«مع بندق»... ندرة البراعة

«أنيمي» ينتصر للبساطة ضد التفاهة

بندق وهو يقدّم حلقاته
بندق وهو يقدّم حلقاته
TT

«مع بندق»... ندرة البراعة

بندق وهو يقدّم حلقاته
بندق وهو يقدّم حلقاته

لا تنصف «السوشيال ميديا» دائماً مَن يستحق. في أحيان، يتعمد الخواء طمس الفائدة ليشكل أحادية جاذبة تدعي محاكاة المزاج العام وتكرس نفسها بديلاً. منذ أكثر من عام، و«يوتيوب» باسم «باب الشرق» يعرض برنامجاً يتعثر في الوصول إلى الجماهير العريضة. شاب من حلب يقيم في ألمانيا، يُدعى براء إنذار، يكتب ويرسم ويؤدي صوتياً واحداً من البرامج الذكية في بلاهة هذه الأيام: «مع بندق». مقاطع «أنيمي» ذات محتوى يندُر في البراعة وسرعة البديهة.
لا يتعدى الفيديو الربع ساعة، لكن لا وقت يبدده الشاب السوري في قول أي كلام. وهو إن مرر مزحة وزج لحظات طريفة، فتلك لمسته كمكسرات على الحلوى. هذا المحتوى اللماع يصنع الفارق بين ما ينتشر بلا نكهة وما يولد مُحملاً بفرادة الابتكار، علماً بأنه ليست بالضرورة ولادته من الصفر، فقد يُبدع بما يمكن مصادفته هنا وهناك، لكنه بهذه التركيبة جديدٌ من نوعه وعصي على التقليد.
أفكاره من خارج الصندوق المزدحم بالاستهلاك والكسل. قد تلتقيها كل يوم، من دون أن تلتفت إليها لتعيرها اهتماماً. تعبُر من أمامك ولا ترمي التحية، فإذا بها في برنامج «بندق» تتفضل بالتربع على العرش.
خذ مثلاً: «شو أصل الزلغوطة؟»، ولها أسماء أخرى «زغروتة» و«زغلوطة». ينقل تعريفاً من «ويكيبيديا» بعد التساؤل عن ماهية هذا الصوت الغريب الذي نطلقه نحن العرب في الأفراح: «ولولة تصدر بالتحريك الجانبي للسان داخل الفم، على أن يكون متتابعاً». بالرسم والغرافيكس، تعرف القصة كاملة، فتشاهد والضحكة تؤنس المشاهدة.
اعلمْ أن الزلغوطة لا تكون دائماً «لولولوليش» أو «ليليليليش»، فعند الأمازيغ هي «يويويويو»، وفي السودان «ياياياياي»، وتونس «ريريريري». وهي إذ تُرفق في سوريا بـ«هنهونة» أي «آويها»، أو «أوها»، فـ«بندق» يعود بالجذور إلى ما يُحكى عن أصلها الوثني أو الهندي. عند الوثنيين لإنزال الرحمة والمطر وعند الهنود لطرد الطاقة السلبية. وما أكثرها.
الفيديو هو الاثنان معاً: المعلومة والطرح. طريقة التقديم بأهمية المحتوى، كأنهما في منافسة على الجودة. في النهاية، يكسب المُشاهد. دقائق على «يوتيوب» بحجم بحث يطول على «غوغل» وسائر الوسائل. يأتي به «بندق»، مختصراً وقتك ومضيفاً إلى معلوماتك.
ينسحب التعقيد ويحل التبسيط وما يحرك روح الدعابة. نردد أمثالاً لا نعرف أصلها من فصلها، فيختار «بندق» باقة، ويشرح. ماذا يعني المثل القائل «اللي بيعرف بيعرف واللي ما بيعرف بقول كف عدس؟» في لبنان وسوريا، نرشق الأمثال لإنقاذ موقف ودعم آخر، بلا بحث عن الحكاية والمعنى. نحفظ الموروث ونحتفظ به للوقت المناسب، كأن يعود عائدٌ إلى عاداته القديمة، فتهب حليمة ومعها المثل الذي ورد على ذهنك: «عادت حليمة لعادتها القديمة». القصة عند «بندق» لمَن يتحرك فضوله.
تدافع الفيديوهات عن نفسها ضد غزو التفاهة وترفع مكانة البساطة. «لِمَ يُعتبر الرقم 7 مميزاً؟». هل لأنه عدد أيام الأسبوع؟ عدد النوتات الموسيقية التي تبدأ بـ«دو ري مي»، أم لأنه عدد ألوان قوس القزح وعجائب الدنيا وعدد القارات والبحار والسماوات؟ ذلك يمهد لتفسيرات علمية ودينية ونفسية، تُظهر الجهد، فلا يكون الجواب لأنه رقم قميص كريستيانو رونالدو فحسب، بل لعلاقته بالحظ والسحر وما رمَزَ عند الفراعنة للخلود والأبدية، وعند الإغريق للكمال.
اختر من القائمة الطويلة ما تشاء معرفته، فحلقة تلو الأخرى تؤكد ألا شيء مصنوعاً على عجل، ولا استخفاف يطال عقول الناس. الفكرة أحياناً «غشاشة»، تُلمح إلى خفتها، لكن الشاب ابن حلب يُدعمها بما يجعلها ذات ثقل. تعبه على مادته بجمال المادة.
هل خطر لكَ البحث عن السبب خلف «الريآكشن الغريب» عند تناول الحوامض ومشتقاتها؟ جميعنا يشاهد فيديوهات أطفال يتذوقون الحامض للمرة الأولى فتمتلئ وجوههم بما يُضحك الكبار ويجعلهم يوثقون اللحظة. مع ذلك، لم يكن التفسير هَم أحد. حلقة عنوانها «ليش منفعص (نكور) وجهنا لما ناكل حامض؟»، تتضمن عناصر المشاهدة الممتعة. تبدأ بسؤال: «هل طعم الحامض بشع؟»، فجواب مُدعم بصور تُسيل اللعاب: «على العكس. الحامض لذيذ مع الفول في الصباح وحين يُعصر على الملوخية. نحب طعمه»، ليدخل التحليل دهاليز العادات المكتسبة والذوق والنشاط الاجتماعي.
«مع بندق» قريب من الناس، تنشأ معه علاقة ألفة. مَن وراءه شاب يتكلم لغة مفهومة كأنه فرد من عائلة. تدل حلقاته على الاطلاع والمعرفة، فلا يبدو ممن يسمعون درساً ويقرأون نصاً. ما لا يتمكن منه، يتقن تفاديه بالتنصل الكوميدي. له طريقته، وهي ورقته الرابحة. منها يصنع محتواه معتمداً على قراءات ومراجع، لكن أولاً على نَفَسه وحسه.
يُرغم العنوان على تكاثُر الزوار، ليس من باب الإثارة المبتذلة. كأن يقدم حلقة لا تخطر على بال: «لِمَ يعني هز الرأس عامودياً الموافقة، وأفقياً الرفض؟». للجواب، يعود بالتاريخ إلى الوراء وإجماع البشرية على لغة إيماءات جسدية موحدة: مد اليد للسلام، رفع الإبهام للإعجاب، والتصفيق عُرف للمرة الأولى في المسارح الرومانية. البرنامج متعة وثقافة، بينهما ما نشتاق إليه: الضحك.


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

تكريم الفائزين بجائزة «الملك سلمان للغة العربية»

الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)
الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)
TT

تكريم الفائزين بجائزة «الملك سلمان للغة العربية»

الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)
الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)

كرّم مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية الفائزين بجائزته في دورتها الثالثة لعام 2024، ضمن فئتي الأفراد والمؤسسات، في 4 فروع رئيسية، بجوائز بلغت قيمتها 1.6 مليون ريال، ونال كل فائز بكل فرع 200 ألف ريال، وذلك برعاية وزير الثقافة السعودي رئيس مجلس أمناء المجمع الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان.

وتشمل فروع الجائزة تعليم اللُّغة العربيَّة وتعلُّمها، وحوسبة اللُّغة وخدمتها بالتقنيات الحديثة، وأبحاث اللُّغة ودراساتها العلميَّة، ونشر الوعي اللُّغوي وإبداع المبادرات المجتمعيَّة اللُّغويَّة.

ومُنحت جائزة فرع «تعليم اللُّغة العربيَّة وتعلُّمها» لخليل لوه لين من الصين في فئة الأفراد، ولدار جامعة الملك سعود للنَّشر من المملكة العربيَّة السُّعوديَّة في فئة المؤسسات، فيما مُنحت في فرع «حوسبة اللُّغة العربيَّة وخدمتها بالتقنيات الحديثة»، لعبد المحسن الثبيتي من المملكة في فئة الأفراد، وللهيئة السُّعوديَّة للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا» في فئة المؤسسات.

جائزة فرع «تعليم اللُّغة العربيَّة وتعلُّمها» لخليل لوه لين من الصين في فئة الأفراد (واس)

وفي فرع «أبحاث اللُّغة العربيَّة ودراساتها العلمية»، مُنحَت الجائزة لعبد الله الرشيد من المملكة في فئة الأفراد، ولمعهد المخطوطات العربيَّة من مصر في فئة المؤسسات، فيما مُنحت جائزة فرع «نشر الوعي اللُّغوي وإبداع المبادرات المجتمعيَّة اللُّغويَّة» لصالح بلعيد من الجزائر في فئة الأفراد، ولمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة من الإمارات في فئة المؤسسات.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة، وتقدير جهودهم، ولفت الأنظار إلى عِظَم الدور الذي يضطلعون به في حفظ الهُويَّة اللُّغويَّة، وترسيخ الثَّقافة العربيَّة، وتعميق الولاء والانتماء، وتجويد التواصل بين أفراد المجتمع العربي، كما تهدف إلى تكثيف التنافس في المجالات المستهدَفة، وزيادة الاهتمام والعناية بها، وتقدير التخصصات المتصلة بها؛ لضمان مستقبلٍ زاهرٍ للُّغة العربيَّة، وتأكيد صدارتها بين اللغات.

وجاءت النتائج النهائية بعد تقييم لجان التحكيم للمشاركات؛ وفق معايير محددة تضمَّنت مؤشرات دقيقة؛ لقياس مدى الإبداع والابتكار، والتميز في الأداء، وتحقيق الشُّمولية وسعة الانتشار، والفاعليَّة والأثر المتحقق، وقد أُعلنت أسماء الفائزين بعد اكتمال المداولات العلمية، والتقارير التحكيميَّة للجان.

وأكد الأمين العام للمجمع عبد الله الوشمي أن أعمال المجمع تنطلق في 4 مسارات، وهي: البرامج التعليمية، والبرامج الثقافية، والحوسبة اللغوية، والتخطيط والسياسة اللغوية، وتتوافق مع استراتيجية المجمع وداعمةً لانتشار اللغة العربية في العالم.

تمثل الجائزة إحدى المبادرات الأساسية التي أطلقها المجمع لخدمة اللُّغة العربيَّة (واس)

وتُمثِّل الجائزة إحدى المبادرات الأساسية التي أطلقها المجمع؛ لخدمة اللُّغة العربيَّة، وتعزيز حضورها، ضمن سياق العمل التأسيسي المتكامل للمجمع، المنبثق من برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد برامج تحقيق «رؤية المملكة 2030».