في البحث عن إنخيدوانا أول مؤلفة معروفة في التاريخ

معرض في مكتبة مورغان بنيويورك عن نساء بلاد ما بين النهرين

منحوتتان من بلاد ما بين النهرين من حوالي 2112 - 2004 قبل الميلاد
منحوتتان من بلاد ما بين النهرين من حوالي 2112 - 2004 قبل الميلاد
TT

في البحث عن إنخيدوانا أول مؤلفة معروفة في التاريخ

منحوتتان من بلاد ما بين النهرين من حوالي 2112 - 2004 قبل الميلاد
منحوتتان من بلاد ما بين النهرين من حوالي 2112 - 2004 قبل الميلاد

كان صباحاً عشوائياً في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وكانت ذكرى إنخيدوانا تلقى المزيد من الزخم.
فجأة، تحولت الكاهنة القديمة من بلاد ما بين النهرين، التي توفيت قبل أكثر من 4000 سنة، موضوعاً ساخناً على الإنترنت فيما انتشرت الأنباء بأن أول مؤلف في التاريخ البشرية كان... امرأة؟
ربما كانت هذه أنباء قديمة لدى مكتبة ومتحف مورغان، حيث كان سيدني بابكوك، القيم القديم لآثار الشرق الأدنى العتيقة، على وشك تقديم جولة في معرضها الجديد «هي التي كتبت: إنخيدوانا ونساء بلاد ما بين النهرين، نحو 3400 - 2000 قبل الميلاد». لقد شعر بابكوك بسعادة غامرة من الاهتمام، وإن لم يكن مفاجئاً تماماً من قبل عامة الناس.
اسألوا الناس عن المؤلف الأول، ربما يقولون هومر، أو هيرودوت. قال: «ليس لدى الناس أدنى فكرة. إنهم ببساطة لا يعتقدون أنه يمكن أن يكون امرأة» - وأنها كانت تكتب لأكثر من ألف سنة قبل أي منهما، بأسلوب شخصي لافت للنظر.

قرص حجري يحمل اسم إنخيدوانا مكتوب برمز نجمي

تحتفي أعمال إنخيدوانا بالآلهة وبقوة الإمبراطورية الأكادية، التي حكمت عراق اليوم من حوالي عام 2350 إلى عام 2150 قبل الميلاد. هي تصف أيضاً أموراً دنيئة بالغة القسوة، بما في ذلك الإساءة التي لاقتها على يد كاهن فاسد، في أول إشارة إلى التحرش الجنسي في الأدب العالمي، كما يقول المعرض.
قال بابكوك، «إنها المرة الأولى التي يتقدم فيها شخص ما ويستعمل الصيغة المفردة للشخص الأول، ويكتب سيرة ذاتية. وهي تجربة عميقة بحق».
عُرفت إنخيدوانا منذ عام 1927، عندما اكتشف علماء الآثار العاملون في مدينة أور القديمة قرصاً حجرياً يحمل اسمها (مكتوباً برمز نجمي) وصورة، وعرفوها بأنها ابنة سرجون ملك أكاد، وزوجة إله القمر «نانا (سين)»، وكاهنة.
في العقود التالية، جُمعت أعمالها - نحو 42 ترنيمة كهنوتية وثلاث قصائد مستقلة، بما في ذلك «تعظيم الإنانا» - من أكثر من 100 نسخة باقية صُنعت على ألواح طينية.
في الوقت نفسه، أُعيد اكتشاف إنخيدوانا مراراً وتكراراً، ثم نسيانها، ثم اكتشافها مرة أخرى من قبل الثقافة الأوسع. في الخريف الماضي، أضيفت مخطوطة ««تعظيم الإنانا» إلى المنهج الأساسي بالسنة الأولى لجامعة كولومبيا. والآن هناك معرض مورغان، الذي يحتفل بتفردها، بينما يرسخها ضمن تاريخ عميق من النساء، ومحو الأمية، والسلطة التي تمتد تقريباً إلى أصول بلاد ما بين النهرين القديمة للكتابة نفسها.
يُعد المعرض، الذي يستمر حتى 19 فبراير (شباط)، مثل احتفالية العمل الأخير بالنسبة للسيد بابكوك، الذي يتقاعد العام المقبل، بعد حوالي ثلاثة عقود من العمل المتصل في «مؤسسة مورغان». بدأت الفكرة تتخلل تفكيره منذ حوالي 25 عاماً، كما قال، عندما رأى اسم إنخيدوانا على أسطوانة من اللازورد الأزرق الخاص بإحدى كتاباتها - وهي واحدة من خمس قطع أثرية وثقت اسمها بصورة مستقلة عن نسخ من قصائدها الشعرية.
وهو يرى أن معرض «هي التي كتبت» - الذي يجمع المقتنيات من 9 مؤسسات حول العالم - هو جزء من تاريخ «مورغان» الطويل للمعارض التي تدور حول كاتبات مثل ماري شيلي، وشارلوت برونتي، وإيميلي ديكنسون.

ملابس جنائزية من قبر بوابي، الملكة السومرية القديمة مع غطاء رأس مصقول من الذهب

في بلاد ما بين النهرين القديمة، كانت أختام الأسطوانات - المنحوتة غالباً بمشاهد مفصلة بشكل رائع - تُستعمل في لف الخاتم الفريد للمالك على وثيقة أنتجها الكتبة، مما يُثبت أصالتها.
قال بابكوك، «للمرة الأولى، لدينا صورة تُمثل شخصية مرتبطة بما تتحمل المسؤولية عنه».
عند دخول المعرض، يتوقف بابكوك (الذي نظم العرض مع إرهان تامور، زميل مجلس الأمناء في متحف متروبوليتان) أمام تمثال صغير من المرمر لامرأة جالسة يرجع إلى عام 2000 قبل الميلاد. كانت ترتدي الثوب المزخرف نفسه الذي يظهر في صورة إنخيدوانا على القرص المكتشف عام 1927، وله السمات المائية نفسها. ويوجد قرص مسماري على حجرها، كما لو كانت تتأهب للكتابة.

قصيدة «تعظيم الإنانا» المنسوبة إلى إنخيدوانا محفورة على لوح طيني

هل هي إنخيدوانا؟
قال بابكوك، «لن يسمح لي زملائي بالمضي قدماً لهذا الحد». لكن التمثال «يمثل بلا شك فكرة ما كانت تعنيه المرأة ومحو الأمية عبر الأجيال المتعاقبة».
يزعم المعرض أن العديد من المنحوتات المعروضة تصور أفراداً حقيقيين. قال بابكوك، «كانت هذه بداية التصوير». وعلى مدار جولة استمرت قرابة الساعتين، شرع وبشكل متكرر في قطع روايته ليتعجب من جمال هذا الشكل أو ذاك، وكأنه يرى صديقاً موهوباً في جميع أنحاء الغرفة.
يوجد في وسط المعرض عنصر من شأنه إشعال جنون المصورين في أي «ميت غالا» (حفل معهد الموضة الشهير بمتحف الميتروبوليتان): مجموعة ملابس جنائزية رائعة من قبر بوابي، الملكة السومرية القديمة التي عاشت حوالي عام 2500 قبل الميلاد، مع غطاء رأس مصقول ومُتقن من الذهب، وشرائط متتابعة من الأحجار شبه الكريمة.
لكن اللافت للنظر أيضاً، بالنسبة إلى بابكوك، هو دبوس الثوب الذهبي المعروض في مكان قريب، الذي كان سيضم التمائم والأختام الأسطوانية، مثل تلك المنحوتة من اللازورد الموجودة على جسد الملكة بوابي.

قطعة من المعروضات

عاشت إنخيدوانا بعد بوابي بثلاثة قرون، بعد صعود الأكاديين الذين وحدوا الناطقين باللغتين السومرية والأكادية. وبالمقارنة مع مجموعة الملكة بوابي، قد تبدو بقايا حياة إنخيدوانا باهتة.
غير أن مجد إنخيدوانا يكمن في كلماتها، التي يعالج بعضها المخاوف المعاصرة على نحو مذهل.
تساءل بعض العلماء عما إذا كانت إنخيدوانا كتبت القصائد المنسوبة إليها فعلاً. حتى وإن كانت شخصية حقيقية، فإنهم يزعمون أن الأعمال المكتوبة باللغة السومرية - والمعروفة فقط من نسخ صنعت بعد مئات السنين من حياتها - ربما كُتبت لاحقاً ثم نُسبت إليها، كوسيلة لتعزيز إرث الملك سرجون.
لكن سواء كانت إنخيدوانا مؤلفة فعلية أو رمزاً لأحد الكتبة المهرة، فإنها لم تكن وحيدة. إذ تضم المختارات الحديثة «كتابات المرأة لبلاد ما بين النهرين القديمة» ما يقرب من 100 ترنيمة، وقصيدة، ورسالة، ونقوش، ونصوص أخرى لمؤلفات من الإناث.
* «خدمة نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)
عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)
TT

ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)
عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)

ازدهرت ألحان وألوان من الموسيقى السعودية على مسرح «طوكيو أوبرا سيتي» بالعاصمة اليابانية، وشارك 100 موسيقي ومؤدٍ من الأوركسترا والكورال الوطني السعودي، في رسم لوحة جمالية، جمعت التراث بالثقافة وعذوبة المفردة الموسيقية السعودية.

وعزفت الأوركسترا والكورال الوطني السعودي، أجمل الألحان الموسيقية في ليلة استثنائية كان الإبداع عنوانها، وقدمت التراث الغنائي السعودي وما يزخر به من تنوع على مسرح «طوكيو أوبرا سيتي» بالعاصمة اليابانية، بحضور الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة الموسيقى، وعدد من المسؤولين ورجال الأعمال والإعلام وحضور جماهيري كبير.

‏وبدأت الليلة السعودية في اليابان، بجمالية الاستقبال بالقهوة السعودية لجمهور حفل روائع الأوركسترا السعودية في طوكيو، قبل أن ينطلق العرض الموسيقي الذي افتتحه باول باسيفيكو الرئيس التنفيذي لهيئة الموسيقى بالسعودية، وقال في كلمته خلال الحفل، إن النجاحات الكبيرة التي حققتها المشاركات السابقة لروائع الأوركسترا السعودية في العواصم العالمية، عازياً ما تحقق خلال حفلات روائع الأوركسترا السعودية إلى دعم وزير الثقافة السعودي رئيس مجلس إدارة هيئة الموسيقى.

100 موسيقي ومؤدٍ من الأوركسترا والكورال الوطني السعودي شاركوا في الليلة الختامية (واس)

وعدّ باسيفيكو «روائع الأوركسترا السعودية» إحدى الخطوات التي تسهم في نقل التراث الغنائي السعودي، وما يزخر به من تنوع إلى العالم عبر المشاركات الدولية المتعددة وبكوادر سعودية مؤهلة ومدربة على أعلى مستوى، مشيراً إلى سعي الهيئة للارتقاء بالموسيقى السعودية نحو آفاق جديدة، ودورها في التبادل الثقافي، مما يسهم في تعزيز التواصل الإنساني، ومد جسور التفاهم بين شعوب العالم عبر الموسيقى.

وبدأت «الأوركسترا الإمبراطورية اليابانية - بوغاكو ريو أو» بأداء لموسيقى البلاط الإمبراطوري الياباني، وهي موسيقى عريقة في الثقافة اليابانية، توارثتها الأجيال منذ 1300 عام وحتى اليوم. وأنهت الأوركسترا والكورال الوطني السعودي الفقرة الثانية من الحفل بأداء مُتناغم لـ«ميدلي الإنمي» باللحن السعودي، كما استفتحت الفقرة التالية بعزف موسيقى افتتاحية العلا من تأليف عمر خيرت.

حضور جماهيري كبير شهدته ليلة "روائع الأوركسترا السعودية" على مسرح "طوكيو أوبرا سيتي" (واس)

وبتعاون احتفى بالثقافتين ومزج موسيقى الحضارتين، اختتم الحفل بأداء مشترك للأوركسترا السعودية مع أكاديمية أوركسترا جامعة طوكيو للموسيقى والفنان الياباني هوتاي، وبقيادة المايسترو هاني فرحات، عبر عدد من الأعمال الموسيقية بتوزيع محمد عشي ورامي باصحيح.

واختتمت هيئة الموسيقى «روائع الأوركسترا السعودية» الجمعة، بحضور الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة الموسيقى، في جولتها الخامسة بعد النجاحات التي حققتها في 4 محطات سابقة، حيث تألقت في كل جولة بدايةً من باريس بقاعة دو شاتليه، وعلى المسرح الوطني بمكسيكو سيتي، وعلى مسرح دار الأوبرا متروبوليتان في مركز لينكون بمدينة نيويورك، وفي لندن بمسرح «سنترال هول وستمنستر».

اروقة مسرح "طوكيو أوبرا سيتي" اكتضت بالحضور منذ وقت مبكر (هيئة الموسيقى)

وتعتزم هيئة الموسيقى في السعودية استمرار تقديم عروض حفلات «روائع الأوركسترا السعودية» في عدة محطات، بهدف تعريف المجتمع العالمي بروائع الموسيقى السعودية، وتعزيزاً للتبادل الثقافي الدولي والتعاون المشترك لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي تتقاطع مع مستهدفات هيئة الموسيقى.