من العنوان وقائمة الموضوعات على الطاولة، تبدو قمة «كوب 27» سياسية واجتماعية وبيئية وإنسانية بامتياز، لكن في القلب يبدو الاقتصاد عمود الخيمة الرئيسي، فالاقتصاد كان السبب الأساسي للتغير المناخي، والاقتصاد هو الحل الرئيسي للخروج من الأزمة.
نشأت أزمة المناخ بالأساس نتيجة عوامل اقتصادية، إذ اندفع العالم منذ بداية الثورة الصناعية في بداية القرن العشرين نحو الصناعة بكثافة، دافعاً خلال ذلك بمزيد من العوادم إلى الأجواء، وحاصداً لملايين الأشجار والغابات والمساحات الخضراء، سواء لاستغلالها وقوداً أو خامات صناعية، أو حتى للتوسع في بناء تلك المصانع. ومع دوران عجلة الاقتصاد، ومئات المليارات من المنتجات النافثة لغازات الدفيئة، تهدد وجود البشر ذاته على الكوكب. وفي طريق الخروج من الأزمة، فإن الاقتصاد يبدو سبيلاً رئيسياً، إذ إن التحول إلى الاقتصاد الأخضر الذي يراعي البيئة صار لا بد منه، كما أن «الاقتصاد» في نسف الموارد والمساحات الخضراء، وتنميتها بشكل عاجل، سيوفر رئة جديدة للعالم.
كان اختيار شخصية اقتصادية للقيادة في كثير من قمم كوب السابقة دليلاً على ذلك، وفي الدورة الحالية، اختارت مصر اقتصادياً مرموقاً وهو الدكتور محمود محيي الدين رائداً للمناخ للرئاسة المصرية بمؤتمر «كوب 27». ومحيي الدين يشغل إلى جانب ذلك منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة لأجندة التمويل 2030، وشغل سابقاً منصب النائب الأول لرئيس البنك الدولي لأجندة التنمية لعام 2030، ومنصب وزير الاستثمار في مصر، ومنصب المدير المنتدب للبنك الدولي.
وخلال أكثر من مقابلة إعلامية في الأيام الماضية، أكد محيي الدين الرابط القوي بين قضايا المناخ والاقتصاد، مشدداً على أن «هناك أهمية كبيرة للإنفاق الجيد على العمل المناخي، فهو بالأساس عبارة عن طاقة وبنية تحتية ملازمة لها بما يرتبط بقضايا مهمة، ومدى قدرة البنية الأساسية، خصوصاً تلك المجاورة للبحار والمحيطات لمواجهة التأثيرات».
وكانت الدول المتقدمة قد تعهدت في عام 2009 بتقديم تمويل بقيمة 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020 لحماية المناخ في الدول الفقيرة. ولم يجرِ الوفاء بهذا التعهد إلى حد كبير.
ومع بداية أعمال القمة، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لوضع «خريطة طريق» تحمي العالم من تأثيرات التغيرات المناخية. وقال في كلمة نشرت على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «بكل فخر واعتزاز وتشرف بالمسؤولية، أتطلع لافتتاح فعاليات الدورة الـ27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة بمدينة شرم الشيخ (كوب 27) الإطارية حول تغير المناخ».
وأضاف أن «الدورة الحالية من قمة المناخ تأتي في توقيت حساس للغاية، يتعرض فيها عالمنا لأخطار وجودية وتحديات غير مسبوقة، تؤثر على بقاء كوكبنا ذاته وقدرتنا على المعيشة عليه... ولا شك أن هذه الأخطار وتلك التحديات تستلزم تحركاً سريعاً من كل الدول لوضع خريطة طريق للإنقاذ، تحمي العالم من تأثيرات التغيرات المناخية».
وأشار السيسي إلى «أن مصر تتطلع لخروج المؤتمر من مرحلة الوعود إلى مرحلة التنفيذ بإجراءات ملموسة على الأرض، تبني على ما سبق، لا سيما مخرجات قمة جلاسكو واتفاق باريس».
وفي خطوة إيجابية في اتجاه التحرك إلى الأمام، أدرج المؤتمر مناقشة «المسألة الحساسة» الخاصة بتمويل «الخسائر والأضرار» الناجمة عن تغير المناخ، وفق جدول الأعمال الذي تمّ تبنيه الأحد بالإجماع عند افتتاح المؤتمر.
وأتى ذلك على خلفية نكث الدول الغنية بوعودها برفع مساعداتها إلى مائة مليار دولار سنوياً، بدءاً من عام 2020 للدول الفقيرة، من أجل خفض الانبعاثات والاستعداد لتداعيات التغير المناخي.
وفي كلمة خلال مراسم التسليم والتسلم لرئاسة القمة وافتتاح المؤتمر، أكد وزير الخارجية المصري الرئيس المعين لمؤتمر «كوب 27» سامح شكري، أن مصر لن تدخر جهداً في سبيل المساهمة في إنجاح هذا الحدث المهم. وأوضح شكري: «أصبحنا أكثر إدراكاً للخطر الذي يحيط بنا، وبما يتعين علينا القيام به لدرء هذه المخاطر، ومصر عازمة على مواصلة هذه المسيرة، وأمامنا كثير من الجهد لننتقل بجدية نحو التنفيذ والعمل الجماعي متعدد الأطراف مع أكبر تحدٍ يواجه مجتمعاتنا».
وشدد شكري على ضرورة امتلاك إرادة سياسية للتصدي للتغيرات المناخية، والانتقال من التفاوضات والتعهدات إلى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، قائلاً: «لا يخفى على أحد أن مؤتمرنا ينعقد في خضم توترات سياسية، ترتب عليها أزمات في إمدادات الطاقة والغذاء». وأشار إلى اتساع الفجوات للتكيف مع الآثار الجانبية للتغير المناخي، مضيفاً أن «آثار تغير المناخ تمثل عبرة وصوتاً يدعونا للحرص على التحرك لمواجهته».
وقال وائل أبو المجد، الدبلوماسي المصري المخضرم والممثل الخاص لرئاسة «كوب 27»، للصحافيين يوم الجمعة: «نأمل في أن تكون هذه لحظة فاصلة»، مشيراً إلى أن الأبحاث العلمية تظهر أن العالم يتحرك ببطء في جميع جوانب مكافحة تغير المناخ. وقال إن «الكل يدرك خطورة الوضع وحجم التحدي».
وقبل عدة أيام، حذرت كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، في خطاب مفتوح قبل «كوب 27» من ازدياد الكوارث المناخية في حال الفشل في التصرف سريعاً لمواجهة التغير المناخي، مشيرة إلى أنه «إذا عملنا معاً، وبجدية وسرعة أكبر، فإن مستقبلاً أكثر اخضراراً وصحة ومرونة لا يزال ممكناً».
وأشارت غورغييفا إلى أنه «على الرغم من أن الاقتصادات الأكبر في العالم تسهم أكثر من غيرها في التغير المناخي، ويجب أن تقدم نصيب الأسد من التخفيضات في غازات الاحتباس الحراري العالمية، تدفع الاقتصادات الأصغر أكبر التكاليف ومواجهة أكبر فاتورة للتكيف. وفي الواقع، وبالنسبة لنحو 50 من الاقتصادات منخفضة الدخل والبلدان النامية، فإن تقديرات صندوق النقد الدولي توضح أن تكاليف التكيف السنوية ستتجاوز 1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للسنوات العشر المقبلة».
ومن جانبه، شدد محيي الدين على أن تكون «كوب 27» بمثابة قمة تنفيذية وفاء بالعهود السابقة، قائلاً إن «بعض الدول تتذرع بالقضايا العالمية لعدم تنفيذ التزاماتها في قضايا المناخ». وتابع أن تطبيق التعهدات يحتاج إلى عنصرين؛ التمويل، والتكنولوجيا الخاصة بتنفيذ هذه المشروعات، حيث إن هناك عجزاً في الثقة وفائضاً في الأزمات بقضايا المناخ بين الدول المختلفة.
وعلى المسار ذاته، أعرب مسؤول المناخ بالأمم المتحدة سيمون ستيل، عن أمله في أن تنتقل قمة «كوب 27»، من مرحلة الإعداد إلى مرحلة التنفيذ فيما يتعلق باتفاق الحد من الاحترار العالمي، على الرغم من تباطؤ الدول الكبرى في اعتماد آلية للتعويضات.
«كوب 27»... قمة مناخية بروح اقتصادية
«كوب 27»... قمة مناخية بروح اقتصادية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة