فن الجمال أو جمال الفن؟

فن الجمال أو جمال الفن؟
TT

فن الجمال أو جمال الفن؟

فن الجمال أو جمال الفن؟

في العدد الجديد من «الفلسفة اليوم»، مقال افتتاحي لرئيس التحرير غرانت بارتلي يتساءل فيه عما هو «الفن»؟ مشيرًا إلى أن الغرب اعتبر دوما الجمال والجمال متلائمان. فالجمال فن والفن جمال وذلك حتى مطلع القرن العشرين، حيث تعدد الصنوان، واختلفت النظريات حولهما.
هذا دفعني للتفكير فيما نعتبره فنا وفيما نعتبره جمالا.
ذات مرّة لخص لي مفكّر عربي المسألة على النحو التالي:
«تنظر إلى الشمس عند الغروب فتعتبر أن المشهد جميل، لكنه في الواقع مشهد مؤلف من عوامل طبيعية في وقت محدد من اليوم. مسألة علمية بحتة. الشمس لها شعاع له لون برتقالي يزداد دكانة كلما اقتربت من الغياب والسحب أو أي شيء آخر قبالتها تكتسب هذا اللون».
هذا تفسيره وهو منطقي لدى البعض، لكن المسألة أبعد من هذا بكثير.
كان يمكن لهذا العالم الذي نعيش فيه، لو أراد الخالق تعالى، أن يكون بلا ألوان، وأن يكون بلا انعكاسات، وربما كان منع السحب أن تظهر في ذلك الوقت. كان يمكن لكل شيء جميل في هذا العالم أن يُخلق ويتكون بجمال أقل. الورود بلون واحد أو لونين. الثمار أقل عددًا وتنوْعا. الإنسان بإذنين طويلين أو بعين واحدة والأرض بلا جبال أو وديان.. كل شيء وأي شيء ممكن لدى صانعه. نحن فقط الذين لا نمنح أنفسنا الوقت الكافي، خصوصًا في هذه الأيام، لكي نفكر في هذا العالم الجميل الذي نعيش فيه.
لكن الجمال خُلق عن قصد. شفاء للروح وللعين ومتعة للنفس وشعور بالحمد والامتنان وهو قد يقود إلى تواضع المرء حيال هذا العالم الذي يعيش فيه ويعتبر عناصره ومواده ومكوّناته تحصيلاً حاصلاً. أسألك أنت: كم تمضي من الوقت كل يوم (أو كل أسبوع أو شهر) لتفكر في هذه النعم التي بتنا نعتبرها عادية، مثل الماء والهواء. مثل القلب والأطراف. مثل الطيور في السماء أو الأشجار على الأرض؟ هل تعتقد فعلاً أن وجودها كافٍ لتقديرها أم أن عليك أن تمنح نفسك وإياها حقها من التأمل والتقدير؟
بالعودة إلى المقالة الواردة في «الفلسفة اليوم» فإن بعض أهميتها يكمن فيما تطرحه ويتصل بنا واقعيًا وفكريًا معًا. لقد ابتكر الإنسان الفن، لكنه لم يبتكر الجمال. حين يضع الموسيقار معزوفته وحين ينهي الرسام لوحته وعندما ينهي الممثل دوره برضا نفسي وإنجاز بديع فإنه يبتكر الفن الذي تخصص به. لا يصنع النتيجة فقط، بل يصنعها على النحو الذي يعتقد أنه يتكامل مع منظوره ومفهومه ورؤاه. بالتالي، وحين نجاحه، يصل بإبداعه إلى ما نعتبره، عن صواب فنا.
أما الجمال الناتج عن العمل فهو أمر نسبي. أقصد أن الرسام قد يرسم ما يعتبره جميلاً: عمود من لون أسود يدخل في حنجرة لرجل مقطوع الأطراف. قد يعتبره هذا فنًا وهناك من المثقفين والنقاد سيؤيدونه طالما أن الفنان أنجز ما أراده هو على النحو الذي رغب به (وهذا شرط ضروري)، لكن هل ما رسمه جمال؟
الجمال، في الطبيعة وفي الإنسان (داخل الجسد وخارجه) هي من الأمور التي قد ينجح الفنان في تصويرها وقد يفشل. لكن حتى مع نجاحه لا يستطيع أن يشمل كل عناصرها. تلك اللوحة الشهيرة لفان كوخ في الحقل الأصفر جميلة، لكن هل هي بجمال الوجود فعلاً في ذلك الحقل مع شم رائحة النباتات وتنفس الهواء العليل والنظر إلى المساحات والفضاءات المحيطة؟
أترك الجواب لكم.



إيلي فهد لـ«الشرق الأوسط»: المدن الجميلة يصنعها أهلها

بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
TT

إيلي فهد لـ«الشرق الأوسط»: المدن الجميلة يصنعها أهلها

بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})

لا يمكنك أن تتفرّج على كليب أغنية «حبّك متل بيروت» للفنانة إليسا من دون أن تؤثر بك تفاصيله. فمخرج العمل إيلي فهد وضع روحه فيه كما يذكر لـ«الشرق الأوسط»، ترجم كل عشقه للعاصمة بمشهديات تلامس القلوب. أشعل نار الحنين عند المغتربين عن وطنهم. كما عرّف من يجهلها على القيمة الإنسانية التي تحملها بيروت، فصنع عملاً يتألّف من خلطة حب جياشة لمدينة صغيرة بمساحتها وكبيرة بخصوصيتها.

ويقول في سياق حديثه: «أعتقد أن المدن هي من تصنع أهلها، فتعكس جماليتهم أو العكس. الأمر لا يتعلّق بمشهدية جغرافية أو بحفنة من العمارات والأبنية. المدينة هي مرآة ناسها. وحاولت في الكليب إبراز هذه المعاني الحقيقية».

تلعب إليسا في نهاية الكليب دور الأم لابنتها {بيروت} (حساب فهد إيلي على {إنستغرام})

من اللحظات الأولى للكليب عندما تنزل إليسا من سلالم عمارة قديمة في بيروت يبدأ مشوار المشاهد مع العاصمة. لعلّ تركيز فهد على تفاصيل دقيقة تزيح الرماد من فوق الجمر، فيبدأ الشوق يتحرّك في أعماقك، وما يكمل هذه المشهدية هو أداء إليسا العفوي، تعاملت مع موضوع العمل بتلقائية لافتة، وبدت بالفعل ابنة وفيّة لمدينتها، تسير في أزقتها وتسلّم على سكانها، وتتوقف لبرهة عند كل محطة فيها لتستمتع بمذاق اللحظة.

نقل فهد جملة مشاهد تؤلّف ذكرياته مع بيروت. وعندما تسأله «الشرق الأوسط» كيف استطاع سرد كل هذه التفاصيل في مدة لا تزيد على 5 دقائق، يرد: «حبي لبيروت تفوّق على الوقت القليل الذي كان متاحاً لي لتنفيذ الكليب. وما أن استمعت للأغنية حتى كانت الفكرة قد ولدت عندي. شعرت وكأنه فرصة لا يجب أن تمر مرور الكرام. أفرغت فيه كل ما يخالجني من مشاعر تجاه مدينتي».

من كواليس التصوير وتبدو إليسا ومخرج العمل أثناء مشاهدتهما إحدى اللقطات من الكليب (فهد إيلي)

يروي إيلي فهد قصة عشقه لبيروت منذ انتقاله من القرية إلى المدينة. «كنت في الثامنة من عمري عندما راودني حلم الإخراج. وكانت بيروت هي مصدر إلهامي. أول مرة حطّت قدمي على أرض المدينة أدركت أني ولدت مغرماً بها. عملت نادلاً في أحد المطاعم وأنا في الـ18 من عمري. كنت أراقب تفاصيل المدينة وسكانها من نوافذ المحل. ذكرياتي كثيرة في مدينة كنت أقطع عدداً من شوارعها كي أصل إلى مكان عملي. عرفت كيف يستيقظ أهاليها وكيف يبتسمون ويحزنون ويتعاونون. وهذا الكليب أعتبره تحية مني إلى بيروت انتظرتها طويلاً».

لفت ايلي فهد شخصية إليسا العفوية (حسابه على {إنستغرام})

يصف إيلي فهد إليسا بالمرأة الذكية وصاحبة الإحساس المرهف. وهو ما أدّى إلى نجاح العمل ورواجه بسرعة. «هذا الحب الذي نكنّه سوياً لبيروت كان واضحاً. صحيح أنه التعاون الأول بيني وبينها، ولكن أفكارنا كانت منسجمة. وارتأيت أن أترجم هذا الحبّ بصرياً، ولكن بأسلوب جديد كي أحرز الفرق. موضوع المدينة جرى تناوله بكثرة، فحاولت تجديده على طريقتي».

تبدو إليسا في الكليب لطيفة وقريبة إلى القلب وسعيدة بمدينتها وناسها. ويعلّق فهد: «كان يهمني إبراز صفاتها هذه لأنها حقيقية عندها. فالناس لا تحبها عن عبث، بل لأنها تشعر بصدق أحاسيسها». ويضعنا فهد لاشعورياً في مصاف المدن الصغيرة الدافئة بعيداً عن تلك الكبيرة الباردة. ويوضح: «كلما كبرت المدن خفت وهجها وازدادت برودتها. ومن خلال تفاصيل أدرجتها في الكليب، برزت أهمية مدينتي العابقة بالحب».

لقطة من كليب أغنية "حبّك متل بيروت" الذي وقعه إيلي فهد (حسابه على {إنستغرام})

كتب الأغنية الإعلامي جان نخول ولحّنها مع محمد بشار. وحمّلها بدوره قصة حب لا تشبه غيرها. ويقول فهد: «لقد استمتعت في عملي مع هذا الفريق ولفتتني إليسا بتصرفاتها. فكانت حتى بعد انتهائها من تصوير لقطة ما تكمل حديثها مع صاحب المخبز. وتتسامر مع بائع الأسطوانات الغنائية القديمة المصنوعة من الأسفلت». ويتابع: «كان بإمكاني إضافة تفاصيل أكثر على هذا العمل. فقصص بيروت لا يمكن اختزالها بكليب. لقد خزّنت الكثير منها في عقلي الباطني لاشعورياً. وأدركت ذلك بعد قراءتي لتعليقات الناس حول العمل».

في نهاية الكليب نشاهد إليسا تمثّل دور الأم. فتنادي ابنتها الحاملة اسم بيروت. ويوضح فهد: «الفكرة هذه تعود لإليسا، فلطالما تمنت بأن ترزق بفتاة وتطلق عليها هذا الاسم». ويختم إيلي فهد متحدثاً عن أهمية هذه المحطة الفنية في مشواره: «لا شك أنها فرصة حلوة لوّنت مشواري. وقد جرت في الوقت المناسب مع أنها كانت تراودني من قبل كثيراً».