزمةِ شرعية بالنسبة إلى النخبة الدينية التي تولت السلطة بعدما أطاحت ثورة 1979. وتتهم طهران؛ التي قالت إن وفاة أميني كانت نتيجة ظروف صحية كانت تعاني منها بالفعل، دولاً غربية بإذكاء الاضطرابات لزعزعة نظام الحكم. ولا يصدق الرواية الرسمية إلا عدد قليل من الإيرانيين.