أجهزة مطورة.. تغير مزاجك خلال دقائق

نظم التحفيز الدماغي لا تزال مثيرة للجدل العلمي والطبي

أجهزة مطورة.. تغير مزاجك خلال دقائق
TT

أجهزة مطورة.. تغير مزاجك خلال دقائق

أجهزة مطورة.. تغير مزاجك خلال دقائق

قطعت خطوت بأنفاس متقطعة إلى المكتب ذي اللون الأرجواني بالطابق الرابع عشر بمبنى «برودينشيال بيلدنغ» بولاية بوسطن حيث طلب مني الجلوس على كرسي إلى جوار طاولة مستديرة صغيرة انتظارًا للتجربة. وقد تم تثبيت وحدة قياس مثلثة الشكل بحجم راحة اليد، فوق حاجبي الأيسر وتم توصليها بطرف سلك كهربائي مثبت على جبهتي ينتهي خلف الرقبة.

تحفيز الدماغ
«ثينك» Thync هو اسم أحدث جهاز كهربائي يعمل على التحفيز الدماغي عبر الجمجمة «تي دي سي إس» tDCS، ويقول مبتكر الجهاز المتوقع طرحه نهاية هذه العام إنه بإمكان الجهاز تغيير مزاج المستخدم خلال دقائق معدودة بواسطة التيار الكهربائي. فعند توصيل الجهاز بتطبيقات الهواتف الذكية يجب على الشخص الخاضع للتجربة أن يختار بين أحد خيارين: «حالة هادئة» أو «حالة نشطة» وهنا قمت بالضغط على «حالة هادئة» ثم انتظرت. وللحقيقة فإنني غالبًا ما كنت أتضايق عندما أتخيل نفسي مسترخية بالبيت بهذا الشكل.
جهاز «ثنك» هو أحدث ما أنتج من الأجهزة التي تعمل على تحفيز الدماغ من دون جراحة. فحتى وقت قصير كنا نرى بعض الهواة المتطوعين يثبتون على رؤوسهم بطاريات 9 فولتات أثناء الخضوع لتجارب التحفيز الدماغي «تي دي سي إس» لتقوية التركيز وتحسين القدرات اللفظية والحسابية والإبداعية. إلا أنه في السنوات الأخيرة شرعت الكثير من الشركات في إنتاج سلع استهلاكية أكثر براعة من بينها جهاز «فوكاس» بسعر 298 دولارا أميركيا لسماعة الأذن وجهاز التحكم، وجهاز التحفيز الدماغي المتطور «برين سيتميلاتر» بسعر 150 دولارا. في يناير (كانون الثاني) الماضي نشرت مجلة «برين ستميلايشن» أكبر تحليل إحصائي حتى الآن عن تقنية التنشيط الدماغي «تي دي سي إس»، وبعد فحص نتائج مكررة لكل مجموعتين بحثيتين على الأقل نتج عنها 59 تحليلا، أفاد التقرير أن مستخدمي تلك التقنية لم يحصلوا على أي فائدة حقيقية ولو لجلسة واحدة.
يهدف مبتكرو جهاز التحفيز الدماغي «ثينك» إلى إعادة تعريف المنتج عن طريق تقديم نسخة مطورة لتقنية التحفيز الدماغي «تي دي سي إس» مؤكدين قدرته على إعطاء النتيجة المطلوبة.
تهدف تقنية «تي دي سي إس» في الأساس إلى الوصول إلى منطقة معينة في المخ عن طريق إرسال تيار كهربائي يمر أولا عبر الجلد ثم الجمجمة ثم الأوعية الدموية ثم السائل النخاعي ثم الأغشية الدماغية، إلا أن بعض الباحثين يرى أن هذه الطريقة تجعل من الصعوبة بمكان تحديد نقطة دخول وخروج التيار الكهربائي إلى المخ. ويعتمد جهاز «ثينك» على تجنب المرور عبر المخ وبدلا من ذلك استخدام تيار كهربائي لتحفيز الأعصاب الخارجية القريبة من سطح الجلد بهدف تعديل درجة استجابة الشخص للضغط العصبي.

«حالة استرخاء»
يقول جيمي تيلور، مسؤول التكنولوجيا بالشركة: «قضينا عاما ونصف العام في محاولات تطوير شكل الموجات والآن نشعر بثقة كبيرة فيما نقدمه من تكنولوجيا». وقام فريقه بإخضاع نحو 3300 شخص للتجارب تم خلال بعضها إخفاء معلومات ونتائج التجارب عن الشخص الخاضع للتجربة فيما يطلق عليه «تجربة فردية التعمية» وفي البعض الآخر تم إخفاء المعلومات عن كل من القائم بالتجربة وكذلك الشخص الخاضع لها «ثنائيه التعمية».
وتشير أشكال الموجات إلى سلسلة من النبضات الكهربائية التي يتغير ترددها ونطاقها مع الوقت. نفس الفكرة تنطبق على جهاز ضابط الصوت «إكوالايزر» حيث يمكن تعديل الوسيط «باراميتر» لينتج التأثير البيولوجي المطلوب.
خلال شرح تجربتي الحية على مدى 20 دقيقه، أشعر بوخز خفيف فوق العين يشبه الرعشة، إلا أنني أتحامل على نفسي محاولة الاسترخاء.
يضيف تيلور أنه بناء على مقاييس إحصائية على مدى تأثير جهاز «ثينك» عندما تصل «الحالة الهادئة» التي اخترناها عند تشغيله إلى ذروتها فإنك تشعر باسترخاء أكبر ثلاث مرات مقارنة بتأثير دواء مهدئ مثل «بيندريلس»، بينما عند تثبيت الجهاز على «حالة نشطة» فستكون النتيجة أقوى من تأثير تناول 20 أونصة (الأونصة نحو 28 مليلترا) من مشروب الطاقة «ريد بول». يقول مبتكرو «ثينك» بأن تلك الحالة المزاجية تستمر نحو 45 دقيقة ما لم يطرأ أي عارض.

شكوك علمية
إلا أن الشك ينتاب بعض الخبراء حيث يؤكدون أن عمليات المراجعة والفحص يجب أن تكون موثقة من قبل خبراء مشرفين، وقابلة لإعادة اختبارها من قبل جهات علمية أخرى.
يقول ريكس جنغ، اختصاصي علم النفس العصبي بجامعة نيو مكسيكو، الذي أجرى بحوثا ممولة من قبل الحكومة على طريقة علاج «تي دي سي إس» إنه «يعتقد أنه من السابق لأوانه أن نطرح الجهاز قبل اختبار هذه التكنولوجيا غير المعروفة كتجربة اجتماعية كبيرة».
نشر مبتكرو «ثينك» دراسة على موقع «بيوريكسف»، وهو موقع مفتوح وغير خاضع للرقابة مخصص للأبحاث غير المنشورة، وقد شملت الدراسة 82 متطوعًا. ركزت الدراسة على قياس قدرة الجهاز على التهدئة، وتوصل الباحثون إلى نتيجة مفادها أن للجهاز «قدرة كبيرة على الوصول بمستخدمه إلى مرحلة الاسترخاء مقارنة بالعلاج بالأدوية الوهمية».
في بداية التجربة، لم يخضع المشاركون لأي عملية تنبيه ثم بدأ التنبيه فعليا مما جعل بعض الخبراء يستفسر عن كيفية سير التجربة. وقال جاريد هورفاز، طالب الدكتوراه بجامعة ملبورن وباحث في التحليل الإحصائي عن ابتكار «تي دى سي إس» إنه «من الصعب تحديد ما إذا كان التغير في حالة الاسترخاء يرجع لعملية التنبيه التي يحدثها الجهاز أو بسبب جلوس المتطوع في حالة راحة لمدة 40 دقيقة». في حين قال تيلور بأن الأشخاص الذين خضعوا لاختبارات جهاز «ثينك» لم يشعروا بأعراض جانبية. وقد حذر بعض الخبراء من النتائج المحتملة التي قد يتعرض لها المستخدمين الجدد للجهاز.
بعد نحو 15 دقيقة أشعر ببعض الثقل في رأسي رغم تلاشي إحساس الوخز، لم أشعر باسترخاء مفاجئ إلا أن نفسي أصبح أعمق.
ورغم نجاح جهاز «ثينك» في مهمته فإن بعض الاختصاصيين النفسيين يخشون تأثير ذلك بالسلب عل قدرة المستخدم على تنمية قدرته الذاتية على التعايش وتغيير مزاجه.
يقول كارل إيريك فيشر، أستاذ مساعد علم الأعصاب والطب النفسي بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة: «إنه من المفيد جدا أن تتعلم كيف تغير من نفسك حيث يستطيع الناس اكتساب مهارة التحكم في النفس ولمدة أطول من تلك التي قد يمنحها لهم الجهاز». يقول مبتكرو ثينك إن بإمكان الجهاز مساعدة المستخدم على «اقتحام الحياة، ففي اختبار عملي، أعطى الجهاز لاثني عشر مستخدما قبل مواعدة صديقاتهم للمرة الأولى حيث أفاد 11 مستخدمًا أنه عند تشغيل الجهاز بخاصية حالة هادئة تحسنت حالتهم المزاجية، بينما أفاد المتطوع الثاني عشر أنه أحس باسترخاء مما حدا برفيقته أن تصفه (بالمستمع الجيد)».
بعد نحو 20 دقيقة أبعدت الأسلاك عن رأسي وتثاءبت ومشيت الهوينى. لا أدري إذا ما كان هذا الإحساس حقيقيًا أم مجرد إيحاء. أنا متأكد من شيء واحد فقط هو أنه قد حان وقت النوم.
* خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».