شاشة الناقد

مورغن فريمان في «أين ستكون في اللحظة التي تستيقظ فيها ميّتاً؟»
مورغن فريمان في «أين ستكون في اللحظة التي تستيقظ فيها ميّتاً؟»
TT

شاشة الناقد

مورغن فريمان في «أين ستكون في اللحظة التي تستيقظ فيها ميّتاً؟»
مورغن فريمان في «أين ستكون في اللحظة التي تستيقظ فيها ميّتاً؟»

ARMAGEDDON TIME
***
إخراج‪:‬ جيمس غراي‬
الولايات المتحدة (سيرة شخصية) - 2022
يصرف المخرج جيمس غراي عناية خاصّة على تفاصيل شخصياته، والكيفية التي تتحرّك فيها ضمن محيطها الخاص والعام. في «المهاجرة»، مثلاً (2013) نتابع لا أداء ماريون كوتيار في دور امرأة التي حطت في نيويورك سنة 1921 باحثة عن شقيقتها ومتعرّضة لمخاطر انسياقها وراء من يريد ابتزازها، بل كذلك تعاملها مع المكان والأجواء. هذا ليس إلا نتيجة قيام المخرج بحياكة ما يلزم من تفاصيل فنية ولوجيستية وديكوراتية، لكي تستطيع الممثلة الشعور بأنها بالفعل تعيش ذلك العام المبكر من القرن الماضي.
«أد أسترا» (بطولة براد بت) مختلف كونه رحلة في الفضاء، لكن ذلك لم يمنع المخرج من إحاطته بما يكفي من حسن كتابة تنشد إبعاد الفيلم عن سياق المغامرة وإدخاله روح البحث عن الآخر (الأب هنا كما الشقيقة هناك).
هذه المرّة في «زمن القيامة»، البحث مختلف. هو عن الذات في عام 1980 عندما كان رونالد ريغان رئيساً للولايات المتحدة. في الواقع العنوان مأخوذ عن عبارة وردت في لقاء تلفزيوني مع ريغان الذي علّق فيه على احتمال تفشي الفجور الأخلاقي بالقول «إذا حدث سادوم وعمورة سيكون زمن القيامة».
السؤال حول لماذا استخدم غراي جزءاً من هذه العبارة ليجعل منها عنوان فيلم من المفترض به أن يكون سيرة حياته (وهو كذلك بالفعل، ولو أنه غيّر من أسماء الشخصيات كما يفعل معظم الساردين لسير حياتهم من المخرجين)، علماً بأن الفيلم ليس عن سادوم؟ والجواب نجده في تلك الأركان من حياة الظل التي تصاحب أحداث الفيلم.
يدور «زمن القيامة» حول صبي يهودي اسمه بول غراف (بانكس ربيتا) يدخل مدرسة عامة في حي كوينز في نيويورك. هذا هو يومه الأول هناك، حيث سيقضي ساعات طويلة من اليوم في المدرسة قبل عودته إلى البيت أو للجلوس مع جدّه (أنطوني هوبكنز) ليتحدّث إليه. معظم الفيلم يقع ما بين هذين الموقعين مع ما يلج المناظر الخارجية من أمارات وعلامات تلك الفترة الزمنية. أحد محاور هذا الحديث هو صداقة بول لصبي أسود اسمه جوني (جايلن وب) وموقف باقي التلامذة منه بناء على مفاهيم عنصرية متوارثة.
السبب في اختيار الثمانينات هو أن غراي، المولود في عام 1969 كان في مثل عمر بطله بول، لكن بعض السبب في الاستعانة بعبارة الرئيس الأسبق هي أنها وردت في وقت كانت أميركا قد بدأت خطوات عودتها إلى ثقافة المحافظين وسياسات اليمين الأميركي.
الثمانينات هي الحقبة التي انجلت عن تراجع الثورات الاجتماعية ضد العنصرية وضد الحرب الفيتنامية والتي انحسرت فيها بعض ملامح الستينات والسبعينات (عصابات راكبي الدراجات وجيل الهيبيز). حتى صناعة الأفلام اختلفت. ذهب بريق أجيال سابقة من السينمائيين، والعقد الذي منح المخرج الكلمة الفاصلة، واستولى رجال الأعمال والمصارف على ناصية الإنتاجات.
هذا كله هو «حياة الظل» التي يعيشها بول- جيمس غراي، حسب ما يرويه. لكن محور الفيلم يبقى أهم ما يشكل وجدان هذا العمل. إنه عبارة عن شواهد رسبت في الذاكرة حول كيف عامل الأساتذة والطلاب ذلك الأفرو - أميركي. هو فيلم عن العنصرية وعن الطبقية الاجتماعية. بول يستطيع دوماً أن يبدو شخصاً أبيض البشرة لكن لا لون آخر لجوني سوى لون بشرته. وفي حين يستطيع بول الرجوع إلى عائلته للشكوى يدرك جوني أن الشكوى (لجدّته التي يعيش معها) لا تنفع لأن كليهما خارج السيستم المهيمن.

THE MINUTE YOU WOKE UP DEAD
*

إخراج‪:‬ مايكل مايلر‬
الولايات المتحدة (بوليسي) - 2022
يقول صوت الشخص الذي يتصل هاتفياً كل قليل: Where will you be the minute you wake up dead‪?‬. (أين ستكون في اللحظة التي تستيقظ فيها ميّتاً؟). المتصل غامض لكن المتلقّي هو المضارب بالبورصة رَس بوتر (كول هاوسر) الذي تسبب في خراب بيوت العديد من الذين استثمروا في أحد مضارباته الفاشلة.‬
يتصل الصوت به أكثر من مرّة، ثم يتوقف عن الاتصال به ويبدأ بالاتصال بجارته ديلاين (جايمي ألكسندر) بعد حين. في كل مرّة يتحدث كما لو كان حرباء تعلّمت النطق. صوت آتٍ من فيلم رعب لاستخدامه كتفعيلة أرادها المخرج مثيرة لإثارة الغرابة وبعض الخوف والكثير من التعجب. لكنه استخدام هذه التفعيلة لا لينجز المطلوب بل يثير الانزعاج ولا يؤدي المراد منه لسبب بسيط: هو أن العبارة لا علاقة لها بمضمون الفيلم أو مع ما يحدث على الشاشة فعلاً. في أفضل الأحوال تبرير فاشل لاستخدام العبارة ذاتها (تقريباً) كعنوان الفيلم.
رَس يشكو الوضع لشريف البلدة ثورموند (مورغن فريمان في واحد من أداءاته الرصينة) لكن هذا لا يستطيع أن يفعل شيئاً كون الرقم غير مسجل على الهاتف. نحن في بلدة صغيرة في ولاية مسيسيبي لم تقع فيها جريمة قتل منذ 30 سنة، كما يقول مساعد الشريف كاين لاحقاً، وقبل أن يُضيف «فجأة تقع فيها ثلاث جرائم». ما إن ينتهي من كلامه حتى يتصل به رجل بوليس آخر ليخبره أنه تم العثور على جثة رابعة.
المشكلة هنا ليست من القاتل فقط، بل في دروب مكشوفة وبلا إثارة تُذكر تنتقل بنا من جريمة إلى أخرى. عاشقا الأمس ينقلبان كل على الآخر. المرأة هي الشريرة الأولى وكل واحد آخر (باستثناء رجل البوليس وربما صاحب المطعم الذي تعمل فيه ديلاين) شرير وقاتل.
أحاول أن أبقي الأحداث غامضة حتى لا أفسد المشاهدة، لكن ذلك سيعني التخلي عن حق النقد. القصّة هي أن رَس أدرك أن ديلاني قتلت أبيها لترثه، مستعينة برجل استأجر لها قاتلان. هو يطالبها بأن تدفع له الأجر لكي يدفعه للقاتلين، لكن هذا الرجل الآتي من باطن الأرض ويعمل طبّاخاً في المطعم ذاته الذي تعمل فيه ديلاني نادلة كان استأجر قاتلين (غير محترفين) وهما الآن لا يودان الانتظار وسرعان ما يخسر أصبعين من قدمه لأنه تخلّف عن الدفع. بعد قليل سيخسر حياته حين تضع له الخمرة في كأس مسموم.
عند هذا الحد، يغيب رَس عن الظهور وتنفرد ديلاني بالشاشة دافعة بالأحداث من جريمة لأخرى، ودائماً بنجاح إلى أن يصبح الصدام أمراً لا مجال لتجنّبه بينها وبين رَس مما يؤدي إلى...
لا يوجد في الفيلم جانب آخر يمكن تناوله هنا. السرد مباشر. المشاهد محشورة لتخدم نصّاً يبقى أقرب إلى كتابة هاوٍ مما هو كتابة محترف والعديد من الجرائم لا ترفع من القيمة التشويقية التي يحاول المخرج مايكل مايلر تحقيقها بطريقته غير الفعّالة.

ضعيف |: وسط|: جيد |: ممتاز |: تحفة


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
TT

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)

معطراً بالنعناع ★★☆

رسائل شفهية في عتمة الأماكن

فيلم محمد حمدي الأول مختلف جداً عن أي فيلم مصري (أو عربي) حٌقّق في تاريخ السينما العربية. الاختلاف بحد ذاته لا يمنح الفيلم درجة التقييم. من الممكن أن يكون مختلفاً وبديعاً أو مختلفاً ورديئاً وهو أقرب إلى التصنيف الثاني. فيلم داكن في الصورة وفي الذوات البشرية التي تسكنه. يجد المخرج لها مبررات مناسبة. هذا لأن أبطاله يتقدمهم دكتور محبط (علاء الدين حمادة)، يعيشون حالات من الكآبة المطلقة تزداد عبثاً مع تناولهم الحشيشة طوال الوقت. أي نحو 90 دقيقة من مدة عرض الفيلم (التي تبلغ 113 دقيقة). وعوض استمتاعهم بهذه «السلطنة» تبقى أدمغتهم واعية وقادرة على الحديث في مسائل وجودية وسياسية (على الخفيف) مع قليل من الشّعر وكثير من الذكريات التي تتشابك بحيث لا تتضح لها زاوية فعلية تنطلق منها أو تعود إليها.

في دقائقه الـ10 الأولى يؤسّس أسلوب عمله من حالات شخصية وتصوير (قام به بنفسه) وإيقاع. هذا الإيقاع خافت باستمرار والمُشاهد عليه أن يفتح أذنيه جيداً ليتمكّن من التقاط الكلمات المتبادلة. هذا لأن الإيقاع الخافت يشمل كذلك الأداء والتلقين وتشخيص الحالات. الدكتور وأصحابه (من ثلاثة لأربعة حسب المشاهد) يركضون في الظلمة مثل جرذان هاربة من مطاردين (لا نعرفهم) ويأوون دوماً إلى خرابات تضمّهم بعتمتها أو إلى شِقق هي بدورها تبدو كخرابات كلّ شيء فيها قديم وباهت. حتى في ساعات النهار فإن النور مبتسر تأكيداً أو ترميزاً للحالة التي يمر بها أشخاص الفيلم.

الصورة، على الرغم من سوداويتها، هي أهم وأفضل من الموضوع المطروح. صحيح أن رجال الفيلم يتعاطون، لجانب الحشيش، مسائل تهمّهم، لكن ليس كل ما يهم شخصية ما في فيلم ما يهم المشاهدين. بالضرورة. لذا تنحصر الحسنات في الصورة. بينما تمرّ المَشاهد بإيقاع خافت ورتيب، مما يحدّ كثيراً من قدرة الفيلم على التواصل مع مشاهديه.

* عروض حالياً في مهرجان مراكش

Maria ★★★

العمق العاطفي لماريا كالاس

«ماريا» هو ثالث فيلم بيوغرافي ينجزه المخرج التشيلي بابلو لاراين (حسب اللفظ الأسباني) بعد (Jackie) «جاكي»، 2016 و(Spencer) «سبنسر»2021. مثل سابقيه هو فيلم عن امرأة ومثلهما هو عن شخصية حقيقية هي مغنية الأوبرا ماريا كالاس (هناك حفنة أفلام عنها أهمها «Maria By Callas» لتوم وولف، 2017) إلى جانب فيلم إيطالي آخر في التحضير بعنوان «Maria‪/‬Callas» لروبرت دورنهلم.

«ماريا» (ذِ أبارتمنت)

معالجة لاراين تختلف كونها متّصلة بالكيفية التي يحاول فيها تقديم رؤيته لشخصياته فهو يسعى دائماً إلى التقاط العمق العاطفي أكثر مما يهتم لسرد السيرة حكائياً. على ذلك، «ماريا» كما يقدّمه هنا يبقى على السطح أكثر من الدخول في عمق شخصيّته. ما يشغله في سرد الأيام الأخيرة من حياة بطلته هو التصاميم الفنية والديكوراتية وتحريك الكاميرا عبرها وهذا جيد لولا إنه يأتي على حساب تحديدٍ أفضل لمن هي ماريا كالاس.

يسرد الفيلم أحداثها الأخيرة وبعض مواقفها الشخصية والفنية لكن الحكاية يمكن لها أن تكون عن أي شخصية لمغنية وإن كانت خيالية. بطبيعة الحال، وكما بات مألوفاً، يعمد المخرج إلى مشاهد استرجاعية (الفلاشباك) بالأبيض والأسود لكن أهم عنصر في هذه الدراما هي محاولة ماريا التغلّب على ذكرياتها مع أرسطو أوناسيس (الذي تركها للزواج من جاكي كينيدي، شخصية فيلم لوراين السابق).

* عروض حالياً في مهرجان البحر الأحمر

TROIS AMIES ★⭐︎

حوارات ومشاهد تُراوح مكانها

لا يبتعد المخرج موريه في فيلمه «ثلاث صديقات» عن التيمة التي اختارها سابقاً لمعظم ما حقّقه من أفلام مثل «تغيير عنوان» (Changement d'adresse) 2007، و«هل نُقبّل» (Shall We Kiss) 2007، و«الأشياء التي نقولها، الأشياء التي نفعلها» (Les Choses qu'on dit, les Choses qu'on fait) 2020. التيمة المذكورة لا تخرج عن نطاق تداول وتناول العلاقات المتأرجحة ما بين الحب والجنس، أو الحب من دون جنس أو العكس.

«ثلاث صديقات» (موبي دَك فيلمز)

القصّة في عنوانها: 3 صديقات جوان (إنديا هير)، ريبيكا (سارا فورستييه) وأليس (كامل كوتان) والعديد من الحكايات السابقة (تشعر جوان إنها مسؤولة عن موت حبيبها السابق إريك لأنها تركته)، وفي الحكايات الحاضرة يتداولن التجارب التي مررن بها مع آخرين. لا الأحداث مهمّة ولا الحوار (يمتد بلا نهاية) يعني كثيراً. كل ذلك يَرِد مثل قراءة صفحة واحدة من مجلة إشاعات ومن دون لمسات فنية تذكر. بدورها كل لقطة تشبه، تأسيساً وإدارة. ما يسبقها وما يليها.

* عروض: حالياً في صالات فرنسية

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز