فرنسا تسعى لمواجهة التحديات في أفريقيا بمقاربات مختلفة

ماكرون سيعلن اليوم نهاية عملية «برخان» العسكرية رسمياً

متظاهرون ضد فرنسا بعاصمة بوركينا فاسو (واغادوغو) في أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
متظاهرون ضد فرنسا بعاصمة بوركينا فاسو (واغادوغو) في أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تسعى لمواجهة التحديات في أفريقيا بمقاربات مختلفة

متظاهرون ضد فرنسا بعاصمة بوركينا فاسو (واغادوغو) في أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
متظاهرون ضد فرنسا بعاصمة بوركينا فاسو (واغادوغو) في أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

انتهت عملية «برخان» العسكرية التي أطلقتها فرنسا في بلدان الساحل في عام 2014، إلا أنه من المرجح جداً أن تولد باسم مختلف في القريب العاجل، إذ إن باريس لم تتخلَّ عن انخراطها العسكري في المنطقة المذكورة ولا في خليج غينيا. ورغم اللطمة التي تلقتها باريس في مالي حيث اضطرت قوة «برخان» للانسحاب منها بضغط من المجلس العسكري وبسبب وصول قوة «فاغنر» المشكَّلة من عناصر ميليشياوية روسية إلى باماكو، فإن فرنسا لن تتخلى عن الدول الحليفة لها وسوف تواصل توفير الدعم العسكري لها في محاربة الإرهاب ولكن وفق أساليب وطرق جديدة مختلفة عمّا كان عليه الوضع سابقاً في مالي. وفي السنوات الماضية، وصل كثير «برخان» إلى ما يزيد على 5 آلاف رجل إضافةً إلى الدعم العسكري واللوجيستي الذي توفره القواعد الفرنسية المنتشرة في عدد من البلدان الأفريقية.
ورغم أن باريس ترفض الاعتراف بذلك، فإن انتهاء عملية «برخان» يعني تراجع النفوذ الفرنسي في بلدان الساحل وفي الدول الأفريقية الأخرى التي كانت مستعمرات فرنسية سابقة. وتعاني فرنسا في القارة الأفريقية من منافسة شرسة متعددة المصادر، إذ إنها روسية وصينية وتركية وإسرائيلية. بيد أن قلقها الأكبر يأتي من تغلغل النفوذ الروسي في القارة السوداء وتعد مالي وكذلك بوركينا فاسو مثالاً حياً على كيفية حلول روسيا محل فرنسا.
وأمس، أفاد قصر الإليزيه بأن الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يزور مدينة تولون الساحلية المتوسطية اليوم، سيغتنم فرصة إلقاء خطاب فيها «للإعلان رسمياً عن انتهاء عملية (برخان) وتكييف كبير لقواعد (فرنسا) في أفريقيا». ويأتي ذلك بعد ثلاثة أشهر من إتمام انسحاب قوة «برخان» من مالي التي عاد جزء منها إلى فرنسا فيما أُعيد انتشار الجزء الآخر المشكّل من نحو ثلاثة آلاف رجل في النيجر وتشاد وبوركينا فاسو. والجزء الأكبر منه في النيجر وتحديداً قريباً من منطقة «الحدود المثلثة» الواقعة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
المهم في بيان الإليزيه إشارته إلى أن ماكرون سيشرح التغييرات التي يريد إحداثها على الانتشار الفرنسي في أفريقيا. وحقيقة الأمر أنه لن يأتي بجديد في هذا المجال لأنه سبق وفصل ذلك خلال زيارته المثلثة إلى أفريقيا نهاية يوليو (تموز) الماضي التي قادته إلى الكاميرون وبنين وغينيا بيساو. وحسب المعلومات التي أوصلتها الرئاسة أمس، فإن التصور الجديد يقوم على «الحد من تعرض القوات العسكرية الفرنسية في أفريقيا وظهورها والتركيز على التعاون والدعم (...) بشكل أساسي من حيث المعدات والتدريب والاستخبارات والشراكة العملانية عندما ترغب الدول في ذلك». وبكلام آخر، تريد باريس أن يتراجع حضورها الظاهر كما كان الحال حتى الآن خصوصاً في مالي، وأن تركز، بدل ذلك، على تقديم الدعم الخفي من غير التخلي عن المساهمة في المعارك التي قد تحصل ضد العناصر الجهادية. وتتخوف فرنسا من «نزول» هذه العناصر من منطقة الساحل إلى البلدان المشاطئة لخليج غينيا وقد ظهر ذلك في الأشهر والأسابيع الأخيرة. ولهذا الغرض، فإن باريس تريد إطلاق محادثات مع الشركاء الأفارقة للاتفاق على الصيغ المطلوبة وللتعرف على حاجيات الدول المعنية. وحسب باريس، فإن فرنسا «ما زالت تؤمّن التغطية والحماية والدعم والتدريب لجنودها في ظروف مرضية» لكن الإعلان الرسمي الخاص بحلّ «برخان»، وفق الإليزيه، «ضروري محلياً».
تكمن مشكلة باريس الكبرى في كون الرأي العام في الكثير من البلدان الأفريقية يعارض الحضور العسكري الفرنسي الذي يرى فيه امتداداً لمرحلة الاستعمار. وترى باريس أن روسيا هي التي تبث بشكل خاص العداوة ضد حضورها عن طريق الوسائل الإعلامية الروسية والمحلية وشبكات التواصل الاجتماعي. وتعد التطورات الحاصلة في بوركينا فاسو، عقب الانقلاب الذي أطاح برئيس البلاد الكولونيل بول هنري سانداوغو داميبا، نموذجاً على تغير المزاج الأفريقي تجاه فرنسا، إذ أكد الانقلابيون الجدد رغبتهم في «التوجه إلى شركاء جدد آخرين على استعداد للمساعدة في مكافحة الإرهاب» في إشارة إلى ميليشيا «فاغنر». ويرى مراقبون في العاصمة الفرنسية أن ما يحصل في بوركينا فاسو يعد نسخة طبق الأصل لما عرفه الفرنسيون في مالي والذي أدى في نهاية المطاف إلى خروجهم من هذا البلد وخروج قوة «تاكوبا» الأوروبية التي سعوا لإطلاقها لتكون رديفاً للقوات المالية في محاربة التنظيمات الجهادية وأهمها اثنان: «داعش» و«القاعدة». كذلك تجدر الإشارة إلى أن باريس تواجه رفضاً في النيجر. وسبق أن منعت قافلة تموين ذاهبة نحو مالي من إكمال طريقها بحجة أن فرنسا تساعد الإرهابيين. وكشف تقرير حديث صادر عن معهد الأبحاث الاستراتيجية التابع للمعهد العسكري التابع لوزارة الدفاع الفرنسية، عن «انتشار في مالي لمحتوى التضليل عبر الإنترنت والذي غالباً ما يهدف إلى تشويه سمعة الوجود الفرنسي وتبرير وجود روسيا». كما أشار إلى انتقال العدوى إلى بوركينا فاسو المجاورة.
لا تستطيع فرنسا التخلي عن وجودها في أفريقيا لأسباب استراتيجية وسياسية واقتصادية وعسكرية. فلباريس مصالح وتشكل أفريقيا المنطقة الرئيسية التي ما زالت فرنسا تتمتع فيها بشيء من النفوذ. لذا، فإن نهاية «برخان» رسمياً لا تعني إطلاقاً نهاية الحضور الفرنسي متعدد الأشكال في أفريقيا. وعند انسحاب «برخان» من مالي، حرصت باريس على تأكيد أنْ لا وجه شبه بينه وبين انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. لكنَّ ذلك لا يكفي من أجل التمكن من المحافظة على مواقع النفوذ التقليدية. من هنا رغبتها في تغيير المقاربة والتعاطي، لعلها بذلك تتغلب على الصعوبات والتحديات التي تواجهها.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


تشاد تنفي استهداف مدنيين خلال عملية ضد «بوكو حرام»

جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
TT

تشاد تنفي استهداف مدنيين خلال عملية ضد «بوكو حرام»

جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

نفت الحكومة التشادية «بشدة» استهداف مدنيين خلال عمليتها ضد جماعة «بوكو حرام» في حوض بحيرة تشاد.

وأكد المتحدث باسم الحكومة التشادية عبد الرحمن غلام الله، في بيان مساء الجمعة، أن «حكومة جمهورية تشاد تنفي بشدة التقارير الأخيرة عن هجمات نفذها الجيش التشادي ضد مدنيين، خصوصاً صيادين في منطقة بحيرة تشاد».

وأضاف أن «العمليات التي تم تنفيذها حتى الآن استهدفت مجموعات جهادية محددة جيداً».

استنفار أمني تشادي (متداولة)

وأكد أن العمليات العسكرية التشادية «منظمة ومنضبطة، وتحرص بشدة على عدم استهداف المدنيين أبداً».

واتهم صيادون محليون وميليشيات مناهضة للمتطرفين الخميس، الجيش التشادي، بقتل «عشرات» من الصيادين عن طريق الخطأ في نيجيريا، أثناء عملية ضد «بوكو حرام» في منطقة بحيرة تشاد يقول الرئيس محمد ديبي إنه يقودها «شخصياً».

وأكد ضابط تشادي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طالباً عدم كشف هويته، أن الضربات «نفذت على جزر تقع على حدود نيجيريا والنيجر».

نفت الحكومة التشادية «بشدة» استهداف مدنيين خلال عمليتها ضد جماعة «بوكو حرام» (متداولة)

وأوضح أنه «كثيراً ما تتخفى جماعة (بوكو حرام) وسط الصيادين والمزارعين في كل مرة ترتكب فيها جرائمها، ولذلك يصعب التمييز بين السكان والإرهابيين».

وقال باباكورا كولو، زعيم ميليشيا مناهضة للمتطرفين في نيجيريا، الخميس، إن «طائرة (مقاتلة) تابعة للجيش التشادي هاجمت صيادين في جزيرة تيلما، ما أسفر عن مقتل كثير منهم».

وتابع: «ظنت الطائرة أن الصيادين إرهابيون من (بوكو حرام) التي هاجمت قاعدة عسكرية في تشاد الأحد».

وتؤكد الحكومة التشادية أن تلك «ادعاءات خاطئة» تهدف إلى «بث البلبلة وزعزعة استقرار الرأي العام».

ونفّذت جماعة «بوكو حرام» ليل الأحد - الاثنين، غارة على قاعدة عسكرية في منطقة بحيرة تشاد، بلغت حصيلتها «نحو 40 قتيلاً»، بحسب السلطات التشادية.

وتقع بحيرة تشاد بين النيجر ونيجيريا والكاميرون وتشاد، وتنتشر فيها جزر صغيرة تؤوي مقاتلين من «بوكو حرام»، وكذلك من تنظيم «داعش» في غرب أفريقيا.

وتأسست جماعة «بوكو حرام» عام 2009 في نيجيريا، وتسببت مذاك في مقتل نحو 40 ألف شخص، ونزوح أكثر من مليونين، قبل أن توسع نشاطها إلى البلدان المجاورة.