كمال منور: الغرب غيّر نظرته نحو الخليج بفضل انتعاش المشهد الثقافي

يرأس أربعة غاليريهات فنية باريسية هي بمثابة «مغارة علي بابا»

كمال منور
كمال منور
TT

كمال منور: الغرب غيّر نظرته نحو الخليج بفضل انتعاش المشهد الثقافي

كمال منور
كمال منور

من ابن مهاجر بسيط، تمكن كمال منور في ظرف عقدين من الزمن من احتلال مكانة مرموقة على الساحة الفنية الفرنسية. وهو حالياً على رأس أربعة غاليريهات فنية باريسية هي بمثابة «مغارة علي بابا» وواجهة رسمية لأعمال أشهر مبدعي الفنون التشكيلية المعاصرة في العالم دانيال بيرن، دوغلاس غوردن، فرانسوا مورولي وأنيش كابور، وأيضاً أعمال لشباب واعدين أمثال كامي هنرو، لطيفة الشخش، ومحمد بورويسة. التقيناه في مكتبه في باريس بين رحلتين للمشاركة في تظاهرات ثقافية فنية بين الرياض وأبوظبي، وكان لنا معه هذا الحوار:

> تشهد دور العرض الفنية عودة قوية بعد أن مرت بفترة ركود خلال الأزمة الصحية، إلى أي حد تستطيع هذه الفضاءات المساهمة في إنعاش الحياة الثقافية مقارنة بالمتاحف مثلاً؟
- أولاً الغاليري أو معرض الفن خلافاً للمتحف فضاء ثقافي مفتوح للجميع، وما على الشخص الذي يريد أن يستمتع بالتحف والأعمال الفنية ويوسع دائرة ثقافته إلا أن يدفع الباب ويدخل ولن يُطلب منه شيء لأنها مجانية عكس المتحف أو «البينالي» الذي غالباً ما يطلب من الزوار دفع ثمن تذاكر الدخول، كما أن ميزتها مقارنة بالمؤسسات الأخرى هي أنها تدون انطباعات فنانين من أوقاتنا المعاصرة وتعرض خلاصة إبداعاتهم وهم أحياء يرزقون عكس المتاحف مثلاً التي غالباً ما تكرم المبدعين ممن فارقوا عالمنا... وإضافة إلى أنها تمنح تشكيلة متنوعة من الفنون الإبداعية من فن تشكيلي وبلاستيكي ورسم وتصوير جداري وفوتوغرافي، فإن الأعمال المعروضة تعكس انشغالات المجتمع وهموم الواقع المَعيش في الوقت الراهن، وليس في الماضي.
> ومع ذلك، ورغم أهمية الغاليريهات في المشهد الثقافي، فإنها تبقى عرضة لمفاهيم خاطئة فهناك من يعتبرها نوادي مغلقة لنخبة قليلة من المحظوظين، وهناك من يعتبرها قاعات تعرض خربشات عبثية باهظة الثمن لا يتردد عليها إلا الأغنياء وميسورو الحال... كيف تردون على ذلك؟
- حين بدأت نشاطي منذ أكثر من عشرين سنة مضت كنت مبهوراً بعالم الفن التشكيلي والمعارض الفنية وإنتاجات المبدعين، وفي نفس الوقت شديد القلق تنتابني مشاعر الضيق والإحباط، وكنت أسأل نفسي عما إذا كنت قد اخترت الطريق الصحيح؟ كنت أعيش بهذه العقدة يومياً.... هل أستطيع أنا ابن المهاجر الجزائري البسيط، خريج جامعة الاقتصاد أن أفرض نفسي وسط هذه النخبة المختارة؟ كنت أفتقد الثقة لأنني ببساطة لم أكن أشعر بالانتماء لهذه الفئة... وفعلاً في حقبة ثمانينات وتسعينات القرن الماضي كان البعد النخبوي لهذه الفضاءات الثقافية حاضراً بقوة. اليوم ما نلاحظه هو أن الأمور تغيرت كثيراَ... تعالَيْ معي إلى أي غاليري باريسي وسترين أن الجمهور الذي يزور هذه الفضاءات الثقافية تنوع بشكل كبير، فهو مزيج من مختلف الأوساط الاجتماعية، فهناك الطلبة والأساتذة والمتقاعدون والعمال. ولعلمك الكثير من هؤلاء لا يقتنون شيئاً من المعارض بل يكتفون بالاستمتاع بالتحف فقط. ومن يشتري هذه القطع في الأخير هم عدد قليل من المجمعين الخواص وهم يشكلون أقل من في واحد في المائة من الزوار، هذا لا يمنع هذه الأغلبية البسيطة من الاستمتاع بمتابعة كل ما هو جديد في هذا المجال دون أن يكلفها ذلك شيئاً.
> تداعيات الجائحة على المجال الثقافي كانت كارثية وكثير من المؤسسات لم تخرج من هذه الأزمة سالمة، فماذا عن غاليريهات الفن، كيف واجهتم هذه الأزمة؟
- هذه الفترة كانت فعلاً صعبة، ولكننا ولحسن الحظ تلقينا مساعدات حكومية تمثلت في ضمان القروض ودفع منح البطالة للمتعاونين الذين اضطروا لوقف نشاطهم بسبب الحجر. وأنا شخصياً أعتقد أن لهذه الفترة إيجابياتها أيضاً فقد سمحت لنا بالتركيز على أنفسنا. فالناس عامة مأخوذون في دوامة الحياة يركضون لاهثين في كل النواحي ليل نهار... هذه الأزمة جعلتنا نتوقف قليلاً لنسلط اهتمامنا على ما هو مهم: الصحة وحب الأهل.
> المعروف أنك تدير أربعة من أهم غاليريهات الفن التشكيلي في باريس واكتشفت بنفسك عدة مواهب أصبحت أسماءً لامعة في هذا المجال كالفنانة كاميي هونرو أو محمد بورويسة فما هو السر؟ هل هي «حاسة سادسة» تمكنك من التنبؤ بالمواهب المستقبلية؟
- ليست هناك وصفة معينة، أنا أسافر كثيراً، وأتحدث كثيراً مع المبدعين شباباً أو كهولاً، ومن مختلف الجنسيات، أطلع على رؤاهم الفنية وإنتاجاتهم وشيئاً فشيئاً أصل إلى تكوين فكرة عن قدرات وإمكانات المبدعين. وهو أكثر من مجرد الحدس فأنا حين أقرر فتح أبواب مؤسساتي لفنان ما فلأنه موهوب، ويظهر جدية في العمل وعزيمة واستعداداً للتعاون معي.
> بحكم نشاطك واحتكاكك الدائم بالمبدعين، ماذا تعلمت عنهم؟
- المبدعون يعلموننا التحليق عالياَ، يعلموننا الجرأة والتفاؤل. وهم بحسب تجربتي معهم نوعان: من يقدم رؤية واضحة يسهل التنبؤ بها، ومن يستخدم أساليب متميزة سواء في المواد المستخدمة أو في طريقة العرض أو في الإشكاليات المطروحة، وهي ليست بالضرورة رؤية يتفق عليها الجميع لأنها كتابة جديدة، نحن في مؤسساتنا نرعى الفريق الثاني الذي يقدم أعمالاً لم يسبقه إليها وهو ما يجعله متميزاً بكل المعايير.
> حدثنا عن مشوارك المهني... كيف وصلت لإدارة أهم دور عرض الفن التشكيلي في باريس؟
- بعد شهادة في الاقتصاد بدأت العمل عام 1999 في غاليري صغير لا يتعدى 50 متراً مكعباً في شارع سان جيرمان دي بري. وقتها كنت متخصصاً في فن التصوير، وشيئاً فشيئاً توجهت نشاطاتنا نحو الفن التشكيلي، حتى أصبحنا اليوم مؤسسة مهمة في المشهد الفني الفرنسي، فنحن نمثل أكثر من 40 فناناً ونسلط الضوء على أعمالهم من خلال المعارض الموزعة في أربعة غاليريهات باريسية، ولكن أيضاً من خلال المشاركة في عدة تظاهرات داخل وخارج البلاد. وصلنا في نشاطنا لمرحلة النضج بعد عشرين سنة من المثابرة. في المستقبل إذا كتبت لي الصحة وطول العمر أنوي توسيع دائرة نشاطنا نحو مزيد من تاريخ الفن؛ ولذا فقد التحقت بفرقة المعرض المديرة السابقة لمتحف «أورسي» السيدة سيلفي باتري وهي شخصية مهمة على الساحة الفنية الفرنسية.
> ما توقعاتك بخصوص مستقبل الفن التشكيلي؟ هل أنت متشائم بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية والسياسية الحالية؟
- ككل مجالات الحياة فإن الأزمة طالت سوق الفن أيضاً، لا حظنا ذلك في الفترة الأخيرة حيث هجر هواة الفن الشكيلي قاعات العروض إلى الشبكة العنكبوتية التي أصبحت تعرض وتبيع التحف والقطع الفنية أيضاً، وهي ليست مشكلة بحد ذاتها، فما تغير هو طريقة التواصل، وقد بدأنا نتأقلم مع تغيرات العصر لأن الجمهور أصبح عالمياً. لكن الجديد هو أن التشاؤم أصبح ميزة العصر... كل شيء أصبح يبدو صعباً: اقتصادياً واجتماعياً ومادياً ونفسياً وكأن العالم كله على حافة هاوية. وبين أخبار الحروب والتضخم وتسريح العمال يبقى الفن مهماً تحديداً لأنه المتنفس الوحيد الذي يلجأ إليه الناس للترويح عن أنفسهم.
> هل تتابع تطور المشهد الثقافي والفني في منطقة الخليج؟
- المشهد الثقافي في هذه المنطقة من العالم يشهد تطوراً ملحوظاً. وبحكم نشاطي في هذا المجال لاحظت القفزة العملاقة التي حققتها دول هذه المنطقة في السنوات العشر الأخيرة، بين المتاحف الكثيرة التي رأت النور والتظاهرات الثقافية المتنوعة والسياسات الثقافية المشجعة لهذه المبادرات. التطور كان باهراً وكعنصر مشارك فعال في المشهد الفني الغربي لاحظت أيضاً تغير نظرة الغرب الذي كان في السابق يربط هذه المنطقة بالبترول والثروات الطبيعية فقط، وهو اليوم يصحح معتقداته بفضل انتعاش المشهد الثقافي والفني وكل هذه الديناميكية الإيجابية.
> كلمة حول مشاركتكم في مهرجان «نور للرياض»؟
- «غاليري كمال منور» دُعيت للمشاركة في مهرجان «نور الرياض» المستمر حتى 19 نوفمبر (تشرين الثاني)؛ ولذا فقد قدمنا إليها بمجموعة من أهم الفنانين أمثال دنيال بيرن وأليسيا كواد ودوغلاس غوردن وفرانسوا مورلي وهم معروفون على الساحة العالمية. وعكس ما كان مشاعاً في بعض وسائل الإعلام فلم نتلق أي ضغوط بشأن المحتوى الذي سنقدمه، بل على العكس من ذلك فالترحيب والتنظيم كانا في القمة، وشعرنا بأن السلطات السعودية تبذل جهوداً حثيثة لدفع البلاد لأن تصبح وجهة سياحية وثقافية جديدة في المنطقة.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

طباخ بريطاني يحثّ سارقيه على التبرّع بالطعام المسروق للمحتاجين

الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)
الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)
TT

طباخ بريطاني يحثّ سارقيه على التبرّع بالطعام المسروق للمحتاجين

الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)
الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)

قال تومي بانكس، الذي يمتلك مطعمين حائزين على نجمة ميشلان لجودة الطعام، وحانة في مقاطعة يوركشاير الإنجليزية الشمالية، إن أحد موظفيه اكتشف اختفاء شاحنة للعمل، وفي داخلها حمولتها من شرائح اللحم والديك الرومي وغيرها من المأكولات والمشروبات المخصصة لسوق عيد الميلاد في مدينة يورك البريطانية.

وقُدرت قيمة الطعام بنحو 25 ألف جنيه إسترليني (32 ألف دولار)، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وقال بانكس إن الشاحنة كانت مؤمنة، لكنه ناشد لصوص الشاحنة عدم ترك الطعام يضيع. وفي مقطع فيديو على «إنستغرام»، اقترح أن يتخلصوا من الفطائر في مركز مجتمعي أو مكان آخر.

قال: «أعلم أنك مجرم، ولكن ربما عليك أن تفعل شيئاً لطيفاً لأنها عطلة عيد الميلاد، وربما يمكننا إطعام بضعة آلاف من الناس بهذه الفطائر التي سرقتها. افعل الشيء الصحيح».

صورة غير مؤرخة تظهر فطائر للطاهي البريطاني تومي بانكس (أ.ب)

تعد سرقة الفطائر أحدث سرقة للأطعمة التي تهزّ تجارة الأغذية في المملكة المتحدة. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، تم سرقة ما يقرب من 1000 عجلة من جبن الشيدر المصنوع يدوياً، والمغلفة بالقماش، التي تزن 22 طناً، وتقدّر قيمتها بـ300 ألف جنيه إسترليني (390 ألف دولار) من شركة «Neal’s Yard Dairy» في لندن، بواسطة محتال متنكر في هيئة موزع جملة لتاجر فرنسي كبير.

وعلى الرغم من مطاردة الشرطة البريطانية والدولية، ونداء من قبل الشيف التلفزيوني جيمي أوليفر، لم يتم العثور على الجبن. وتم القبض على رجل يبلغ من العمر 63 عاماً، واستجوابه من قبل الشرطة، لكن لم يتم توجيه اتهام إليه.