الرئيس الفرنسي: ما يحصل في إيران «ثورة» والقمع الجاري «غير مسبوق»

ماكرون يدافع عن اجتماعه برئيسي ويؤكد الاتصال به مجدداً في الأسابيع المقبلة

ماكرون في الإليزيه الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)
ماكرون في الإليزيه الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)
TT

الرئيس الفرنسي: ما يحصل في إيران «ثورة» والقمع الجاري «غير مسبوق»

ماكرون في الإليزيه الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)
ماكرون في الإليزيه الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)

تتجه العلاقات الفرنسية ــ الإيرانية المتوترة أصلاً إلى مزيد من التصعيد على خلفية مواقف باريس من التعاطي الإيراني الدموي مع المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية المتواصلة منذ وفاة الشابة مهسا أميني منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد ثلاثة أيام من اعتقالها واستقبال الرئيس إيمانويل ماكرون يوم الجمعة الماضي لأربع ناشطات إيرانيات، بالإضافة إلى ملفين اثنين؛ هما وضع المعتقلين الفرنسيين السبعة في السجون الإيرانية، والجمود المسيطر على المحادثات الخاصة بالملف النووي الإيراني ومماطلة طهران بالتجاوب مع مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأمس وللمرة الأولى، وصف ماكرون ما يجري في إيران بأنه «ثورة» واستخدم هذا التعبير عدة مرات، مشيراً إلى أن الشابات والشبان الذين يقومون بالحركة الاحتجاجية هم «أحفاد الثورة الذين يقومون بثورتهم» على نظام، كثيرون منهم «لم يعرفوا غيره من نظام». ووصف ماكرون العنف الذي تلجأ إليه أجهزة الأمن الإيرانية بأنه «غير مسبوق»، وأن ما يحصل حالياً «لم يسبق أن شهدت إيران مثيلاً له».
وأعرب الرئيس الفرنسي عن «إعجابه واحترامه ودعمه» للمحتجين الذين ينزلون إلى الشوارع «لأن معركتهم هي معركة القيم العالمية التي نؤمن بها وندافع عنها، وهم يتحملون من أجلها الكثير من المخاطر».
وفيما وافق وزراء الخارجية الأوروبيون، أمس، على فرض عقوبات إضافية على شخصيات إيرانية إضافية، قال ماكرون إن ما يدعو إليه مزدوج: من جهة، ردة فعل دبلوماسية متشددة ومن جهة ثانية المزيد من العقوبات على «شخصيات من النظام تتحمل مسؤولية ما يحصل» من قمع. وبرأيه، فإن المهم «استهداف الأشخاص الذين هم في قلب النظام ومنهم المسؤولون في الحرس الثوري الإيراني».
وأفاد ماكرون بأن العمل جارٍ، في إطار الاتحاد الأوروبي على استكمال لوائح الأشخاص الذين ستفرض عليهم عقوبات. وفي السياق عينه، أعلن أنه «لا يستبعد أي خيار»، فيما خص نزع عضوية إيران من مجلس حقوق الإنسان الذي يعقد اجتماعه المقبل في 24 الشهر الجاري في جنيف.
وبرأيه، فإن المهم «إيجاد آليات تتيح ملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم بحق المحتجين بشكل فعال، وأن يكون للأسرة الدولية موقف موحد لدعم الحراك». ولدى سؤاله عن مدى دعمه لوضع الحرس الثوري الإيراني على اللائحة الأوروبية للتنظيمات الإرهابي، تفادى ماكرون الإجابة المباشرة، مكتفياً بالقول إنه يتعين بحث المسألة مع تطور الأمور.
من جانبها، أشارت مصادر واسعة الاطلاع في باريس إلى أن جواب ماكرون يمكن أن يفهم بشكلين: الأول، الإعراب عن عدم معارضته لتدبير من هذا النوع الذي حذرت طهران منذ أسابيع الدول الغربية من اللجوء إليه باعتباره «خطاً أحمر» سوف يستدعي ردة فعل قوية من جانبها، والثاني، حرص الرئيس الفرنسي على المحافظة على خط التواصل قائماً مع السلطات الإيرانية لأكثر من سبب. بيد أن هناك تفسيراً آخر قوامه أن باريس لا تريد أن تكون في المقدمة وهي تمتنع عن التعبير عن موقف فردي وتفضل، عوضاً عن ذلك، رداً أوروبياً جماعياً تعتبره أكثر نجاعة. وفي أي حال، فإن كثيرين يبدون شكوكاً جدية إزاء تأثير العقوبات المتداولة على أداء السلطات الإيرانية التي ترى في الحراك الجاري تهديداً للنظام الذي يتعين الدفاع عنه بأي ثمن.
كان لافتاً للنظر أن ماكرون، في مضبطة الاتهام للنظام الإيراني، لم يشر إلى موضوع احتجاز طهران لسبعة مواطنين فرنسيين، فيما الاعتقاد السائد حتى الأسبوع الماضي أن عددهم خمسة. ولم تكشف الخارجية الفرنسية عن ظروف اعتقال مواطنين إضافيين ولا هويتهما. والمعروف أن باريس تنظر إلى ممارسات طهران على أنها «ابتزاز»، بل إنها وصفت الشهر الماضي مواطنيها المحتجزين بأنهم «رهائن دولة»، وأن ممارسات النظام أقرب «ديكتاتورية» الطابع، وبالتالي فإن هذا الملف يسمم إلى حد كبير العلاقات بين باريس وطهران ويعد أحد أسباب التشنج بينهما، ومنهم من يرى أنه يدفع بفرنسا لمواقف أكثر تشدداً إزاء طهران.
إذا كانت جهات كثيرة انتقدت الرئيس الفرنسي لاجتماعه، أواخر سبتمبر الماضي، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنظيره الإيراني بعد أربعة أيام على اندلاع المظاهرات، فإن ماكرون أكد أنه سيتحدث مجدداً مع إبراهيم رئيسي «في الأسابيع المقبلة» لأن «دور فرنسا اتباع الدبلوماسية الأكثر فاعلية».
وتصور باريس أن التعاطي مع إيران يجب أن يزاوج بين الضغوط بما فيها العقوبات من جهة والحوار من جهة أخرى. بيد أن ماكرون، رغم التزامه جانب الحذر، عبر عن تشاؤمه من إمكانية إعادة إحياء الاتفاق النووي مع طهران. فهو يرى صعوبة في «إمكانية توفير مقترحات جديدة» من شأنها إخراج المفاوضات المتوقفة من الطريق المسدود الذي وصلت إليه، وهذا معطوف على الوضع السياسي الداخلي الإيراني من زاوية أن الاحتجاجات «أضعفت» احتمال التوصل إلى إحياء الاتفاق بسبب تغيير المواقف.
والسبب الآخر معروف وهو أن آخر الطلبات التي تقدمت بها إيران وأبرزها إغلاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية هو ملف المواقع الثلاثة التي عثر فيها مفتشوها على آثار يورانيوم مخصب «يصعب التجاوب معها».
انطلاقاً من هذا المعطى، أكد ماكرون تمسكه بمقترحه القديم الداعي إلى استكمال الاتفاق النووي باتفاق آخر «يفرض رقابة على الأنشطة الصاروخية» لطهران وعلى «أنشطتها المزعزعة للاستقرار» التي تصيب لبنان والعراق وسوريا و«دولاً مجاورة أخرى». لذا، فإنه يطرح مجدداً فكرته الداعية إلى عقد «مؤتمر بغداد جديد» قبل نهاية العام، وقد أعرب الأردن عن الاستعداد لاستضافته بحيث يضم «دول الجوار مع تمثيل لإيران». بيد أن دعوة ماكرون لاتفاق استكمالي بخصوص الصواريخ وسياسة إيرانية الإقليمية رفضتها إيران قطعيا ولم تكن موضع مفاوضات طيلة الأشهر الطويلة التي استغرقتها اجتماعات فيينا.
وبحسب مصادر أميركية وفرنسية، فإن واشنطن تخلت سريعاً عن هذا المطلب وركزت اهتمامها على الملف النووي وحده وعلى كيفية إعادة إحيائه وشروط ذلك. ومن جانب آخر، لا يبدو أن إيران جاهزة للاستجابة لمطالب الوكالة؛ إذ إن اللقاءات الأخيرة التي استضافتها فيينا لم تسفر عن أي نتيجة ولا يرجح أن يحصل وفد الوكالة الذي سيزور إيران في الأيام المقبلة سيحصل على نتيجة رغم وعود طهران التي يرجح أن «ليونتها» مرتبطة باجتماع مجلس حكام الوكالة بعد غد الأربعاء، وهو النهج الذي درجت إيران على اتباعه.


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قال مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، إسماعيل قاآني، إن قواته انتقمت جزئيا من القوات الأميركية بطردها من المنطقة، مضيفا في الوقت نفسه «القدس ليست الهدف النهائي وإنما هدف وسط»، مشددا على ضرورة أن تجد إيران موقعها في انتقال القوة من الغرب إلى الشرق. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن قاآني قوله خلال اجتماع الجمعية العامة لطلاب الحوزات العلمية في قم إن «أميركا وإسرائيل وحتى الناتو و... تقوم بالتعبئة لتخريب إيران». وقال قاآني «مثلما قال المرشد فإن إيران من المؤكد لن تبقى بعد 25 عاماً، وهم (الإسرائيليون) يستعجلون ذلك».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)

تباين إيراني حول تقديرات تأثير غياب الأسد

قائد «الحرس الثوري» يتحدث أمام مؤتمر لقادة قواته أمس (إرنا)
قائد «الحرس الثوري» يتحدث أمام مؤتمر لقادة قواته أمس (إرنا)
TT

تباين إيراني حول تقديرات تأثير غياب الأسد

قائد «الحرس الثوري» يتحدث أمام مؤتمر لقادة قواته أمس (إرنا)
قائد «الحرس الثوري» يتحدث أمام مؤتمر لقادة قواته أمس (إرنا)

تباين مسؤولون وقادة عسكريون إيرانيون حول تقديرات تأثير سقوط نظام بشار الأسد على الجماعات المتحالفة مع طهران في المنطقة.

وقال رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، إنَّ سقوط الأسد «سيتسبب في اختلال في العمق الاستراتيجي للقوى المرتبطة بالجمهورية الإسلامية»، لكنَّه أشار إلى أنَّ «(حزب الله) في لبنان سيتمكّن سريعاً من التكيف مع الظروف الجديدة».

في المقابل، قلَّل قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي، مرة أخرى، من تأثير سقوط الأسد على نفوذ إيران الإقليمي خصوصاً صلاتها بجماعات «محور المقاومة». وقال سلامي لمجموعة من قادة قواته: «البعض يّروج لفكرة أنَّ النظام الإيراني قد فقد أذرعه الإقليمية، لكن هذا غير صحيح، النظام لم يفقد أذرعه». وأضاف: «الآن أيضاً، الطرق لدعم (جبهة المقاومة) مفتوحة. الدعم لا يقتصر على سوريا وحدها، وقد تأخذ الأوضاع هناك شكلاً جديداً تدريجياً».