رئيس الوزراء العراقي يطمئن السنّة ويستعد لـ «مباحثات صعبة» مع الأكراد

رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني (رويترز)
TT

رئيس الوزراء العراقي يطمئن السنّة ويستعد لـ «مباحثات صعبة» مع الأكراد

رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني (رويترز)

في الوقت الذي بدت فيه الخطوة التي أقدم عليها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بإلغاء التصاريح الأمنية في المناطق المحررة من تنظيم «داعش»، وهي المحافظات الغربية ذات الغالبية السنية، مطمئنة للعرب السنة، لكنها بدت بمثابة «كارثة» بالنسبة لإقليم كردستان. فالعرب السنة الذين تتحالف قياداتهم الحالية (تحالف السيادة، وهو التحالف السني الأكبر في البرلمان العراقي) مع الحزبين الكرديين الرئيسيين في إقليم كردستان، لا سيما الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، على المستوى السياسي، غالباً ما وقفت الجغرافيا عائقاً بينهم، كون معظم المحافظات السنية، خصوصاً كركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى، هي حدودية مع محافظات كردستان الثلاث (أربيل ودهوك والسليمانية)، فضلاً عن كون المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل طبقاً للمادة 140 من الدستور هي مناطق تقع في المحافظات ذات الغالبية السنية، خصوصاً كركوك وصلاح الدين ونينوى.
وبينما عانى سكان المحافظات الغربية من العرب السنة ويلات تنظيم «داعش» عندما احتل تلك المحافظات عام 2014، فإنه في الوقت الذي هاجر فيه معظم سكان تلك المحافظات إلى إقليم كردستان، فإن بعض مناطق الإقليم الكردي وبعض دياناته، لا سيما الإيزيدية الذين تعرضوا إلى إبادة شبه جماعية من التنظيم المتطرف، اتهمت أطرافاً سنية من سكان تلك المناطق بمساعدة تنظيم «داعش». وحيث إن السوداني ملزم بتطبيق ورقة الاتفاق السياسي ضمن ائتلاف إدارة الدولة، فإن من بين ما ينبغي تطبيقه المطالب التي تقدم بها السنة والكرد. فالسنة والكرد انضموا إلى تحالف جديد يشكل الشيعة غالبيته العظمى بعد إقصاء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، من المشهد السياسي مقابل تطبيق ما لديهم من مطالب مختلفة تمت الموافقة عليها، دون الدخول في تفاصيلها التي تبدو معقدة، وغالبيتها يتعذر تطبيقها خلال الوقت المحدد لعمر هذه الحكومة، وهو سنة طبقاً لمنهاجها الحكومي، حيث تبنت إجراء انتخابات مبكرة.
الاستغراب الكردي من قرار السوداني الذي يلبي جزءاً مما يطمح إليه السنة لم يتأخر كثيراً. فالنائبة الإيزيدية في البرلمان العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني فيان دخيل، عدت ذلك بمثابة «كارثة كبرى». وقالت دخيل في مؤتمر صحافي عقدته في مبنى البرلمان العراقي، إن التدقيق الأمني «مهم جداً ومتبع في كل دول العالم»، متسائلة عن كيفية إلغائه في دولة مثل العراق التي «عاث الإرهاب فيها بالقتل والخطف». وبقطع النظر عن الموقف الرافض لإقليم كردستان لخطوة السوداني حيال المحافظات الغربية، فإن حكومة إقليم كردستان تستعد لإجراء مباحثات حاسمة مع السوداني تتناول عدة قضايا جوهرية، بدءاً من المناطق المتنازع عليها والموازنة وقانون النفط والغاز وغيرها من الملفات الشائكة.
الباحث العراقي الدكتور فاضل البدراني، أستاذ الإعلام الدولي في الجامعة العراقية، يقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذه الخطوة لاقت ترحيباً إيجابياً لدى الأوساط الشعبية والسياسية السنية، حيث اعتبرت بمثابة رسالة طمأنة من السوداني وبداية تحول إيجابي». وأضاف البدراني، أنه «لحد هذه اللحظة فإن الإجراءات التي يقوم بها السوداني تعد إجراءات إصلاحية، على الرغم من أن عمر حكومته لم يتعد بعد الثلاثة أسابيع»، مبيناً أن «السوداني يعمل على إزالة ترسبات الماضي التي تراكمت في ظل الحكومات السابقة، وهذه أول خطوة نجاح لإعادة النسق الاجتماعي العراقي في صورته الجميلة».
كردياً، فإن حكومة الإقليم تستعد لإرسال وفد إلى بغداد لبحث القضايا العالقة بين المركز والإقليم، وقسم كبير منها يتعلق بفترات سابقة لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من حلها. وفيما تبدو المباحثات التي سوف يجريها وفد الإقليم في بغداد صعبة، نظراً لجهة الملفات العالقة، لكنها تأتي في ظل خلافات كبيرة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين في الإقليم (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني).
القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني محمود خوشناو، أبلغ «الشرق الأوسط» أن «الوفد الحكومي الذي يأتي إلى بغداد الأسبوع المقبل يتكون من وفد وزاري ووفد قانوني، حيث إن الوفد الوزاري يتكون من وزارات التخطيط والمالية والثروات الطبيعية ورئيس ديوان مجلس الوزراء، بينما يتكون الفريق القانوني من عدة خبراء في مجالات مختلفة بهدف مناقشة عدة ملفات». وأضاف خوشناو، أن «الملف الأهم والأعقد الذي سيناقشه الوفد هو ملف الطاقة، حيث إن هذه الأمور وسواها تم التفاهم بشأنها ضمن ائتلاف إدارة الدولة بين الكرد وبين قوى الإطار التنسيقي، بالتالي دخلت المنهاج الوزاري، فضلاً عن المادة 140 والنفط والغاز وقانون مجلس الاتحاد». وأوضح خوشناو، أن «الملفات التي سوف تناقش ستكون صعبة، حيث هناك ملفات شبه عقيمة تحتاج إلى وقت وشجاعة وإرادة من الطرفين، لذلك فإنها تبقى مسؤولية قوى إدارة الدولة، بالذات الإطار التنسيقي والسوداني»، موضحاً أن «الحاجة باتت ماسة إلى حلول جذرية لا ترقيعية».
وبشأن ما إذا كانت الخلافات بين الحزبين سوف تؤثر على المباحثات في بغداد، يقول خوشناو: «نعم سوف تؤثر، لأن الاتحاد الوطني الآن في شبه قطيعة مع الديمقراطي، خصوصاً الخلاف بين نائب رئيس حكومة الإقليم ومجلس الوزراء في الإقليم، رغم وجود محاولات لإنهاء هذه الخلافات لكنها ما زالت كبيرة رغم أن الوفد الوزاري سوف يناقش استحقاقات الإقليم ككل بعيداً عن الخلافات الحزبية».
في السياق نفسه، يرى رئيس المجلس الاستشاري العراقي فرهاد علاء الدين، لـ«الشرق الأوسط»، أن «المباحثات سوف تكون بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، ولذلك سيكون أثر الخلافات الداخلية قليلة عليها». وأضاف أن «بغداد على الأكثر لن تتدخل أو تحاول استغلال هذه الخلافات المؤقتة»، مؤكداً أن «الحزبين الحاكمين في كردستان طالما كانت بينهما خلافات حادة، ويتم تجاوزها فيما بعد لوجود مصالح مشتركة بينهما».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

كردستان يرد على صهر صدام: إيران لم تقصف حلبجة بالكيماوي

معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)
معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)
TT

كردستان يرد على صهر صدام: إيران لم تقصف حلبجة بالكيماوي

معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)
معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)

تفاعلت أوساط عراقية مع المقابلة التي أجرتها «الشرق الأوسط» مع جمال مصطفى، صهر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وسكرتيره الثاني.

وردّاً على قوله إن إيران قصفت مدينة حلبجة (شمال العراق) بالسلاح الكيماوي نهاية الثمانينات، أصدرت حكومة إقليم كردستان بيان تكذيب، شدّدت فيه على أن «ما قاله صهر الديكتاتور العراقي السابق (صدام حسين) ملفق، وعارٍ عن الصحة».

رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني (إعلام حكومي)

وجاء في بيان لمكتب رئيس حكومة كردستان، مسرور بارزاني، أنه «في مقابلة مع صحيفة (الشرق الأوسط) أطلق شخص يُدعى جمال مصطفى التكريتي، صهر الديكتاتور العراقي السابق، ادعاءً يُنكر فيه الهجوم الكيماوي الذي اقترفه النظام البعثي السابق على حلبجة، وتمادى في ادعائه، ناسباً تصريحاً باطلاً لرئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، بأن (طائرتين إيرانيتين قصفتا حلبجة)».

وقال مكتب بارزاني: «إن رئيس حكومة الإقليم لم يسبق أن أدلى بمثل هذا التصريح»، وشدد البيان على أن «مرتكبي الهجوم الكيماوي على حلبجة هو النظام العراقي السابق نفسه، وكل الأدلة تُثبت قطعاً أنه مَن اقترف هذه الجريمة».

وكان جمال مصطفى قد قال في المقابلة التي أجراها مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»، غسان شربل، إن «إيران هي مَن قصفت حلبجة»، والشاهد على ذلك قبل فترة غير بعيدة، مسرور بارزاني، رئيس وزراء كردستان الذي أعلن «أن طائرتين إيرانيتين قصفتا حلبجة قبل دخول الإيرانيين إليها».

وتعرضت حلبجة في 16 مارس (آذار) 1988، إلى القصف بالأسلحة الكيماوية، ما أدى إلى مقتل أكثر من 5 آلاف من مواطنيها، وإصابة ضعف هذا العدد، كثير منهم يعاني حتى اليوم من تأثيرات الغازات السامة، وفقاً لمؤسسات حكومية ومدنية في كردستان.

وفي يناير (كانون الثاني) 2010 حُكم بالإعدام على علي حسن المجيد، الملقب بـ«علي الكيماوي»، ابن عم صدام حسين، ونفذ فيه الحكم لمسؤوليته عن «مجزرة» حلبجة.

جمال مصطفى مع رئيس التحرير غسان شربل خلال المقابلة

وتفاعل مدونون في مواقع التواصل الاجتماعي مع تصريحات صهر صدام عن زعيم حزب «السيادة»، خميس الخنجر.

وقال مصطفى، إن المحققين (خلال فترة احتجازه) حاولوا تلفيق تهمة، مفادها أنه «أعطى قبل الاحتلال، خميس الخنجر، مائتين وخمسين مليون دولار، وقالوا له: إذا لم تعترف بذلك ستبقى في السجن طيلة عمرك».

وأكد صهر صدام، أن هذا «الادعاء لا أساس له من الصحة، رغم أنه كان على علاقة بالخنجر» بحكم «اهتمامه بملف العشائر».

واستعاد مدونون الجدل حول محاكمة أركان النظام السابق، في حين شكك عدد منهم في تصريحات جمال مصطفى حول تلك الحقبة.

وجمال مصطفى التكريتي، ضابط برتبة مقدم في الجيش العراقي، وعُيّن في جهاز حماية صدام، ومسؤول عن ملف شؤون القبائل والعشائر، وهو زوج «حلا»، الابنة الصغرى لصدام حسين.